85 % من الأسر المغربية تدهورت معيشتها بسبب تضخم “محلي وليس مستوردا” يفوق الأرقام الرسمية

0
390

بعد أن سجل التضخم مستويات قياسية جديدة، حيث قفز من إلى أكثر من 10 في المائة، حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط الصادرة مؤخرا، فقد أصبح أمراً خطيراً، لكنه ليس المفاجأة السيئة الوحيدة التي جاءت بها حكومة رجل الأعمال “عزيز أخنوش” للمغاربة، لأن الأكثر ألما اقتصاديا واجتماعيا هي تصريحات المندوب السامي، أحمد الحليمي، الذي تحدث عن أن التضخم أصبح هيكليا وليس مؤقتا، أي أن المغاربة مجبرون من الآن فصاعدا على التعايش مع الغلاء المزمن لأنه دائم ومستمر ولا حل له في الأفق القريب.

لقد ارتفع معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة إلى 85,3 %، فيما أكدت 10,9 % منها استقراره، و8,3% تحسنه.

وأفادت مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط بشأن نتائج بحث الظرفية لدى الأسر، استقرار رصيد هذا المؤشر في مستوى سلبي بلغ ناقص 81,5 نقطة، مسجلا بذلك تدهورا سواء بالمقارنة مع الفصل السابق أو مع نفس الفصل من السنة السابقة، إذ استقر في ناقص 0,78 نقطة وناقص 66,9 نقطة على التوالي.

أما بخصوص تطور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا المقبلة، فتتوقع %50,7 من الأسر تدهوره و%37,4 استقراره، في حين ترجح %11,9 تحسنه. وهكذا، استقر رصيد هذا المؤشر في مستوى سلبي بلغ ناقص 8,38 نقطة مقابل ناقص 43,0 نقطة خلال الفصل السابق وناقص 21,5 نقطة خلال نفس الفصل من السنة الماضية.

ويبدو أن حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو “يُغري” المغاربة بخطاب “تستاهلو أحسن” خلال انتخابات 2021، ليمهد لنفسه تصدر الاستحقاقات البرلمانية والجهوية والجماعية والمهنية، لم يكن يعي جيدا أنه يسوق وَهمًا سيتحول إلى كابوس في غضون عام ونصف، ذلك أن أخنوش، المزهو دائما بمخطط المغرب الأخضر، والذي لا يقبل حتى النقاش، فما بالك بالنقد، حين يتعلق الأمر بمُخططه المدلل، يسير بالجميع الآن إلى الهاوية لأن سياساته في المجال الفلاحي اعتمدت على الأحلام الوردية وتلك الحسابات الواقعية.

والحقيقة هي أن كلام الحليمي لم يكن إلا تقريعا من أعلى مستوى ومن أهل الاختصاص لرئيس الحكومة، ولمساره الطويل في وزارة الفلاحة ثم القصير في رئاسة الحكومة، لأن الرجل في حواره مع موقع “ميديا 24″، حكم بالفشل الذريع على تجربة مخطط المغرب الأخضر، وهو يدعو إلى إحداث “ثورة” في نظام الإنتاج الفلاحي المغربي، من أجل ضمان تحقيق السيادة الغذائية والاعتماد على التطور التكنولوجي لتحسين حجم الإنتاج ليُوجه إلى السوق المحلية وينقذ المغاربة من الخصاص.

لقد كان كلام الحليمي واضحا: أسباب التضخم داخلية بالأساس، والحكومة عجزت عن التعامل مع الجفاف الذي أصبح هيكليا، وعجزت عن التعاطي بنجاح مع أزمة الأسعار، وعجزت عن ضمان السيادة في المجال الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي للمغاربة، وأخيرا عجزت عن قول الحقيقة للرأي العام وإيجاد الحلول المناسبة، وكل ذلك يقودنا لخلاصات لا غبار عليها، مفادها أن أخنوش الذي كان وزيرا للفلاحة والصيد البحري منذ 2007، راكم الفشل تلو الفشل ونقل العدوى إلى رئاسة الحكومة.

وللإنصاف، فإن مخطط المغرب الأخضر عاد بالنفع على فئة معينة، وهي فئة الفلاحين الكبار، هذه الطبقة القادرة على الدفاع عن امتيازاتها من خلال “لوبيات” تمثلها في الحكومة والبرلمان وداخل العديد من المؤسسات الوطنية، هي نفسها التي أصبحت اليوم جزءا من الأزمة، بعد أن نجحت في نقل أرقام صادرات الخضر المغربية نحو الاتحاد الأوروبي إلى عنان السماء، لتنافس إسبانيا وهولندا، لكنها تركت الأسواق المغربية خالية من السلع الأساسية.

إن الفلاحين الكبار هم أنفسهم القادرون على شراء محاصل الخضر والفواكه وحتى قبل أن تنمو، لتوجيهها إلى الخارج مباشرة بدعوى دعم الصادرات الوطنية، في حين يُترك الفتات للسوق الوطنية، ليمر عبر الوسطاء الذين اعترف الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن السلطات “لا تعرفهم” ولا تستطيع ضبطهم، وليصل هذا الفتات إلى المستهلكين بأسعار تمثل أضعاف قيمته الأصلية، كل ذلك ولا حل لدى الحكومة سوى بعث رجال السلطة إلى الأسواق لدعوة الباعة، أمام كاميرات وسائل الإعلام، لإشهار الأثمنة.

لقد عاش المغاربة أكذوبة كبيرة خلال السنوات الماضية، اسمها مخطط المغرب الأخضر، الذي كان يحظى بحصانة لافتة من أخنوش ومن معه، حتى وهو يستنزف الفرشات المائية بزراعات مثل البطيخ والأفوكادو، في مناطق يحتاج سكانها للماء الشروب أولا، وفي الوقت الذي كان فيه المواطنون يحتجون في زاكورة على أزمة العطش سنة 2018، كان المنتوج المغربي يُوجه إلى الخارج ويُسوق كمُنجز من طرف وزير الفلاحة وقتها، حتى أصبحنا اليوم على مشارف الكارثة.

وإذا كان مخطط المغرب الأخضر لم يساهم في تحقيق الأمن الغذائي، ولم يحافظ على الفرشة المائية، ولم يُجنب المغاربة التضخم في أسعار المواد الغذائية، وإذا كان ثمن الطماطم والبصل قد أضحى أكبر من القدرة الاقتصادية لملايين المغاربة، وإذا كانت المؤسسات الرسمية للدولة تتحدث بشكل صريح أو ضمني عن أنه قاد البلاد إلى الكارثة، فالسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: هل لا يزال من المنطقي أن نعول على “العقل المدبر” للأزمة في أن يأتينا بالحل؟

لعقود، كان المغاربة مقتنعين بأن أخنوش سياسي فاشل، غير قادر على التواصل ولا على الإقناع، وأن حزبه لا يمثل إلا الطبقة المحظوظة من المغاربة، لكن حين أعطاه الناخبون أصواتهم بسخاء في 2021، كانوا يعولون على أخنوش الاقتصادي، رجل الأعمال الذي يمكنه أن يخرجهم من وضع صعب خلفته جائحة كورونا، وتشبثوا بحزبه لأنه كان يبدو مثل خشبة طافية وسط الأمواج المتلاطمة، لكنهم اليوم اكتشفوا أن أخنوش السياسي وأخنوش الاقتصادي معا، مسؤولان عن عذابهم!