رغم ضربة وباء كورونا الموجعة للاقتصاد في مختلف القطاعات في المملكة، لكن تحويلات المغاربة بالخارج صوب بلدهم الأم لم تتراجع، بل زادت بشكل ملحوظ، فعززت مساهمتها في اقتصاد المملكة الشريفة، باعتبارها ثاني مصدر للنقد الأجنبي في البلاد.
الرباط – كشف مكتب الصرف (رسمي تابع لوزارة المالية)، أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بلغت حتى متم شهر نونبر الماضي، أكثر من 86,48 مليار درهم مقابل 61,29 مليار درهم في الفترة ذاتها من السنة الفارطة .
وأوضح المكتب ،في نشرته الخاصة بالمؤشرات الشهرية للتجارة الخارجية لشهر نونبر ، أن هذه التحويلات ارتفعت بنسبة 41,1 في المائة ، أي بما يعادل 25,187 مليار درهم. كما سجلت النشرة ارتفاعا في الميزان التجاري للخدمات بفائض حددت نسبته في 5,9 في المائة منتقلا إلى أكثر من 59,94 مليار درهم.
في تقرير جديد، يتوقع البنك الدولي أن تقفز تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج إلى 90 مليار درهم، بنهاية السنة الجارية.
وتنطلق هذه التوقعات من الأرقام التي تسجلها هذه التحويلات من شهر إلى آخر، منذ نوفمبر 2020 إلى غاية الآن، مسجلة نموا يتراوح ما بين 43 و47 في المائة.
وكان مكتب الصرف (رسمي تابع لوزارة المالية)، قال في تقرير شهر أكتوبر الماضي، أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بلغت قيمتها حتى نهاية أكتوبر، حوالي 79.66 مليار درهم (نحو 7.9 مليار دولار) مقابل 55.59 مليار درهم (نحو 5.5 مليار دولار)، في الفترة ذاتها من السنة الماضية.
كما سجل المكتب، في نشرته الخاصة بالمؤشرات الشهرية للتجارة الخارجية لشهر أكتوبر، أن هذه التحويلات ارتفعت بنسبة 43.3 في المئة أي بما يعادل 24.07 مليار درهم.
وبشكل مفصل ، فقد تحسنت الصادرات بنسبة 9,1 في المائة لتصل إلى 127,5 مليار درهم مع نهاية نونبر 2021، وكذلك الشأن بالنسبة للواردات التي ارتفعت هي الأخرى بنسبة 12 في المائة ( 67,55 مليار درهم ). وفيما يخص الأسفار، المكون الرئيسي لتجارة الخدمات ، فقد سجلت فائضا مستقرا نسبيا بالمقارنة مع ما تم تسجيله في نهاية نونبر 2020 ، وبالنسبة لشهر نونبر 2019 ، الفترة التي سبقت أزمة كوفيد -19 ، فقد سجل هذا الرصيد انخفاضا صافيا بنسبة 58,7 في المائة .
وبلغت المصاريف 9,8 مليار درهم في نهاية نونبر 2021، مقابل 9,58 مليار درهم في السنة الفارطة ، و 19,26 مليار درهم خلال الأشهر الإحدى عشر الأولى من سنة 2019 .
هذه التحويلات صدمت المسؤولين على المؤسسات المالية في المغرب، مما دفع والي بنك المغرب (مدير البنك المركزي) إلى إنجاز دراسة حول الظاهرة.
يقول الباحث في علم الاجتماع، حسن أشرواو “بغض النظر على الحسابات المالية والاقتصادية المعقلنة، فإنه يمكن تفسير هذا الفعل بأنه فعل تقليدي وعاطفيا”.
وأوضح أشرواو في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه على المستوى التقليدي فقد “تكرّست التحويلات تاريخيا، وارتبطت بأسباب هجرة المغاربة العمال في القرن الماضي إلى الدول الأوربية بشكل خاص للعمل من أجل إعالة أسرهم وعائلاتهم القاطنة بالمغرب، فبقي هذا الفعل مستمرا مع الأجيال التي نشأت هناك، فيتكرر تحث تأثير ظروف معينة، ومنها جائحة كورونا”.
أما فيما يتعلق بالمستوى العاطفي، فكون هذا السلوك يرتبط بمؤسسة الأسرة التي تتدخل لتغرس قيمها ومعاييرها في أبنائها وفق مرجعية عاطفية، “لذلك نقلت الأسر المغربية عادة التضامن إلى أبنائها بكل يسر، وجعلت اقتصادها المنزلي مبنيا على هذا الفعل التضامني”، بحسب الباحث.
ويعتقد الباحث في علم الاجتماع أن “هذه التحويلات تسير في الغالب في ثلاثة اتجاهات؛ إما استهلاكية مرتبطة بالحاجيات اليومية للأسر، أو تحويلات استعجالية مرتبطة بحل أزمات معينة، أو تحويلات استثمارية”.
يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة عبد الملك السعدي بطنجة، عبد الرحمن الصديقي، إن الاستثمار من المجالات التي تفسر ارتفاع تحويلات مغاربة الخارج نحو المملكة، خصوصا أننا “نعرف جيدا بأن مغاربة العالم أصبح الكثير منهم يشكلون طبقات وسطى ومستثمرة في بلد الإقامة، وليس كما كان الحال مع الجيل الأول والثاني”.
وتابع الصديقي، في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن العديد من المغتربين المغاربة “أصبحوا يُحولون الأموال للبلد قصد الاستثمار في العقار والإنتاج”.
ويذهب أستاذ الاقتصاد إلى أن الاقتصاد المغربي سيستفيد من هذه التحويلات، سواء كانت من أجل الاستهلاك أو الاستثمار؛ ففي كلتا الحالتين يكون ارتفاع في الطلب العام الذي يعمل بدوره على رفع العرض وتوفير مناصب للشغل”.
ويضيف الباحث “التحويلات التي تكون بالعملة الصعبة ترفع من احتياطات البلد من العملات التي تُؤمّن مشترياتها من الخارج، فنحن نعرف ضغط فاتورة الطاقة والصحة وسلع التجهيز والاستثمار التي يحتاجها المغرب في هذه المرحلة”، يسجل نفس المصدر.
عدد كبير من دول العالم تتيح الفرصة لمواطنيها بالخارج لانتخاب ممثليهم بالبرلمان
ينص الفصل 17 من دستور المملكة على أنه “يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة الكاملة بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية المحلية والجهوية والوطنية ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخابات وحالات التنافي كما يحدد شروط وكيفية الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق الترشيح انطلاقاً من بلدان الإقامة”.
وظل مطلب المشاركة السياسية للمغتربين المغاربة في الانتخابات مطروحاً منذ سنوات، في ظل معيقات متعددة تحول دون ذلك، وترتبط بطريقة التصويت والتقطيع الانتخابي الملائم ونسبة التمثيلية، وحساسية الانتماء السياسي للأحزاب بالنسبة للمغتربين.
ويطرح تنظيم الانتخابات في بلدان إقامة المهاجرين إشكالا عمليا في ظل وجودهم في أزيد من 100 بلد، فيما يغيب التمثيل الدبلوماسي للمغرب في بعض البلدان التي يتواجد بها المهاجرون في أفريقيا وأميركا الجنوبية. كما أن إشراك المغتربين المغاربة في الحياة السياسية يصطدم بتحدي الحسم في طريقة التصويت وتقسيم الدوائر الانتخابية ومصير الطعون الانتخابية مستقبلاً، وكذا منع بعض الدول الأوروبية لازدواجية الجنسية مثل إسبانيا.
ويسمح المغرب بالتصويت بالوكالة للناخبين المقيمين في الخارج، أي عن طريق تفويض شخص في المغرب للتصويت باسمهم، عملاً بأحكام المادة 72 من القانون التنظيمي رقم 11.27 المتعلق بمجلس النواب، الذي يجيز للمواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج والمقيدين في اللوائح الانتخابية العامة بإحدى جماعات أو مقاطعات المملكة أن يصوتوا في الاقتراع المذكور عن طريق شخص يفوضونه التصويت نيابة عنهم.