ستبقى رغم فتنتكم.. حدود قلوب الشعبين مفتوحة

0
244

بقلم محمد أعزوز

 لا ينكر عاقل الروابط التي تجمع المغاربة بالإخوة الجزائريين، منها التاريخية و روابط القرابة و الدم و آصرة العقيدة التي تضل الأقوى و الأمتن. و أبرز ما ميز العلاقات التاريخية المغربية الجزائرية هو التعاون و التآز و التضامن، ففي فترة الإستعمار الفرنسي، لم يبخل المغاربة ملكا و شعبا، في الوقوف إلى جانب أشقائهم الجزائريين و في دعم ثورتهم و إمدادها ماديا و معنويا و سياسيا و عسكريا و إعلاميا و ديبلوماسيا، منذ عهد السلطان عبد الرحمان إلى عهد محمد الخامس طيب الله ثراه الذي اعتبر استقلال المغرب غير كامل و لا يكتمل إلا باستقلال الجزائر

 و ها هو سليل الدوحة النبوية الطاهرة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الثانية و العشرين لتربعه على عرش أسلافه الميامين،  يخصص  جزءاََ كبيراََ للجزائر، و يوجه دعوة صادقة دعا من خلالها الجزائر إلى تجاوز الخلاف و إعادة فتح الحدود بين البلدين، و العمل معا و دون شروط من أجل إقامة و تطوير علاقات ثنائية مبنية على الثقة و الحوار و حسن الجوار.

وكما كان متوقعاََ، لم يلقى الخطاب الملكي تجاوبا إيجابيا من طرف النظام الجزائري، و رأينا كيف تفاعل الإعلام الجزائري سلباََ، من خلال بعض الأقلام المأجورة و المسيرة، و التي دفعت لعدم الإستجابة للخطاب الملكي و إبقاء الحدود مغلقة. و أخذت بعض منابره الإعلامية تعطي تأويلات مغلوطة كعادتها لفحوى الخطاب الملكي، قصد تضليل الرأي العام الجزائري، مع العلم بأن الخطاب الملكي شهد اهتماما داخل الجزائر و استحسانا من بعض النخب في الوسط السياسي و الإعلامي و الثقافي. و تبين بوضوح أن حكام الجزائر هم الذين لم يستوعبوا أو لم يريدوا أن يستوعبوا أبعاد الخطاب الملكي، و جعلوا أصابعهم في آذانهم و استغشوا ثيابهم كعادتهم.

وليعلم من يحاول التدليس و ليّ عنق الحقيقة، أن الملك محمد السادس نصره الله قد تحدَّث بلغة أخوية واضحة و بثقة متناهية و بقوة و من وضع مريح و من موقف المنتصر، حيث يصعب حصر الإنجازات في عهد الملك محمد السادس نصره الله، و يضيق المجال هنا لذكرها، فهناك محطات كثيرة ميزت إثنين و عشرين سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس نصره الله، و تركت بصماتها واضحة على كافة مناحي الحياة في المملكة المغربية التي تغير وجهها بوضوح نتيجة للرؤية المتبصرة لجلالته، والتي انعكست في خطط شاملة للتطوير اجتماعيا و ثقافيا و سياسيا و اقتصاديا، أسفرت عن منجزات ملموسة. و غلّب جلالته منطق الحكمة و المصالح العليا بين البلدين، و لغة الخطاب كانت جد عميقة و غاية في الإيحاء السياسي.

وجاء الخطاب الملكي بعد تصريحات سفير المغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال الذي رد على استفزازات وزير الخارجية الجزائري أمام اجتماع حركة عدم الإنحياز، بعد أن بلغ السيل الزبى.. لذلك فقد جاء الخطاب مطمئنا لحكام الجزائر، يقدم فيه جلالته ضمانات للجزائريين، بالرغم من تآمر النظام الجزائري على الوحدة الترابية للمغرب لحوالي نصف قرن من الزمن.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يمد الملك محمد السادس نصره الله يده لحكام الجزائر، فما فتئ جلالته أن جدد نهج اليد الممدودة في أفق تحقيق طموحات الشعوب المغاربية، لحلحلة وضع العلاقات الراكد و لفتح الحدود المغلقة منذ 1994، و التي ينفي جلالته مسوليته و مسؤولية الرئيس الجزائري الحالي و السابق عنها.

 جاء الخطاب الملكي أيضا ليحرج النظام الجزائري بعد أن وضع الكرة في ملعبه، و ليكشف نواياه خصوصا بعد ردة فعله بعد الخطاب، و إصراره على مواصلة نفس النهج العدائي ضد المغرب. حيث أضحى من الضروري و اللازم وجود عدو خارجي لتصريف المشاكل و الأزمات الداخلية، و يتبين هذا جليا من خلال الإستمرار في مهاجمة المغرب. و أصبح بالتالي النظام الجزائري هو من يتحمل المسؤولية الأخلاقية أمام المنتظم الدولي.

وكشف الخطاب الملكي أن النظام الجزائري لا يهتم بمصالح الشعب الجزائري و يريد فقط السيطرة و الإستمرار في خدمة مصالحه و الحفاظ على امتيازاته، لأن أي تصالح أو تفاهم او تعاون و فتح للحدود مع المغرب، لن يكون في صالح جنرالات الجزائر، بل في صالح الإتحاد المغاربي الذي ينتظر الإفراج عنه، و في صالح الشعب الجزائري الشقيق الذي سئم من الوعود الكاذبة، و الذي ضاق ذرعا بسبب الفشل و الفساد و تحكم الجنرالات الذين يمسكون بزمام الأمور، و الذي رفع شعاراته في الحراك، من قبيليتنحاو قاعومدنية ماشي عسكرية”. بالإضافة إلى أن فتح الحدود مع المغرب لا يروق للنظام الجزائري لأنه سيكشف للشعب الجزائري حقيقة طالما حاول هذا النظام حجبها.

وبعد الخطاب الملكي الأخير أبان المغرب استعداده لمد يد العون للجزائر للسيطرة على الحرائق، التي تجتاح منطقة القبايل، و لكن دون تفاعل جزائري. و فضل النظام الجزائري طلب مساعدة الدول الأوروبية، و فضل إحراق البلاد على قبول المسعادة المغربية. و ذلك لأن قبول المسعادات المغربية يعني الإعتراف بتفوق المغرب، و تلكم عقدة النظام الجزائري التي يصعب عليهم التخلص منها، بل و يرون في نجاحات المغرب تهديدا وجوديا لهم.

وكما لا يخفى على أحد، فالمغرب قطع أشواطا كبيرة على مختلف الأصعد، و أصبح يُضرب له ألف حساب إقليميا و دوليا، و أصبح عازم على اللحاق بالخط الأمامي للعالم و مزاحمة دول أوروبا في كل المجالات. و تطور المغرب و النجاحات التي حققها لا تروق للنظام الجزائري، ذو العقلية القديمة و السطحية و العقيمة و المتحجرة و الرافضة للسلم و الإستقرار، و الذي ينفق 20 مليار دولار سنويا في صفقات التسلح فقط من أجل العنتريات الفارغة و الشطحات الدونكشوطية، بينما تعاني الجزائر من العجز و الفشل رغم الإمكانيات المالية التي تتوفر عليها من عائدات النفط و الغاز. و تمر الجزائر بظروف اقتصادية صعبة، لا تخفى تداعياتها الاجتماعية، فرغم كل ثرواته يعجز النظام الجزائري عن إيجاد حلول لمشاكل مزمنة ناتجة عن اختلالات هيكلية واسعة في جلّ القطاعات الاقتصادية للجزائر، و لكي يتعافى الإقتصاد الجزائري من التشوُّهات الهيكلية التي دمَّرت أغلب القطاعات يحتاج  لعقدين من الزمن بحسب توقعات الخبراء.

 فماذا سيستفيد المغرب من نظام فاشل يعاني من أعطاب اقتصادية كثيرة؟

وهذا باختصار سبب امتناع النظام الجزائري على الإستجابة لمبادرة اليد الممدودة و الجنوح إلى الصلح و تغليب منطق الحكمة و الدفع بالتي هي أحسن، التي ينتهجها الملك محمد السادس نصره الله. و نجد النظام الجزائري يصر على البقاء أسير نظرية المؤامرة، و يستمر عبر آلته الإعلامية في ترديد الشعارات البائدة التي أصبحت متجاوزة و انتهت صلاحيتها، و في نهج عقيدة العداء الراسخة و الكراهية ضد المغرب، بتصوير المغرب على أنه دولة متخلفة و منبع الشر و العدو الكلاسيكي، ليضمن بقاءه و لتبرير أولوية السباق نحو التسلح، ليستنزف ثروات الشعب الجزائري الشقيق و يلقي به إلى الهاوية.

 

تعازينا للشعب الجزائري.