العدالة والتنمية يواجه أكبر تحدٍّ منذ انتخابات 2011 منافس شرس له إمكانيات ضخمة وقوانين انتخابية جديدة بـ”القاسم الانتخابي”

0
241

يتوجه أكثر من 17 مليون مواطن ،الأربعاء (8 سبتمبر 2021) إلى مكاتب الاقتراع للتصويت الخاص بثلاث اقتراعات في العملية ذاتها، وهي انتخابات المجالس الجماعية (البلدية والقروية)، وانتخابات المجالس الجهوية، وانتخاب مجلس النواب. ولأول مرة سيجري العمل بقوانين انتخابية جديدة، أهمها إلغاء العتبة و”القاسم الانتخابي”.  يراهن حزب العدالة والتنمية الإسلامي على تصدرها للاستمرار في رئاسة الحكومة التي يقودها منذ عشرة أعوام، ولو أنه لا يتولى الوزارات الأساسية فيها.

يدخل حزب “العدالة والتنمية” امتحاناً هو الأصعب منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة في المغرب بعد انتخابات 2011. فبين منافس شرس له إمكانيات ضخمة وقوانين انتخابية جديدةما يسمى بـ”القاسم الانتخابي” في حساب الأصوات، يجد الحزب “الإسلامي” نفسه أمام مفترق طرق مفصلي.

فبعد سنوات عدة في المعارضة، وصل الحزب الإسلامي إلى رئاسة حكومة ائتلافية في أعقاب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011  التي جاءت في سياق “الربيع العربي” وطالبت آنذاك “بإسقاط الفساد والاستبداد”. 

ويدخل حزب العدالة والتنمية المعركة الانتخابية، وفي رصيده عشر سنوات من التدبير الحكومي، ليست كلها مشرفة، لا سيما في ولايته الحكومية الثانية بقيادة سعد الدين العثماني. فقد بدا وكأنه منفذ لأوامر وتعليمات الدولة العميقة، وحتى ولو على حساب مرجعية وهوية ومصداقية الحزب (قانون فرنسة التعليم أو التطبيع أو تقنين الكيف…). علاوة على استغراق الحزب في التدبير، مركزياً ومحلياً، على حساب التنظيم، ما فاقم المشاكل التي عجلت باستقالة المئات من المناضلين، وحل فروع الحزب في بعض المواقع.

ووفق بيانات لوزارة الداخلية المغربية بلغ عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية 17 مليونا و983 ألفا و490، من أصل نحو 36 مليون نسمة. 46 % منهم من الإناث. وهو نفس الرقم الذي يمثل نسبة ساكنة المناطق القروية. 

تؤكد وسائل الإعلام الرسمي، أن “انتخابات الثامن من سبتمبر 2021 ستشكل محطة جديدة على طريق ترسيخ الممارسة الديمقراطية” في المغرب. وأن “التدابير اللازمة قد صدرت لضمان نزاهة ومصداقية الانتخابات” من أجل “كسب الرهان”. 

وهي المرة الأولى في تاريخ المملكة التي سيجري فيها انتخاب أعضاء مجلس النواب (395) وأعضاء مجالس المحافظات والجهات (أكثر من 31 ألفا) في يوم واحد، ما يتوقع أن يؤثر إيجابا على نسبة المشاركة. 

كما أنها المرة الأولى التي سيتم فيها احتساب النتائج قياسا على مجموع المسجلين في القوائم الانتخابية، سواء شاركوا في الاقتراع أم لا. بينما ظل هذا الحساب يستند فقط على عدد المقترعين منذ أول انتخابات أجريت في المغرب عام 1960.

ويتوقع أن يؤدي هذا النمط الجديد إلى تراجع عدد مقاعد الأحزاب الكبرى في مجلس النواب، لكن حزب العدالة والتنمية كان الوحيد الذي عارضه باعتباره “تراجعا ديموقراطيا غير مسبوق” و”استهدافا لحظوظه الانتخابية”. 

ويرتقب أن يفقد الحزب بسببه، وفق تقديرات مختلفة، ما بين 30 و40 مقعدا حتى في حال حصوله على عدد الأصوات التي حصدها قبل خمسة أعوام ومنحته 125 مقعدا، ما من شأنه أن يعقد مهمته في تشكيل حكومة إذا تصدّر النتائج.

“استعمال المال”

ويبقى أمل حزب العدالة والتنمية ضعيفا في تكرار الفوز بولاية ثالثة، بعد عقدين من رئاسته للحكومة، اعتبارا لإجراء ما يسمى بـ”القاسم الانتخابي” في حساب الأصوات، ونظرا لتقليص عدد مرشحيه إلى نصف ما كان عليه في انتخابات 2016، وسكوته عن تغول سلطوية الدولة باستهداف “مصداقية الإسلاميين”.  

وأظهرت الحملة الانتخابية التي غابت عنها التجمعات الكبرى بسبب جائحة كوفيد-19، مواجهة ثلاثية بين الإسلاميين وحزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة المعاصرة المحسوبين على الليبراليين، ميّزتها على الخصوص اتهامات بـ”استعمال المال لشراء أصوات الناخبين ولاستقطاب مرشحين”.

ودان حزب العدالة والتنمية في مناسبات عدة طيلة الحملة التي تستغرق أسبوعين “استعمالا مكثفا للمال” متسائلا عن مصدره، لكن دون تسمية أي طرف. وقال القيادي فيه عبد العزيز أفتاتي السبت “هذه الأموال الرهيبة التي توزع يراد منها السطو على إرادة الشعب”.

في حين وجه الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي الاتهام مباشرة لحزب التجمع الوطني للأحرار بالمسؤولية عن “إغراق” الساحة بالمال، وردّ عليه التجمع مدينا “ضرب مصداقية الانتخابات”.  

وسبق لحزب التجمع الذي يطمح لتصدّر النتائج بدوره، أن لعب دورا رئيسيا في تشكيل الحكومة المنتهية ولايتها قبل خمسة أعوام عقب أزمة سياسية أضعفت الإسلاميين. 

فقد فرض رئيسه رجل الأعمال الثري عزيز أخنوش الذي يوصف بـ”المقرب من القصر”، آنذاك شروطا رفضها رئيس الحكومة المكلّف وأمين عام حزب العدالة والتنمية السابق عبد الإله ابن كيران لأشهر، قبل أن يعفي الملك محمد السادس الأخير ويعين محله الرجل الثاني في الحزب سعد الدين العثماني الذي قبل شروط أخنوش.

يسوّق حزب التجمع الوطني للأحرار نفسه بديلاً، يمكن الرهان عليه، لإصلاح “أخطاء” الحكومة الحالية، التي يشارك فيها، ويا للمفارقة، بحقائب وزارية وازنة (المالية، الفلاحة، الصناعة، التجارة…). وينسى مناضلون أن الجزء الأكبر من مشاكل المغرب، منذ سنوات وليس فقط اليوم، هو زواج المال بالسياسة، وحزب الأحرار المثال الصارخ لهذه الظاهرة، لدرجة يوصف بحزب “رجال الأعمال”. وتبقى حملة المقاطعة التي طالت شركة لتوزيع المحروقات يملكها زعيم الحزب عزيز أخنوش أبهى صور رفض المغاربة لاقتران السياسية بالاقتصاد.

أما حزب الأصالة والمعاصرة الذي ينافس هو الآخر على صدارة الانتخابات، فكان لسنوات الخصم الرئيسي للإسلاميين منذ أن أسسه مستشار الملك محمد السادس فؤاد عالي الهمة العام 2008، قبل أن يغادره في 2011. لكنه فشل في هزمهم العام 2016. وشهدت علاقات الحزبين تحسنا في الفترة الأخيرة.

يحاول حزب الأصالة والمعاصرة أن يهرب من شبح المعارضة الذي يلاحقه، منذ لحظة التأسيس سنة 2008، وتفك هذه المحطة الانتخابية عقدته مع التدبير. لا سيما بعد إسناد قيادة الحزب إلى عبد اللطيف وهبي، رجل بتاريخ نضالي وحقوقي، استطاع القيام بثورة تنظيمية داخله. لكن لعنة الولادة ستبقى ملازمة لحزب الجرار، عقب “المصالحة” مع حزب العدالة والتنمية، المشروع المضاد الذي تأسس الحزب لوقف هيمنته.

لاحظنا هذه المرة ظاهرة مقلقة في كثرة عدد المرشحين الذين غيروا أحزابهم الأصلية والتحقوا بأحزاب أخرى، أو مرشحين أقدموا على تغيير دوائر ترشيحهم السابقة. في عملية أشبه بـ”هروب” من المواجهة. وهو ما حصل مع رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني (65 سنة) الذي أثار تغييره لدائرته للمرة الثالثة على التوالي موجة انتقادات عالية، فمن أنزكان بأغادير (2012) إلى المحمدية بالدار البيضاء الكبرى (2016) إلى دائرة المحيط بالعاصمة الرباط (2021). بخلاف الاشتراكي د.عبد الواحد الراضي (86 سنة) الذي دأب على الالتزام بالترشح بالدائرة نفسها، فأصبح موضع سخرية فيسبوكية لاذعة، اقترحت “اعتماده من لدن منظمة اليونسكو بتصنيفه تراثا برلمانيا عالميا”، بسبب عدد المرات والسنوات الطويلة التي ترشح وصعد فيها إلى البرلمان ممثلا عن دائرة سيدي سليمان (جهة الرباط سلا القنيطرة)، فمنذ أول برلمان في تاريخ المغرب المستقل (1963) ظل عبد الواحد الراضي حاضرا، باستثناء برلمان 1970 الذي قاطعه حزبه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وسبق للراضي أن كان وزيرا وترأس مجلس النواب. 

كما زادت نسبة من بدلوا انتماءهم الحزبي، فيما يعرف بـ”الترحال  السياسي”، منهم من انعطف يسارا بعد أن كان بحزب يميني. كما تحول محسوبون على اليسار إلى أحزاب اليمين. ما رسخ عدم الثقة الشعبية، وجعل الكثيرين يرددون القول السائر “أولاد عبد الواحد كلهم واحد”، ووصفوا “المتحولين” بكونهم أشخاصا لا يخجلون و”بلا وجه”. 

حزب الاستقلال من جانبه، يضمد الجراح التي خلفها الانسحاب المفاجئ من حكومة عبد الإله بنكيران سنة 2013، وما أعقب ذلك من بقاء في المعارضة طيلة 8 سنوات، لحزب أساس قوته ماكينة انتخابية من الأعيان وشبكة علاقات متجذرة، راكمها بفضل تاريخه العريق. وعمل على تصفية مخلفات المعركة التنظيمية، التي استمرت عدة أشهر، ضد الأمين العام السابق حميد شباط، وانتهت بالتحاقه بمعية أنصاره بحزب جبهة القوى الديمقراطية.

وفي غياب استطلاعات للرأي حول توجهات الناخبين في المغرب، تشير تقديرات وسائل إعلام محلية أيضا إلى حظوظ حزب الاستقلال (معارضة برلمانية) في المنافسة. لكن المنافسة الانتخابية عموما تجري في غياب استقطاب واضح حول الخيارات السياسية والبرامج. 

ومهما كانت النتائج، من المنتظر أن تتبنى جل الأحزاب السياسية ميثاقا من أجل “نموذج تنموي جديد”، يدشن “مرحلة جديدة من المشاريع والإصلاحات”، وفق ما أكد الملك محمد السادس في خطاب مؤخرا.

ويحدد هذا النموذج الذي أعدته لجنة عينها الملك، خطوات لتسريع النمو الاقتصادي وتقليص الفوارق الاجتماعية في أفق العام 2035. 

ويرى محللون أن هذا البرنامج الجاهز يقلّل من الرهانات السياسية للانتخابات البرلمانية.

ويمنح الدستور الذي أقرته المملكة عام 2011 البرلمان والحكومة صلاحيات واسعة في تشريع وتنفيذ السياسات العمومية، لكن التوجهات والمشاريع الكبرى في القطاعات الأساسية مثل الزراعة والطاقة والصناعة وتدبير المياه، ظلت تصدر عن مبادرات ملكية دون أن تتغير بالضرورة بتغيّر الحكومات.

كذلك برزت المبادرات الملكية في الإعلان عن مشاريع كبرى للتصدي لجائحة كوفيد-19 وتداعياتها، بينها خطة للإنعاش الاقتصادي أعلنت صيف 2020 بما يقارب 12 مليار دولار، ومشروع غير مسبوق لتعميم التغطية الطبية والاجتماعية في أفق العام 2025.

ويراهن نحو 30 حزبا على إقناع نحو 18 مليون مغربي مسجلين في القوائم الانتخابية بالمشاركة في الاقتراع. ولم تتجاوز نسبة المشاركة 43 في المائة قبل خمسة أعوام. ويشارك في مراقبة الانتخابات مراقبون مغاربة وأجانب.

أياً يكن الحزب الفائز في استحقاق 8 سبتمبر/أيلول، يبقى المؤكد أن الخريطة الانتخابية المقبلة تعد بفسيفساء حزبية في البرلمان، فالتوقعات تفيد بدخول نحو 20 حزباً إلى البرلمان، بموجب القواعد الانتخابية الجديدة. ما يعزز من بلقنة المشهد الحزبي، في وقت أحوج ما يكون فيه المغرب إلى أقطاب سياسية ببرامج وأهداف. ويبشر بحكومة ملغومة من شأنها أن تنفجر عند أول خلاف بين الخليط غير المتجانس من الأحزاب المكونة لها. ويبقى حلم “الانتقال الديمقراطي” المشروع المؤجل حتى إشعار آخر.