دفع حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب ثمناً باهظاً “لتليين” خطه السياسي: ومني حزب العدالة والتنمية الإسلامي بهزيمة قاسية في الانتخابات الأخيرة التي جرت في المغرب، يرجعها مراقبون إلى “تليين خطه السياسي” منذ إعفاء الملك زعيمه السابق عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة قبل خمسة أعوام وإلى الانقسامات الداخلية. حيث اكتفى بـ13 مقعدا مقابل 125 سابقا. الحزب وصف النتائج بأنها غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ولا موقع الحزب في المشهد السياسي في المغرب.
في هذا الصدد ، قال مصطفى البراهمة الكاتب الوطني لحزب “النهج الديمقراطي” ، إن المواطنين عاقبوا حزب “العدالة والتنمية” بالانتخابات الأخيرة، التي استعمل فيها المال بقوة، وتدخل السلطة والبلطجة، وشاباتها كل الخروقات الممكنة.
جاء ذلك في في تصريح على موقع “يوتوب”، بأن مناضلي الحزب الذين دعوا لمقاطعة الانتخابات تعرضوا للقمع والتضييق، حيث جرى اعتقال البعض منهم والتحقيق معهم، وحجز لافتاتهم.
وأشار أن الحملة الانتخابية كانت مطبوعة بأجواء غير لائقة، صاحبت أيضا عملية فرز الأصوات ومن بينها رفض تسليم المحاضر لمراقبي الأحزاب.
وأكد البراهمة أن نسبة المشاركة التي تم الإعلان عنها في الانتخابات غير حقيقية، مشيرا أنها لا تتجاوز 30 في المائة.
وأضاف أنه كما كان متوقعا بوأت الانتخابات الكتلة الطبقية السائدة ورموزها الصدارة، ومن ضمنهم أحد أثرياء المغرب المعروف بالاحتكار، والذين قاوم المغاربة إحدى شركاته في 2018.
ولفتت إلى أنه كان منتظرا أيضا تراجع حزب “العدالة والتنمية” في هذه الانتخابات لما قام به من أدوار دنيئة خلال ترأسه للحكومة، لكن لم يكن منتظرا “التكرديعة” التي تعرض لها بحصوله على 13 مقعدا فقط، علما أنه كان سيخرج خالي الوفاض لولا القاسم الانتخابي.
وأكد البراهمة أن الشعب المغربي عاقب “العدالة والتنمية” على الدور الذي قام به بتمرير أكثر القرارات سلبية، وضرب الحقوق والحريات باعتقال نشطاء الريف والصحفيين والمعتقلين، إضافة إلى الأوضاع المعيشية التي زادت مأساوية.
وتابع ” كل هذه الممارسات جعلت المغاربة ينبذون البيجيدي ويعتبرون أنه أضر وغدر بهم ولم يطبق وعوده الانتخابية، واليوم من حقهم أن يرفضوه”.
وأشار البراهمة أن قوس الانتخابات انتهى وعلى القوى الديمقراطية العمل على بناء جبهة معارضة حقيقية لمواجهة سياسة “المخزن” وإعادة تحريك الجبهة الاجتماعية، والجبهة المناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وفقد إسلاميو المغرب الصدارة لصالح حزب التجمع الوطني للأحرار، المصنف ليبراليا، رغم أن الأخير شاركه الحكومة المنتهية ولايتها وسيّر فيها وزارات أساسية مثل الزراعة التي يتولاها رئيسه عزيز أخنوش منذ 2007 وهو يوصف بالمقرب من القصر.
وخلافا لما حدث مع الإسلاميين في مصر وتونس بعد الربيع العربي، يعد العدالة والتنمية أول حزب إسلامي يغادر السلطة من خلال صناديق الاقتراع.
وربط أستاذ العلوم السياسية إسماعيل حمودي هذه الهزيمة المدوية و”المفاجئة” بـ”تليين الحزب خطه السياسي منذ إبعاد زعيمه السابق عبد الإله بنكيران” عن رئاسة الحكومة في العام 2017.
بدوره لا يستبعد المؤرخ الفرنسي المتخصص في الشؤون المغربية بيار فيرمورين أن يكون “فقدان الحزب زعيمه الكاريزمي بنكيران، وقبوله باتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل” عوامل أساسية في اندحاره.
ظلّ الحزب الإسلامي المعتدل يحقق نتائج تصاعدية منذ مشاركته في أول انتخابات برلمانية العام 1997، إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة من دون السيطرة على الوزارات الأساسية. وذلك في أعقاب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011 التي طالبت “بإسقاط الفساد والاستبداد”.
بعد خمسة أعوام استطاع الحفاظ على موقعه وفاز بانتخابات 2016 بفارق مهمّ عن أقرب منافسيه، بقيادة أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران.
واشتهر الأخير بحضوره الإعلامي البارز وانتقاده المتواصل “التحكّم”، في إشارة منه إلى الدولة العميقة.
ويرى حمودي أن “الناخبين احتضنوا الحزب حينها رغم استعمال المال وتدخل السلطة بالنظر للمقاومة التي كان يبديها بنكيران، بينما تخلوا عنه اليوم وعاقبوه”.
رغم فوزه بانتخابات 2016 لم يستطع بنكيران تشكيل حكومة ثانية مصرا على رفض شروط وضعها رئيس حزب التجمع عزيز أخنوش في أزمة سياسية استمرت أشهراً، قبل أن يعفيه الملك ويعين بدله الرجل الثاني في الحزب سعد الدين العثماني.
وقَبِلَ الأخير مباشرة بعد تعيينه كافة شروط أخنوش، ما أظهر الحزب في صورة ضعيفة.
ورأى المحلل السياسي مصطفى السحيمي أن قبول العثماني تلك الشروط “كان من باب التوافق لكنه اعتبر خضوعا من طرفه ما أضعفه منذ البداية”.
وأضاف “اليوم أغلق قوس الإسلاميين، نحن أمام مرحلة جديدة بأحزاب لا تعارض أسس الحكم ولديها قرب من القصر”.
التصويت العقابي ضد العدالة والتنمية
اعتبر محللون أن تراجع حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات المحلية والتشريعية التي جرت الأسبواع الماضي بالمغرب، وتصدرها حزب التجمع الوطني للأحرار، كان متوقعا ولكن ليس بهذه الصورة.
وقال محمد بودن المحلل السياسي والأكاديمي ورئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية لرويترز “فوز حزب التجمع الوطني للأحرار كان متوقعا أن يكون ضمن الأحزاب الثلاثة الأولى،
لكن المفاجئ هو أن حزب العدالة والتنمية ليس من الأربعة الأوائل، بل وتقهقر إلى المرتبة الثامنة”.
لا ينتطح فيه عنزان، أن حزب “العدالة والتنمية” مسؤول سياسياً عن كوارث لحقت بالبلاد على الأقل منذ الحراك العشريني الذي رفض الانخراط فيه بل وناصبه العداء ثم قام باستغلال الفجوة السياسية التي خلقها للتسلل لدار المخزن بعد السطو على شعارات 20 فبراير، وما رافق ذلك من تزكيته للدستور الممنوح وتطوعه للعب دور المشرعن لكل القرارات الفوقية، حيث خالفَ بعض مبادئه، في نظر الكثيرين، من أجل تمريرها وتوفير الغطاء لها للحفاظ على مناصبه، غير أن التفكير في معاقبته وطيّ صفحته ليس حلاً إلا إن تم القطع مع الممارسات التي اقترفها من الأصل، فلا معنى لاستبدال الوجوه والإبقاء على ذات النهج إلا التفريغ النفسي الآني والشماتة ببعض الدمى التي يتم إبعادها من المشهد الحكومي ثم الإتيان بوجوه أخرى لم تستنزف بعد والتي تعيد سيرة أسلافها في تنزيل المخططات المخزنية بشكل أكثر حماسة وشراسة ممن سبقها بما يجدد دماء السلطة الحقيقية ويعفيها من أية محاسبة ويسهم في فك الطوق عنها في كل مرة.
ويرى الصحافي ، أناس السبطي، أن المتحكم في كل السياسات والتوجهات الكبرى للبلاد هي السلطة المخزنية التي بيدها مفاتيح التأزيم والانفراج، أما الحكومات فدورها يقتصر على تصريف بعض أعمالها، ومن العبث مقارنة أداء حكومة بأخرى فهي ليست إلا خادمة للأعتاب ولا تملك من أمرها شيئاً، بدليل أن الأحزاب وبعض “الشخصيات التكنوقراطية” التي تتباهى بتجاربها الحكومية السابقة والتي تقطر الشمع على الحكومتين السابقتين هي متورطة كذلك في تزكية هذا المسار الانبطاحي، سواء في تحالفها مع الحزب الأغلبي وتحمل مسؤولية بعض الحقائب الوزارية أو من موقع معارضتها البرلمانية.
ويعتبر أن جل القرارات السوداء التي طبعت هذه المرحلة مدعومة من تلك الفعاليات (قمع حراكي الريف وجرادة، مأساة الفنيدق، ضرب مجانية التعليم، التعاقد، التقاعد، قانون الإضراب، التضييق على الصحافة، التطبيع…) فضلاً عن أن الحكومتين لم تنطلقا من الصفر، فكثير من التجاوزات المحسوبة عليهما هي تنزيل لمشاريع سبق تبنيها فيما مضى في زمن الحكومات السالفة، والجديد هو تسريع وتيرة فرضها على أرض الواقع، وهذا أمر أكبر من جميع الكائنات الانتخابية فهو يتم بفرمانات سلطوية لا قبل لهم برفضها.
ذاكرة المغاربة ليست قصيرة كي يتم الاستخفاف بهم عبر تجريب المجرَّب وإعادة تدوير ذات البضاعة الحزبية الكاسدة ومحاولة تلميعها ببهارات وسائط التواصل الاجتماعي التي لن تفلح في إخفاء قبح عرضها البائس، تلك النخب التي ساهمت طيلة عقود في تمييع الممارسة السياسية في البلاد وفي التمكين للتغول المخزني؛ فكيف نصدق تملصها من مسؤولياتها كأنها لم تكن يوماً شريكة فيما آلت إليه أوضاع المغاربة؟ ومن هو هذا الحزب القادر منها على تحدي السلطوية وعلى سحب الإجراءات التعسفية السيادية التي تمت في عهد حكومتي العثماني وبنكيران؟
تاريخ المغاربة مع التصويت العقابي قديم وهو غير مشجع، فهناك دائماً كتلة ناخبة تصدق أن التغيير ممكن عبر الورقة السحرية المسماة صندوق الاقتراع، والتي تحسب أن معاقبتها لأحزاب الحكومة وإحلال المعارضة البرلمانية مكانها ستحقق لها طموحاتها، وفي كل مرة تحصد الخيبات وتصدم بواقعها الذي يزداد مرارة، وأكثر ما يثير حنقها تعرضها للخديعة من شخصيات هي من صنعتها ودفعتها للواجهة والتي اغتنت على ظهرها وعلى سذاجتها، غير أن البعض منها لا يستخلص الدروس من تجاربه، وهو ماضٍ في الكذب على نفسه وفي إنعاش السوق الانتخابي وفي استخدام نفس الوسيلة المفلسة، وهو ما يجعله أسير دوامة لا يستطيع الخروج منها.
وحصل حزب التجمع الوطني للأحرار على 102 مقعدا، من أصل 395 مقعدا، تلاه حزب الأصالة والمعاصرة (86 مقعدا)، ثم الاستقلال (82 مقعدا)، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (35 مقعدا)، وحزب الحركة الشعبية (26 مقعدا)، والتقدم والاشتراكية (21 مقعدا)
والاتحاد الدستوري (18 مقعدا)، والعدالة والتنمية (13 مقعدا)، بينما حصلت باقي الأحزاب الأخرى على 12 مقعدا. تصويت عقابي: وقال بودن “في تصوري أن النتائج حملت فعلا تصويتا عقابيا كبيرا ضد العدالة والتنمية”.
وأضاف أنه يعتقد أن حزب العدالة والتنمية “انهزم لأنه لم يرتكز على إنجازات كبيرة ليقنع بها الهيئة الناخبة”.
وأشار بودن إلى أن الحزب “المتصدر يكون دائما مستهدفا، فالعدالة والتنمية لم يفهم أن تصدره نتائج الانتخابات طيلة عشر سنوات، سيجعله مستهدفا من قبل الأحزاب المتنافسة الأخرى”.