سلطة العاصمة تثير غضب مواقع التواصل بقرار “هدم سور تاريخي بالرباط”

0
261

أثار غضب نشطاء مغاربة عبر الفيسبوك، صورة لجزء مهم من “السور الموحدي” الكائن بالعاصمة الرباط، والذي جرى تشييده من قبل الخليفة “أبو يوسف يعقوب” بداية القرن 12، أي قبل 800 سنة وأظهرت الصورة أن السور قيد الانهيار ، خاصة بعد استثناءه  من عملية “الترميم”، والتي مست جوانب كاملة من السور التاريخي، الصورة  خلفت غضب شعبي ومطالب بضرورة الاهتمام أكثر بالصور التاريخي.

إن الـبـنـاءَ إذا تـعــاظَـمَ شـأنــهُ.. أضحى يدلُ على عظيمِ الشانِ

               هِـمـمُ الملوكِ إذا أرادوا ذِكـرها.. مـن بـعـدهـم فبـألـسُنِ البنيـان

أو ما ترى الهرمينِ قد بقيا وكمْ.. مـلــكٌ مـحـاهُ حـوادث الأزمان

بهذه الأبيات المنسوبة إلى الخليفة الأموي بالأندلس عبد الرحمن الناصر لدين الله (277 – 350هـ/ 891 – 961م)، اختار نشطاء ومهتمون بالتاريخ الإسلامي المغربي، بعد أن صنفتها اليونسكو تراثا عالميا للإنسانية عام 2012، التعبير عن حالة الغضب التي سيطرت على مواقع التواصل الاجتماعي بالعاصمة الرباط إثر تداول نشطاء لصور قالوا إنها لهدم مقابر إسلامية تاريخية في القاهرة. 

لكن قضية السور التاريخي تحولت الى قضية شعبية بين الرباطيين، بعد تداول خبر  يفيد بوجود نية “لهدم” هذا الجزء من السور خلال قادم الأيام، لفسح المجال لفتح مدخل جديد لمحطة القطار الرباط المدينة والتي يتم تجديدها حاليا.

واعتبرت فعاليات شعبية وثقافية ،قرار الهدم غير مقبول ومستغرب، اذ لا يمكن الاستغناء عن جزء من تاريخ المغرب بهذه السهولة، ودعوا   إلى ضرورة البحث عن حلول بديلة، عوض الإقدام على الخطوة التي بلا شك ستعقبها ردود أفعال غاضبة.

ذكر رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومثقفين وفعاليات مجتمعية،  سلطات الرباط  بالملاحظات السلبية التي تضمنها تقرير “منظمة اليونسكو”، والتي تعتبر الرباط واسوارها من قبيل الأثر الإنساني والذي يجب الحفاظ عليه، وخصصت ميزانية سنوية لصيانتها، شأن اغلب المدن العتيقة.

وأشارت الفعاليات الى أن  هذا القرار  لا ينسجم والتوجه العالمي   الساعي لصون الذاكرة  والموروث التاريخي والثقافي.

وفي السياق، استنكر هشام الأحرش، باحث في التاريخ ومهتم بالثقافة المغربية، في تدوينة نشرها عبر صفحته على موقع فيسبوك، هدم السور التاريخي، مشيرا إلى أن تاريخه يعود إلى أواخر القرن الـ12.

من جانبه، قال النائب السابق لعمدة الرباط، لحسن العمراني “إذا صحت الأخبار المتداولة بخصوص العزم على هدم جزء من السور الموحدي، بشارع ابن تومرت بالرباط: بين ممر الترامواي زنقة زحلة، في إطار إنهاء أشغال تهيئة محطة القطار المدينة، إذا صح الخبر، فستكون مأساة تراثية حقيقية. عدم ترميم هذا الجزء المقابل للأشغال الجديدة لمحطة القطار، يقوي هذه الفرضية”.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” قبل نحو سنتين أن ، وجهت رسالة إلى المغرب أعربت فيها عن “قلقها” من الأثر المحتمل للمشاريع التي تشهدها العاصمة المغربية، على صورتها باعتبارها مصنفة “تراثا إنسانيا”. 

ومن بين المشاريع التي قالت المصادر ذاتها إن الرسالة تطرقت إليها حينها مشروع تمديد محطة الرباط المدينة، حيث ذكرت أنها تحدثت عن أثره المحتمل على أسوار المدينة. 

 السور المتحدث أبرز معالم عاصمة المغرب

تثير الرباط إعجاب روادها، لما تزخر به من تاريخ تشهد عليه الأسوار التي ما زالت منتصبة، هذا الإعجاب فطن له الأولون فقال عنها ابن الأثير: “بنى يعقوب المنصور مدينة محاذية لسلا من أحسن البلاد وأنزهها”، من الصعب جرد كل ما تزخر به المدينة في هذا المقام، لكن أسوارها بلون الطين لا يمكن القفز عليها، سنقف بجوار الأسوار ونتجه نحو ملتقى البحر والنهر عابرين المدينة القديمة بصخبها إلى “قصبة الأوداية” وأزقتها.

السور الموحدي: وهو من أهم مآثر المدينة، شيده يعقوب المنصور الموحدي ويبلغ طوله 2263 مترا وعرضه 2,5 متر وعلوه عشر أمتار، مدعم بـ 74 برجا وتتخلله خمسة أبواب كبيرة على شكل أقواس (باب لعلو، باب الحد، باب الرواح، باب زعير). بني من التراب وخليط الجير، وهو جهاز دفاعي بني طبقا للنموذج المغربي-الأندلسي، تشكيلة هذه الأبواب الموحدية تعتبر من روائع العمارة وهي تركيبة متجانسة من التأثيرات الشرقية والأندلسية.

السور الأندلسي: وهو يفصل المدينة القديمة عن المدينة الجديدة التي صممت خلال الاستعمار الفرنسي، اختفت أبوابه وما زال قائما، شيد على عهد السعديين من طرف المورسكيين، ويقع قرب باب الحد جنوبا ويمتد شرقا إلى برج سيدي مخلوف، ويمتد على طول 2400 متر وقد تم هدم جزء منه بما فيه باب التبن الذي يعد الباب الثالث لهذا السور من باب البويبة وباب شالة، مدعم بأبراج يصل عددها إلى 36 برجا.

خلف هذا السور مدينة أخرى داخل المدينة تسمى “المدينة القديمة” التي سجلت في سنة 2012 ضمن قائمة التراث العالمي التي أقرتها منظمة اليونيسكو. و”المدينة القديمة” هي تسمية تنسحب على كل المراكز القديمة في بعض المدن المغربية. وفي “المدينة القديمة” في الرباط يمتزج الحديث بالقديم خلف السور، أشكالا وألوانا وأسماء، فالمدينة تزخر بأسماء أزقة (زنقات)، وأكثرها صخبا هي “زنقة السويقة” وكما تدل على ذلك صور قديمة إحداها تعود لسنة 1919 فقد كانت حيا تجاريا نشيطا وهو الحال حاليا، محلات تجارية عديدة تعطي لمسة حديثة للمكان، لكن القدم يطوق المكان بعبق أصيل ينبعث من حلي تقليدية معروضة في محلات اصطفت إلى جانب بعضها، تجاورها زرابي منقوشة رباطية وأخرى آتية من مدن أخرى تعرض ألوانها بمحلات المدينة القديمة. رائحة المنتوجات الجلدية تأخذك إلى “سوق السباط” الذي يوجد بطرفه الجامع الكبير، جامع تؤرخه صور تعود لسنة 1916. رائحة المنتوجات الجلدية والزرابي تتراجع أمام نسيم الوادي والمحيط الأطلسي في مخرج السوق المطل على مأثرة أخرى بطعم آخر.