التامك: الحبس الاحتياطي يعيق إصلاح السجون والرقي بأوضاع السجناء بالمملكة

0
238

يثير الحبس الاحتياطي أو الاعتقال الاحتياطي في المغرب جدلاً في الأوساط الحقوقية مع الارتفاع الكبير في أعداد المعتقلين على ذمة قضايا مختلفة.

كشف المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج بالمغرب، محمد صالح التامك، عن عدة صعوبات “تعيق النهوض بقطاع السجون والرقي بأوضاع السجناء بالمملكة”. 

وأكد التامك، إن السياسة الجنائية الحالية وما ينجم عنها من انعكاسات سلبية مباشرة، منها بالأساس إشكالية الاكتظاظ في السجون، ونمط تطبيق مسطرة الاعتقال الاحتياطي والمقتضيات القانونية الخاصة بالعقوبات ذات المدد القصيرة، إضافة إلى عدم إعمال عقوبات بديلة، كلها عوامل تعيق إصلاح السجون.

وبحسب محمد صالح التامك المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الادماج في كلمة بالسجن “المحلي بسلا 2″، أن المندوبية سبق وأن أعدت ورقة حول “الشأن السجني وسجون الغد”، أحاطت من خلالها اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي بالمعطيات الخاصة بالمؤسسات السجنية وبواقعها، والتحديات المرتبطة بمجال تدبيرها اليومي، كما بسطت تصورها لمستقبل السجون وفق رؤية تستحضر الإمكانيات المادية والبشرية الضرورية والكافية لتدبير هذا القطاع، في ارتباط بمتطلبات المقاربة الحقوقية، وسلطت الضوء  على أهم الإكراهات التي تعيق جهود إصلاح نظام السجون.

ولاحظ التامك ارتفاع المعتقلين احتياطياً منذ بداية 2020 حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول من نفس السنة نحو 45 بالمئة من مجموع السجناء البالغ عددهم نحو 84 ألف سجين، وهي أعلى نسبة تسجَّل منذ سنة 2011، حسبما أعلن المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج خلال تقديمه ميزانية المندوبية لعام 2021 في مجلس النواب، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان المغرب يفرط في تطبيق الاعتقال الاحتياطي، وإن كان هذا الاستثناء الذي يخوّله القانون تحول إلى قاعدة؟

يعرّف القانون المغربي الاعتقال الاحتياطي بأنه الفترة التي يقضيها المشتبه به في السجن على ذمة التحقيق بسبب جناية أو جنحة أو خلال فترة محاكمته قبل صدور حكم في قضيته، ويعتبره القانون تدبيراً استثنائياً لا يُلجأ إليه إلا بشروط خاصة.

وأشار أن المندوبية سبق وأن دعت إلى توفير موارد مالية إضافية لتمويل مشاريع قطاع السجون؛ وتعزيز الموارد البشرية من حيث العدد والكفاءة وتحسين وضعيتهم المادية، وبناء سجون منتجة تساهم في إنتاج الثروة وتنفيذ الاستراتيجية التنموية الوطنية وتنفتح على محيطها الاقتصادي وتجلب بذلك المستثمرين إليها، و اعتماد حكامة سجنية تستند إلى توسيع صلاحيات قطاع إدارة السجون على مستوى التسيير بما يكفل لديه الاستقلالية في اتخاذ القرارات.

وأبرز التامك أنه من شأن هذه التوجهات فتح أوراش تأهيلية إدماجية بالسجون ببعد إنتاجي، وأن تجعل من السجناء مواطنين منتجين لا مستهلكين فقط، كما ستتيح حفظ كرامة السجناء من خلال إعطائهم فرصة حقيقية كمؤثرين في مسار تنمية بلدهم ومحيطهم، ومحو الصورة المترسخة من كونهم مجرد مواطنين مستهلكين وعبئا على المجتمع، وكذا تمكين المؤسسات السجنية من اعتمادات مالية إضافية مترتبة عن الشراكة مع القطاع الخاص، وتخفف العبء على ميزانية الدولة.

ولفت التامك إلى إن “تحقيق الطموحات التنموية المنشودة لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال إشراك كل فئات المجتمع المغربي، بما فيها فئة نزلاء المؤسسات السجنية، بالنظر إلى كونهم مواطنين يتمتعون بكامل حقوقهم بغض النظر عن الأحكام القضائية الصادرة في حقهم”. 

ورغم أن إيداع شخص ما السجن احتياطياً إجراء سليم من الناحية القانونية، بكون قاضي التحقيق يستند دائماً إلى النصوص التشريعية في اتخاذ هذا القرار، فإن الناشط الحقوقي محمد الزهاري يعتبره “غير طبيعي”، لكون القضاة لديهم السلطة التقديرية لاتخاذ قرارات أخرى بنفس حقوقي. 

ويذهب الزهاري في تصريح سابق إلى أن الاعتقال يسلب الفرد حريته مدة من الزمن قبل الحكم بإدانته، ويحرمه تمتُّعه بقرينة البراءة كأهمّ الحقوق الأساسية التي يتعين أن يتمتع بها الإنسان، وهي شرط لازم لضمان المحاكمة العادلة.

وبدوره يرى خليل الإدريسي، المحامي والباحث الأكاديمي، أن النيابة العامة والقضاء الجالس ينزعان إلى الاعتقال الاحتياطي في غالب القضايا أكثر من متابعة المتهمين في حالة سراح.

ويشير في حديث سابق إلى أن قرارات الاعتقال الاحتياطي لا تكون في الغالب معللة أو تبرَّر بجملة متداولة وعامة هي “خطورة الفعل وانعدام الضمانات”. هذا التعليل يُستعمل، حسب المحامي، في بعض الأحيان بشكل يتناقض مع الواقع، إذ رغم توفر المتهم على عمل وعنوان قارّ وأسرة، لا تُعتبر هذه ضمانات ويُرفض طلب السراح المؤقت. 

وكان تقرير برلماني نُشر في يوليو/تموز الماضي حول وضعية السجون شمل ثلاث مؤسسات سجنية، لفت إلى أن الاكتظاظ أزمة مستمرة في ظل مواصلة اعتماد آلية الاعتقال الاحتياطي دون ترشيد، وعدم توفير بدائل للعقوبات السجنية، إذ تبلغ نسبة الاكتظاظ في هذه المؤسسات 75%، في حين تشير تقارير المنظمات الحقوقية ومنها المرصد المغربي للسجون إلى أن نسبة الإشغال تبلغ 113%، بلتبلغ النسبة أكثر من 200% في بعض المؤسسات السجنية. 

هذا الاكتظاظ، حسب الزهاري، يجعل المساحة المخصصة لكل معتقل تقلّ كثيراً عن المعايير الدنيا، بما يزيد تفاقم العنف داخل السجون، ويجعل الولوج إلى الخدمات الصحية والعلاج محدوداً، وعملية التربية وإعادة الإدماج متدنية، نتيجة ضعف البنيات ونقص التجهيزات.

ويشير إلى أن هذا الوضع الذي يتقاسمه السجناء المحكومون والسجناء المحبوسون احتياطياً، يحوّل فضاء السجن إلى جحيم حقيقي يتكدس فيه السجناء كسلعة، لا كبشر يجب أن توفّر لهم الكرامة الإنسانية بغضّ النظر عما ارتكبوه في حق المجتمع.

ويضيف الإدريسي تداعيات أخرى للاعتقال الاحتياطي تنعكس بشكل أساسي على استقرار الأسر التي اعتُقل أحد أفرادها، إذ تواجه أوضاعاً اجتماعية واقتصادية صعبة تستمرّ ولو ثبتت براءة المتهَم، لافتاً إلى أن القضاء الإداري لا يعوّض المتضررين الذين اعتُقلوا احتياطياً وثبتت براءتهم.

ويضيف أن الإفراط في استعمال هذا الإجراء دون ضوابط أو حدود، يؤدي إلى توظيفه في إطار خارج العدالة للتضييق على نشطاء حقوقيين وصحفيين وإسكاتهم.

من جهته، يقول رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، عادل تشكيطو، إن هناك إفراطاً في اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، علماً أنه يفترض أن يتحقق ذلك في حالات معدودة تتمثل بعدم وجود ضمانات حضور لدى المتهم، أو التخوف من تأثير اطلاق سراح المتهم على مجريات القضية، أو إن كان يشكّل خطراً على الأمن العام، وهو ما لا يجري العمل به.

يضيف فب حديث سابق “رغم أن العديد من المسؤولين يؤكدون أنّ إجراء الاعتقال الاحتياطي يؤدي إلى مشاكل خطيرة، كما هو الأمر بالنسبة إلى رئيس النيابة العامة الذي عمّم مذكرة على الوكلاء العامين ووكلاء الملك في محاكم المغرب تحثهم على عقلنة إجراء الاعتقال الاحتياطي، إلا أن تلك النداءات والتعليمات لم تجد لها صدى على أرض الواقع”.

ويربط تشكيطو بين هذا الواقع ومنظومة العدالة، التي إن تغيرت تشريعاتها، إلا أنها بقيت كما هي تعتمد منهجية قديمة في التعاطي مع القضايا المعروضة أمامها، مشيراً إلى أن الأسلوب التقليدي ما زال يعطل مسيرتها في الإصلاح.

ويرى أن المطلوب أن يلجأ قضاة التحقيق وقضاة الحكم إلى الإجراءات البديلة بدلاً من الاعتقال الاحتياطي كالكفالة مثلاً، والمساهمة في تثبيت مبدأ النجاعة القضائية لمواجهة البطء في تصريف ملفات المعتقلين وتأخر البت فيها، الذي يؤدي حتماً إلى ارتفاع نسبة التوقيف الاحتياطي.

 

 

 

 

 

شاهد .. تحرش جماعي بفتاة في فعاليات موسم الرياض بالبلاد الحرمين