الصحراء الشرقية كانت و ستبقى مغربية..

0
585
بقلم محمد أعزوز

بعد إعلان فرنسا فتح الأرشيف المتعلق بالقضايا القانونية و تحقيقات الشرطة في حرب التحرير الجزائرية خلال الحقبة الاستعمارية، هل ستفرج عن الوثائق الخاصة بالفترة الإستعمارية في الجزائر و ترفع السرية عنها، و تكشف عن الجوانب الخفية لعملية ضم أراضي الصحراء الشرقية المغربية للجزائر من طرف الإدارة الاستعمارية؟

في إطار مشروع الإمبراطورية الفرنسية في جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط، دخلت فرنسا في مواجهة المغرب. و كان سقوط المغرب تحت الإحتلال ذا طابع أخطر و أوسع إذ لم يكن نتيجة مواجهة عسكرية اندحرت فيها القوى المغربية أمام القوى الأجنبية، بل كانت نتيجة سياسة استنزاف استهدفت المؤسسات السياسية و العسكرية و الإقتصادية و الإجتماعية، و قضت على مناعتها و انسجامها و سهلت التغلغل العسكري الفرنسي، و مهدت الجو لعقد معاهدة الحماية.

اسقرار الفرنسيين في الجزائر كان بداية سلسلة استنزاف المغرب، و نهاية عهد التعايش السلمي Modus Vivandi الذي توصل إليه المغرب و العثمانيون بعد سنين طويلة من المواجهة و الأطماع. ابتدأ الغزو الاستعماري الفرنسي للمغرب منذ سنة 1836، و استمر مسلسل الإستنزاف و الإضعاف و نهب الثروات إلى حدود فرض الحماية الفرنسية سنة 1912، و ظلت الصحراء الشرقية المغربية بخيراتها بيد فرنسا إلى حدود سنة 1962، عندما تخلت عنها باريس بغير وجه حق للجزائر بعد الإعلان عن استقلالها، و انتقلت الصحراء الشرقية من الاحتلال الفرنسي إلى الاحتلال الجزائري.

لقد تعرض المغرب للتمزيق على امتداد تاريخه، حيث سلبت منه موريتانيا و سلبت سبتة ومليلية و الجزر الجعفرية، و قامت السلطات الإستعمارية الفرنسية في سنة 1950 باقتطاع الصحراء الشرقية، التي تضم حاليا ولايتي تندوف و بشار، من الأراضي المغربية و ضمتها للحدود الجزائرية. و يعد هذا خرقا لاتفاقيةلالة مغنيةبشأن الحدود الموقعة سنة 1845، التي نصّت بشكل صريح على إبقاء الحدود كما كانت عليه بين المغرب و الدولة العثمانية دون أي تعديل.

 وكانت فرنسا قد عقدت العزم خلال الفترة الاستعمارية على ضم الجزائر نهائياً إلى فرنسا و اعتبارها أرضاً فرنسية من أقاليم ما وراء البحار،  ما دفعها للتلاعب بخرائط المنطقة. و استفادت بذلك الجزائر من توسيع مساحتها الجغرافية على حساب الدول المجاورة لها، و بدرجة أكبر المغرب.

استنادا لما أورده محمد معزوز في كتابه « L’Algérie et les étapes Successives de l’amputation du territoire marocain » ، فبعد اكتشاف مناجم و ثروات طبيعية في مواقع مختلفة من الصحراء الكبرى، خطط الفرنسيون لإقامة نظام خاص بالمناطق الممتدة من موريتانيا إلى حدود السودان عبر الجزائر و مالي و تشاد، في إطار مشروع «المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية»، المعتمد في باريس بموجب قانون 10 يناير 1957، و هو المشروع الذي تحفظ عليه المغرب، كما يظهر من وثيقة رسمية لوزارة الخارجية مؤرخة في 8 غشت 1956 .

بعد الصحراء الغربية…المغرب يثير قضية "الصحراء الشرقية" و يريد ضم بشار و  تندوف إلى أراضيه…! - أنباء الجزائر-جريدة إلكترونية و قناة رقمية

لجأت فرنسا إلى أسلوب المراوغة والإغراء حيث سعت إلى كسب ود الشخصيات النافذة في الصحراء الشرقية، و عرضت فرنسا على المغرب استعادة بسط سيطرته على المناطق التي يطالب بها شريطة تأسيس الشركة الفرنسية المغربية «المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية» المكلفة باستغلال الموارد المنجمية المكتشفة حديثا في الصحراء، و وقف دعم الثورة الجزائرية، لكن الملك محمد الخامس رفض العرض الفرنسي، مؤكدا أن المشكل الحدودي سيحل عن طريق المفاوضات بين الحكومة المغربية و الحكومة الجزائرية بعد أن تحصل الجزائر على استقلالها، باعتبار أن الجزائر لا يمكن أن تتنصل من التزاماتها اتجاه المغرب.

كانت فرنسا تريد من وراء مقترحها وقف الدعم المغربي المستمر للثورة الجزائرية، بحيث أن المغرب كان يستضيف قادة الثورة و خاصة بمدينة وجدة شرق البلاد، كما كان يوفر إمدادات السلاح للثوار، و هو ما كان يقض مضجع الإحتلال الفرنسي.

و  كانت فرنسا من خلال سياسة الضم تعتبر أن الجزائر ستظل تحت سيطرتها، بل كانت تعتبرها مقاطعة تابعة للأراضي الفرنسية، و أن كل اقتطاع من أراضي المغرب وضمها للجزائر ستصبح أراضي تابعة لها، في حين كانت تدرك أن المغرب سيستقل يوما، لتعطي المقاومة المغربية أكلها و يتمكن المغرب من الإستقلال سنة 1956، مستمرا في مساندة المقاومة الجزائرية التي تلقت الدعم الرسمي و الشعبي المغربي.

في سنة 1958 احتج المغرب على التجربة النووية الفرنسية التي قامت بها بمنطقة الركان بالصحراء الشرقية، إذ دعت الرباط آنذاك إلى توقيف التجارب النووية باعتبارها تقام على جزء من التراب المغربي و دون موافقة أصحاب الأرض الشرعيين.

في 25  فبراير 1958 عندما قرر الملك محمد الخامس القيام بزيارة لقرية محاميد الغزلان، وجد في استقباله حشودا غفيرة من أبناء الصحراء و من الواحات الجنوبية و من بلاد نون و من الساقية الحمراء و وادي الذهب و الصحراء الشرقية، و أكد في خطابه التاريخي مواصلة العمل على استرجاع الصحراء و كل ما هو ثابت للمملكة بحكم التاريخ و رغبات السكان.

في 6 من يوليوز سنة 1961 زار رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، فرحات عباس، الرباط و التقى بالعاهل المغربي و وقع اتفاقا حول المسألة الحدودية، يعترف بوجود مشكل حدودي بين البلدين، و ينص على ضرورة بدء المفاوضات لحله مباشرة عند استقلال الجزائر. و نص الإتفاق السري الذي وقع من طرف الحسن الثاني و فرحات عباس على تأكيد حكومة المغرب مساندتها غير المشروطة للشعب الجزائري على كفاحه من أجل الاستقلال و وحدته  الوطنية. و اعتراف الحكومة المؤقتة الجزائرية بأن المشكل الحدودي الناشئ عن تخطيط الحدود المفروض تعسفاً  فيما بين القطرين، سيجد له حلاً بين حكومة المملكة المغربية و حكومة الجزائر المستقلة.

وبعد إتفاقية إيفيان وافق الوفد الجزائري الذي شارك في المفاوضات مع فرنسا على استفتاء تقرير المصير الذي صوت فيه الجزائريون لصالح الاستقلال عن فرنسا عام 1962، بادر أحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر، التأكيد على أن التراب الجزائري جزء لا يتجزأ. و رفض فكرة كل تفاوض حول التنازل عن أي أرضحررت بدماء الشهداء” للمغرب، مع العلم بأن الجزائر حاربت الإستعمار الفرنسي و طردته من أراضيها بفضل مساندة المغرب، شعبا و حكومة و ملكا.

 تغير الموقف الجزائري و خرقت الجزائر عهودها و التزاماتها المتضمنة في اتفاقية 6 يوليوز 1961 و حاولت ضمّ جزء كبير من الأراضي الشّرقية بدون علم السّلطات المغربية. و رفضت مطالب المغرب حول الحقوق التاريخية و السياسية للمغرب رغم الإقرار في الإتفاق الرسمي مع المغرب بوجود مشاكل حدودية بسبب فرنسا، و رأوا في المطالب المغربية تدخلا في الشؤون الداخلية.

وأكد الملك الحسن الثاني بعد توليه العرش استمرارية التضامن المغربي مع الجزائر لبناء وحدة المغرب العربي المنشودة، و زار الجزائر بعد استقلالها في 13 مارس 1963 حاملا معه نص الاتفاق على أمل بدء المفاوضات لحسم قضية الحدود وفاءً بالالتزام الموقع إبان الثورة، غير أن الرئيس الجزائري أحمد بن بلة، طلب تأجيل هذا الأمر متعللا بأن بلاده تركز على استكمال بناء مؤسسات الدولة، قبل أن يشن الإعلام الرسمي الجزائري حربا دعائية ضد المغرب تحدثت عننواياه التوسعية، الأمر الذي انتهى إلى نشوبحرب الرمالفي أكتوبر من العام نفسه و التي أكدت القطيعة بين البلدين.

انتصر المغرب انتصارا مهما في حرب الرمال، و كان قريبا من استرجاع تندوف و كلّ المناطق الحدودية، لولا تدخّل الملك الحسن الثّاني الذي أمر بوقف الحرب

وبسبب صعوبة استغلال الحديد المكتشف بالصحراء الشرقية و الكلفة الكبيرة لنقله من منطقة تندوف إلى الساحل المتوسطي شمال الجزائر، إلا بنقله عبر الصحراء في اتجاه المحيط الأطلسي، دخل الطرفين في مفاوضات تتيح الاستغلال المشترك لمناجم الحديد مقابل الاعتراف المغربي بجزائرية منطقة تندوف، كان من ثماره مفـــاوضات إيفران في 15 يناير 1969 ثم مفاوضات 27 مايو 1970 و بعدها اتفاقية حسن الجوار 15 يونيو 1972 و التي انبثقت عنها معاهدة حول الحدود المغربية الجزائرية تندوف و المشاركة في إنتاج و تسويق حديدها، بالإضافه إلى دعم الجزائر لمغربية الصحراء.

لكن سرعان ما تحول الموقف الجزائري و انقلب رأسا على عقب بدءا من سنة 1975، و تم طرد 45 ألف مغربي ردا على المسيرة الخضراء السلمية التي من خلالها استرجع المغرب أقاليمه الجنوبية. و كان لتدخل العامل الدولي دورا كبيرا، إذ أن سياسات القوى الدولية تجاه المنطقة المغاربية ارتكزت على التحكم في العلاقات المغربية الجزائرية، و كانت ترى فيها خزانا نفطيا، دون أن تهتم بمن هو المالك الشرعي لهذا النفط، فضلا عن موقع المنطقة الاستراتيجية و عن كونها سوقا للسلاح بامتياز.

لم يعرض الحسن الثاني اتفاقية الحدود المبرمة مع الجزائر بإيفران على البرلمان المغربي للمصادقة عليها، و لم يثر الأمر مع الجزائريين من جديد إلا بعد مجيء الرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف الذي وعده بحل هذا المشكل، لكنه تعرض للإغتيال في 29 يونيو 1992.

تشبث المغرب بحقوقه الترابية و بوحدته الترابية و بحقه التاريخي في الأراضي المقتطعة، بينما أصرت الجزائر على قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار و التي رُسمت على مقاس المصالح الفرنسية. و اعتبرت الجزائر بأن الحقوق التاريخية لمغربية الأراضي قد تجاوزها الزمن، و اعتمدت مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار.. كأن الشعوب في عرف النظام الجزائري بمثابة أمتعة تورث و تسلم.

ظلت الجزائر تضمر العداء للمغرب منذ ظهور الخلافات التي نشبت بسبب الحدود، و أسست لخطاب معادي للمغرب، كما قدمت الجزائر نفسها على أنها دولة ثورية التزمت بمكافحة الإستعمار. و خدمة لأطروحة الإنفصال لعبت الجزائر دورا كبيرا في أزمة النزاع المفتعل حول الصحراء، بتخصيص مواردها الإقتصادية من غاز و بترول لدعم البوليساريو، و تمكينه من الأسلحة المتطورة و العتاد لإظهاره على أنه طرف قوي في النزاع.

كان للجزائر حلم و لا زال يراودها من خلال دعمها الإنفصال في المغرب و خلق كيان تابع للصحراء؛ و هو الحصول على إطلالة نحو المحيط الأطلسي، بالإضافة إلى أنها كانت تهدف إلى عزل المغرب عن باقي دول القارة الإفريقية. و جعلت الجزائر من المغرب الذي يسعى للحفاظ على وحدته الترابية و مصالحه العليا عدوا أبديا.

وهذه الأجواء عمقت ارتهان المغرب لنزاع الصحراء و أصبح رهانا جزائريا تضمن من خلاله إشغال المغرب عن المطالبة بالصحراء الشرقية و خيراتها، مثلما هو الحال بالنسبة لإسبانيا التي اختارت نفس المنحى حتى لا يتحرك المغرب للمطالبة بتحرير سبتة و مليلية و الجزر المحتلة.

ولا زالت الجزائر تحشد عداءها و حربها الاستراتيجية طويلة الأمد على المغرب و تمويلها بفضل نفط مستخرج من أرض مغربية. إلا أن فرنسا تتحمل نصيب الأسد بخصوص محنة مغاربة الأراضي الشرقية المغربية، في ظل تجاهل المجتمع المدني الدولي لمعاناتهم، فقد فُرضت عليهم الجنسية الفرنسية في البداية، و منذ 1963 فُرضت عليهم الجنسية الجزائرية رغم أنهم يعتبرون أنفسهم مغاربة.

في سنة 2005 عبر مواطنون بعين صالح و بشار و القنادسة عن مغربيتهم و رفعوا شعارات ضد الحكام الجزائريين و كتبوا على الجدراننحن مغاربة و لسنا جزائريين، ما أدى إلى تعرض الكثير منهم للتعسف و القمع و التنكيل، و زج بهم في سجون بالجزائر العاصمة و المعسكر بعيدا عن الصحراء الشرقية.

لقد آن الأوان لإثارة قضية الصحراء الشرقية رسميا في المحافل الدولية، و على فرنسا رفع السرية و الكشف عن الجوانب الخفية لعملية ضم أراضي الصحراء الشرقية المغربية للجزائر. و للتذكير  فإن معظم الوثائق التي أدلى بها المغرب لدى محكمة العدل الدولية بلاهاي بخصوص ملف الصحراء الغربية، تتضمن الكثير مما يتعلق بالصحراء الشرقية و تثبت مغربيتها بما لا يدع مجالا للشك.

 

 

 

 

بالفيديو.. بنكيران دعمت سعد الدين العثماني لرئاسة الحكومة حتى لا يترأس إلياس العمري للحكومة