إدانات الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان لاستهداف أساتذة التعاقد ويطالب بوقف المتابعات وإلغاء الأحكام

0
210

أدان الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان استهداف السلطات أساتذة التعاقد، مما أدى إلى الحكم بالسجن النافذ ثلاثة أشهر على نزهة مجدي، بعد محاكمة استمرت أشهراً قررت المحكمة الابتدائية بالرباط.

كما ندّد  الاتلاف  بالأحكام “الجائرة والصورية” الصادرة في حق أعضاء التنسيقية، واعتبرها شططا في استعمال السلطة.

وطالب الائتلاف في بلاغ له بوقف المتابعات وإلغاء الأحكام والتراجع عنها فورا في حق الأستاذات والأساتذة، ضمانا وتعبيرا عن استقلالية ومصداقية القضاء.

كما دعا الائتلاف الذي يضم 20 هيئة حقوقية إلى رد الإعتبار للأستاذة نزهة مجدي، خاصة وأن العالم يخلد هذه الأيام مناسبة اليوم العالمي للمراة.

وعبر الائتلاف عن دعمه ومساندته للحق في الإدماج ضمن أسلاك الوظيفة العمومية، باعتبارها الضمانة الفعلية لمواجهة الهشاشة بقطاع التعليم.

ونبه البلاغ إلى أن الساحة الوطنية تشهد هجمة قمعية وإجهازا خطيرا على ما تحقق من مكتسبات بسيطة على شتى المستويات، وليس أقلها ما تتعرض له المدرسة العمومية والأساتذة المفروض عليهم التعاقد.

وتعود وقائع هذه القضية إلى أبريل/نيسان 2021، حين شاركت نزهة في وقفة احتجاجية بالرباط، دعت إليها “تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” للمطالبة بإلغاء نظام التعاقد والإدماج في الوظيفة العامة، وفرّقت القوات العامة هذه المظاهرة بالقوة، واعتقلت عدداً من الأساتذة.وانتشرت حينها صورة الأستاذة نزهة يحملها أربعة من عناصر القوة العامة، يحملونها من قدميها ويديها لاعتقالها.

 حيث قالت نزهة في تصريح بث على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك “لم أكن أتوقع هذا الحكم، نحن قمنا باحتجاج سلمي، لم نخرب ممتلكات عامة، ولم نمسّ بأمن الدولة أو السلامة الجسدية للقوات العامة، كنا فقط نرفع الشعارات بحناجرنا، لإسقاط مخطط التعاقد”.والتحقت هذه الشابة بسلك التعليم الثانوي سنة 2017، في إطار نظام التعاقد، بإحدى ثانويات مدينة تارودانت لمدة ثلاث سنوات، قبل أن تنتقل للتدريس بمدينة الدشيرة الجهادية منذ سنتين.

ومنذ خمس سنوات وهي تشارك -كما تحكي- في أشكال احتجاجية متنوعة، تدعو إليها التنسيقية من إضرابات ووقفات احتجاجية محلية ومسيرات وطنية بالعاصمة.

الأستاذة نزهة مجدي في احتجاج وسط العاصمة الرباط (مواقع التواصل الاجتماعي) ونظام التعاقد هو برنامج أطلقته الحكومة المغربية سنة 2017، لتوظيف الأساتذة في المدارس العامة، بموجب عقود قابلة للتجديد.

ومنذ فرض هذا النظام بدأت احتجاجات بين الأساتذة الذين تم توظيفهم بعقود للمطالبة بتغييره وإدماجهم في القطاع العام، وهي الاحتجاجات التي زادت وتيرتها مع تزايد الأفواج التي تم توظيفها بموجب التعاقد.وفي عام 2019، أعلنت وزارة التربية الوطنية التخلي عن نظام التعاقد نهائياً، وإحداث نظام أساسي يصبح بموجبه هؤلاء الأساتذة أطراً بالأكاديميات، وتضمَّن هذا النظام مقتضيات تضمن الاستقرار المهني والأمن الوظيفي، مثل الحق في الترقية والتقاعد والاستفادة من الحركة الانتقالية الجهوية، وغيرها من المقتضيات التي يستفيد منها موظفو القطاع العام. غير أن الاحتجاجات استمرت بسبب إصرار الأساتذة على إدماجهم في الوظيفة العامة، وعلى أن تكون مناصبهم المالية تابعة لوزارة التربية، وليس الأكاديميات.

ليست نزهة مجدي وحدها من صدر بحقها أحكام قضائية، بل إنها واحدة ضمن 45 أستاذاً وأستاذة نطقت المحكمة الابتدائية بالرباط بالحكم في حقهم، الأسبوع الأول من مارس الجاري ، بعد اعتقالهم إثر مشاركتهم في مسيرات احتجاجية العام المنصرم، إذ تمت متابعتهم في حالة حريتهم.وتوبع هؤلاء الأساتذة بتهم التجمهر غير المسلح دون ترخيص، وإهانة رجال القوة العمومية، وخرق حالة الطوارئ الصحية، بينما أضيفت إلى الأستاذة نزهة مجدي تهمة “إهانة هيئة منظمة”.وحكم على 32 من هؤلاء المتابعين بشهرين موقوفي التنفيذ، وعلى 12 منهم بشهرين موقوفي التنفيذ، وغرامة مالية قدرها ألف درهم لكل أستاذ، وهي أحكام تصدر لأول مرة في حق الأساتذة المتعاقدين.

تقول نزهة “هذا الحكم القضائي لا يعنيني كشخص ولا الأساتذة فقط، بل يعني كل المغاربة الذين سيجدون أنفسهم حين الخروج للشارع للمطالبة بحقوقهم أو الاحتجاج على ظلم تعرضوا له معرضين للاعتقال والمحاكمة ثم السجن”.بثقة ورباطة جأش تؤكد “لم يُحكم عليّ في قضية تمسّ بشرفي أو لأني ارتكبت جنحة أو جناية، مارست حقي في التظاهر السلمي، وأنا فخورة بما فعلتُ، وعائلتي تعرف ذلك وتدعمني”.

أما غزلان بن داود وهي أستاذة في السلك الإعدادي بإحدى القرى، ضواحي مدينة تاونات، فقد حُكم عليها بشهرين مع وقف التنفيذ، بعد أن وجهت لها تهم “خرق حالة الطوارئ، والتجمهر غير المسلح، وإيذاء رجال السلطة، والمس بشرفهم وكرامتهم”.وأكدت نزهة على أنها “شاركت في وقفة احتجاجية سلمية وحضارية للمطالبة بحق مشروع وعادل هو الإدماج في الوظيفة العامة وإسقاط التعاقد، فوجدت نفسي أُعتقل بطريقة لا إنسانية، وأوضع تحت تدابير الحراسة النظرية لمدة 48 ساعة، ثم أخرج في حالة سراح ومتابعة بعدة تهم”.

وكانت غزلان، التي بدأت التدريس سنة 2017، قد اعتقلت بعد مشاركتها في وقفة احتجاجية، أبريل/نيسان 2021، رفقة 12 من زملائها وزميلاتها.وتصف غزلان هذا الحكم بأنه “جائر وقاسٍ في حقي وفي حق جميع المتابعين والمتابعات”، مؤكدة أن “هذه القرارات لن تزيدها وزملاءها إلا إصراراً على الاستمرار في طريق الاحتجاج والمطالبة بالحقوق”.بالنسبة لهذه الشابة فنظام التعاقد “يُشعرني بعدم الاستقرار المهني والنفسي، فأنا أقوم بمهامي التعليمية والتربوية كزملائي في نفس المدرسة، لكننا لا ننال نفس الحقوق، وهذا تمييز”.

من احتجاجات الأساتذة المتعاقدين في المغرب (Getty image)أصيب الأساتذة المتعاقدون بخيبة الأمل إثر صدور هذا الحكم، ونظموا أمام المحكمة وقفة احتجاجية ووقفات أخرى بعدة مدن، ودعوا إلى تمديد الإضراب الذي كانوا يخوضونه الأسبوع المنصرم ثلاثة أيام أخرى.

ويبدو أن المشهد في المغرب بين الأساتذة والسلطات يتجه نحو التصعيد، إذ إن الأساتذة يناقشون عدم العودة إلى المدارس رداً على هذه الأحكام. 

وفي نظر محمد زرياح، عضو لجنة الإعلام في “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، فإن “الدولة اختارت طريق الاعتقال والتنكيل عوض باب الحوار وحل المشكل من جذوره”.

واعتبر في حديث سابق أن “الأحكام التي أصدرتها المحكمة الخميس الماضي بحق 45 أستاذاً وأستاذة، هدفها كبح وإيقاف احتجاجات الأساتذة”. 

ولفت زرياح -وهو أيضاً متابع أمام المحكمة إثر مشاركته في مسيرة احتجاجية- إلى أن “السلطات اعتقلت العام الماضي 45 أستاذاً وأستاذة على خلفية احتجاجات بالرباط، وهذا العام اعتقلت 25 آخرين ليصل العدد إلى 70 أستاذاً متابعاً في ردهات المحاكم، لأنهم رفعوا شعار السلمية وإعادة الاعتبار للمدرسة العامة”.

وأكد أن التنسيقية ستستأنف هذه الأحكام، وستواصل برنامجها الاحتجاجي، مشيراً إلى أن رهان الأساتذة هو الإدماج في الوظيفة العامة وهو المطلب الذي خرجوا للشارع من أجله منذ 2018 .

وأضاف مستغرباً “كيف لأستاذ اعتُقل وقضى 48 ساعة في الحراسة النظرية أن يمارس وظيفته، وكيف لأستاذ صدرت ضده أحكام قضائية أن يدرس للتلاميذ”، داعياً وزارة التربية إلى العمل على إيجاد حل آني لقضية أساتذة التعاقد. 

واستنكرت “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد” في بيان لها هذه الأحكام التي وصفتها بالجائرة، وأعلنت تشبثها ببراءة جميع الأساتذة والأستاذات المتابعين، وأيضاً تشبثها بإسقاط مخطط التعاقد والإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية دون قيد أو شرط.

ودعت التنسيقية رجال ونساء التعليم إلى الانخراط في البرنامج النضالي؛ دفاعاً عن هيبة وكرامة نساء التعليم ورجاله.

وأعلنت هيئات مدنية ونقابية استنكارها للأحكام الصادرة بحق نساء ورجال التعليم.

ووصفت نقابة الاتحاد المغربي للشغل هذه الأحكام بالجائرة، وطالبت بالتراجع عنها وإسقاط كافة المتابعات القضائية بحق مناضلي ومناضلات التنسيقية الوطنية لأساتذة التعاقد.

ودعت الجامعة الوطنية للتعليم إلى خوض أشكال احتجاجية الأسبوع المقبل في إطار أسبوع غضب وإضراب وطني؛ احتجاجاً على المماطلة في حل مشكلات قطاع التعليم والقمع المسلط على الاحتجاجات، وطالبت بوقف المتابعات القضائية.

من جهتها، اعتبرت اللجنة الحقوقية لحركة التوحيد والإصلاح الأحكام التي صدرت في هذا الملف “أحكاماً قاسية فيها مسّ بحق التظاهر السلمي الذي يكفله الدستور كحق من حقوق الإنسان”.

واستنكرت العنف المفرط والتدخلات غير القانونية التي تصدر عن القوات العمومية في فض الاحتجاجات السلمية. 

واعتبرت المتحدثة أن اللجوء إلى الحلّ الأمني وحده في معالجة الملفات الاجتماعية، وخاصة ملف التعليم؛ مقاربة قاصرة ومن شأنها أن تزيد في تفاقم غليان الوضع الاجتماعي السّاخن، داعيةً لاحترام كرامة الأساتذة وحفظها من كل امتهان أو انتهاك.

ودعت إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا في معالجة هذه المشكلة التي تكرّس يوماً بعد يوم أزمة التعليم والمدرسة المغربية.

وشهد الموسم الدراسي الجاري احتجاجات وإضرابات لأساتذة التعاقد، تواكبت مع فتح وزارة التربية حواراً مع النقابات. 

وفاقت إضرابات الأساتذة 40 يوماً، ما جعل الأسر تشتكي من ضياع الزمن المدرسي لأبنائهم.

ودفع هذا الأمر الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب إلى استنكار الوضعية الراهنة، التي تشهدها المدارس الحكومية، جراء الإضرابات المتكررة.

واعتبرت أن هذه الإضرابات تجعل زمن التعلم الدراسي في ضياع مستمر، وهو ما يعمّق بحسبها أزمة المنظومة التي تشهد أصلاً الكثير من الأعطاب.

وطالب الآباء والأمهات “بتدخل فوري وبشكل عاجل يستدرك ما يمكن تداركه، حتى نتمكن من إنقاذ الموسم الدراسي الحالي، وبالتالي إيقاف المنحى التنازلي لمستوى التحصيل الدراسي، الذي بلغ مستويات متدنية، تقر بها المؤسسات الوطنية والدولية”.