بنكيران سقوط “العدالة والتنمية” لم يكن ينتظره أشد الخصوم وحزب “الأحرار” جاء بالمال ومباركة السلطة

0
199

المفاجأة في انتخابات 8 شتنبر المغربية ليست في هزيمة حزب العدالة والتنمية، وفوز التجمع الوطني للأحرار الذي يرأسه وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات عزيز أخنوش، الهزيمة للحزب للأول والفوز للحزب الثاني كانا متوقعين، إن لم نقل مـؤكدين بالنسبة للشارع المغربي في عمومه، بوادرهما وعلاماتهما أضحت جلية لكل ذي عين بصيرة قبل الشروع في الحملة الانتخابية بأشهر وسنوات بعيدة.

الرباط – قال عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” إن حزبه كان من المفترض أن يكون في الانتخابات الأخيرة أولا أو ثانيا أو ثالثا، أو في أسوأ الحالات رابعا.

وأشار بنكيران في لقاء جهوي نظمه حزبه أول أمس الأحد بجهة فاس مكناس، أن السقطة التي حدثت لحزب “العدالة والتنمية” لم يكن ينتظرها حتى أشد خصوم الحزب.

وأكد أن حزب “التجمع الوطني للأحرار” جاء عبر المال ومباركة السلطة، مبرزا أنه يجب قول هذا بكل صراحة ووضوح، لكن إذا استوعبنا أن يأتي “الأحرار” في المرتبة الأولى بالانتخابات لماذا سيتجاوزنا الآخرون؟.

وشدد بنكيران على أن خصوم حزبه فعلوا كل ما يقدرون عليه لإسقاط العدالة والتنمية، وأن الأشياء التي لم يفعلوها إنما لعدم استطاعتهم القيام بها.

وتحدث بنكيران في ذات اللقاء عن القاسم الانتخابي، مشيرا ن القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، كان أحد المداخل المعتمدة لإسقاط “البيجيدي”، فيه تشويه بالبلد على الصعيد الدولي.

وأبرز أن حزب “العدالة والتنمية” في التقدير السياسي الحقيقي إن لم يكن أولا في الساحة الحزبية والانتخابية والسياسية، فهو في طليعة الأحزاب، موضحا أن الدولة تعي هذا وتعترف به.

وأضاف “من لطف الله بنا بعد الوضع الذي وجدنا أنفسنا فيه عقب الانتخابات الأخيرة، صمود عدد من أعضاء الحزب وتضحياتهم المستمرة”.

وأكد بنكيران أن حزب “العدالة والتنمية” يتوفر على كنز لا مثيل له، ألا وهو المرجعية الإسلامية، على حد تعبيره.

فجميع القرارات التي كان يرفض اتخاذَها الوزراء الأولون السابقون وحكوماتهم، بسبب عدم شعبيتها، ولأنها تمس قطاعا واسعا من المغاربة في قوتهم اليومي، تجرأت حكومة العدالة والتنمية على اتخاذها، ولعلها كانت تُدفَعُ للإقدام على ذلك، بغية إحراقها أمام المواطنين الذين انتخبوا أعضاءها، بوعود إخراجهم من أزمتهم الاقتصادية والاجتماعية..

وكانت القشة التي قصمة ظهر البعير، كما يقال، هي عندما تخلت الحكومة عن التدريس باللغة العربية للمواد العلمية، فبدلا عن العربية اللغة الدستورية الأولى للمغرب، فرضت حكومة العثماني اللغة الفرنسية على أبناء المغاربة، وأَتْبعت هذا القرار، بتوقيع رئيسها سعد الدين العثماني على صفقة التطبيع مع إسرائيل مقابل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

ورغم أن عبد الإله بنكيران انتقد قرار استبدال اللغة العربية بالفرنسية، وندد به، فإنه، بالمقابل، تقدّم الصفوف وبادر إلى تزكية التوقيع على قرار التطبيع مقابل الاعتراف الأمريكي بمغربية الأقاليم الصحراوية، وهبَّ للدفاع عنه بحماس واندفاع، وهو الذي كان قد مُنِعَ عمليا من تشكيل الحكومة، ويعيش على الهامش في الحزب، بعد أن تمت إزاحته من على رأس أمانته العامة، وتماهى بنكيران مع العثماني، بل زايد عليه في موضوع التطبيع مع اسرائيل، وجرى ذلك في مجتمعٍ مغربي يَعتبِرُ، في أغلبيته المطلقة، القضية الفلسطينية قضية وطنية.

فحتى الجانب الرمزي في برنامج العدالة والتنمية، الذي ينص على الدفاع عن هوية المغرب الحضارية ممثلة في عروبته ودينه الإسلامي، ورفض التطبيع مع اسرائيل، حتى هذا الجانب، فرّطت فيه قيادة الحزب ومعها حكومة العثماني، وباتت تبدو كأنها ليست فقط حكومة لا تحكم، وإنما حكومة بالاسم، بحيث توجد في الصورة، ولكن في الفعل، فإن جهات أخرى هي التي تتخذ القرارات وتفرضها على العثماني الذي يقوم بتنفيذها.

وكانت الدعاية المناهضة للبيجيدي تستغل جميع القرارات غير الشعبية المتخذة من طرف الحكومة وتلصقها بالحزب لوحده، دون غيره، رغم أن الحكومة مؤلفة من أحزاب أخرى إلى جانبه..

ولم يكن الحزب ولا أطره، ولا أمينه العام ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني ينتفض ليعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي، كان كالغائب الحاضر أو الحاضر الغائب، وصارت الحكومة تبدو في نظر المغاربة عاجزة ومشلولة لجهة اتخاذ القرارات التي تخفف عن الشعب وطأة معيشه اليومي، وتحميه من مستغليه.

وبات من المنطقي أن يتساءل المغاربة، لماذا التجديد في الانتخابات للحزب الذي يقودها؟ بماذا يختلف العدالة والتنمية عن باقي الأحزاب الأخرى؟ لماذا لا يقع استبداله بغيره، وهو الذي حَكَمَ البلاد لمدة عشر سنوات متلاحقة، وكان قد وعدهم في حملاته الانتخابية بمحاربة الاستبداد والفساد، فإذا به يتعايش معهما، ويبررهما في خطابه وهو على رأس الحكومة؟

من هنا انطلقت الشرارة التي أضرمت النيران في الشعبية التي كان يتمتع بها حزب العدالة والتنمية وأحرقتها، وأدت إلى أن يخسر الحزب الانتخابات بهذه الخسارة التي في حجم الفضيحة، فكل قياداته من الصف الأول سقطت في صناديق الاقتراع، ومن بينهم الأمين العام للحزب العثماني الذي لم يحصل على مقعدٍ نيابي في الرباط العاصمة الإدارية للمملكة، التي جرت العادة أن يكون التصويت فيها تصويتا سياسيا.

ويرى المحلل السياسي المغربي محمد بودن، أن من عوامل قوة بنكيران الداخلية، إمكانية تذويب الخلافات التي نشأت بين قيادات “العدالة والتنمية”، في الفترة الأخيرة.

وأردف: “رغم أن خلاف بنكيران مع بعض قيادات حزبه قد وصلت إلى مرحلة اللاعودة، إلا أن كثيرا من مواطن الخلاف يمكن للرجل تذويبها وإخراج الحزب بمظهر المتوحد داخليا”.

من جهته، اعتبر الأكاديمي علام، أن “بنكيران من خلال رصد أسلوبه سابقا في تسيير الحزب يبقى قادرا على تجاوز خلافاته مع باقي القيادات”.

وأوضح أنه “من خلال تجربته السابقة يلاحظ أن الرجل يقرب إليه الذين يرى فيهم أعداءه، حيث سبق له أن وضع العديد ممن كانوا يطالبون بتنحيته، في الأمانة العامة للحزب خلال أكثر من محطة”.

 ولا يبدو أن عودة “العدالة والتنمية” إلى سابق عهده متوقفة على تولي بنكيران دفة الحزب من عدمها، حيث تبقى هذه العودة مرهونة بتحليل أسباب الهزيمة من قبل القيادة الجديدة وبناء خلاصات بشأن حقيقتها، وفق بودن.

وأضاف المتحدث، أن “عودة بنكيران إلى صدارة الحزب تطرح العديد من الأسئلة، أبرزها مدى قابلية الرجل لتولي هذه المهمة في زمن الهزيمة خاصة”.

وتابع: “إننا أمام رجل له قدرة على قراءة الواقع والسياقات بشكل جيد، ولا أدل على ذلك من رفضه الترشح بالانتخابات الأخيرة رغم تزكيته من الحزب”.

وأردف: “كما أنه (بنكيران) رئيس حكومة سابق له رمزيته، فهل سيقبل تولي هذه المهمة في زمن التراجع والهزيمة؟”.

وختم قائلا: “تبقى الأيام القليلة المقبلة وحدها الكفيلة بالكشف عن مآل الحزب في المشهد السياسي بعد عودة بنكيران إلى قيادته”.

لا يمكن قراءة الفشل الذريع لحزب “العدالة والتنمية” المغربي، بمعزل عن السياق الإقليمي والظرف الراهن لحركات الإسلام السياسي، سواءً على المستوى المغاربي، أو على المستوى العربي بشكل عام، وهو السياق الذي تشهد هذه التيارات في ظله تراجعاً وفشلاً ذريعاً.

إذ يأتي إخفاق “العدالة والتنمية” بالتزامن مع فشل آخر مشابه لحركة “النهضة” الإسلامية التونسية، وهو الفشل الذي ارتبط بتبني “النهضة” لسياسات أدخلت البلاد في دوامة من الصراعات والتجاذبات السياسية، والأزمات الاقتصادية الخانقة، مما دفع الرئيس قيس سعيّد إلى التحرك وتبني ما عُرف بـ”قرارات 25 يوليو” (2021).

وفي سياق متصل، يعاني الإسلاميون في الجزائر من واقع مأزوم، وذلك بعد خسارتهم للانتخابات التشريعية الأخيرة، ووجود إشارات إلى تبنيهم لأعمال عنف، واتهامهم بالانخراط في أعمال أضرت بالدولة. واتصالاً بالسياق المغاربي، يتسم المشهد العربي بشكل عام بتراجع كبير لتيارات الإسلام السياسي، خصوصاً في الدول التي انخرط فيها الإسلاميون بشكل كبير في المشهد العام منذ ما عُرف بـ”الربيع العربي”، وهو ما يتجسد في حالات ليبيا، واليمن، وسوريا، وقبلها مصر.

إجمالاً، يمكن القول إن التجربة المغربية لإسقاط الإسلاميين تعكس قسماً من حالة الرفض العربي لهذه التيارات التي تستغل بعض الأزمات البنيوية التي تعاني منها المجتمعات العربية، من أجل توظيفها وتحقيق فكرة “التمكين” أو الوصول إلى الحكم، لكن فور انخراط هذه التيارات في المنظومة السياسية، يتضح عدم امتلاكها لأي مقاربات مفاهيمية أو واقعية للتعاطي مع أزمات المجتمعات العربية، وهو الأمر الذي يترتب عليه حدوث فشل كبير في آليات إدارتها للمشهد السياسي، بما يعزز من حالة الرفض الشعبي لها، ويدفع في المقابل باتجاه تبني بعض هذه التيارات لخيار “العنف” من أجل الحفاظ على المكتسبات السياسية التي حققتها في سياقات معينة.