التحق المغرب بمجموعة الدول التي اعتمدت جواز التلقيح ضدّ فيروس كورونا لدفع الأشخاص إلى تلقّي اللقاح عبر الحدّ من حرّيّة تنقّلهم ومنع دخولهم إلى فضاءات عدّة.واعتُبرت هذه السياسة مثيرة للجدل في العديد من الدول التي اعتُمِدت فيها، لما تمثّله من صعوبة في التأليف بين مصلحة المجموعة وحرّيّة الفرد.
فأثارت غضب الكثير من المواطنين وحرّكت الشارع الرافض لها بأكثر من مناسبة. وخلافاً لما شهدته هذه الدول، اعتُمِد جواز التلقيح على المغاربة لولوج الإدارات العمومية، من أجل تمكين المواطن من حقوقه، وقضاء مصالحه، رغم تحسن الوضع الوبائي، ومقاربة عدد الملقحين بالجرعة الأولى 25 مليونا، وتخطي عدد الملقحين بالجرعة الثانية 23 مليونا.
ويشمل استخدام الجواز دخول الموظفين والمستخدمين الإدارات العمومية وشبه العمومية والخاصة، وكذلك للدخول إلى المؤسسات الفندقية والسياحية والمطاعم والمقاهي والأماكن المغلقة والمحلات التجارية وقاعات الرياضة والحمامات.
وأعلن حزبا العدالة والتنمية المغربي، والاشتراكي الموحد (معارضان)، ونقابة المحامين، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أكبر منظمة حقوقية)، في بيانات متفرقة، رفض القرار، معتبرين إياه “مخالفاً للدستور، ومقيداً للحريات”.
وكان أكثر من 20 ألفا من الحقوقيين والسياسيين في المغرب وقعوا، عقب القرار، على عريضة إلكترونية تطالب بإلغائه.
وتظاهر مئات الأشخاص في مدن الدار البيضاء وفاس ومراكش ومكناس (شمال)، منددين بفرض “جواز التلقيح”، وسط انتشار أمني مكثف، بينما تم منع وقفتين احتجاجيتين، واحدة قرب مقر البرلمان في الرباط، والأخرى بمدينة أغادير (وسط) وطنجة، وذلك يومي الأحد والأربعاء الماضيين (24 و27 أكتوبر).
فلم يُطرح الأمر على النقاش العامّ، ولم تتداوله وسائل الإعلام، ولم يناقَش طبعاً في مجلس النواب بغرفتيه نظراً إلى تجميده المعارضة.
هذا التوجُّه التعسّفي لا يُفسَّر فقط بالخطر الوبائي، والخوف من موجة جديدة. فرغم أنّ هاجس تلقيح أكبر عدد ممكن من الناس حاضر في معظم الدول، على الأقلّ تلك التي استطاعت توفير التلقيحات، تحاول الحلول المُعتمَدة عادةً التوفيق بين الصحّة العامّة وحرّيّات الناس، حتّى لو انتهت إلى تغليب الأولى. أمّا فرض جواز التلقيح في المغرب، فكان ذا اتّجاه واحد. ما يفسّر ذلك، ويزيد في الوقت ذاته من خطورته، هو عدم ترافق عمليّة صياغته مع أيّ نقاش عامّ، وغياب أيّ إمكانيّة للرقابة عليه، رغم مساسه الواضح بحقوق دستورية عدة.
ويشتكي العديد من المواطنين حرمانهم من وثائق أساسية، تهم تجديد البطاقة الوطنية، أو عقود الزواج، أو شهادات إدارية أخرى، بسبب عدم تلقيهم اللقاح، أو عدم أخذ الجرعة الثانية أو الثالثة، وهو ما يحول بينهم وبين الاستفادة من حقوق أساسية.
وفي هذا الصدد نبه رشيد الحموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، إلى أن تحجج بعض المرافق العمومية بداعي عدم التوفر على جواز التلقيح، يمنع عدداً من المواطنين من قضاء مصالحهم، التي تكون مستعجلة أحياناً.
وأشار الحموني في سؤال كتابي إلى أن فرض الجواز يُــعيق الحق الدستوري والقانوني للمغاربة في الولوج إلى خدمات المرفق العمومي، ولا سيما تَسلُّـم وثائق إدارية.
وسجل “التقدم والاشتراكية” أن إلزامية الجواز وتعطيل مصالح المرتفقين، يأتي على الرغم من أنَّ أيَّ نص تشريعي لا يشترط وثيقة جواز التلقيح لقضاء أغراض إدارية أو استلام وثائق إدارية.
وساءل رئيس الفريق وزير الداخلية عن الأفق المتوقع لإنهاء العمل بحالة الطوارئ الصحية، وعن الإجراءات المتخذة بغاية منع أيِّ شططٍ أو مبالغة في استعمالها لمنع المواطن من الولوج إلى حقه في خدمات المرفق العمومي.
وفي تعليقه على القرار، قال خالد آيت الطالب، وزير الصحة المغربي، إن جواز التلقيح لا يُعَد تقييدا، وإنما جاء من أجل تسهيل رجوع متلقي اللقاح إلى الحياة العامة.
ورأى آيت الطالب، في تصريح إلى وسائل الإعلام بمقر البرلمان، أن “جواز التلقيح مهم من أجل الحفاظ على استقرار الحالة الوبائية، وإنعاش الاقتصاد، ومنع ظهور بؤر وبائية جديدة”.
يونس مسكين، باحث وإعلامي مغربي، قال لـ “الأناضول” إن هذا القرار “جاء ليبيّن أن ما كان مجرد مؤشرات وبوادر لتراجع حقوقي وديمقراطي، بات أمرا واقعا وسياسة مقصودة من جانب الحكومة الجديدة”.
ورأى مسكين أن القرار “لا يملك أي أساس من المشروعية أو المنطقية، ويحول دون تمتع جزء من المغاربة بحقوق أساسية تكفلها المواثيق الدولية وروح ونص الدستور”.
وأضاف أن “الحكومة لم تتحمل عناء إصدار وثيقة تتضمن هذا القرار مع مرجعية قانونية أو تأسيس شرعي، بل جاء على شكل بلاغات تم بثها عبر بعض وسائل الإعلام منسوبة إلى جهات حكومية”.
واعتبر الإعلامي المغربي أن حكومة بلاده قررت “من دون سابق إنذار، تحويل التطعيم ضد فيروس كورونا الذي يعد حتى الآن اختياريا، إلى أمر إجباري يؤدي عدم القيام به إلى التجريد من جل الحقوق الأساسية للمواطنين”.
ولفت إلى أنه “كان بإمكان الحكومة اتخاذ قرار جعل التطعيم إجباريا، ووضع آجال معقولة وإجراءات قانونية لتطبيقه وإنزال عقوبات معينة على المخالفين، لكنها اختارت سلوكا غريبا يجعلها تتصرف خارج مقتضيات الدستور والقوانين”.
وأردف: “لا شك في أن هذه القرارات ستدخل المغرب نفقا حقوقيا مظلما، خصوصا بعدما وصل الأمر درجة منع أعضاء البرلمان من دخول مقر المؤسسة بسبب رفضهم تقديم جواز التلقيح لعناصر الأمن التابعين للسلطة التنفيذية والمكلفين بحراسة مبنى المجلس”.
وكانت السلطات المغربية، منعت الإثنين، النائبة نبيلة منيب (الحزب الاشتراكي الموحد)، من دخول مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)؛ لعدم امتلاكها “جواز التلقيح” ضد فيروس كورونا.
ورأى مسكين أن هكذا إجراء مقصود به “ضرب ما تبقى من قيمة معنوية للمؤسسات الرسمية والقوانين، والمغاربة باتوا يخضعون لما يشبه الأحكام العرفية المجردة من أي قيد قانوني، وأن السلطة التنفيذية عازمة على تحطيم كل ما حققه المغاربة من مكاسب حقوقية في العقود الماضية”.
تقرير:ارتفاع الأسعار الجنوني يدخل بيوت المغاربة 76.9% من الأسر تتوقع ارتفاع الأسعار..فهل من حلول؟