حزب الطليعة: المغرب يتوفر على مؤسسات ديمقراطية شكلية، تُظهر للرأي العام الخارجي أن المغرب دولة في طريق الديمقراطية، ولكنها في الواقع مؤسسات تضلل الناس!؟

0
185

يشير مفهوم «الانتقال الديمقراطي» بمعناه الواسع إلى العمليات والتفاعلات المرتبطة بالانتقال أو التحول من نظام حكم غير ديمقراطي إلى نظام حكم ديمقراطي. ويرتبط هذا المفهوم من الناحية النظرية بمرحلة وسيطة يتم خلالها بناء نظام ديمقراطي جديد عبر إحداث تغييرات جوهرية لمختلف عناصر النظام السياسي مثل البنية الدستورية والقانونية، المؤسسات السياسية، وأنماط مشاركة المواطنين في العملية السياسية. لكن مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية قد تشهد صراعات بين الفاعلين السياسيين تعصف أحيانًا بالحلم الديمقراطي،وتدفع للعودة إلى شكل متطور من النظام السياسي القديم. في هذا الصدد يلاحظ الفيلسوف «آلان مينيل» أنه «عندما نعتقد أننا عثرنا أخيرًا على شيء ديمقراطي في عملية الانتقال، ينبغي بالتحديد أن نتوقع أن نرى عكس ذلك، فالقديم الذي كان موجودًا مسبقًا لم يستسلم بعد للتخلي عن الساحة».

في ضوء ذلك،  يرى علي بوطوالة الكاتب الوطني لحزب الطليعة إن الانتقال الديمقراطي لم يتحقق بالمغرب لكون ميزان القوى بقي على حاله، مؤكدا أنه من دون تغيير هذا الميزان، وتحقيق السيادة الشعبية، فلا يمكن الحلم ببناء الدولة الوطنية الديمقراطية.

واعتبر بوطوالة خلال ندوة نظمها المرصد الديمقراطي للهجرة والمواطنة، أن المغرب يتوفر على مؤسسات ديمقراطية شكلية، تُظهر للرأي العام الخارجي أن المغرب دولة في طريق الديمقراطية، ولكنها في الواقع مؤسسات تضلل الناس، في ظل استمرار الاستبداد المقنع، وبقاء القرارات الاستراتيجية مركزة في يد واحدة.

تبعًا لذلك، اعتبر بوطوالة أنه لا يمكن الوصول إلى تغيير ميزان القوى دون تراكمات نضالية ميدانية، خاصة وأن التجربة أكدت أن الإصلاح من الداخل وهم، ومن يراهن عليه دون وجود قوة جماهيرية سياسية ضامنة للتحول نحو الديمقراطية، فهو واهم.

وأكد على ضرورة أن تجمع الاستراتيجية النضالية بين الميدان، والنضال من داخل المؤسسات لاكتساب التجربة رغم أن شروط الاشتغال مجحفة.

وأشار بوطوالة إلى أن معركة الديمقراطية طويلة ومتعددة الجبهات والأساليب، وتوحيد قوى التغيير، وفي مقدمتها توحيد قوى اليسار، شرط أساسي، لذلك “نعول على الجبهة الاجتماعية لتكون هي الجسر نحو التوحيد، على الأقل على المستوى الاجتماعي، في أفق توحيدها على المستوى السياسي”.

ونبه بوطوالة إلى أن المشكل في المجتمع المغربي، ليس فقط تغول لوبيات الفساد التي تشكل عائقا كبيرا، ولكن أيضا ضعف منسوب الوعي الديمقراطي الذي يجعل نظرة الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي للديمقراطية على أنها مسألة “زايدة”، وليست استراتيجية، فالمهم بالنسبة لهم هو الخبز والمشاكل المعيشية.

وعزا هذه النظرة إلى تدني الوعي السياسي وسياسة التجهيل، والخيبات الناتجة عن الربيع العربي، مما يصعب النضال من أجل الديمقراطية الذي يحتاج للوقت.

وشدد على ضرورة تجنب المغرب الانتقال العنيف نحو الديمقراطية، بما يحمله من مآسي وصراعات دامية واقتتال على السلطة، وتوفير شروط الانتقال السلس الذي يجعل كل المغاربة معبئين نحو مشروع مجتمعي جديد.

واعتبر بوطوالة أنه لا بد من تحقيق تعديل في ميزان القوى، ليضطر النظام السياسي التخلي عن الصلاحيات المطلقة، ولن يتخلى عنها فقط لأنها ترفع كشعارات، بل لا بد أن يضطر اضطرارا.

وأشار إلى ضياع فرص للانتقال الديمقراطي، كان أولها بعد الاستقلال، حين كان ميزان القوى متوازنا بين الملكية والحركة الوطنية، ثم ما بين 1999 و2002، وبعدها في 2011، مؤكدا أنه ستكون هناك فرصة في المستقبل، وينبغي ألا تضيع. 

التقييم العام لما اشار إليه بوطوالة، على الأقل في التجربة المغربية، يفيد بأن خط الرهان على الجماهير انتهى عمليا بتفكيك اليسار، والقضاء على تركة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في حين، لم يكتب النجاح لخط المشاركة في بنية السلطة لإحداث التغيير من فوق، بسبب محدودية المواقع التي احتلتها النخب السياسية.

أما خط النضال الديمقراطي ـ فقد انتهى، سواء مع تجربة عبد الله إبراهيم أو مع عبد الرحمان اليوسفي أو حتى مع عبد الإله بن كيران إلى تسجيل محدودية هذا الخيار، بسبب التحكم في العملية الانتخابية من جهة، وعدم القدرة على تحويل موازين القوى السياسية انتخابيا، وأيضا بسبب لاعقلانية السلوك الانتخابي في المغرب. فثمة حكومات إصلاحية مرت في تاريخ المغرب، حاولت أن تثبت إمكانية الإصلاح من داخل النسق، لكن تجاربها المحدودة، انتهت بالتشكيك في جدوى هذا الخيار.

فقد ألقى عبد الرحمان اليوسفي محاضرة في بروكسيل وضح فيها عوائق تجربة الانتقال الديمقراطي، ثم انسحب من السياسة. في حين خرج عبد الله إبراهيم من التجربة، يحمل شعار أولوية الإصلاح الدستوري وهي الخلاصة نفسها التي خلصت إليها تجربة ابن كيران، حين دعا إلى إصلاح دستوري يوضح العلاقة بدقة بين المؤسسات، حتى يعرف من المسؤول ومن المحاسب. 

بنكيران: يحمل حكومة الملياردير عزيز أخنوش غلاء المعيشة في المغرب ويتهمه بالجمع بين السلطة والثروة وعجزه عن مواجهة الواقع والتخفيف عن المواطنين

وهكذا، وفي جميع الحالات، فشلت النخب السياسية، وفشلت معها الحركة الديمقراطية، في أن تعدل موازين القوى، وتحقق تراكما سياسيا إصلاحيا يقنع بدوى الاستمرار في الرهان على هذا الخط.

فلا احد ينكر تجربة عبد الإله بنكيران كانت مهمة غداة الحراك الديمقراطي، إذ حاول إحياء صيغة الإصلاح في إطار الاستقرار (الإصلاح في ظل النسق السياسي القائم)، فقد أنتجت هذه التجربة تجاوبا ملكيا، تعدلت بموجبه موازين القوى جزئيا، وتم تقديم مدخل دستوري للجواب عن الأزمة (خطاب 9 مارس 2011)، لكن، رغم الصلاحيات الجديدة التي أناطها الدستور الجديد لرئيس الحكومة، إلا أنها لم تكن تشكل في الواقع قاعدة لتغيير جوهري في موازين القوى لجهة أن يصبح القرار السياسي صدى للإرادة الشعبية. 

لذا “حاولت النخب أن تبحث عن آليات جديدة للتأثير من مدخل صيغة الإصلاح الديمقراطي، مثل استغلال التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها الدولة من أجل الضغط عليها لتقرير إصلاحات ديمقراطية، لكن هذا الجواب نفسه، لم يساعدها كثيرا على تحقيق التأثير الذي كانت تتطلع إليه”.

هذا نظريا، أما عمليا، فقد كانت رؤية ابن كيران للعلاقة بين السلط في الدستور أكثر ارتباطا بالدينامية السياسية، منها بالوضع الدستوري نفسه، فابن كيران كان يرى أن الحكومة تعمل تحت رئاسة الدولة، وأنه يساعد الملك، فقد كان يتعامل مع الدستور بمنظار ديني، يستحضر مفهوم الطاعة، وعدم التنازع مع ولي الأمر، ومنظار سياسي يستحضر الديناميات السياسية وموازين القوى السائدة.

لقد حاولت النخب أن تبحث عن آليات جديدة للتأثير من مدخل صيغة الإصلاح الديمقراطي، مثل استغلال التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها الدولة من أجل الضغط عليها لتقرير إصلاحات ديمقراطية، لكن هذا الجواب نفسه، لم يساعدها كثيرا على تحقيق التأثير الذي كانت تتطلع إليه.

فتجربة 20 فبراير وضعت النخب السياسية أمام مفترق طرق، إما مسايرة بعض التجارب العربية التي انتهت إلى تفكيك الدولة وإحلال الفوضى محل الاستقرار، أو الدخول في مواجهة مع السلطة، لا يدري على وجه التحديد إلى أي مآل ستنتهي، أم القبول بسقف وسط للإصلاح، يتم فيه الضغط على الدولة لتحقيقه، دون بلوغ السقف الذي رفعته الانتظارات المجتمعية.

تقييم هذا الجواب اليوم، يبين محدوديته، فلم تنجح الحركات الديمقراطية المشاركة في الحكم في تثبيت هذه المكتسبات، ولا في التقدم في موازين القوى، بل العكس هو الذي حصل، إذ وقع النكوص، واستعيدت المساحات التي تناولت عنها السلطة في سياق الأزمة الداخلية والإسناد الديمقراطي الدولي والإقليمي.

الخلاصة، تعيش النخب السياسية المغربية اليوم أزمة عقل نظري، يطرح على الطاولة كل الكسب الذي حققته، وكل التجارب التي انخرطت فيها، والخطوط التي أنتجتها، ويحاول التفكير في صيغة جديدة يبرر الجدوى من وجود هذه النخب السياسية، ومدى قدرتها على استئناف دورها، وإصلاح العطب الذاتي (عطب الأداة الحزبية والسياسية) والتنبيه على مخاطر اختراقها من الداخل من قبل البنيات السلطوية، ومدى القدرة على إدارة التفاوض والتدبير الذكي لجدل الاستراتيجي والتكتيكي، فضلا عن الوضوح السياسي، وإمكانية بناء الموقف المتوازن الذي يرعى مصالح الدولة والمجتمع في آن واحد، وممارسة فن البوح السياسي الذي لا يكتفي بتنوير الجماهير وكشف جملة حقائق في العلاقة بين السلط، ولكنه يذهب إلى حد وضع الجماهير في صلب معركة الإصلاح، والوضوح الاستراتيجي في خوض المعارك السياسية والانتخابية.

 

 

 

 

بكلفة 10 ملايين درهم.. اطلاق “موزاييك” إذاعة مغربية خاصة ناطقة بالعربية موجهة لليهود المغاربة تنطلق في سبتمبر