وكأنهم في بلدهم الأصلي.. يهود من أصل مغربي مقيمون في إسرائيل يواصلون إحياء طقوس عيد الميمونة التقليدي. ورغم توتر الأجواء يحتفلون، تماما كما جرت العادة منذ قرون هناك في المغرب.
تبدأ الاحتفالات بعيد ميمونة، وتعني الحظ، بعد حلول الظلام في آخر يوم من أيام عيد الفصح، حيث تظل منازل اليهود المغاربة مفتوحة للزوار، لتبادل التهاني، على ايقاعات الموسيقية الأندلسية المغربية، والأغاني الشعبية المغربية، ويتم توزيع كعك العيد التقليدي، وتزين أبواب المنازل، والموائد أيضا بمختلف رموز الحظ واليمن.
العيد له رمزية خاصة للجالية اليهودية المغاربية المقيمة في إسرائيل، فموسيقى المالوف الأندلسية والشاي الأخضر بنكهة أوراق النعناع الطازج والحلويات المغربية تعيد إليهم الحنين إلى تلك الطقوس القديمة، عندما كانوا في المغرب.
احتفلت الطائفة اليهودية في تيل ابابيب، مساء يوم السبت، بعيد “ميمونة” بحضور رئيس الوزراء نفتالي بينيت ورجال أعمال وإعلاميين وفنانين.
إلى جانب ذلك، يعرف السياسي اليميني بالتزامه الديني المعلن، وممارسته شعائر الديانة اليهودية، خلافاً لكلّ من شغلوا منصب رئاسة الوزراء في إسرائيل منذ تأسيسها.
ولكن ماذا يعني ذلك؟ وهل هناك فرق بين التزام بينيت الديني والتزام بعض اليهود المتشددين؟
في انتخابات الكنيست الأخيرة، حلّ حزب نفتالي بينيت “يمينا” المتشدّد في المركز الخامس. شكلّ ائتلافاً حكومياً مع أحزاب من أطياف سياسية متنوعة، أبرزها الوسطي “هناك مستقبل” بقيادة يائير لبيد، وأحزاب من يمين الوسط إلى اليسار، إلى جانب القائمة العربية الموحدة.
تقدم ائتلاف بينيت بفارق صوت واحد على خصومه، إذ فاز بـ 61صوتاً، مقابل 59 صوتاً للمعارضة، وتضمّ أحزاباً يمينية ودينية، أبرزها الليكود، وشاس، وحزب الصهيونية الدينية، وحزب يهدوت هتوراة.
يمثّل بعض هذه الأحزاب جانباً أكثر تطرفاً في اليمين الإسرائيلي، ويتبنّى عقيدة دينية حريدية. وقد وجه أفراد منها انتقادات لاذعة لنمط الالتزام الديني الذي يمثله بينيت، كونه “غير متشدّد”، بحسب وصف محللين.
من جهة أخرى، يرى كتاب يساريون أن وصول بينيت إلى الحكم يعني “قيام نظام صهيونية دينية”، كما كتب الصحافي جدعون ليفي في “هآرتس”.
في حين يصفه الكاتب بن كاسبيت، في تحليل نشره موقع “المونيتور”، بأنه “متديّن لايت”.
وفي مقال نشر في “خدمة الأخبار الدينية”، تكتب ميشال تشابين أنّ وصول ائتلاف متنوّع المشارب إلى الحكم، يعطي “أملاً لليهود الملتزمين غير المتطرفين، بكسر احتكار اليهود الأرثوذكس على مفاصل الحياة من الزواج إلى وسائل النقل”.
في تقرير لوكالة أسوشييتد برس، يكتب جوزف كروس، أن المليونير الإسرائيلي صنع لنفسه شخصية تجمع بين عناصر ثلاثة: الحداثة والدين والقومية.
وبحسب تعبير كروس، فإن بينيت يمثّل الجيل الثالث من القادة الإسرائيليين، بعد الآباء المؤسسين، وبعد جيل نتنياهو الذي تشكلت تجربته خلال الحروب الإسرائيلية مع العرب.
وفي مجلة “فورن بوليسي” يذكّر الكاتب أورين كسلر بأن الآباء المؤسسين للصهيونية، وكذلك السياسيين الإسرائيليين الأوائل، لم يكونوا متدينين.
بحسب كسلر، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول دافيد بن غوريون يعرّف عن نفسه كملحد، ويعتبر التديّن “خداعاً للنفس”.
وبحسب بن كاسبيت، “لم يكن لإسرائيل أبداً رئيس وزراء متدين. من دافيد بن غوريون إلى إيهود أولمرت، ومن مناحيم بيغن إلى أرييل شارون، وصولاً إلى نتنياهو العلماني، لم يتبع قادة الدولة اليهودية التقاليد الدينية. أظهروا بعض زخارف التديّن، لجذب المتدينين والأرثوذكس المتطرفين، لكنهم لم يحفظوا السبت أو يغطوا رؤوسهم”.
يقول بينيت في حوار مع صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إنه “يميني أكثر تشدداً من بيبي، لكنني لا أستخدم خطاب الكراهية أو الاستقطاب”.
في لقاءات صحافية قديمة، يعبّر بينيت عن استيائه من تهميش الإسرائيليين اليمينيين بشكل عام، والملتزمين دينياً بشكل خاص، ويصفهم بأنهم “الأكثرية الصامتة التي تتعرض للإقصاء بسبب سيطرة اليسار على النخبة في الإعلام والقضاء والأكاديميا”.
ويرى محللون أن فترته الحكومية قد تكون مناسبة ليحقق حلماً شخصياً، وهو جعل الدين أكثر حضوراً على الساحة الإسرائيلية العامة.
بالرغم من الأهمية التي توليها التقارير الإعلامية لالتزام بينيت الديني، إلا أنه تلقى انتقادات من اليهود اليمينيين الأكثر تشدداً في إسرائيل. وقال بعضهم إن ابرازه لمظاهر دينية معينة (مثل الكيبا)، “نوع من النفاق”، وأن تشكيله الائتلاف الحكومي الحالي، “تهديد لشخصية إسرائيل اليهودية”.
يعود ذلك إلى اختلاف عقائدي بين التيار الديني الذي يمثله بينيت، وهو اليهودية الإصلاحية، وبين التيار المتشدّد.
و”اليهودية الإصلاحية” أو التقدمية أو الليبرالية تيار ديني نشأ في منتصف القرن التاسع عشر، ويمثل قطيعة مع التراث اليهودي القديم ويرفض أخذ الشريعة بحذافيرها.
ولد بينيت لميرنا وجيم بينيت، وهما يهوديان أمريكيان علمانيان. تنقلت العائلة بين كاليفورنيا ومونتريال، ثم استقرت بشكل نهائي في حيفا خلال السبعينيات، وبدأت بإرسال أبنائها إلى مدارس دينية، وصارت أكثر ممارسة للشعائر.
تلقى بينيت تعليماً دينياً في مدرسة يشيفا المختصة بتدريس الشرعية والتلمود، وبحسب أصدقاء شبابه كان “متديناً وليس متشدداً”، كما أن زوجته علمانية.
وبحسب “فورن بوليسي”، فقد بدأ بارتداء الكيبا بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين عام 1995 على يد إيجال عامير إثر اتفاقية أوسلو، رفضاً للوصم الذي لحق بالمتدينين.
من بين المناصب السياسية والعسكرية الكثيرة التي شغلها، تولى بينيت وزارة الخدمات الدينية بين عامي 2013 و2015، وتتولى الاشراف على الأماكن اليهودية المقدسة وتنظم أنشطة تدريس الديانة اليهودية للمهاجرين الجدد.
وفي أحد أحاديثه الصحافية يقول بينيت: “لا أؤمن بالإكراه الديني، ولكن أعتقد أن اليهودية هي سبب وجودنا، ومبرره، ومعناه”.