النقابات العمالية المغربية تلعب منذ أمد طويل أدواراً هامة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. في االخمسينيات والستينات من القرن العشرين، كان للاتحاد العام للشغل في المغرب – وهو تحالف من الاتحادات العمالية – دور هام في الإصلاح الاجتماعي، ولعب دوراً نشطاً في التصدي للاحتلال الفرنسي للمغرب. وبعد ذلك، وسط الأزمة الاقتصادية في السبعينيات والثمانينيات، قام بجهود لحشد الحركة ضد الحكومات الإدارية .
أعلنت الحكومة المغربية، السبت، عن التوصل إلى اتفاق ثلاثي مع النقابات العمالية ونقابة رجال الأعمال، يفضي إلى رفع الحد الأدنى للأجر بقطاعات الصناعة والتجارة والخدمات وبالقطاع العام، والرفع من قيمة التعويضات العائلية، وكذلك تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة، في خطوة يعتبرها مراقبون استباقية لتهدئة أجواء الاحتقان الناتجة عن ارتفاع الأسعار وتبعات الجفاف.
في هذا السياق ، عبرت الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل عن تحفظها على العرض الحكومي الأولي الخاص بجولة الحوار الاجتماعي، مسجلة “عدم رقي العرض الحكومي وتطلعات الطبقة العاملة من جهة وكذا لمستوى مطالب مركزيتها المتضمنة بالمذكرة المطلبية المسلمة لرئيس الحكومة يوم 24 فبراير 2022 من جهة أخرى”.
وسجلت الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، في بلاغ بخصوص الحوار الاجتماعي لليوم السبت، “عدم تجاوب الحكومة وعدم تطرقها إلى المطالب الملحة لكافة الفئات في الوظيفة العمومية والقطاع الخاص والمؤسسات العمومية، بالإضافة إلى شرط بعض الإجراء ات والمطالب كالزيادة في الشطر الثاني من الحد الأدنى للأجر ومعاش الشيخوخة بالقطاع الخاص بتعديلات هيكلية وقانونية كبيرة لا علاقة لها بهم، مما يشكل نوعا من الابتزاز والتوجيه المسبق والمفضوح للنوايا من وراء هذه الاقتراحات”.
كما استغربت المركزية النقابية، “تضمن مشروع الاتفاق إلى مقتضى غريب لم يسبق للاتحاد المغربي للشغل أن طالب أو تقدم به والمتعلق برفع مبلغ الدعم المخصص للمركزيات النقابية بنسبة 30في الفائة، وكذا مراجعة الدعم في جانب التكوين النقابي، مطالبة الحكومة بسحبه.
وأعلن النقابة الأكثر تمثيلية في المغرب، أن “المفاوضات مع الحكومة لازالت مستمرة من أجل تجويد العرض الحكومي، وفي هذا الصدد فإن الأمانة الوطنية تطالب الحكومة بالتفاعل الإيجابي مع مذكرة الاتحاد وملاحظاته حول مشروع الاتفاق وتحضير السياق العام والأجواء الصعبة التي تطبع هذا الحوار الاجتما
وأشار الاتحاد المغربي للشغل، إلى أنه “تقرر إبقاء اجتماع الأمانة الوطنية مفتوحا، حتى أخذ القرار المناسب حول نتائج الحوار الاجتماعي على ضوء تقدم المفاوضات وتفاعل كل الأطراف”.
وقدم عزيز أخنوش رئيس الحكومة، يوم الأربعاء الماضي، للنقابات العرض الاجتماعي لحكومته، والذي تضمن زيادة في الحد الأدنى للأجر بالقطاع الخاص، وتخفيض الضريبة على الدخل.
ومن جملة ما تضمنه العرض الحكومي للنقابات زيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بـ10 في المئة، وتوحيد الحد الأدنى للأجر “SMIG” و”SMAG” وتخفيض الضريبة على الدخل بالنسبة للموظفين.
كما تضمن عرض أخنوش للنقابات تخفيض عدد أيام التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للاستفادة من التقاعد، وعدم احتساب دعم 2000 درهم الذي قدمته الحكومة للأجراء بسبب انقطاعهم عن العمل جراء الجائحة، واحتساب أجرهم الأصلي لدى صندوق الضمان الاجتماعي.
ترأست هذا اليوم، حفل التوقيع على محضر اتفاق 28 رمضان 1443هـ، الذي يعد الأول من نوعه، في سياق شروع بلادنا في تنفيذ محاور النموذج التنموي الجديد.
وبهذا تكون الحكومة قد أكدت منذ تحملها المسؤولية وفقا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة نصره الله، على فتح حوار صادق وجدي مع النقابات. pic.twitter.com/NNeB2QN7SN— رئيس الحكومة المغربية (@ChefGov_ma) April 30, 2022
وبينما علاقة الاتحاد العام المغربي للشغل بالحكومة تتأرجح عادة بين التعاون والمواجهات، فإن المغاربة ما زالوا يرون الاتحاد جهة مستقلة تكافح من أجل مصالح العمّال. لكن العديد من أعضاء الاتحاد يقولون إن قيادة الاتحاد تحولت على مدار السنوات العشر الماضية نحو تبني علاقة تواطؤ مع الحكومة، وهو ما لا يفضله أعضاء الاتحاد الأكثر استقلالية. ومع حرصها على السيطرة على هذه المنظمة القوية، فقد سحقت الحكومة محاولات تشكيل اتحادات ونقابات جديدة، وتعمل على اضطهاد النقابيين باللجوء إلى المضايقات والترهيب والاحتجاز.
ومن أهم تلك لتحديات التي واجهتها تلك النقابات: العلاقة بين العمل السياسي والنقابي، وتعريف الدور الخاص بها، ومدى التجانس الداخلي للنقابات وشرعية تمثيلها وقدرتها على الاتفاق على مسألة المشاركة في السلطة من عدمها، هل تمثل وسيط في إدارة العملية السياسية، ام طرف سياسي اصيل ولاعب أصيل في مجرى الاحداث؟ ومفهوم الاستقلالية، هل تعني الاستقلال عن الدولة بصفتها رب عمل، ام عن الأحزاب الأخرى ام عن شبكة المصالح التي تتحكم في الاقتصاد السياسي؟
ويأتي الاتفاق في أجواء اجتماعية مشحونة في ظل تداعيات ارتفاع أسعار عدد من المواد الاستهلاكية وأسعار المحروقات وتبعات الجفاف الذي عاشته البلاد في الأسابيع الماضية، مع استمرار تداعيات تفشي فيروس كورونا الجديد على الاقتصاد المغربي.
ويرى مراقبون في نجاح حكومة عزيز أخنوش في التوصل إلى اتفاق اجتماعي مع الاتحادات العمالية ونقابة رجال الأعمال، خطوة استباقية لتهدئة الأوضاع الاجتماعية، وكسب تحدي تحقيق السلم الاجتماعي في بداية ولايتها.
وانطلق الحوار الاجتماعي في فبراير/ شباط الماضي برعاية الحكومة وبمشاركة نقابات واسعة “للشروع في التفكير الجدي والمسؤول في كيفية مأسسة الحوار الاجتماعي، ليكون عقده ملزما ومنتظما”، حسب ما أعلنه رئيس الوزراء عزيز أخنوش آنذاك، دون تحديد مدة انعقاده.
ودعت النقابة إلى رفع الأجر الأدنى بالقطاع العام إلى 4000 درهم (400 دولار) شهريا، فيما يبلغ أجر الموظفين حاليا 3000 درهم شهريا.
وأكدت النقابة “ضرورة تحسين نظام الترقي في العمل”، وأعربت عن رفضها “حصر إشكالات الوظيفة العمومية في أبعاد مالية وتقنية صرفة، تنصب في معظم الأحيان على تخفيض نسبة كتلة الأجور (إجمالي أجور الموظفين) من الناتج الداخلي الخام من خلال تقليص عدد مناصب الشغل الصافية المخصصة لإدارات الدولة والبلديات أو تجميد الأجور”.
وفي مارس/ آذار الماضي، قررت الحكومة زيادة في أجور أطباء القطاع العام، اعتبارا من السنة المقبلة.
وكان أخنوش قال في فبراير الماضي إن اللقاء مع النقابات “سيتناول الاتفاق على ميثاق وطني للحوار الاجتماعي، يحدد حقوق وواجبات مختلف الفاعلين، ومأسسة الحوار، وتنظيم أساليب الاشتغال والتعاون بين مختلف الشركاء الاجتماعيين”.
وجاءت دعوة رئيس الحكومة إلى بدء جلسات الحوار الاجتماعي في أعقاب خروج تظاهرات في العديد من المدن المغربية، بسبب الغلاء وارتفاع أسعار المواد الأساسية وعلى رأسها المحروقات.