في ظهور إعلامي جديد له، تزامناً مع ارتفاعاً بالغاً في الأسعار ينعكس على مستوى معيشة المواطن العادي في تطور يرجعه محللون لتوقف مصفاة سامير، مصفاة التكرير الوحيدة بالبلاد، ووقف الدعم وليس لارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية بسبب الحرب الأوكرانية، كما يعزو المسؤولون الأمر.
أكد عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” إن حزبه لم يأتي كي يتجادل مع الملكية، بل جاء للتعاون معها لمساعدة الملك وفق القوانين المعمول بها.
وأضاف بنكيران في كلمة له خلال أشغال المؤتمر الجهوي الثالث لحزبه بجهة درعة تافيلالات، أنه دائما يؤكد على الملكية ويلح عليها، مشيرا أنه “حتى إذا مات سيلح عليها هي والمرجعية الإسلامية”.
وتابغ ” كنت دائما أقول للأجانب الذين يزورون المغرب إنه من المحتمل أن لا يجدوني مجددا، لكن إذا وجدوا الملك والملكية فإنهم يجدون المغرب، أما إذا لم تجدوا الملكية فستجدون الديكتاتورية أو حرب أهلية”.
وأكد بنكيران أن الملكية في المغرب تطورت، مشيرا أن الحكم ليس هو أن تكون في رأس الدولة بل “كيفاش تشد الدولة وتقوم بإصلاحها وتتقدم بها إلى الأمام وتحافظ على الاستقرار.
وقال ” انظرو ما حصل في ليبيا بعد موت القذافي ونفس الشيء وقع في تونس والجزائر”، مؤكدا أن هذا الكلام مؤلم لكن هذا هو الواقع.
وشدد على أن حزب العدالة والتنمية وفيٌّ للملكية ويعمل أن يكون جميع المغاربة أوفياء لها، مضيفا ” الملوك لهم مهمة أساسية هي الحفاظ على ملكهم ويورثون ملكهم لأولادهم وعائلاتهم.
واسترسل” أتمنى أن المغاربة لا يبقى فيهم أي تيار ينازع الملكية خصوصا في هذه المرحلة وخاصة مع حرب روسيا في أوكرانيا والتي تشير على أننا أمام عالم جديد”.
وأكمل بالقول ” الشعوب العاقلة تتشبث بحكامها كيف ما كانوا وتلتحم معهم لأنه كلما أضعفت الحاكم خصمك هو من سيتفيد من هذا الضعف”.
وأشار أنه “رفع من ثمن البنزين والكازوال والشعب قَبِلَ ذلك لأنه فهمنا وكان يثق فينا، ثم بعد ذلك طبقت المقايسة ورفع الدعم وتحررت ميزانية الدولة من دعم المحروقات، مؤكدا أن هذا القرار يكفيه في كل ولايته الحكومية، وولاية خلفه سعد الدين العثماني أيضا.
وقال بنكيران إنه لم يندم على تدخله لإصلاح صندوق المقاصة، موردا: “لقيت البلاد مقجوجة بالمقاصة لي كتاكل 30 مليار درهم، في وقت ميزانية المغرب لم تكن تتجاوز 210 مليارات، لذلك فضيتها مع المحروقات”، مبرزا أن استمرار الوضع كما كان عليه كان سيؤدي إلى انهيار الميزانية والدولة.
وكان المغرب يعول على مصفاة سامير لتوفير أكثر من 80 في المئة من احتياجاته البترولية، وكان يدعم هذه المنتجات حتى عام 2015، إلى حين تخلي حكومة رئيس الوزراء السابق، عبد الإله بنكيران، من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، عن الدعم بسبب التكلفة الكبيرة التي كانت تتكبدها الموازنة العامة.
بدوره ، قال الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ومنسق (جبهة إنقاذ مصفاة سامير)، إن “المغرب كان يبني حاجياته على تكرير مصفاة سامير التي كانت تمثل في الأصل 80 في المئة من الاستهلاك الوطني زائد 20 أو 15 في المئة كانت تستورد من الخارج”.
وتابع قائلا : “ارتفاع سعر البرميل في السوق الدولية ما هو إلا قميص يوسف. أسعار البترول ارتفعت في المغرب بسبب وقف دعم البترول من طرف الدولة في 2015 من صندوق المقاصة (الموازنة)”.
وتخلت الدولة عن دعم جميع المحروقات باستثناء غاز البوتان.
وقال اليماني: “في فترة الدعم لم يتجاوز سعر الكازوال (السولار) ثمانية دراهم للتر. الآن تجاوز 14 درهما (1.4 دولار)”.
ولأول مرة في تاريخ المغرب، تجاوز سعر الكازوال هذا الشهر سعر البنزين إذ زاد عن 14 درهما (1.42 دولار) للتر قبل أن يعود للاستقرار عند 13 درهما.
واكد بنكيران أنه ” مع الأسف الشديد لم نرفع الدعم عن السكر والدقيق وغاز البوتان، مقابل إقرار تعويضات للشعب الذي لا يشتري سوى قنينة غاز واحدة أو اثنتين في الشهر”.
وأضاف ” لا أفهم كيف يرفع أخنوش من أجور الموظفين لأن الزيادة يجب أن تكون لي “ناس لي لتحت” والفقراء” في الأسفل.
ودعا بنكيران أخنوش لتخفيف وطأة الأزمة عن المستصعفين وأن تشرح لهم الحكومة ما يحدث، مضيفا ” هذه الحكومة مع الأسف ماكادير ربح ولا تشرح”.
وأضاف ” هذه هي نتيجة البلوكاج جبتي صحابك وبلوكيتي الحكومة وكنت باغيين طيحو العدالة والتنمية هاهو طاح إذن ورونا حنة يديكم”.
وأكد بنكيران أن “التجمع الوطني للأحرار” ليس حزبا بل مجرد تجمع ليست له أيديولوجيا ولا زعامات ولا مناضلين، مضيفا “عصمان والمنصوري لي كانوا زعامات مشاو، وأخنوش كان مقابل فليساتو ومكلف بوزارة الفلاحة، ولا أريد أن أقول عنه إنه فاشل لأني تشبثت ببقائه في الحكومة.
وشدد على أن أخنوش ليس زعيما سياسيا وحزبه بدون أيديولوجيا بل يجمع رجال الأعمال فقط، فمن منا كان يعرف عمدة الرباط أو عمدة الدار البيضاء، لافتا إلى أن طبخة إبعاد حزب “العدالة والتتنمية” لم تنجح.
وتابع بنكيران: “إن كل إصلاح تم إنجازه بالمغرب يعود فيه الفضل إلى الملك محمد السادس”، مستغربا محاولة بعض الجهات كما أسماها الإيقاع بينه وبين الملك، وزاد: “أنا ما جيتش نتلاج مع الملك على الصلاحيات، وقلنا في أكثر من مناسبة إن للملكية دورا مهما في حفظ هذا البلد، فلا داعي لدفعنا إلى تكرار هذا الموضوع في كل مرة”.
وكانت سامير قد توقفت عن العمل عام 2015 بعد أن تراكمت عليها الديون بسبب سوء الإدارة خلال فترة خصخصتها وبيعها لرجل الأعمال السعودي، محمد حسين العامودي.
وبينما ينظر القضاء في ملف الشركة، تأسست (الجبهة الوطنية لإنقاذ سامير) من أجل إعادة تشغيل المصفاة.
ومع تعالي الأصوات المطالبة بإعادة تشغيلها، قال رئيس الوزراء، عزيز أخنوش، هذا الشهر أمام البرلمان “الدولة لم توقف سامير، بل لديها إشكال قانوني مع المالك السابق لشركة سامير، حيث يعرض الأمر على المحاكم الدولية”.
وانعكس ارتفاع أسعار المحروقات على أسعار السلع بصفة عامة والقدرة الشرائية للمواطنين، مما اضطر الحكومة إلى تخصيص ميزانية لدعم 180 ألف وسيلة نقل منها حافلات وشاحنات وسيارات أجرة.
وفي مداخلة أمام مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان المغربي) قالت، ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، إن مخزون المغرب من المحروقات يكفي لما بين 30 و40 يوما فقط. وكانت قد قالت في وقت سابق من الشهر إن المخزون لا يكفي إلا لتغطية 26 يوما.
وتابعت “بالرغم من الظرفية العالمية الصعبة، تم التوصل إلى عقود مع شركات عالمية للتزود بالغاز الطبيعي”. وأضافت أن الوزارة تعمل على رفع القدرة على “تخزين المواد البترولية باستثمار يناهز ثلاثة ملايين درهم في أفق 2023”.
وقال اليماني: “الحل هو إعادة افتتاح محطة تكرير البترول لأنها كانت توفر على الأقل مليونا و200 ألف طن أو مليونا و300 ألف طن، أما طاقتها القصوى فكانت تصل إلى مليون و800 ألف طن وهذا يكفي لشهرين ونصف الشهر لاستهلاك المغرب”.
وأضاف: “استيراد المغرب للنفط المكرر مكلف جدا، واستيراده خاما وتكريره في المغرب سيوفر ملايين الدراهم، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية تزيد الأمر تعقيدا خاصة إذا طالت”.
من جانب آخر طالب نائب برلماني من حزب التقدم والاشتراكية المعارضة “ببناء مصفاة جديدة لتكرير النفط بالموازاة مع ضرورة تسوية وضعية سامير”.
وقال النائب، رشيد حموني، في رسالة إلى رئيس الحكومة “من أجل مواكبة حاجيات اقتصادنا الوطني من الطاقة فإنه يتعين على الحكومة، بالإضافة إلى مجهودات تنويع مصادر الطاقة وإعطاء دفعة قوية للطاقات المتجددة، العمل على توفير الشروط اللازمة فيما يتعلق بالتكرير والتخزين”.
من جهته تساءل اليماني أين ذهبت أموال الدعم مع ما يشهده المغرب من تراجع في قطاعي الصحة والتعليم على حد قوله.
وقال إنه تجري معاينة لمصفاة سامير كل ثلاثة أشهر “والمعاينة التي أجريناها في نهاية 2021 تقول إن 1.8 مليار درهم (182.8 مليون دولار) قادرة ترجع سامير كلها للتشغيل في منظومة التكرير والتخزين، وعندنا التفاصيل لكل قطعة غيار كم ثمنها”.
في نفس السياقه، لفت الباحث في العلوم السياسية، حفيظ الزهري، إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع الأسعار أثّرت بشكل كبير على البرنامج الحكومي ووعود الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، ما نتج عنها أزمة تواصلية، تعود بالأساس إلى بنية الحكومة التي يغلب عليها الطابع التكنوقراطي الذي غالباً ما يفضل الاختباء خلف السياسة.
وأشار في حديثٍ سابق إلى أن أزمة التواصل ووُجهت بانتقادات الشارع ما دفع بعض الوزراء في حكومة أخنوش الحالية إلى الاستعانة بما يسمى بالمؤثرين لتخفيف الضغط عنها، خصوصاً على مستوى المواقع الاجتماعية التي أصبحت جزءا من الملاعب البديلة لممارسة السياسة.
وأوضح الزهري، أن الاستعانة بالمؤثرين من قبل بعض وزراء الحكومة الحالية سببها ضعفهم التواصلي الناتج عن غياب التجربة السياسية أو بنيتهم التكوينية التقنية بالأساس وعدم تدرجهم في هياكل الأحزاب السياسية، لافتاً إلى أن ذلك جعلهم يلجؤون إلى استئجار من ينوب عنهم في هذه المهمة.
واعتبر أن “هذه الخطوة لن تعرف النجاح المنتظر منها، بحكم أن المؤثرين بنوا شعبيتهم الافتراضية بفضل التركيز على الانتقاد، وأن تحولهم 180 درجة نحو تسويق ما سبق وانتقدوه سيكون أمراً صعب التقبّل لدى رواد المواقع الاجتماعية”.
وبرأي الزهري فإن المواقع الاجتماعية لا يمكن الاعتماد عليها كبدائل للوسائل التقليدية، تحديداً الإعلام العام والخاص، لتنشيط البرامج السياسية والتأطير الجماهيري باعتبارها أموراً كفيلة بتحقيق المصالحة بين الفاعل الحزبي والمواطن المغربي.