واقع الصحافة الوطنية اليوم: تحدياتها وآفاقها‎‎..دور الاعلام في توجيه أجندة السياسات العمومية بالمغرب

0
179

منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، ظلّ الإعلام المرئي المغربي في يد الدولة. تمنح له شرعيته وتصنع له خطابه. حتى الإعلام المكتوب الخاص، تدعمه الدولة بشكل من الأشكال، فلا يخرج عن التهليل والتطبيل، مكتفياً بتقديم تغطيات قصيرة مُرتبكة لأنشطة ومشاريع سياسية فارغة من المحتوى.

الدارالبيضاء- نظم مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية –مدى، مائدة مستديرة حول موضوع: “واقع الصحافة المغربية اليوم: تحدياتها وآفاقها”، وذلك يوم السبت 18 يونيو 2022 ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال.

و ركزت المداخلة الأولى في هذا اللقاء لأستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني ورئيس مسلك الصحافة والإعلام “حسن حبيبي”، على مسألة التربية الإعلامية، معتبرا إياها ورشا كبيرا من الضروري أن يفتح أمام عموم المواطنين المغاربة، داعيا إلى ضرورة انخراط المؤسسات الإعلامية بشراكة مع المؤسسات التعليمية في هذا الورش، وذلك ببرمجة لقاءات دورية داخل المؤسسات التعليمية للتعريف بالإعلام ووظائفه وأدواره، لكي تتمكن الناشئة من التمييز بين الحقيقي والزائف وأن لا يكونوا عرضة لهذه الطفرة الإعلامية التي أصبحت تقدم أخبارا ومعطيات زائفة، لا يمكن تحصين الناشئة منها إلا بالتربية الإعلامية.

وقد نبه الأستاذ عبدالكبير اخشيشن، رئيس المجلس الوطني للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، بحس نقابي ومهني، إلى مجموعة من الظواهر السلبية والملتبسة في الحقل الإعلامي المغربي، والمتمثلة في دخلاء يسيئون إلى حرية التعبير، بالإضافة إلى ما أطلق عليه “هشاشة قاتلة” متعلقة بالصحافة الإلكترونية، في ظل مرحلة صعبة تعرفها الصحافة بشكل عام، ودعا الأستاذ اخشيشن من خلال مداخلته إلى ضرورة إعادة الصحافة إلى دورها المركزي، وهي العودة التي يمكنها أن تتحقق عبر أحد أهم الأجناس الصحفية أي الصحافة الاستقصائية.




ركزت الأستاذة عزيزة أيت موسى، الصحافية بجريدة الصحراء المغربية، على الاكراهات والتحديات التي يواجهها المهنيون في ممارساتهم، وأشارت إلى أن جائحة كورونا كشفت حجم الهشاشة التي تعرفها المقاولات الصحفية، في مقابل الدور الذي لعبته الصحافة المهنية في محاربة الأخبار الزائفة المنتشرة بخصوص الوباء، وكل ذلك في غياب التكوين حول تغطية الأخبار والمعلومات حول الأوبئة، وأيضا المخاطر التي عرض الصحافيون أنفسهم لها في بداية تفشي الجائحة. وترى المتدخلة بأن الوقت قد حان لتفعيل إعلام ديمقراطي وحقيقي، مع التركيز على التكوين والتكوين المستمر داخل المقاولات الصحفية.

المداخلة الأخيرة في هذا اللقاء، كانت للأستاذ أسامة باجي، صحافي وباحث في الإعلام والتواصل، الذي أكد في البداية على أن التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير والموجه لاعتناق الآراء والمعتقدات يظل هو الإعلام، وتحدث عن علاقة الاعلام بالديمقراطية بالإشارة إلى أنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية بمعزل عن المناخ السياسي في علاقته بوسائل الإعلام.

وبالنظر إلى المؤسسات الإعلامية، في السياق المغربي، باعتبارها مؤسسات ديمقراطية أو سلطة (رابعة) يجب أن يخضع لمدى حرية الإعلام المغربي في تعاطيه مع القضايا السياسية ومواكبته للشأن السياسي فضلا عن إسهامه في تكوين الاتجاهات والآراء نحو تبني مواقف. وهو الدور الذي يساهم في خلق نقاش ديمقراطي لدى الرأي العام، ولا يمكن الحسم في مسألة إسهام الإعلام في تكريس الانتقال الديمقراطي من عدمها لكن الوضع الذي يعيشه الاعلام المغربي والمتسم بالضبابية قد يضعف من إسهامه في الانتقال إن لم تتم المجازفة بالقول أنه ربما يؤخر الانتقال الديمقراطي من خلال الوظيفة المعكوسة. 

لم يستوعب بلد تقليدي مثل المغرب بعد، طبيعة وشكل ونمو المجتمعات العربية اليوم، وحاجتها إلى حرية الرأي والتعبير، منذ بدايات الربيع العربي، وتزايد رغبة المدونين على صفحات التواصل الاجتماعي في إبداء آرائهم في جملة من الأحداث السياسية والاجتماعية التي طاولت البلد منذ 2011. لكن للأسف تغييرات جذرية مسّت جميع الميادين باستثناء الإعلام المرئي الحكومي متناسياً ضرورة ضخ دماء جديدة في شرايينه من خلال التحاور والتشارك مع مستثمرين جدّد.

فرغبة الدولة في احتكار هذا القطاع، جعلت العديد من هؤلاء المستثمرين يعملون على إطلاق قنواتهم الخاصّة من خارج البلد مثل قناة “تيلي ماروك” التي تبث برامجها عبر الأقمار الاصطناعية من مدينة مدريد في إسبانيا، بسبب عدم توفير رخص إطلاق القنوات من داخل المغرب، مخافة من انهيار وتداعي سوق الإعلان المُحتكر من الإعلام الرسمي/الحكومي.

وعن قضية القنوات الخاصّة ومدى قدرتها على تحرير الإعلام المرئي، يعتبر الإعلامي محمد معتصم في تصريح خاصّ لـ”العربي الجديد” أن وتيرة “الاحتجاجات والانتقادات الموجهة إلى القنوات التلفزيونية الرسمية ستستمر ما دامت هناك آذان غير صاغية لا تتجاوب مع مطالب المواطنين من مختلف مشاربهم الاجتماعية والثقافية والذين يرغبون ــ إن لم نقل يحلمون ــ بقنوات إعلامية مختلفة، بتعدد وتنوع برامجها وتخصصات منتوجها الفكري والفني والترفيهي”. ويضيف “قنوات عمومية (رسمية) تحتكر فيها الدولة وتهيمن على برامجها وأنشطتها وتنهج سياسة التعتيم على المواطنين من خلال عدم تزويدهم بالمعلومات والحقائق بخصوص العديد من الأخبار التي تقع داخل المغرب، ما يجعل هذا المواطن تائهاً بين قنوات عربية وأخرى غربية بحثاً عن حقائق ومعرفة ما يجري في المغرب. هذا المعطى الخطير يزداد سوءًا في غياب قنوات إعلامية خاصة تخلق المنافسة ويتنوع فيها العرض وتطور فعل الجودة. مع فتح للمشاهد حرية اختيار ميوله الفكرية والثقافية والفنية والرياضية، وإعادة الثقة في المنتوج المحلي الذي أصبح ينتج برامج أقل ما نقول إنها رديئة وغير مقنعة ولا ترقى الى انتظارات المشاهد المغربي الذي أصبح يبحث عن التميز في برامج وجدها في قنوات إعلامية عربية وغربية”.

وعن غياب القنوات التلفزيونة الخاصة ولماذا ظلت القنوات الرسمية هي المهيمنة على المشهد الاعلامي المغربي، يجيب محمد معتصم أن “المغرب اليوم لديه هيئة عليا للاتصال السمعي البصري “الهاكا” وقد أسند اليها قانونياً تنظيم القطاع ومنح رخص إنشاء قنوات إعلامية خاصة طبعاً وفق شروط دقيقة مسطرة قانونياً، لكن لماذا لم يتم تفعيل هذا المعطى وبقيت قابعة أي “الهاكا” في زاوية المتفرج، وغير قادرة على إعطاء المستثمرين رخص إنشاء قنوات خاصة تعزز القطاع السمعي البصري. نحن أمام إشكالية خاصة تتطلب منا البحث عن أسباب هذا العجز في اتخاد القرار والذي يضع الهيئة العليا في قفص الاتهام والإخلال بمسؤوليتها تجاه المواطن المغربي، ولماذا لا تحذو الدولة حذو دول بالجوار استطاعت تبني التعددية ومنحت المشاهد حرية اختيار ما يروقه ويلبي طلباته”.

لكنْ للصحافية المغربية سكينة بنزين، رأيّ آخر، إذ ترى أنّ الترويج لكون الإعلام الخاصّ سيساهم في تحرير الإعلام المغربي فيه “الكثير من الضبابية التي تغفل فتح قوس على مفهوم استقلالية المتربط برأس المال المحرك لهذا الإعلام”. وتؤكد على أن هنالك تحاملا كبيرا على ما هو “رسمي”. لكنها مع ذلك تُشدّد على أن الإعلام المرئي الخاص يظل “تبعاً للتجارب المتاحة اليوم، جسراً لعبور “المحظور” الذي يحاول الإعلام الرسمي جاهداً “إعادة تدويره” إن صح التعبير أو القفز فوق بعض محطاته.

فبعد إحداث قانون جديد رقم 88.13 للصحافة والنشر ، والذي نشرته الحكومة المغربية في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 غشت 2016، إلاّ أن هذه المجهودات كلها لم تؤتي بعد ثمارها، وغير كافية لتقنين هذا المجال وضبطه، حيث غدت الساحة الإعلامية مرتعا لكل الأقلام، وبيتا لكل ضال، ومهنة من لا مهنة له، وانتجت إعلاما يشتغل خارج أخلاقيات المهنة، حيث جعل هذا الأخير المواطن المغربي مادة دسمة يتناولها يمنة ويسرة، ينشر الأخبار الزائفة كالنار في الهشيم، ويساهم في نقل مجموعة من الوقائع الكاذبة وأخرى خارجة عن سياقها، لإحداث الفتن وتشويه سمعة الناس ، بطبيعة الحال لا يمكننا أن نضع الجميع في سلة واحدة، ولا يمكن أن نتحدث عن إعلام فاسد دون أن نشير إلى أن الساحة أيضا تزخر بأقلام حرة، تحترم المواطن المغربي، وتشتغل في ظل أخلاقيات المهنة، غير أن الإعلام المغربي ما يزال بحاجة ماسة إلى استراتيجية إعلامية واضحة المعالم، ولعب دوره الأساسي في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعلى الدولة أيضا أن تضع مشروعا إصلاحيا دقيقا يضمن إقلاعا حقيقيا لهذا الحقل.

بالعودة للوراء واستقصاء السيرورة التاريخية لحرية الصحافة بالمغرب، سنجد أن التراجع في حرية التعبير غير مرتبط بالفترة الأخيرة فقط، وإنما هو ممتد على مدى أربع سنوات متتالية، حتى أصبح المغرب اليوم حسب منظمة مراسلون بلا حدود متخلفا في مؤشر حرية الصحافة، مقارنة بدول تقبع في الحروب والنزاعات، وحسب المنظمة نفسها فإنها تعزو سبب هذا التراجع أساسا إلى ممارسة الدولة الضغط السياسي والاقتصادي على وسائل الإعلام المغربية، وبالعودة إلى سنوات خلت نقف على مجموعة من الاختلالات والاعتقالات ومحاكمات شملت ثلة من الأقلام الحرة، بالإضافة إلى إغلاق مقرات جرائد مستقلة معروفة بالمغرب، حيث تم اعتقال 14 صحافيا خلال ملاحقات أمنية في الفترة من ماي إلى يوليوز 2017، وتم ترحيل العديد من الصحافيين الأجانب.

كما يدعو مجموعة من المحللون إلى مراجعة شاملة لقانون الصحافة، وضرورة إحداث سياسات عمومية، تنسجم مع القيم والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان، وإنزال ضمانات قانونية لعدم متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي، وذلك من أجل تطوير ممارسة المهنة وحرية الإعلام.