انطلقت صباح اليوم الثلاثاء، ندوة علمية بفندق “سوفتيل الرباط، حول موضوع: “العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية “، والتي تنظمها تنظم رئاسة النيابة العامة المغربية بشراكة مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية وبدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) في الفترة من 28 إلى 30 يونيو 2022،بمشاركة 100 مختص من السلك القضائي المغربي ومن القطاعات المعنية بحقل العدالة، 40 مشاركا ينتمون إلى دول عربية شقيقة هي: السعودية، الأردن، السودان، تونس، مصر، البحرين، الكويت، عُّمان وفلسطين.
وتهدف الندوة العلمية، وفقا لبلاغ للنيابة العامة ،والتي يقوم بتأطيرها خبراء مغاربة وعرب وأوربيين، إلى تعزيز قدرات المشاركين، لاسيما القضاة العاملين في قضاء التحقيق وقضاء الأحداث والنيابة العامة، حول الممارسة الفضلى في مجال بدائل العقوبات السالبة للحرية، لأجل التخفيف من حالات الاعتقال الاحتياطي في صفوف الرشداء والأحداث، وتطوير أداء منظومة العدالة الجنائية الوطنية.
ولخص بلاغ النيابة العامة الأهداف المتوخاة من الندوة في النقط التالية :
بيان مكانة بدائل العقوبات السالبة للحرية في منظور القانون الجنائي المقارن والعلوم الإنسانية ذات الصلة.
توضيح الممارسات الحسنة في مجال إعمال العقوبات السالبة للحرية في قوانين الدول العربية.
شرح الجهود والتطبيقات القضائية العربية لبدائل العقوبات السالبة للحرية
دراسة أثر بدائل التدابير السالبة للحرية على ظاهرتي الاكتظاظ السجني والعود إلى الجريمة.
وتقديم مقترحات لتطوير وتنظيم بدائل العقوبات السالبة للحرية في قوانين ومؤسسات العدالة الجنائية، خاصة وأن وزارة العدل قد أعدت حاليا مشروع قانون يتعلق بالعقوبات البديلة.
بدوره قال وزير العدل عبداللطيف وهبي: “إن الاقتناع أصبح راسخا منذ ما يقارب عقدين من الزمن من خلال التشخيصات التي أجريت على منظومة العدالة بالمغرب في مناسبات متعددة, وأن الوضع العقابي القائم أصبح بحاجة ماسة لاعتماد نظام العقوبات البديلة، خاصة في ظل المؤشرات والمعطيات المسجلة على مستوى الساكنة السجنية في المغرب
التي تفيد أن ما يفوق 40% من السجناء محكومون بمدة تقل عن سنتين.
وأشار إلى أن العقوبات الصادرة بسنتين وأقل بلغت في المغرب نسبة 44.97% حسب الإحصائيات المسجلة سنة 2020 وهو ما يؤثر سلبا على الوضعية داخل المؤسسات السجنية ويحد من المجهودات والتدابير المتخذة من طرف الإدارة العقابية في تنفيذ برامج الإدماج وإعادة التأهيل وترشيد تكلفة الايواء، لاسيما وأن الممارسات أبانت عن قصور العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في تحقيق الردع المطلوب والحد من حالات العود إلى الجريمة.
وبين وزير العدل وهبي أن مشروع قانون خاص بالعقوبات البديلة يجمع الأحكام القانونية الموضوعية والإجرائية معا إلى جانب الأحكام التنظيمية، قد تمت إحالته إلى الأمانة العامة للحكومة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمؤسسات الحكومية والقضائية والأمنية والهيئات المعنية كافة، بهدف التدارس وإبداء الرأي.
وأضاف أن المشروع نص على خيارات متعددة للعقوبات البديلة ما بين العمل لأجل المنفعة العامة والمراقبة الإلكترونية والغرامة اليومية وتدابير علاجية وتأهيلية أخرى لتقييد ممارسة بعض الحقوق بما يتماشى وخصوصية المجتمع المغربي، وفق ضوابط قانونية محددة تراعى من جهة السلطة التقديرية للقاضي في اعتمادها والإشراف على تنفيذها باستثناء بعض الجنح الخطيرة.
بدائل متميزة
من جهته قال الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة الحسن الداكي: “إن العقوبات السالبة للحرية وإن كانت تعرف انتشارا عالميا كجزاء تقره القوانين لتحقيق الردع العام والخاص، إلا أن الدراسات والتقارير الدولية الصادرة عن الهيئات الأممية كمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، واللجنة الدولية للعدالة الجنائية والوقاية من الجريمة تؤكد أنه على مستوى الممارسة فإن اللجوء العام إلى عقوبة السجن يتصاعد، دون إمكانية البرهنة على أن ذلك ينتج عنه تحسن في مؤشرات الأمن والسكينة العامة.
وأضاف: “إذا كانت آثار السجن عموما وخيمة وتغرق الدول والأفراد في أعباء مختلفة منها ما هو مادي واقتصادي، ومنها ما هو اجتماعي وأسري، فإن هذه الآثار تكون أكثر شدة إذا انصب سلب الحرية على طفل متورط في ارتكاب جرم، فإصلاح الأحداث ورعاية مصلحتهم الفضلى يقتضي أن يكون تدبير الاعتقال أبعد ما أمكن عن عدالة الأحداث.
وأكد أن بدائل الاعتقال الاحتياطي والتدابير البديلة للعقوبات السالبة للحرية تشهد مكانة متميزة في تنفيذ السياسة الجنائية المعاصرة، خاصة وأنها أصبحت محل توافق حقوقي دولي ومطلب قضائي عملي، من شأن إدراجها في التشريعات الوطنية وتفعيلها على الوجه المطلوب أن يسهم في تخفيف وطئ العقوبات الحبسية قصيرة المدة واثارها السلبية، لا سيما تلك المرتبطة بتفاقم مشكلة الاكتظاظ السجني الذي أضحى ظاهرة عامة تشهدها العديد من النظم العقابية.
وأشار إلى أن حتمية هذا النقاش تزداد عندما يتعلق الأمر بأحداث دون سن المسؤولية، حيث تقضي فلسفة عدالة الأحداث اعتبار جميع الأطفال في تماس مع القانون، سواء كانوا ضحايا أو جانحين أو في وضعية صعبة أطفالاً محتاجين للحماية، وهم على اختلاف أوضاعهم يعتبرون ضحايا عوامل وظروف شخصية واجتماعية ساقتهم إلى التماس مع القانون، وينبغي لآليات العدالة أن تتقصى مصلحتهم الفضلى عند اختيار التدبير الأنسب لهم.
وبين رئيس النيابة العامة في المغرب الحسن الداكي أن الإيداع بالمؤسسات وسلب الحرية يجب أن يكون آخر ملاذ يتم اللجوء إليه، وعلى نظم العدالة توخي أنجع السبل لتكييف الإجراء القانوني مع الظروف الخاصة للطفل، والحرص أولا وأخيراً على إبقائه في كنف أسرته ووسطه الطبيعي, مؤكدا أن “خيار البدائل بالنسبة للأطفال أكثر إلحاحاً إذ يضعنا أمام رهان تحقيق المصلحة والإصلاح والتأهيل والإدماج دون اللجوء إلى سلب الحرية، وذلك باعتماد آليات معترف بها دولياً كالعدالة التصالحية ونظام تحويل العقوبة وبدائل أخرى أثبتت فعاليتها كالعمل لفائدة المنفعة العامة أو التدابير الرقابية الخاصة
بالأحداث.
بدورها قالت ممثلة اليونيسيف بالمملكة المغربية السفيرة الدكتورة سبيسيوز هاكيزيمانا ندابيهور: “إن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ إجراءات لا تسلب الحريات من الأطفال، وتقوية نظام التعاون في استخدام البدائل التي تحافظ على حقوق الأطفال وتحميهم وتخفف من الآثار السلبية عليهم.
وأشارت إلى أنه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هناك 18 مليون طفل في السجون وأن هذه الإحصائية لا تغطي إلا 49% من الساكنة إذ أن حقيقة الأطفال في السجون هو أكثر من هذا العدد وهو ما يستعدي وجود نظام لتجميع البيانات يسهل الوصول إليه لتبني استراتيجية واضحة لتعزيز حقوق الطفل.
من جانبه استعرض مدير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي الدكتور حاتم علي التعاون الشراكة الاستراتيجية بين جامعة نايف بحسبانها الذراع العلمية لمجلس وزراء الداخلية العرب، ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات بحسبانه الأمانة العامة والفنية لكافة المعايير الدولية لمنع الجريمة والعدالة الجنائية وسعيهما المشترك لتحفيز إنشاء فرق الجزاء العربية المتخصصة ورعايتها لوضع معايير عربية متطورة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية بما يتضمن بدائل وتدابير العقوبات السالبة للحرية.