جدّدت الهيئات النقابية، الاثنين، الدعوة لوضع سقف لأسعار الوقود، منتقدين أرباحاً “فاحشة” تحقّقها شركات التوزيع، التي تعود ملكية أبرزها إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، مما يثير أيضا تساؤلات حول “تضارب للمصالح”.
واستنكرت النقابات الوطنية للنقل الطرقي للبضائع بالمغرب، الارتفاع المهول والمستمر الذي يعرفه سعر المحروقات بالمملكة خلال الفترة الأخيرة، وهددت بخوض إضراب وطني و التوقف الجماعي عن العمل، في حال لم يتم تسقيف الاسعار.
وفي بيان مشترك، دعت الهيئات النقابية المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد العام للشغالين، الاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد الوطني للشغل، حكومة عزيز اخنوش لـ”اتخاذ الاجراءات التي من شأنها تسقيف سعر المحروقات في مستوى معقول لفائدة عموم مهنيي القطاع “.
واعتبرت ذات النقابات، وفق البيان، سعر المحروقات في المملكة “مبالغ فيه”، ودعت الجهات المسؤولة إلى “فتح تحقيق حول السعر الذي يتسم بوجود بنية شبه احتكارية”.
كما دعت مجلس المنافسة إلى حسم موضوع المحروقات المحال عليه في نونبر 2016، مؤكدة على الضرورة الوطنية الملحة لإعادة تشغيل مصفاة “سامير”.
وأكدت على ضرورة إعادة النظر في الدعم المخصص للمهنيين بسبب الارتفاع المستمر لهذه المادة مع الاستجابة الفورية لمشاكل المهنيين، وتحديد الحمولة القانونية للشاحنات بجميع منابع الشحن، وتشديد المراقبة على النقل السري للبضائع، وحل مشكلة الشاحنات الأقل من 19 طن المستعملة في النقل الطرقي لحساب الغير، ومراجعة شروط الحصول على بطاقة الترخيص لنقل البضائع لحساب الغير المرقمنة والتي تم اعتمادها من طرف واحد بعد تجميد جولات الحوار الاجتماعي.
وشددت النقابات الأربع أنه بقدر دعوتها إلى تنزيل الإجراءات العاجلة السالفة الذكر لإنعاش القطاع، فإنها تهيب بعموم المهنيين إلى اليقظة والتعبئة الشاملة لخوض كل الأشكال النضالية المشروعة ومنها خوض إضراب وطني سيحدد موعده لاحقا.
في المقابل، اعتبر رئيس الحكومة أنّ “ما يقال حول هوامش الربح كذب”، مشدّداً على وجوب “اتّخاذ مجموعة من التدابير”، لمواجهة “أزمة اقتصادية وجيوستراتيجية ووبائية منقطعة النظير”.
وأشار أخنوش إلى تخصيص دعم لحوالي 180 ألفاً من العاملين في قطاع النقل البري للأشخاص والبضائع، لمواجهة ارتفاع أسعار الوقود.
وبلغت أسعار المحروقات مستويات قياسية في المغرب، حيث تجاوز ثمن اللتر الواحد منها 16 درهم، ما أجج غضب المواطنين من مستعملي السيارات الى جانب المهنيين الذين عبروا عن تذمرهم من هذه الوضعية.
هذه المخاوف التي تحاول الحكومة تعليقها على السوق الدولية، يرفضها الرأي العام الذي يعتبرها مرتبطة أكثر بشجع شركات المحروقات، التي تقول تقارير رسمية إنها راكمت خلال سنتين فقط (من 2015 ـ إلى 2017).
وعرف قطاع النقل، عدة حركات احتجاجية ضد غلاء اسعار المحروقات التي تسببت في اشهار العديد منهم للإفلاس.
الثروات الكبيرة التي تجاوزت أكثر من 17 ملياراً جاءت بعد تحرير أسعار المحروقات في المغرب سنة 2015، عندما قررت الحكومة رفع دعم الدولة على كل المحروقات باستثناء البوتان.
وبالإضافة إلى رفع الدعم، فمن أسباب ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب أن البلد كان يستورد البترول الخام ويكرره لإنتاج مشتقات المحروقات، أما الآن فعملية التكرير أصبحت تتم خارج البلاد بسبب توقف مصفاة التكرير الوحيدة.
للتحكم في أسعار المحروقات في المغرب، رفع رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني سنة 2018 رسالة إلى الديوان الملكي، يخبره فيها بنية حكومته الشروع في تنفيذ مشروع تسقيف أسعار المحروقات، بحسب ما كشفته مصادر.
تسقيف أسعار المحروقات في المغرب (أي وضع حدٍ لها)، وهو ما يعني تحديد أسعار المحروقات وهوامش ربح شركات توزيع الوقود، حتى لا يتم رفع الأسعار بشكل غير مبرر في العديد من المناسبات، وذلك بعد رفع الدولة دعمها عن المحروقات قبل 7 سنوات.
مصادر متطابقة، قالت إن فكرة تحديد أرباح الشركات هي استمرار لمشروع تحرير الأسعار، وقام على فكرة بسيطة هي تدخل الحكومة لتحديد هامش ربح الشركات الفاحش الذي تجاوز درهمين في اللتر الواحد في ذلك الوقت.
سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق كان مدفوعاً بحركة المقاطعة التي هددت ثلاث شركات، واحدة منها مهيمنة على قطاعات المحروقات، وهي شركة إفريقيا لمالكها عزيز أخنوش، رئيس الحكومة الحالي.
الأثر الاقتصادي للمقاطعة كان كبيراً؛ إذ سجل سعر أسهم “إفريقيا” لمالكها عزيز أخنوش انخفاضاً بنسبة %5.97 في أسبوع واحد من المقاطعة، داخل بورصة الدار البيضاء (بورصة المغرب).
خاف العثماني من تحول المقاطعة إلى أزمة مفتوحة، فمن جهة هناك مجتمع يغلي ويرفض جميع دعوات التهدئة والتسامح مع الشركات، ومن جهة أخرى كان الشركات تهدد الحكومة بإغلاق وحداتها الإنتاجية في المغرب.
تقول نفس المصادر، إن الجواب على طلب العثماني بخصوص تسقيف الأسعار الذي تقدم به للقصر لم يتأخر؛ حيث حددت جلسة عمل مع أحد المكلفين بالجوانب الاقتصادية في الديوان الملكي.
وسجلت المصادر ذاتها أن رئيس الحكومة تلقى في ذلك اللقاء جواباً من شقين: الأول يقول بوجود اعتراض من طرف وزارة الاقتصاد والمالية، يذهب إلى صعوبات تقنية، والثاني مفاده أن أطرافاً أخرى في الحكومة ترفض فكرة التسقيف.
فهم العثماني أن عليه العودة لحلفائه لإقناعهم بمشروعه أولاً، وهو ما انتهى به إلى الفشل، ليتم وقف مشروع “تسقيف” أرباح شركات المحروقات إلى اليوم.
في 2018 تجاوزت أسعار المحروقات سقف 10 دراهم للتر الواحد لأول مرة في تاريخ المغرب، هذا الارتفاع التاريخي سيدفع عدداً من المجموعات المهنية (النقل) إلى الضغط على الحكومة من أجل التدخل.
العثماني ومن خلفه وزير الحكامة حينها لحسن الداودي، بعد أن وجدا أبواب الحلفاء مغلقة أمام فكرة التفاهم لتمرير مشروع تسقيف الأرباح، لجآ إلى مجلس المنافسة الذي يهتم بدراسة أداء الأسواق ومحاربة الممارسات غير الأخلاقية والمنافية للمنافسة.
كان حزب التجمع للأحرار الذي يقوده عزيز أخنوش مالك أكبر شركة محروقات في المغرب جزءاً من التحالف الحكومي، ووزراؤه يسيطرون على أهم القطاعات الإنتاجية في المغرب، من ضمنها وزارة الاقتصاد والمالية.
المذكرة التي رفعها الداودي إلى مجلس المنافسة، وحصل “المغرب الآن” على نسخة منها، تذهب إلى أن الأرباح التي أصبحت تحققها الشركات تجاوزت درهمين (2) في اللتر الواحد سواء تعلق الأمر بالبنزين أو الغازوال.
وقالت الوزارة في مذكرتها إنها عبر أجهزتها قامت ببحث كان من نتائجه أن شركات المحروقات في 2018 حققت أرباحاً تراوحت بين 80 و140% مقارنة مع ما كانت تربحه قبل رفع الدولة دعمها عن الأسعار في 2015.
مصادر “عربي بوست” كشفت أن مشروع التسقيف الذي قدمه الداودي ورفعه العثماني إلى الديوان الملكي كان يقترح تحديد أرباح الشركات بين 45 و75 سنتيما فقط (أقل من درهم)، ما يعني تخفيض أكثر من درهمين في اللتر مقارنة مع أسعار اليوم.
مجلس المنافسة من جهته، وفي جواب على وزير الحكومة، أكد وجود عوائق أمام المنافسة الحرة، وأقر بوجود شبهة التواطؤ بين الشركات من أجل تحديد الأسعار ونتيجتها زيادة هامش الأرباح.
تحولت أسعار المحروقات في المغرب إلى مادة للتراشق بين الفرقاء السياسيين، خاصة بين حزب العدالة والتنمية الذي كان يقود الحكومة منذ 2012 إلى 2021، وحزب التجمع الوطني للأحرار، لرئيسه عزيز أخنوش مالك شركة إفريقيا للمحروقات، الذي يقود الحكومة الحالية.
في أبريل/نيسان 2022، وفي وقت تجاوزت فيه أسعار المحروقات سقف 15 درهماً، وخلال جلسة لمناقشة السياسة العامة للحكومة في مجلس النواب، وجه عبد الله بووانو رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية اتهامات لرئيس الحكومة عزيز أخنوش برفض التدخل لخفض أسعار المحروقات، واستغلال السلطة لزيادة الثروة.
رد رئيس الحكومة كان عنيفاً؛ إذ اتهم حزب العدالة والتنمية بالكذب على المغاربة، وبأنه هو المسؤول عن رفع الدعم عن أسعار المحروقات، وزيادة أسعار جميع المواد الاستهلاكية وتهديد الأمن الطاقي للمغرب.
هذه التهم الكبيرة والخطيرة، دفعت عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة الأسبق، إلى قطع عطلته السياسية في رمضان، ونشر كلمة على صفحته الرسمية في فيسبوك، عبر فيه عن أسفه لأنه وثق بأن المنافسة ستضبط أسعار السوق، لكن الذي وقع أن أخنوش اتفق رفقة الشركات على منافسة غير شريفة من خلال اتفاق مسبق برفع الأسعار وعدم تخفيضها، كما طالب أخنوش بنهج تدابير استعجالية وحقيقية لمواجهة الغلاء.
جدل المحروقات سيستمر بعد ذلك، خاصة بعد تبرير وزيرة الانتقال الطاقي، ليلى بنعلي، أمام لجنة البنيات الاساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب يوم 13 أبريل/نيسان 2022، بأن سعر بيع المحروقات بالمغرب يصل الى 13.31 درهم بالنسبة للبنزين، و11.92 درهم بالنسبة للغازوال/مازوت، إذا بلغ سعر خام برنت 100 دولار في السوق الدولية.
ما قالته الوزيرة استغله عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، قائلاً في تدوينة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ليرد على الوزيرة، إن أسعار البنزين والغازوال/مازوت 15 درهماً في المغرب، في وقت لم يتجاوز فيه خام برنت 100 دولار في السوق الدولية.
وسبق أن انتقد تقرير لجنة برلمانية في 2018 أرباحاً “غير مستحقّة” جنتها شركات توزيع المحروقات منذ تحرير الأسعار، وعلى رأسها مجموعة “أفريقيا” التي يملكها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، والمجموعة الفرنسية “توتال”، والبريطانية-الهولندية “شل”.
وقرّر مجلس المنافسة (رسمي) في يوليو 2020 فرض غرامة مالية تعادل تسعة بالمئة من رقم المعاملات السنوي للشركات الثلاث، لكنّ هذا القرار لم ينفّذ إذ أعفى الملك محمد السادس رئيس هذا المجلس، بعد شكوى من أعضاء فيه بسبب “غموض إجراءات التحقيق” و”اختلالات مسطرية”.