انتهاء مرحلة أولى لانبوب الغاز المغرب و نيجيريا شريان الطاقة الذي سينقذ أوروبا من صقيع قريبا

0
186

بزيادة الضغط على سوق الغاز سيرتفع الطلب على هذه المادة الخام في قطاعيْ التدفئة والطاقة، مما يعني أن أوروبا تتجه نحو أغلى فصل شتاء وأعلى فاتورة باهظة الثمن للمستهلكين الأوروبيين.

أعلنت  اوساط رسمية في نيجيريا، عن الانتهاء من المرحلة الأولى من خط أنابيب نقل الغاز نيجيريا\المغرب وبتعلق الامر ، بالمقطع المسمى  ” Escravos-Lagos II”، ويصل طول  إلى 342 كيلومترا.

 وينتظر أن يمتد خط أنابيب الغاز نيجيريا\المغرب، مابين البلدين مرورا ببلدان غرب افريقيا، وسيمكن المملكة من تغطية احتياجاتها من الغاز، 

ويعد خط أنابيب الغاز  النيجيري\المغربي، احد الرهانات الكبرى للمملكة،  والذي سيعوض انبوب الغاز المغاربي والذي يصل اوروبا بحقول الغاز الجزاىري عبر المغرب. 

شكَّل خط الغاز المغاربي الأوروبي منذ افتتاحه أحد الموارد الطاقية الأساسية للمنطقة، فهو يخرج من الجزائر ليعبر المغرب متوجِّها إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث توفر كمية الغاز التي تصل إلى إسبانيا 50% من احتياجاتها الطاقية، ما يعني أن هذا الأنبوب الغازي كان يُمثِّل أحد شرايين الحياة لبلدان جنوب أوروبا. لكن بسبب الأزمة الدبلوماسية التي ألمَّت بالعلاقات المغربية الجزائرية، أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بعدم تجديد العقد الذي يربط شركة “سوناطراك” الجزائرية بالمكتب المغربي للكهرباء والماء الصالح للشرب، إذ صادف موعد انتهاء العقد بداية الأزمة بين البلدين الجارين، لكن في الوقت نفسه تعهَّدت الجزائر بعدم تأثير هذا القرار على التزاماتها الطاقية تجاه أوروبا، مُعوِّلة على خط “ميدغاز” الذي افتُتح في مارس/آذار 2011، رغم أن معدل تدفُّقه البالغ 8 مليارات متر مكعب سنويا هو أقل بمليارَيْ متر مكعب من خط الغاز المغاربي الأوروبي، في انتظار انتهاء أشغال توسعته حتى يصل معدل تدفُّقه إلى 10.5 مليارات متر مكعب سنويا. 

فقد  أبدى المغرب عدم قلقه من هذا القرار الجزائري، حسب ما أفصح عنه المكتب المغربي للكهرباء والماء الصالح للشرب، رغم أن المملكة كانت توفر 97% من احتياجاتها من الغاز من هذا المشروع المتوقِّف، نصف هذه الكمية كانت عبارة عن مقابل عن منحها حقوق المرور عبر ترابها، فيما كانت تشتري الرباط النصف الآخر بأسعار تفضيلية.

بدأت الرباط على ضوء هذه المعطيات البحث عن مصادر جديدة للطاقة، باحثة عن مجموعة حلول قريبة الأمد، ثم متوسطة وبعيدة الأمد، تُغنيها عن غاز جارتها الشرقية، أما الحلول المستعجلة، فلم تكن لتخرج عن استيراد الوقود الأحفوري (كالفحم مثلا) أو استيراد الكهرباء مباشرة من أوروبا، وبالنسبة للحلول المتوسطة أو بعيدة الأمد، فتوجد أولا محاولة إيجاد موارد غازية داخل التراب المغربي، أو محاولة استيراد الغاز السائل الذي يمكن نقله عبر الباخرات من أي بلد في العالم، مثل نيجيريا والولايات المتحدة وروسيا وقطر، لكن لكي تنجح العملية يجب أن تُشيِّد المملكة محطات تخزين لهذا الغاز المسال، وهي غير متاحة حاليا، إذ كان المسؤولون المغاربة يُخطِّطون لتجهيزها مع بداية سنة 2028، قبل أن تلعب السياسة لعبتها وتبعثر أوراق الرباط، علما أن تكلفة التزود بالغاز المسال تبقى مرتفعة مقارنة مع استيراد الغاز الطبيعي عبر الأنابيب.

لكن رغم صعوبة المهمة، تمكَّن المغرب من التوقيع على اتفاقية “مفاجئة” مع بداية 2022 مع جارته الشمالية إسبانيا، يستفيد من خلالها من الغاز عبر الأنبوب المغاربي الأوروبي الذي توقَّف عن العمل، حيث سيمر الغاز لكن في الاتجاه المعاكس، من أوروبا إلى أفريقيا هذه المرة.

في ديسمبر/كانون الأول 2016، وخلال زيارته إلى العاصمة النيجيرية أبوجا، التقى الملك المفدى محمد السادس حفظه الله نظيره محمد بخاري، حيث اتفق الطرفان على إطلاق دراسة جدوى في مايو/أيار 2017 في سبيل ربط البلدين بخط غاز ينطلق من نيجيريا ويصل إلى أوروبا مرورا بالرباط. بعد هذه الزيارة بعامين، وفي يونيو/حزيران 2018، وقَّع البلدان إعلانا مشتركا يهدف إلى تحديد خطوات هذا المشروع الضخم الذي سيمتد على طول 5660 كيلومترا، حيث سيمر بـ 10 دول أفريقية بالإضافة إلى البلدين الموقعين على الاتفاقية، وهو ما سيجعل هذا الأنبوب الجديد، حسب تصريح ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي، أحد الحلول الطاقية المهمة لمنطقة غرب أفريقيا التي تضم مناطق تعيش دون كهرباء. بجانب كل هذا، سيُمكِّن المشروع بلدان غرب أفريقيا من خلق فرص للعمل بفضل هذا المشروع الضخم الذي تبلغ قيمة الاستثمار فيه نحو 30 مليار دولار، كما سيُساهم في الإنتاج الغذائي حيث يمكن استخدام هذه الطاقة في إنتاج السماد، ما يعني تأثيرا مباشرا على الإنتاج الفلاحي ومن ثم محاربة الصعوبات الغذائية التي يعرفها عدد من المناطق الأفريقية.

تُراقب أوروبا تطور المشاريع الأفريقية الخاصة بالغاز عن كثب، إذ تسعى القارة العجوز منذ سنوات لتنويع مصادرها من الطاقة بدلا من الاعتماد على روسيا التي تستعد لحرب مع أوروبا في الوقت الحالي بسبب الأزمة الأوكرانية الأخيرة. ففي وقت سابق، بدأت أوروبا في التعامل مع أذربيجان، كما طوَّرت شراكتها مع كلٍّ من الولايات المتحدة الأميركية وقطر، وهي تطمح بعد ذلك إلى ضم الموردين الأفارقة إلى قائمها مُزوِّديها بالغاز.

في المقابل فإن روسيا التي لا تُحبِّذ كثيرا أن يزيد منافسوها على السوق الأوروبي مخافة الاستغناء عن ثرواتها الطبيعية، تراقب كل هذه التطورات للعمل على حماية مصالحها الاقتصادية، لكن هذه الحرب الطاقية الباردة وصلت ربما إلى نهايتها مع بداية المواجهات على الساحة الأوكرانية، حيث بدأت أوروبا والولايات المتحدة الأميركية لعب ورقة العقوبات الاقتصادية، إذ أعلنت ألمانيا تعليق خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي كان يربط ألمانيا بروسيا عبر المجر، وذلك بعد ساعات قليلة من مُطالبة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أوروبا بقطع هذا الشريان الطاقي الحيوي الذي يُتيح لموسكو تصدير فائضها من الغاز.

يتوقع مراقبون أن تشهد ضفتا البحر الأبيض المتوسط موجات هجرة معاكسة من الشمال نحو الجنوب بسبب أزمة الغاز المرجحة للتفاقم مع حلول الشتاء القادم.

وانخفضت شحنات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب نورد ستريم منذ يوليو/ تموز الماضي بنسبة 20 في المئة تقريبا مما يعزز خطر حدوث نقص خلال فصل الشتاء المقبل في العديد من الدول الأوروبية.

وبررت شركة غازبروم هذا التخفيض الكبير في تدفق الغاز الروسي بخضوع الخط لعملية صيانة.

وقالت موسكو إن إصلاحه “صعب للغاية” بسبب العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا، في تلميح إلى أن على الدول الأوروبية تحمل جزء من تبعات إجراءاتها المتخذة ضد روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا.

وجرت العادة منذ سنوات أن تشهد يعْبر مواطنو الضفة الإفريقية للبحر المتوسط  نحو الضفة الأوروبية بحثا عن حياة أفضل توفر الشغل والسكن.

ولطالما تذمرت دول جنوب أوروبا وأبرزها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا من تدفق أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين خلسة على سواحلها.

وأفادت وسائل إعلام أوروبية أن بعض الحكومات هناك بدأت في اتخاذ إجراءات تحسبا لشتاء قارس خاصة في تلك الدول التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي.  ومن بين تلك الحلول المطروحة أن يهاجر عدد من الأوروبيين نحو بلدان شمال إفريقيا بشكل مؤقت.

ويقول الخبير الاقتصادي نبيل عبد اللطيف في تصريح خاص لـ”ميدل إيست أونلاين إن “مساعي البحث عن أسواق بديلة اصطدمت بعائق البنية التحتية كالأنابيب الناقلة للغاز التي يتطلب إنجازها فترة زمنية قد تتجاوز فترة الشتاء”.

وأضاف أن اتصالاته ترجح أن البعض “بدأ يفكر جديا في حجز مكان له بأحد بلدان المغرب العربي خاصة من كبار السن الذين لا يتحملون كثيرا موجات الباردة القاسية التي كثيرا ما تعصف بأوروبا خلال فصل الشتاء”.

ووفقا لمحلل سوق الطاقة الأوروبي، في شركة “ريستاد أينيرجي”، فابيان رونينغن، فإن ثلاثة قطاعات كبيرة تستخدم غالبية الغاز الطبيعي في أوروبا.

ففي عام 2021، استهلك قطاع الطاقة حوالي 27 بالمئة، والقطاع الصناعي 26 بالمئة، والقطاع السكني 26 بالمئة. ويتم تقسيم الحصة المتبقية بين القطاعات الأصغر.

وتوقع أنه “في حال استمرار السيناريو الحالي فسيزيد الضغط على سوق الغاز حيث سيرتفع الطلب على هذه المادة الخام في قطاع التدفئة، وكذلك في قطاع الطاقة. مما يعني أن أوروبا تتجه نحو أغلى فصل شتاء وستنتج عنه فاتورة باهظة الثمن للمستهلكين الأوروبيين”.

واتفقت الدول الـ27 على “حل تاريخي” لمواجهة الوضع الجديد من أجل تقليص استهلاكها من الغاز بطريقة منسقة. وتنص الخطة التي تم تبنيها بالأغلبية على تقليص كل دولة أوروبية استخدامها للغاز، بين شهر آب/ أغسطس الجاري

وآذار/ مارس 2023، بنسبة 15 بالمئة على الأقل مقارنة بمتوسط السنوات الخمس الماضية في نفس الفترة.

وتهدف الخطة لتوفير حوالي 45 مليار متر مكعب من الغاز، وهي كمية معادلة لما قد ينقص إذا قطعت روسيا التدفقات بالكامل وفي حالة شتاء شديد البرودة.

ولكن يبدو أن الأمور تسير بشكل سيء بعد معارضة فرنسا هدف التخفيض المشترك من أجل مساعدة برلين على وجه الخصوص المحاصرة بسبب اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي، معتبرة أن “الأهداف الموحدة لن تتكيف مع واقع الجميع”. 

وتفيد الأرقام الأوروبية أن إيطاليا وألمانيا تُعدان بشكل عام من كبار المستهلكين للغاز، إذ تُعتبر ألمانيا أكبر مستهلك للغاز الروسي بإجمالي 48 مليار متر مكعب من الغاز الروسي الذي تم توريده في عام 2021، أي ما يقرب من 55 بالمئة من إجمالي الغاز المستهلك في أوروبا. 

ونشر موقع بيلد الألماني أن مدنا ألمانية بدأت في تشكيل مجموعات أزمات ووضع خطط الطوارئ. 

وأضاف مدينة لودفيغشافن بولاية راينلاند بفالس تخطط لإنشاء قاعات حيث يمكن للمواطنين الذين لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف تدفئة منازلهم أن يحصلوا على قدر من الدفء.

ونقل الموقع عن رئيسة بلدية المدينة يوتا شتاينروك قولها “نستعد حاليا لجميع سيناريوهات الطوارئ لمواجهة الخريف والشتاء”. لذلك فمن المقرر أن تعمل قاعة فريدريش إيبرت كمحطة مركزية للتدفئة.

ويُعتبر السياح الألمان حرفاء تاريخيين وتقليديين لدول شمال إفريقيا خاصة تونس والمغرب. لذلك يتوقع عبد اللطيف أن يتوافد على تونس مع بداية حلول الشتاء أعداد كبيرة من السياح الألمان الذين سيقيمون بتونس إلى فصل الربيع.

وتوقع أن يتوافد كذلك عدد مهم من البريطانيين أولا ثم الإيطاليين والفرنسيين والبلجيكيين، قائلا “يجب ألا ننسى أن في تقاليد العديد من المواطنين الإيطاليين والفرنسيين التنقل للإقامة في تونس والمغرب بدرجة أولى ثم في الجزائر ومصر

بدرجة ثانية، فور إحالتهم على المعاش وذلك لاعتبارات عديدة تتعلق بالمناخ المعتدل نسبيا الذي تتمتع به دول شمال إفريقيا، وبانخفاض تكلفة العيش في تلك الدول مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي”.

ويختم عبد اللطيف حديثه مع “ميدل إيست أونلاين” بالقول إن الأمر بقدر ما سيُعتبر إيجابيا للاقتصاد التونسي مثلا الذي يعيش أزمات متعددة وذلك عبر ضخ مبالغ مهمة من العملة الصعبة، فإنه يحمل مساوئ للمثل خاصة في أن الأوروبيين سيصدرون جزءا من أزمتهم مع الغاز نحو دول شمال إفريقيا التي ستتضرر هي الأخرى، وإنْ بشكل أخف، من أزمة الطاقة العالمية المنجرة عن الحرب الروسية الأوكرانية.