*لسانُ الفتَى قائلٌ مِصْقَعًا بأنّ له دَعوةً هي نُورْ
يُكرِّرُها فيكُمُ أبدًا
بلا كَلَلٍ، تُرتَجَى مِن بَشِـيرْ؛
تُهيّيءُ للفَوز جُلَّ الورَى
إذا بَعثَ اللهُ مَن في القبورْ،
ومِن قبلِ ذاكُمْ بهذي الدُّنَى
فهي سبيلُ نقاءِ الصدورْ…
فليس له مِن بَديلٍ لها
وفيها العُلا ثم خَيرٌكثيرْ.
فهذا الفتَى هو فيكُمْ أنا
ودَعوَتُهُ بَيْنَكمْ كالسفيرْ
تُذَكِّرُكُمْ بالمَنَى خالِسًا
لإعدادِ زادٍ ليَومِ النُّشورْ…
ويَبقَى كذلك داعِيةً
عَسَى اللهُ يَرضَى فألْقَى السرورْ.
هَدَانيَّ ربي لأنشُرَها
هِدايةَ خَلْقٍ تُنِيلُ الأجورْ،
فمَنَّ بأنْ قد بَرَا مُخْلَصًا
لنَشْرِ الفضيلةِ بُشرَى تَـنُورْ،
وما هذه غَــيْرُ دِينِ السما
أحَبِّبُهُ للْحِجَا المُستَنِيرْ…
أثِيرَةَ نفسي أُكرِّمُها،
كثيرةَ نَفْعٍ كخَيرِالأمُورْ،
وإني بفَخرٍأُقَلَّدُها
قضيةَ عزٍّ بكل العُصورْ
لعلَّ رضا اللهِ يَشمَلُني
بأنّي لأُلْهَمُ شَرحَ الصدُورْ،
وإذ أنها ليَّ مَشْغَلَةٌ،
رفيقةَ عُمْري، فلََيسَتْ تَغُورْ!
المكي أبو الشمائل،
الرباط، في 28 أغسطس 022.
تَذيـيل.
منذ أن بدأت الاهتمام بالقريض قراءة ونظمًا، وأنا أُذيِّلُ تارة بعض قصائدي بآراء ليست من قبيل الشعر بالمعنى الصحيح للكلمة، ولكن هذا الإجراء يتراءى لي، غداة الانتهاء من النظم، بل في ذات الوقت، ذا صلة بفن القول الشعري بنحو من الأنحاء بَيِّن، مُخوِّلاً إياى إمكانية إضافة معلومات ضرورية إلى القصيدة اتماما للفائدة أو رفعا للبس، معلومات تأتي على شكل تعليق، بعد أن تكُون قد صَرَفَـتْـني عوامل عدة، كحيز القصيدة ومخافة الإطالة وغيرها، عن تضمين تلكم الأفكار فيها، أى القصيدة.
وهكذا، كَدَأْبي مع هذه العادة المستحسنة التي أُشْرِبُتُها في قلبي زمنا من غير أن تحل محل الأنفع عندي، أجد لزاما على مثلا أن أوضح نهجا أسير عليه في الحياة- ولو بشىء من التراخي والإخفاق أحيانا- درءا لهدر العنصر الثمين فيها وهو الزمان، فأَرَى الحياة تباعا، من هذه الزاوية، تستلزم الاشتغال بما ينفع النفس والناس أثناء عمرنا الفاني، مثلما أن هذا التوجه يجعلني أحاول غالبا بث ذلك كله في القصيدة هموما وجودية وتساؤلات ميتافيزيقية تأتي إسهاما في توضيح الغرض من فن القول الشعري ورافدا من روافد العنصر الدرامي في القصيدة.
وهذه العناصر، لا ريب، غالبة في القصيدة التي بين أيدينا الآن.
فإذا تعلق الأمر بالكلام الصريح عما ينبغي أن نشغل به هذا العمر الفاني الشبيه بالقطار السائر نحو محطة نهاية السير، قلْتُ بأن رسالة الحياة هي ذلك الشغل الشاغل الذي ينبغي أن يملأ وقتنا كله، وأنه لا بد أن يكون مسترشدا بهَدْى الدين مثل ما هو مبين في القصيدة أعلاه، “ولكٌلٍّ وِجْهةٌ هو مُولِّيها، فاسْتَبِقُوا الخَيْزاتِ”، وكُلٌّ في هذه الدنيا مُيَسَّرٌلِمَا خُلِقَ لَه، حَسب اسْتِعدادِه الفطري المُتمَشّي مع صِِبغة الله. وإعْدادِه السيكولوجي المُكتسَب، ومَبْلَغِه من العلم، وهِمَّتِه إمَّا عالية أو في أسْفل السلم، إلخ…
فالزمان الجارف تحقيقا، وطبيعة النشاط أثناء سير القطار، ومدى نجاحك في الوصول سالما غانما إلى المحطة، تلكم هي، باختصار، العناصر الهامة التي يتشكل منها ملخص مشكلة الإنسان في هذه الحياة على الأرض.
فكل ما جاء في القصيدة التي بين أيدينا هنا وفي هذا التعليق المقتضب – الذي لا يخلو من فائدة بادي الرأى- هوعندي إذن بمثابة القضية الكبرى في حياتي الآيلة إلى زوال، أتَعَهَّدُها، أى القضية هاته، بالتذكر مرارا وتكرارا، وأصُونُها في نفسي بقدرالإمكان، كشغل شاغل، ولو أدى بي الأمر إلى أن تكون قضية عمري الوحيدة وأن لا أشتغل بغيرها في حلي وترحالي، وهكذا دوَالَيْك إلى يوم الوداع والرحيل.