نشرت مجلة فورين بوليسي مقالا لعضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية ديلاوير، كريس كونز، والنائب عن ولاية كارولينا الشمالية، ديفيد برايس، قالا فيه إن الشعب التونسي ألهم العالم، في كانون الأول/ ديسمبر 2010 وكانون الثاني/ يناير 2011، خلال 28 يوما من الانتفاضة المؤيدة للديمقراطية والمعروفة باسم ثورة الياسمين، والتي أطاحت بالدكتاتور القديم زين العابدين بن علي.
ويُنظر إلى ثورة الياسمين على نطاق واسع على أنها حفزت الربيع العربي الأوسع، ولسنوات بعد ذلك، برزت تونس باعتبارها قصة النجاح الديمقراطية الوحيدة للخروج من تلك الاضطرابات. وتبنت البلاد دستورا تقدميا وشاملا، ثم أجرت انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة في عامي 2014 و2019.
وقالت المجلة في مقال لعضو مجلس الشيوخ الأمريكي من ولاية ديلاوير، وعضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ كريس كونز، والنائب ديفيد برايس، إنه في سلسلة من التحركات الوقحة خلال العام الماضي، قام الرئيس التونسي قيس سعيد بإقالة البرلمان؛ نقل صلاحيات إلى نفسه، مع تولي السلطة التنفيذية الكاملة، حل هيئة قضائية عليا كانت بمثابة هيئة رقابة، وتكدست اللجنة الانتخابية بالبلاد بالموالين له.
وفقدت قصة الأخبار السارة لتونس بريقها منذ ذلك الحين، وبعد أكثر من عقد بقليل من ثورة الياسمين، تكافح الديمقراطية في البلاد من أجل البقاء، ففي سلسلة من التحركات الوقحة خلال العام الماضي، قام الرئيس التونسي قيس سعيد – الذي انتخب ديمقراطيا في عام 2019 – بإقالة البرلمان ونقل صلاحياته إلى نفسه، مع تولي السلطة التنفيذية الكاملة وحل هيئة قضائية عليا كانت بمثابة هيئة رقابة وكدس اللجنة الانتخابية في البلاد بالموالين. وفقا لكونز وبرايس.
وفي البداية، دعم التونسيون بشكل كبير تحركات سعيد، وزعم الرئيس أنه كان يحاول إصلاح نظام مشلول، وعندما ضغط عليه النقاد، أشار إلى إصلاحات انتخابية معلقة وإجراء انتخابات برلمانية مقررة في كانون الأول/ ديسمبر من هذا العام.
في الشهر الماضي، قال الكاتبان، “ترأسنا وفدا من الكونغرس الأمريكي من المجلسين ومن الحزبين إلى تونس العاصمة، لمعرفة أين تذهب البلاد من هنا، والتقينا قادة المجتمع المدني الذين عبروا عن إحباط عميق على مدى سنوات من الجمود السياسي والفساد في بلادهم بعد عقد من الديمقراطية، لم يتم تلبية مطالب التونسيين الأساسية المتمثلة في الوظائف والحرية والكرامة، والتي كانت شعار ثورة الياسمين.
وبدلا من ذلك، أدى ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض مستويات المعيشة، ونقص الغذاء والوقود إلى تقويض الثقة العامة في المؤسسات الديمقراطية، وترك العديد من التونسيين يسعون بشدة إلى طريق مختلف إلى الأمام. في هذا السياق، من السهل فهم دعمهم لسعيد.
وأضاف الكاتبان: “قبل أسابيع قليلة من زيارتنا، في 25 تموز/ يوليو، قام سعيد بتقنين استيلائه على السلطة من خلال استفتاء على دستور جديد كان قد صاغه بنفسه، ويأخذ هذا الدستور الجديد؛ السلطة من البرلمان ويركزها في يد الرئيس، ويضفي الطابع المؤسسي على ما فعله سعيد أصلا، كما يسمح للرئيس بإقالة البرلمان في أي وقت، ويلغي سلطة المساءلة البرلمانية، ويتضمن فقرات تتعلق بالأمن القومي والأخلاق التي تسمح للدولة بالحد من الحقوق، ونقلا عن أستاذ القانون صادق بلعيد، الذي أشرف على مسودة سابقة للدستور الجديد لكنه تنصل من النسخة النهائية، قوله لوسائل الإعلام التونسية إن الوثيقة يمكن أن “تمهد الطريق لدكتاتورية مشينة”.
في حين نجح الاستفتاء، فإن المشاركة المنخفضة للناخبين بنسبة 30.5% والمقاطعات الجماعية من المجتمع المدني تظهر معارضة متزايدة لهجمات سعيد على الديمقراطية. ربما يكون ذلك لأن إصلاحات سعيد كلفت تونس الكثير من تقدمها الديمقراطي دون مواجهة تحدياتها الاقتصادية.
وتقع تونس الآن على شفا الانهيار الاقتصادي. وتراجعت عملة البلاد، الدينار، كما انخفض تصنيف السندات، وأسعار الغذاء والوقود آخذة في الارتفاع، وذلك بفضل النقص في المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق والأرز الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتبلغ نسبة البطالة الإجمالية حوالي 17%، وتبلغ بطالة الشباب ضعف ذلك تقريبا. كما تستمر مستويات الفقر في الارتفاع، ويتفشى الفساد والمحسوبية.
وشدد كونز وبرايس على أنه “إذا كان لدى تونس أي أمل في معالجة أزمتها الاقتصادية، فسيحتاج سعيد إلى إجراء إصلاحات هيكلية جادة وتأمين دعم شعبي واسع، ولطالما أوصى الاقتصاديون التونسيون باتخاذ إجراءات، مثل خصخصة الشركات المملوكة للدولة وتحرير النشاط التجاري، لتعزيز تنمية القطاع الخاص ونمو المشاريع. لكن بدلا من الاستماع إليهم، ضاعف سعيد إنفاق القطاع العام وتحول إلى القروض الخارجية لدعم الاقتصاد التونسي. اعتبارا من كانون الأول/ ديسمبر 2021، شكّل الدين العام 80% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويلوح التخلف عن السداد في الأفق”.
ويتفاوض صندوق النقد الدولي حاليا على خطة إنقاذ لتونس، بشرط اتخاذ تدابير تقشفية مؤلمة وخفض الدعم. وسيتطلب تنفيذ ذلك دعم النقابات العمالية القوية في تونس – بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT) – بالإضافة إلى قطاعات أخرى من المجتمع. حتى الآن، كان الاتحاد العام التونسي للشغل مترددا في الدخول في الصراع السياسي وتجنب إلى حد كبير الانتقاد المباشر لأفعال سعيد. لكن في حزيران/ يونيو، نظم الاتحاد العام التونسي للشغل إضرابا وطنيا ليوم واحد ضد الحكومة – وهو الأول له خلال إدارة سعيد – مما يشير إلى أنه قد يتخلى عن موقفه غير السياسي.
في النهاية، يتطلب تعزيز الاقتصاد التونسي إحياء ديمقراطيتها. تشير الدراسات إلى أن التحول الديمقراطي يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي للبلد بنسبة 20% بمرور الوقت.
ومن خلال رفض سعيد تطوير أجندة اقتصادية، والتحرك في نفس الوقت في اتجاه غير ديمقراطي، فهو ينفر المانحين الأجانب الذين يمكنهم تقديم المساعدات الضرورية لبلاده، بعبارة أخرى، يدفع سعيد بتونس نحو الفشل.
وقال الكاتبان، إن سعيد قد نجح في تقويض كل التقدم الديمقراطي في تونس تقريبا خلال العقد الماضي، لكن لم يفت الأوان لعكس المسار، وعلى الشعب التونسي وقادة المجتمع المدني أن يعلنوا أنهم لن يتسامحوا مع أي اعتداءات أخرى على الديمقراطية.
وأضافا: “يجب أن يحاسبوا سعيد على التزاماته العلنية بحماية الفضاء المدني وإجراء انتخابات برلمانية شاملة وشرعية بحلول نهاية هذا العام. إذا قرر الشعب التونسي بدلا من ذلك البقاء هادئا وفك ارتباطه بينما يواصل سعيد مسيرته، فلن يجدوا أنفسهم أقرب إلى النجاح الاقتصادي بينما ضحوا بالحريات الديمقراطية التي ناضلوا بشدة لتحقيقها، وإن الرخاء الاقتصادي والحقوق الديمقراطية يعزز كل منهما الآخر، ويمكن للشعب التونسي أن يحصل على كليهما، وهما يستحقان القتال من أجلهما معا.
-
“السكر” مفقود في تونس!
وأشار المقال إلى نسبة البطالة الإجمالية التي بلغت حوالي 17 في المائة، وتبلغ بطالة الشباب ضعفَ ذلك تقريبًا، كما تستمر مستويات الفقر في الارتفاع، ويتفشى الفساد والمحسوبية.
ولفت المقال إلى أنه، إذا كان لدى تونس أي أمل في معالجة أزمتها الاقتصادية، فسيحتاج سعيد إلى إجراء إصلاحات هيكلية جادة، وتأمين دعم شعبي واسع، حيث إنه لطالما أوصى الاقتصاديون التونسيون باتخاذ إجراءات، مثل: خصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتحرير النشاط التجاري، لتعزيز تنمية القطاع الخاص ونمو المشاريع. لكن بدلاً من الاستماع إليهم، ضاعف سعيد إنفاق القطاع العام، وتحوّل إلى القروض الخارجية لدعم الاقتصاد التونسي، موضحاً أنه -اعتبارًا من ديسمبر 2021- شكّل الدين العام 80٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والتخلف عن السداد يلوح في الأفق.
-
تونس الخضراء على أبواب “ثورة جياع”
لا نجاح للاقتصاد بدون ديمقراطية
وقال، إن مفاوضات صندوق النقد الدولي حاليًا على خطة إنقاذ لتونس، يمكن أن تنجحَ بشرط اتخاذ تدابير تقشفية مؤلمة وخفض الدعم. وسيتطلب تنفيذ ذلك دعم النقابات العمالية القوية في تونس -بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل- بالإضافة إلى قطاعات أخرى من المجتمع.
وشدّد المقال على أنه -في النهاية- يتطلب تعزيز الاقتصاد التونسي إحياءَ ديمقراطيتها، حيث تشير الدراسات إلى أن التحول الديمقراطي يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي للبلد بنسبة 20 في المائة بمرور الوقت. وفي حين أنه من الممكن تنفيذ الإصلاحات بدون ديمقراطية، فمن الأرجح أن يقوم القادة بذلك إذا كان مدفوعًا ومحاسبًا، بموجب تفويض شعبي، لافتاً إلى أن قيس سعيد مثال على ذلك.
قيس سعيد تنصّل من كلّ وعوده
وأوضح المقال أنه على الرغم من أنه ترشّح بهدف مكافحة الفساد وتحقيق المساواة، إلا أن الرئيس لم يحرز أي تقدم يذكر في تلك المجالات، وبدلاً من ذلك ظلّ يركز على مركزية السلطة. من خلال رفضه تطوير أجندة اقتصادية -وأنه في تحركه في نفس الوقت في اتجاه غير ديمقراطي- فإنه يستبعد المانحين الأجانب الذين يمكنهم تقديم المساعدات الضرورية لبلاده، مشيرة إلى أنه -بعبارة أخرى- يدفع سعيد بتونس نحو الفشل.
أشار الكاتبان إلى أنه عندما التقيا بقيس سعيد، برّر تصرفاته بأنها ضرورية لإصلاح الشلل السياسي ومحاربة الفساد وإعادة السيادة للشعب من السياسيين المنحرفين. كان من السهل أن نرى كيف تجد رسالته الشعبوية جاذبية في الظروف الاقتصادية المتردية في تونس.