شاهد .. “الرئيس الفرنسي ماكرون منع بث حوار تلفزي على قناة “CNEWS” لرئيس جمهورية القبائل فرحات مهني”

0
252

قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منع ظهور فرحات مهني الذي يحمل صفة “رئيس جمهورية القبايل” في الجزائر  على نشرة الأخبار بقناة “CNEWS” التابعة لمجموعة “Bolloré” ذائعة الصيت والمعروفة بقربها من قصر الإيليزي.

وكان فرحات مهني، قد تنقل، أمس الأحد، إلى استديوهات القناة الإخبارية،  بعد أن اتفق مع مسؤولي القناة على إجرء حوار، حيث كانت الأمور تجري في سياق طبيعي إذ استقبل من طرف الصحافيين الذين أعلنوا مروره على المباشر ابتداء من الساعة الثامنة و25 دقيقة، قبل أن تحصل المفاجأة ويدخل مسؤول من القناة على الخط ويقتحم غرفة الانتظار معلنا إلغاء المقابلة.

ووفق المعلومات الأولية فقرار إلغاء هذه المقابلة التلفزية جاء بعد تدخل مدير قناة “CNEWS” يانيك بولوريه شخصيا، بناء على اتصال من الرئيس الفرنسي، نفس المصارد أكدت أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، “هدد من خلال انذار سابق بإلغاء زيارة الوزيرة الأولى الفرنسية إليزابيث بورن للجزائر العاصمة في حال ما تم السماح ببث المقابلة مع فرحات مهني”




ويحاول الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الإمساك بعصا التقارب الذي أبانته زيارته الأخيرة إلى الجزائر وتحصيله مكاسب سياسية واقتصادية مهمة أبعدت عن فرنسا شبح أزمة الغاز. في ما يستمر التوتر قائما وباردا بين فرنسا والجزائر في انتظار فتح مسالك الأزمة بين البلدين.   

بعد استقلال الجزائر، هناك من فهم، من الأمازيغ، أن نهاية الاستِعمار الفرنسي تركت الباب مفتوحاً لاستعمار آخر لا يقلّ خطورة عن السّابق… يتعلقّ الأمر بالفكر القومي الناصري القادم من الشرق، وهذا هو أصلُ حِكاية القبايل التي لم تنتَه إلى اليوم! 

هم… شعبٌ يتكلّم اللغة الأمازيغية ولهجة قبائلية، TUTLAYT TAQBAYLIT، وهي اللغة الرسمية في المنطقة، بالإضافة إلى العربية الدارجة المنتشرة في شمال أفريقيا والمغرب الكبير.

هم… شعبُ القبائل الموجود على “التراب الجزائري”، غصباً، في منطقة ثقافية – طبيعية تقع شمال شرق الجزائر.

هم… تشكيلٌ قبائليّ من عدّة ولايات على غرار ولاية بومرداس، ولاية تيزي وزو، ولاية بجاية، ولاية البويرة، ولاية المدية، ولاية برج بوعريريج، ولاية سطيف، ولاية جيجل، ولاية ميلة، ولاية سكيكدة، بحسب مقال لعبد الرحمان شحشي بعنوان “جمهورية القبائل الديمقراطية”.

هذا الشّعب يعاني من تعنّت القيادة الجزائرية تجاه مطلبه في الاستقلال، لأسباب ثقافية صرفة، إذ يعتبرُ أنّ “الاشتراكية العربية” التي تنهجها الجزائر همّشت الوجود الأمازيغي وأصله التاريخيّ في المِنطقة.

فما هُو أصلُ هذا النّزاع بين القبايل والنّظام الجَزائري؟ وما هي خلفياته الحقيقية؟

أصل النزاع في القبايل

تشيرُ أغلبُ الرّوايات التاريخية إلى أن منطقة القبايل كانت مستقلة قبل دخول الاستعمار الفرنسي سنة 1830 للجزائر.

أكثر من ذلك، تذهبُ هذه الروايات إلى القول بأن الجزائر لم تكن قائمةً كدولة حينها، الأمر الذي دفع فرنسا إلى إنشاء الجزائر من لدن الجنرال “شنايدر”، الذي قام بخلق هذا الكيان الجزائري سنة 1839.

أحكَم الاحتلال الفرنسي القبضة على المنطقة، وتمكن من النفاذ إلى منطقة القبايل “المستقلة” سنة 1857.

اشتدّت الحرب بين القبايل وفرنسا. وبما أن فرنسا كانت قوة عسكرية تتوفر على آليات حديثة للحروب، هزمت القبايل وجعلتها ملحقة بالجزائر.

بنوع من التكتيك البراغماتي، تحالفت قيادات القبايل مع المقاومين الجزائريين لصدّ الاحتلال… وبقي التحالف طويلاً حتى حرب التحرير بين 1954 و1962، ونالت الجزائر استقلالها في ذات السّنة.

فكيف تحول التحالف إلى عداء تاريخي؟

مصطفى القادري، الأستاذ الجامعي الباحث في التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط، يجدُ أنّ أصُول حكاية القبايل ضد الجزائر لا يمكنُ قراءتها في التاريخ، بمعزل عن العُنصر الأيديولوجي والهوياتي.

يفصّل الباحث أنّ الجزائر، غداة الانفلات من قبضة الاستعمار الفرنسي، ما فتِئت أن سقطت بسرعة في أحضان الاستعمار “الناصري” “المصري” “البعثي” “القومي” “الاشتراكي” “الديمقراطي”…

القادري يردفُ، في حديثه مع مرايانا، أنّ “القومية العربية، التي كانَت أيديُولوجيا فاشية هدفها القضاء على الأمازيغية في شمال أفريقيا من مصر إلى المغرب، لم تُراع وجود العنصر الأمازيغي ودوره الفاعل في حرب التّحرير الجزائرية، وجعلت من أحمد بن بلة وهواري بومدين بيادق لفكرة القومية، رغم كل ما تحمله من حيفٍ تجاه الأمازيغ”.

بوضوح، يمكنُ تلمّس هذه السّردية في دفاتر التاريخ، لو عدنا إلى زيارة جمال عبد الناصر للجزائر عشية حصُولها على الاستقلال. وذلك لكي يجعَل من هذه الدّولة، حديثة العهد بالاستقلال، مستعمرةً له فكرياً، يقول القادري.

وقائعُ التّاريخ تخبرنا أنّ عبد الناصر هو من دفع العكسر الجزائري إلى القيام بحربِ الرّمال، من أجل تصدير المشاكل للخارج ورأب صدع الأزمة بين زعماء جبهة التحرير بالجزائر.

وقتئذٍ، وفي خضم الأزمة، كان أهل القبايل هم قواد النّقاش حول الدّيمقراطية وبناء دولة جديدة، خصوصاً آيت أحمد والكولونيل والحاج وبوضياف وبلقاسم ومحمد خيضر… الذين كانوا ضدّ استفراد بن بلّة بحكم الجزائر ونادوا باحترام التّعددية اللّغوية والسّياسية والثّقافية!

منذئذ، بات الأمر يعرف في التّاريخ السّياسي الجزائري المعاصر بـ“الأزمة البربرية”.

القادري يعتبرُ أنّه، حينها، لم يكن الوضع ممأسساً على غرار “جمهورية” كما هو الحالُ اليوم. لكن تطوّر الأوضاع سياسياً وثقافياً أفرز مزيداً من تأزيم الوضْع، لأنّ القبايل، منذ البداية، وجدوا التشكيل الجديد للدولة يتضمن حيفاً لا يطاقُ، باعتبار أن مناطقهم هي التي أعطت أكبر عدد من الزّعماء والشّهداء والمقاتلين في الحرب ضدّ المستعمر، طبعاً إلى جانب المنطقة الشّرقية الأمازِيغية الأخرى المسماة “الشاوية”.

المنطقتان، وخصوصاً القبايل، كانتا أكثر من أذاقَ الجيش الفرنسي الأمرّين خلال حرب التحرير الجزائرية.

في هذا السياق، يمكننا أن نذكر مثلا، أنّ اغتيال عبان رمضان، الذي تمت تصفيته في 26 دجنبر 1957 بمدينة تطوان المغربية، بإشراف مباشر من قادة الثورة الجزائرية وتنفيذ رفاق السلاح، وعلى رأسهم عبد الحفيظ بوصوف الذي شنقه بربطة عنق…  كان بأمر من جمال عبد الناصر.

… كما أن كريم بلقاسم، أحد أبرز مجموعة الست التي أعلنت عن تفجير الثورة الجزائرية في الفاتح من نونبر 1954، والذي رفض الاعتراف بشرعية السلطة التي تم تشكيلها غداة الاستقلال والتوجهات السياسية التي تبنتها، ليختار صف المعارضة رفقة قياديين تاريخيين آخرين من أمثال محمد بوضياف، حسين آيت أحمد، ومحمد خيضر، والذي قرر تأسيس حزب معارض رفقة مناضلين آخرين، في المنفى، أطلق عليه تسمية “الحركة الديمقراطية من أجل التجديد الجزائر”… سيتم اغتياله سنة 1970، بفرانكفورت الألمانية، بأمر من بومدين، كما يؤكد القائد الثوري والرائد السابق في جيش التحرير، لخضر بورقعة.

قبل كريم بلقاسم، تم أيضا اغتيال محمد خيضر في مدريد سنة 1967 بأمر من بومدين، حسب شهادة للعقيد محمد الطاهر.

في هذا الاتجاه، يرى القادري في حديثهُ لمرايانا، أنّ المركزية اليعقوبية الفرنسية في نظام الدولة، بالإضافة إلى القومية العربية الفاشية والحكم الشمولي، هما أصل البلاء في الجزائر وفي باقي المستعمرات الفرنسية سابقاً.

… بهذا، فإن الأصل التاريخيّ، إذن، لا يحيلُ على طمع في السّلطة لدى القَبايل، بل رغبة في مقاومة مدّ القَومية وإعلان الرفضِ لأيّ مسخ قد يطالُ الهوّية الوَطنية.

القَبائل… نحوَ “الجُمهورِية”!

تعدّ حركة استقلال منطقة القبايل، المعروفة اختصاراً بحركة ” الماك”، تنظيماً سياسياً، يرنو إلى تحقيق استقلال منطقة القبائل بالجزائر عن الحكم الجمهوري الجزائري.

تأسّست الحركة من طرف المغني الشّعبي فرحات مهني، غداة أحداث “الربيع الأسود” عام 2001، وذلك بعد الاحتجاجات العنيفة التي دارت رحاها في المنطقة الشمالية، بغاية الدفاع عن الهوية الأمازيغية، في وجه الحكومة “المتعصّبة للعروبة”، كما وصفها المتظاهرون.

الاحتجاجات طفتْ بحدّة، غداة “اغتيال” طالب في المدرسة الثانوية بمقر للدرك الوطني، إذ في 18 أبريل 2001، أصيب ماسينيسا قرماح، البالغ 18 عاما، بجروح بالغة بسبب طلقات حيّة منبعثة من رشاش كلاشنيكوف، في مقر الدرك لبني دوالة، وهي بلدة جبلية قريبة من تيزي وزو، شرق الجزائر العاصمة.

بقي الوضعُ متشنّجا بين الطّرفين إلى أن تمّ الإعلانُ عن تشكيل حكومة المنفى (GPK) Gouvernement Provisoire Kabyle، وانتُخب على إثر ذلك المناضل القبائلي فرحات مهني، رئيساً لهذه الحكومة سنة 2010.

فرحات مهني أعرب حينها أن الغاية من تأسيس حكومة المنفى بفرنسا، هي نسف الظلم والاحتقار والهيمنة التي تمارسها الحكومة الجزائرية، والتي تنكرُ وجود الشعب الأمازيغي وتسعى إلى طمس وجوده وهويته بالقمع والتهميش.

أيضاً، قال مهني: “لقد منعونا من هويتنا ولغتنا القبائلية وتمّت سرقةُ ثرواتنا الطبيعية، نحنُ نحكَمُ اليوم كالمستَعمَرين، بل كالأجانب في الجزائر… لقد أنكروا وجودنا وتعدّوا على كرامتنا ومارسوا التمييز ضدنا على جميع المستويات والأصعدة”.

منذُ تلك اللحظة، تمّ الإعلان بشكل رسميّ عن تشكيل الحكومة المؤقتة، “وذلك حتى لا يستمرّ تحملنا لأوزار التّرهيب والتمييز المتواصل ضد القبائل منذ 1962، أي منذ استقلال الجزائر عن فرنسا”، يقول مهني.

مع ذلك… لم يكن تأسيسُ حكومة المنفى خبراً عادياً يُلقَى في بيت النظام الجزائري، إذ سرعان ما بادرت السلطات العسكرية في الجزائر إلى شنّ حملة اعتقالات في صفوف مناضلي الحَركة، وقياديين في “القبائل”… والأخطر أنّ النظام أطلق حملة إبادة جماعية سُميّت بـ”صفر قبايلي”، حسب ما أفاد به مراراً فرحات مهني.

فهل هذه هي الأسباب العميقة التي ساهمت في بروز فكرة الانفصال عن الجزائر لدى القبايليين؟