يستبد بالأسر المغربية في الفترة الأخيرة إحساس حاد بتدهور مستوى المعيشة، في سياق متسم بترقب ارتفاع كبير لمعدل البطالة وتضرر الوضعية المالية للأسر المتشائمة، ما دفع ثلث الأسر المغربية للاستدانة من أجل الاستجابة لنفقاتها الجارية.
في التقرير الدوري الصادر أمس الخميس عن المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، الذي يقيس معنويات الأسر بالمغرب، أن مؤشر ثقة الأسر المغربية سجل أدنى مستوى له منذ انطلاق البحث سنة 2008، إذ بلغ معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة حوالي 81.5 في المائة.
وحسب نتائج البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية)، الأربعاء، فإن مؤشر ثقة الأسر انخفض إلى 47.4 نقطة عوض 50.1 نقطة المسجلة خلال الفصل السابق، و65.5 نقطة المسجلة خلال نفس الفصل من السنة الماضية.
وأشارت المندوبية إلى أن مؤشر الثقة ترتكز مكوناته على آراء الأسر حول تطور مستوى المعيشة والبطالة وفرص اقتناء السلع المستدامة وكذا تطور وضعيتهم المالية.
وتوقعت نتائج البحث ارتفاعا حادا لمستوى البطابة خلال الفصل الثالث من السنة الجارية، حيث رجحت 87,5% من الأسر مقابل 4% منها ارتفاعا في مستوى البطالة خلال 12 شهرا المقبلة، واستقر رصيد هذا المؤشر في مستوى سلبي بلغ ناقص 83,5 نقطة.
وصرحت 53,5% من الأسر، خلال الفصل الثالث من سنة 2022، أن مداخيلها تغطي مصاريفها، فيما استنزفت43,7% من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض، ولا يتجاوز معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها 2,8% .
وبخصوص تطور الوضعية المالية للأسر خلال 12 شهرا الماضية، صرحت 52,9% من الأسر مقابل 5,2% بتدهورها، وتوقعت 16,5% منها تحسنها خلال 12 شهرا المقبلة مقابل 22,4% التي تنتظر تدهورها.
وأفرزت نتائج بحث المندوبية “توقعات أكثر تشاؤما بخصوص قدرة الأسر على الادخار”، إذ صرحت 11,0% مقابل 89,0% من الأسر بقدرتها على الادخار خلال 12 شهرا المقبلة، وذكرت 99,1% من الأسر بأن أسعار المواد الغذائية قد عرفت ارتفاعا خلال 12 شهرا الأخيرة.
ومن جهة أخرى، توقعت 76,4% من الأسر استمرار أسعار المواد الغذائية خلال 12 شهرا المقبلة في الارتفاع، في حين لا يتجاوز معدل الأسر التي تنتظر انخفاضها 2,8%.
ارتفاع أسعار الغذاء
يستفاد من تقرير المندوبية السامية للتخطيط أن 98.1 في المائة الأسر تعتقد أن أسعار السلع الغذائية شهدت ارتفاعا كبيرا في الاثني عشر شهرا الماضية، فيما تتراجع تلك النسبة في الاثني عشر شهرا المقبلة إلى 76.9 في المائة.
ما جرى الكشف عنه في تحقيق المندوبية الذي يعكس امتثال الآسر لوضعيتها، يعكس جزءاً من الوضعية الحالية المتسمة بارتفاع الأسعار في المغرب، خاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا والجفاف وترقب تراجع إنفاق الأسر الذي يساهم بشكل حاسم في النمو، كما لاحظت المندوبية قبل يومين.
وقد خلصت المندوبية، في مذكرتها حول الوضع الاقتصادي في المغرب، إلى أن التضخم قفز إلى 3.6 في المائة في نهاية شهر مارس/ آذار الماضي، وهو مستوى غير مسبوق منذ 41 عاما، علما أن تلك المؤسسة تترقب زيادة الضغوط التضخمية في الربع الثاني من العام الجاري.
وكان البنك المركزي توقع أن يرتفع التضخم في نهاية العام الحالي إلى 4.7 في المائة، بعدما كان في العام الماضي في حدود 1.4 في المائة، وهو ما دفع محافظ البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري إلى إثارة مسألة المخاطر التي يمثلها ذلك بالنسبة لادخار الأسر.
غلاء الوقود
لم يكفّ المراقبون عن الدعوة إلى اتخاذ تدابير من أجل خفض سعر الوقود، خاصة السولار الذي ارتفع من 10 إلى 14.30 درهماً منذ بداية مارس/ آذار الماضي، حيث طرح نواب، أول من أمس، في اجتماع لجنة الطاقة والبنيات الأساسية بمجلس النواب (البرلمان)، إعادة تشغيل المصفاة المتوقفة منذ 2015.
غير أن وزيرة الطاقة المغربية ليلي بنعلي اعتبرت، عند استجوابها من قبل تلك اللجنة، أن تشغيل المصفاة لن يفضي إلى تراجع الأسعار، وهو رأي يخالف ما يؤكد عليه خبراء وأحزاب، وخاصة جبهة الدفاع عن المصفاة، التي ترى في تشغيل المصفاة عاملا سيساعد على خفض الأسعار في السوق.
ويتصور منسق جبهة الدفاع عن مصفاة سامير، الحسين اليماني، أنه “يتوجب الشروع الفوري في تشغيل المصفاة، معتبرا أن السياق الدولي يفرض العودة للتكرير من أجل رفع الاحتياطي والتصدي للأرباح الكبيرة التي تحققها شركات توزيع الوقود”.
ويؤكد منسق جبهة الدفاع عن مصفاة سامير، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن العودة للتكرير تفرضه الأسعار التي فاقت كل المستويات، حيث طاولت الوقود والسلع الغذائية، داعيا إلى تنظيم وضبط ومراقبة الأسر عبر الزيادة في الأجور وتوفير الشغل للعاطلين”.
من جانبه، يعتبر رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك (مستقلة) مديح وديع، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن الحكومة “يمكنها، حسب ما يسمح به القانون، اللجوء إلى تحديد سقف لبعض السلع، كما يمكنها اللجوء إلى التخلي عن إيرادات الضريبة الداخلية على استهلاك بعض السلع مثل الوقود، خاصة في حال ارتفعت تلك الإيرادات تبعا للزيادات التي تشهدها الأسعار”.