تسود حالة من التوتر والغضب داخل حزب العدالة والتنمية الذي يعاني أصلا من التشظي والخلافات الداخلية منذ سقوطه المدوي في آخر انتخابات تشريعية أخرجته من الحكم من الباب الصغير بهزيمة مذلة لا يزال يتردد صداها إلى الآن بين جماعات الإسلام السياسي في المنطقة.
ففي الوقت الذي يكابد فيه أبناء العدالة والتنمية في لملمة شتاتهم ومحاولة إعادة التموقع في المشهد السياسي بعد خسارتهم في الانتخابات البرلمانية ومحاولة استعادة ثقة قواعدهم الشعبية، فجر تكليف النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية جامع المعتصم بمهمة لدى غريمهم رئيس الحكومة عزيز أخنوش (الذي أخرجهم من الحكم بفوز ساحق)، موجة غضب لم تفلح تصريحات عبدالاله بنكيران (الأمين العام) في تهدئتها ولا إقناعهم بأسباب التحاق المعتصم الذي يفترض أنه في المعارضة، بمهمة لدى الحكومة.
ووجد بنكيران نفسه في مواجهة انتقادات شديدة من أعضاء ومنتسبي الحزب بعد أن برر قرار التحاق نائبه المعتصم بمهمة لدى رئيس الحكومة، بأن الأخير الذي اشتغل طيلة عشر سنوات مضت مدير ديوان رئيس الحكومة، قام بمبادرة منه ومن رئيس الحكومة السابق سعدالدين العثماني بإرجاع كل الملحقين برئاسة الحكومة من حزب العدالة والتنمية إلى وظائفهم الأصلية وعلى رأسهم هو نفسه، وفق ما ورد في تقرير بموقع ‘هسبريس’ المغربي ومواقع اخبارية مغربية أخرى تابعت الجدل بين الإسلاميين.
من جهته بث الأمين العام عبد الإله بنكيران مقطع فيديو يوضح فيه “بخصوص الزوبعة التي أثيرت حول كون السيد جامع المعتصم، النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، يشتغل مستشارا للسيد رئيس الحكومة وحول تناقض ذلك مع أخلاقيات العمل السياسي النبيل”.
وبعيدا عن تبريرات بنكيران وسياقاتها، يبدو حزب العدالة والتنمية في وضع صعب متقلبا بين إخفاق وآخر في مسعاه للعودة إلى الحياة السياسية وإنعاش حظوظه مرة أخرى بالعودة لصدارة المشهد.
وذكر بلاغ للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الأربعاء يوضح فيه “إن السيد جامع المعتصم شغل منصب مدير ديوان رئيس الحكومة على مدى عشر سنوات، وبمبادرة منه ومن رئيس الحكومة السابق الدكتور سعد الدين العثماني أرجع كل الملحقين برئاسة الحكومة من حزب العدالة والتنمية إلى وظائفهم الأصلية وعلى رأسهم هو نفسه”، ووصلت المراسلة إلى حيث يجب أن تصل خصوصا فيما يهمه، حيث وصلت إلى مديرية الموارد البشرية بوزارة التربية الوطنية، إلا أن رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش كان له رأي آخر، إذ راجع السيد جامع المعتصم في هذا القرار وأرسلت مصالحه رسالة إلى نفس المديرية لاستثنائه من هذا القرار، وقرر الاحتفاظ به كمكلف بمهمة لدى رئاسة الحكومة، وليس كمستشار لرئيس الحكومة، كما أشاع ذلك بعض المشوشين، وذلك نظرا لمعرفته به وبكفاءته وهو الأمر الذي لم يعترض عليه السيد جامع المعتصم ولم أعترض عليه أنا كذلك باعتباره في الأصل موظفا عموميا ولا عيب في أن يساعد رئيس الحكومة في أي أمر فيه مصلحة الوطن، كما أن هذا لم يمنعه أن يقوم بدوره كنائب لي كما لم يمنعه من المساهمة في معارضة الحزب للحكومة بكل وضوح وصراحة.
وفي محاولة سابقة لإظهار قوته في الشارع واستعادة شعبية متهاوية، فشل حزب العدالة والتنمية في تحريك الجبهة الاجتماعية وتأليب الشارع على الحكومة بحضور جماهيري باهت قاده ذراعه النقابي العمالي، ما شكل ضربة قاصمة أخرى لمحاولات إعادة التموقع.
بل إن الاحتجاج الذي جاء على خلاف ما كانت تتوقع الأمانة العامة للحزب، فجر خلافات بين أعضائها بسبب توقيته ومجازفة لم تكن محسوبة العواقب سيكون لها اثر حتمي على جهود ترميم الشروخ الداخلية واستعادة زمام المبادرة.
ونقل موقع ‘هسبريس’ عن عبدالعزيز أفتاتي عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية سابقا، قوله في تعليقه على تبريرات بنكيران، إن “المكلف بمهمة أو المستشار لرئيس الحكومة سيان من الناحية السياسية”.
ورأى أن التحاق النائب الأول لرئيس حزب المصباح أو ‘البيجيدي’ التسمية الأكثر تداولا لحزب العدالة والتنمية بمهمة لدى رئيس الحكومة “مضر بالحزب ويشوش على مواقف جامع المعتصم”، مضيفا “أدعو الأخ جامع المعتصم إلى تقديم استقالته وإذا لم يفعل ولم يتدخل الحزب، فإنني أجد نفسي خارجه”، مشددا على أن “المطلوب من حزب العدالة والتنمية هو معارضة رئيس الحكومة ومشروعه”.
وتابع أنه تفاجأ بتبريرات الأمين العام للحزب لالتحاق نائبه الأول بمهمة لدى عزيز أخنوش، وأنه لم يصدق بداية الخبر.
وبحسب الموقع الإخباري المغربي فإن تبريرات بنكيران أثارت ردود فعل غاضبة في صفوف أعضاء الحزب على منصات التواصل الاجتماعي وأنهم دعوا المعتصم بطلب إعفائه من مهمه.
وفي علامة واضحة على حالة التشظي التي أصابت إسلاميي المغرب وعلى تفرد بنكيران بالقرار، قالت مصادر من الحزب إن قرار التحاق النائب الأول للأمين العام بمهمة لدى الحكومة، لم يتم مناقشته على مستوى الأمانة العامة للحزب وأن أعضاء الحزب علموا بالأمر من الصحافة.
ومن شأن هذه التطورات أن تفاقم متاعب بنكيران الذي واجه في السابق اتهامات بالعمل ضد سلفه سعدالدين العثماني وأن تصرفاته كانت من ضمن أسباب الانتكاسات السياسية التي أخرجت الإسلاميين من الحكم.