بنسعيد يتعهد بهيكلة قنوات القطب العمومي وتصور جديد لدعم الصحافة..الدعم الاستثنائي للصحافة لم يكن منصفا..دعم الصحافة الحزبية ريعاً إعلامياً

0
174

تتلقى المقاولات الصحفية الحزبية المغربية دعما ماليا متعدد الروافد تكتنفه عدة اختلالات ترقى إلى اعتباره “ريعا” يستدعي رقابة مؤسساتية قصد تحقق النجاعة والشفافية والحكامة، علاوة على ضمان الحق في الوصول إلى المعلومة.

لن تكون صحفياً في بلد مثل المغرب بتلك السهولة، فالأمر يتطلب أن تكون ملماً بجميع خصائص المهنة وصفات أصحابها؛ لكي تتسلح بقدرة بدنية كالحداد لتجاوز الصعوبات المحدقة بك وتحمل الأخطار الناجمة عنها أحيانا، مع قدرة في تطويع الكلمات وحشدها لمبارزة الخصوم، وبهبة ربانية في صقل الجمل والتعبيرات وجعلها في قالب فني محبوك وسهل، لإيصال المعنى ولإفهام المغزى للقارئ بلغة بسيطة وميسرة كالنجار، ثم بالمواظبة والمثابرة والصبر على الوصول لنتائج ما تكتب أمام الشعب والتاريخ. 

قال المهدي بنسعيد وزير الثقافة والشباب والتواصل، إنه سيتم وضع تصور جديد لدعم الصحافة، يشارك في بلورته الشركاء والفاعلون في المجال، إلى جانب إعادة هيكلة شركات القطب السمعي البصري العمومي، وإعداد عقد برنامج جديد بين الدولة ومتعهدي الاتصال السمعي البصري العمومي.

وأوضح بنسعيد في عرض قدمه، أمس الجمعة، أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال، حول الميزانية الفرعية للوزارة برسم السنة المالية لسنة 2023، أن الوزارة تدرس رفع الحد الأدنى للأجر لفائدة الصحافيين، وذلك في إطار التشاور مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية وفدرالية الناشرين، وتطوير الدعم الذي تمنحه الوزارة للمقاولات الصحافية، والذي وصل هذه السنة إلى 95 مليون درهم.

وأشار أن هناك اتجاه إلى رفع مبلغ 5800 درهم المعتمد حاليا إلى حوالي 9000 درهم، بينما تطالب النقابة الوطنية للصحافة المغربية برفعه إلى 12 ألف درهم.

وأبرز أن الوزارة تتجه أيضا إلى تخصيص دعم مالي لشبيبات الأحزاب السياسية، بغية تمكينها من تجاوز العائق المالي الذي يحدّ من توسيع أنشطتها.

ولفت إلى أنه تم تسطير استراتيجية موجهة للشباب ترتكز على تجديد وتطوير الخدمات المقدمة للمرأة والطفولة والشباب؛ عن طريق فتح دور الشباب المغلقة وتعزيز الترسانة القانونية لمؤسسات الشباب. 

تلقت الصحافة الحزبية المغربية سنة 2019 دعما ماليا مباشرا يناهز 13 مليون درهم، في سياق يتسم بغياب المردودية، وتسجيل تراجع حاد في عدد المبيعات التي لا تتجاوز 25 ألف نسخة. هذا دون إغفال أن الصحافة الحزبية تستفيد من (3) ثلاثة منابع كبرى متأتية من المال العام، منها الدعم المباشر، وأموال الأحزاب، والإعلانات الإدارية. وفي ظل الأزمة الخانقة التي فرضتها جائحة كورونا في سنة 2020، استفادت الصحف الحزبية، إلى جانب نظيرتها الخاصة من الخطة الحكومية للإنقاذ بقيمة تجاوزت 200 مليون درهم. مع تخصيص 75 مليون درهم لتحمل تكاليف الأجور بهذه المقاولات الصحافية لمدة ثلاثة أشهر، مع التمديد لأشهر إضافية. ومادام الأمر يتعلق في المقام الأول بمالية الدولة فذلك ما يتطلب وجود نوع من الشفافية والحكامة.

تبلغ عدد الصحف الحزبية الورقية اليوم 16 جريدة ومجلة ورقية مملوكة لـ14 حزبا سياسيا، تستفيد 12 منها من دعم مالي مباشر يبلغ 13 مليون درهم، ومن دعم مالي آخر مقدم من أحزابها السياسية، كما تستأثر 10 جرائد منها بأزيد من 50 في المائة من الإعلانات الإدارية المتأتية من مؤسسات الدولة، والتي تدر عليها ملايين الدراهم، وتنضاف في بعض الأحيان الإشهارات المتعلقة بالمؤسسات العمومية، لكن عند التدقيق في كل جانب من جوانب تلك الموارد المالية سنتوقف عند ملاحظات مرتبطة بمدى إعمال مبدأي الشفافية والحكامة.

بالرجوع إلى مكتب التحقق من الانتشار (OJD) نجد أن معطياته تغطي (6) ست جرائد فقط، رغم أن تحديد حجم السحب لكل عنوان صحفي يعتمد على شهادة مسلمة من طرف المكتب قصد الاستفادة من الدعم العمومي الممنوح للمقاولات الصحفية، بينما تستفيد 12 جريدة من الدعم العمومي، وبالتالي فإن الحصول عليه رغم عدم تحقيق هذا الشرط يطرح سؤالا مشروعا حول مدى استحقاقه، رغم أن بعض الدعم يمنح لصحف حزبية صغرى بمبرر دعم التعددية الحزبية.

وقد سجل المجلس الأعلى للحسابات، في تقرير تشخيصي للقطاع، عدة ملاحظات تخص مسطرة منح الدعم العمومي للصحافة، منها “صعوبة ترتيب المقاولات الصحفية، وعدم مصداقية معيار حجم السحب، وعدم وضوح معايير الإعانات التكميلية أو الاستثنائية ومعايير كلفة الإنتاج، واحتمال تقليص المستفيدين من دعم الصحافة المكتوبة”، وسجل خلال الحديث عن معيار حجم السحب أن “مقارنة حجم السحب مع عدد النسخ المبيعة يظهر تفاوتا بين هذين المعيارين”.

فعلى سبيل المثال، إلى آخر تقرير سنوي حول “جهود النهوض بحرية الصحافة” الصادر في 2016، نجد أن 11 جريدة حزبية حصلت على ما أزيد من 2000 إعلان إداري من أصل 4605 إعلانا، وهو ما أدر عليها ملايين الدرهم، لكن توقف وزارة الثقافة والاتصال عن إصدار التقرير السنوي قد أدى إلى إيقاف نشر عدد الإعلانات الإدرية الممنوحة للجرائد، بما فيها الحزبية.

وبالتالي نستنتج أن الأرقام المتعلقة بالدعم المالي المباشر ماتزال تحتفظ بطابع علنية النشر، رغم ما يعتريها من نقائص تعرض لها تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول قطاع الصحافة المكتوبة، لكن بقية المعطيات تتوارى أمام عدم النشر وغياب الحق في المعلومة، هذا دون الحديث عن الإشهار المتأتي من المؤسسات والمقاولات العمومية، والإعفاءات الضريبية المتعددة.

إن الخلاصة العامة مما سبق هي أن الدعم العمومي المقدم من الدولة إلى المؤسسات الصحافية، سواء تعلق الأمر بالمقاولات الصحفية الخاصة/المستقلة، أو بالمقاولات الصحفية الحزبية يشكل شريان حياة للصحف الورقية، وبالتالي يجب أن يحقق أولا النجاعة المقصودة من إحداثه، وثانيا أن يخضع لضوابط الحكامة والشفافية، وثالثا أن يتجه إلى بناء المؤسسات للاستقلال عنه وليس أن يكون شرطا لبقائها، وهذا ما نرى أن القطاع كله لا يستجيب له.

إن الدعم العمومي للمقاولات الصحفية بشكل عام، وللمقاولات الصحفية الحزبية بشكل خاص، وإن بدا سليما في بعض نواحيه التنظيمية والقانونية، فإنه لا يخلو من وجود ريع أو على الأقل اختلالات تكتنف منحه، وقد سلط المجلس الأعلى للحسابات في تقرير الضوء على بعض جوانبها، وهنا لابد للمؤسسات الرقابية ومن ضمنها المفتشية العامة للمالية من القيام بمهامها وقد تمت الإشارة إليها في جواب وزارة الثقافة والاتصال آنذاك على تقرير المجلس الأعلى للحسابات، قصد تحقق النجاعة والشفافية والحكامة.

تجد الصحف الورقية المغربية الحزبية، اليوم، نفسها في ظل غياب المعلومة، ووجود ملاحظات تتعلق بالشفافية والحكامة، وضعف المقروئية، أمام ثلاثة خيارات أساسية:

أولها استمرار الدعم من المال العام عبر “الدعم الأساسي، التكميلي، الاستثنائي”، ومن إعانات الدولة للأحزاب السياسية، ومن الاعلانات الإدارية رغم عدم وجود مردوية ملموسة، بمبرر كون تلك الصحف “تراثا وطنيا”، ما يعني الاستثمار في الأزمة؛

ثانيها مواكبة الدولة للقطاع بغية إنجاز تحول بطيء، بدعم مشروط وفق دفتر تحملات، على غرار التحول الرقمي والطاقي وتجديد أسطول النقل. وفي هذا الصدد يمكن الانتقال إلى آليات حديثة توفر عوامل الانتشار الجماهيري والقدرة على التأثير وبتكلفة أقل؛

ثالثها وقف الدعم باعتباره ريعا سياسيا بعد دراسة مستقلة للكلفة والنجاعة، وهذا الأمر ربما ينسحب على قطاع الصحافة المكتوبة ككل ليس فقط الحزبية، وكما رأينا سابقا فإن الكثير من الدول اهتدت إلى إلغاء الصحافة الحزبية.

22 أكتوبر الماضي ، وثقت لجنة حماية الصحفيين في تقرير انتهاكات حرية الصحافة في بلدان المغرب الكبير، وسجلت استمرار التضييق على الصحفيين واعتقالهم وإحكام الرقابة على أنشطتهم.

ورفعت اللجنة تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة استعدادا للاستعراض الدوري الشامل في جنيف شهر نوفمبر القادم.

وفي موقعها على الإنترنت، قالت اللجنة إن بلدان تونس والجزائر والمغرب قبلت في الدورة الأخيرة للاستعراض الدوري الشامل في عام 2017، العديد من التوصيات المتعلقة بحرية الصحافة وحرية التعبير، لكن تقارير وتحليلات اللجنة أظهرت أن البلدان الثلاثة فشلت في تنفيذ التوصيات. 

وعن المغرب، سجلت اللجنة تدهور حرية الصحافة بشكل كبير، وازدياد الاعتقالات التعسفية للصحفيين، وطرد الصحفيين الأجانب، واستخدام أساليب الرقابة والمراقبة ضد الصحفيين بسبب عملهم.

ويسلط التقرير الضوء على كيفية استخدام الحكومة لتهم تتعلق بالجنس لمقاضاة وسجن الصحفيين بسبب عملهم. 

وأوصت لجنة حماية الصحفيين الحكومة المغربية بالإفراج عن جميع الصحفيين المسجونين ومنع تسليح قضايا المرأة وحقوقها في مقاضاة الصحفيين بسبب عملهم الاستقصائي. وتشمل التوصيات أيضا تجريم مراقبة ورصد الصحفيين عبر برامج التجسس.

الاستعراض الدولي الشامل آلية الأمم المتحدة تهدف إلى مراجعة التقدم المحرز من التوصيات التي قدمت في الدورات السابقة للبلدان المعنية.