تعتبر قضية الأمن الغذائي مهمة للغاية بالنسبة للإنسان أيا كان مكانه ومكانته فهو يعني قدرة الناس في الحصول على الغذاء الصحي والكافي الذي يُلبي احتياجاتهم الأساسية وبشكلٍ دائم.الا ان الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية، وتزايد الفوارق بين الإنتاج وعدد السكان. أحدث فجوة كبيرة خاصة في المدن الكبرى للمملكة، وكل ذلك أحدث واقعا مريرا القى بظلاله على الشرائح الفقيرة.
أكدت تقارير صادرة عن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والبنك الدولي، تبعية المغرب الكبيرة على مستوى أمنه الغذائي والطاقة والدوائي، مما يشكل تهديدا حقيقيا يستوجب اتخاذ الإصلاحات اللازمة لتجاوز عددا من الأعطاب.
وفي هذا الاطار، يشير تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى تفاقم العجز البنيوي الذي يعرفه القطاع الفلاحي بالمغرب، والصعوبات الجمة التي يعيشها، وعلى رأسها التقلبات المناخية والجفاف والارتهان للتساقطات المطرية، والمخاطر المتعلقة بتوفير البذور، وغلاء الأسمدة المستوردة والمبيدات، وتراجع المحاصيل وتفاقم مديونية الفلاحين .
وسجل البنك الدولي في تقرير حول “المناخ والتنمية بالمغرب”، أن الأمن الغذائي للمغرب يعرف تهديدا بسبب التقلبات المناخية والجفاف، رابطا بين غياب الأمن المائي وانعكاسه المباشر على الأمن الغذائي، موضحا أن الزراعة المعتمدة على الأمطار بالمغرب تشكل 80 في المئة من المساحة المزروعة في المملكة، وتشـتغل بهـا معظـم القـوى العاملـة الزراعيـة.
تفيد التقارير أن الأمن الطاقي للمغرب بدوره لا يزال مرتهنا بشكل كبير إلى الخارج، وتزيد درجة تهديده بفعل التغيرات الموجودة على الساحة الدولية اليوم، وعلى رأسها تبعات الحرب في أوكرانيا، فيما يفيد التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب، أن التبعية الطاقية للمغرب تفاقمت بفعل العديد من التحديات الداخلية، وعلى رأسها إغلاق مصفاة “سامير”، وخط أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، والتعثر في الطاقات المتجددة.
ودعا تقرير رسمي صادر عن مجلس المنافسة، إلى ضرورة تطوير الصناعة الصيدليـــة بالمغـرب، من أجل ترسيخ السيادة الصحية، وتمكين المواطن من الولوج إلى الأدوية بأسعار مناسـبة، كاشفا ارتهان المغرب الكبير للواردات من الادوية، ومنبها إلى أن الأدوية واللقاحات ومختلف المنتجات ذات الصلة ليست سلعا استهلاكية عاديـــة، بل هي موارد استراتيجية.
إجمالا لا يتعدى مخزون السدود المغربية 27 بالمئة من طاقتها، ما يثير القلق. لكن الجفاف الحالي يعدّ الأسوأ منذ قرابة أربعين عاما.
والمغرب أصلا تحت خط ندرة المياه الذي تحدده المنظمة العالمية للصحة ب1700 متر مكعب للفرد سنويا، بينما لا تتجاوز هذه الحصة 600 متر مكعب في المملكة.
وكان هذا المعدل أكبر أربع مرات في الستينات، عندما قُدّرت حصة كل فرد من المياه ب2600 متر مكعب.
ودفع ذلك المغرب الى حالة “الإجهاد المائي البنيوي”، وفق تقرير حديث للبنك الدولي.
ولمواجهة الكارثة التي تضرب المملكة، أصدرت وزارة الداخلية تعليمات للسلطات المحلية بتحديد توزيع المياه عندما يكون ذلك ضروريا، ومنع سقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف بماء الشرب.
كما مُنع الاستغلال غير القانوني للآبار والمنابع أو المجاري المائية.
على المدى الطويل، تعوّل السلطات على الخصوص على بناء 20 محطة لتحلية مياه البحر في أفق العام 2030، يفترض أن توفر جزء هاما من ماء الشرب، وفق وزارة التجهيز والماء.
لكن الخبير في الشؤون المائية محمد جليل يرى أنه “يصعب القيام بتتبّع فعّال لمدى الالتزام بالإجراءات التي اتخذتها السلطات”، معتبرا أن هذه الأخيرة “تقوم بتدبير الأزمة بدل اتخاذ تدبير استباقي للمخاطر”.
ويسبب الجفاف أيضا مشكلة كبيرة للقطاع الزراعي المهم في المغرب، وتسبّب بتراجع محصول الحبوب إلى 34 مليون قنطار فقط، ما يمثل انخفاضا بـ67 بالمئة مقارنة مع العام الماضي، وفق ما أعلنت وزارة الزراعة الاثنين.
وتستهلك الزراعة أكثر من 80 بالمئة من الموارد المائية للمغرب ما يطرح أيضا تساؤلات حول السياسة الزراعية “التي تعطي الأفضلية للأغراس الملتهمة للمياه والمزارع الكبرى”، وفق الخبير الزراعي محمد سرايري.
ويقول سرايري إن تقنيات الري بالتنقيط المعتمدة في هذه الزراعة المتطورة، تؤدي إلى استهلاك مفرط للمياه، بهدف تحويل مناطق جافة إلى خصبة.
وسجل البنك الدولي في تقريره أن المغرب ضاعف ثلاث مرات المساحة المسقية بهذه التقنية، وهو ما من شانه “أن يرفع الحجم الإجمالي للمياه التي يتسهلكها القطاع الزراعي بدل خفضه”.
على مقربة من سدّ المسيرة، يقول رجل تسعيني يدعى محمد واقفا قبالة تربة جافة “لم نعد نحرث الأرض، لم يعد هناك ماء”، لكنه يضيف “نقبل بالأمر الواقع، ليس لنا خيار”.
في المقابل، يبدو الشباب أقل استعدادا للصمود، كما يقول راعي غنم يافع (14 عاما). “نعيش وضعا هشا بسبب الجفاف، وأشعر أن الوضع سيزداد سوءا في المستقبل”.