أكد تقرير مبادرة “دينامية عدالة” استمرار انتهاكات حرية التعبير والإعلام والصحافة بالمغرب، عبر استعمال منظومة القانون الجنائي لتهديد هذه الحرية.
وقال التقرير الذي وقعته 38 جمعية وهيئة مغربية على رأسها جمعية “عدالة من أجل الحق في محاكم عادلة” أن مواد القانون الجنائي لا تزال تطبق ضد المدافعين عن حقوق الإنسان لحظة ممارستهم لحرية التعبير, مما يؤدي إلى التضييق عليهم وشل حركيتهم.
ومن جملة الأمثلة التي ساقها التقرير بخصوص انتهاك حرية التعبير والإعلام والصحافة حالة مغني الراب “لكناوي” الذي أدين بسبب نشره فيديو ينتقد السلطة السياسية ورجال الشرطة.
واعتبر التقرير المنجز في إطار “الاستعراض الدوري الشامل” أن حالة الصحافي حميد المهداوي تشكل مثالا على خطورة الجسر القانوني الخفي الذي يربط قانون الصحافة والنشر والقانون الجنائي، كما أن محاكمة أربعة صحافيين وإدانتهم بستة أشهر غير نافذة بعد نشرهم لأخبار صحيحة يعتبر نوعا من ضرب حرية الصحافة عبر ضرب سرية المصادر الصحافية التي تشكل قوة الإعلام.
ورصد التقرير مجموعة من الانتهاكات التي طالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعديد من فروعها والهيئة المغربية لحقوق الإنسان وحل جمعية جذور وتشميع بيوت مسؤولين من “العدل والإحسان” وتجريد بعض أعضائها من مسؤولياتهم الإدارية.
وتتعدد الانتهاكات التي توقف عليها التقرير ومن بينهت إدانة الصحافي عمر الراضي في 2019 بسبب تغريدة ومتابعة الصحافي بوطعام في حالة اعتقال وانتهاك شروط المحاكمة العادلة.
ورصد التقرير جملة من التوصيات المقدمة للمغرب والتي لم يتم تنفيذها ,مع تسجيل استمرار الانتهاكات.
كما أوصى التقرير بملاءمة قانون الصحافة والنشر مع المبادئ والمعايير الدولية، وجعل النصوص القانونية المتعلقة بحرية التعبير والصحافة أكثر دقة ووضوحا، وإلغاء المواد المتعلقة بجرائم التشهير المضمنة بالقانون الجنائي والاقتصار على قانون الصحافة والنشر، والإلغاء الصريح للعقوبات السالبة للحرية في قضايا التعبير والصحافة مع عدم الإحالة على قوانين أخرى.
و دعا إلى حصر المتابعة بقانون الصحافة والنشر في الجنح ذات الصلة والحد من السلطة التقديرية للقضاة على مستوى التكييف بما يعزز الحقوق والحريات المتعلقة بالصحافة، والحرص على حماية سرية المصادر، والتنصيص على مبدأ التناسب بين الضرر المحدث والتعويضات المحكومة بها في مجال القذف، وعدم متابعة المنتقدين لتدبير الشأن العام وناشري الأخبار الكاذبة في حدود عدم تشكيلها لخطر ما للصحة والأمن العامين، وتجنب العقوبات السالبة للحرية.
كما أوصى ذات التقرير بإعمال ميثاق أخلاقيات المهنة وتطوير دور المجلس الوطني للصحافة في مجال الوساطة والتحكيم في النزاعات القائمة بين المهنيين، وإعادة النظر في الدعم العمومي لتعزيز صحافة مستقلة ومتنوعة.
وكان التقرير السنوي لمنظمة “مراسلون بلا حدود” حول حرية الصحافة في العالم لسنة 2020، الصادر في 21 إبريل/نيسان الماضي، قد أكد أن “موجة الضغوط القضائية ضد الصحافيين” تتواصل في المغرب، فبالإضافة إلى “المحاكمات التي استمرت لسنوات ضد العديد من الفاعلين الإعلاميين، انهالت المتابعات القضائية على الصحافيين من جديد، حيث أصدرت أحكاماً مشددة في بعض الحالات، علماً بأن العديد من الصحافيين والصحافيين-المواطنين ما زالوا يقبعون في السجن”.
من جهته، يرى سامي المودني، رئيس “المنتدى المغربي للصحافيين الشباب”، أن تقييم موضوع حساس مثل حرية الصحافة لا يجب أن يخضع للغة المعطيات الجاهزة، وإنما إلى مؤشرات مضبوطة تهم الإطار القانوني ومدى ملاءمته للمواثيق الدولية ذات الصلة بحرية الرأي والتعبير، ورصد دقيق وموثوق للتجاوزات والانتهاكات بأقصى درجات الحيادية، بالإضافة إلى مدى تدخل الفاعلين الاقتصاديين في الخطوط التحريرية لوسائل الإعلام، فضلاً عن سؤال أخلاقيات مهنة الصحافة، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من جدلية الحرية والمسؤولية في العمل الإعلامي.
وبحسب المودني، فإنه إذا كان المغرب قد حقق تقدماً في ما يتعلق بملاءمة قوانينه الوطنية مع المواثيق الدولية ذات الصلة بحرية الرأي والتعبير، من خلال مدونة الصحافة والنشر، كما قبلت الحكومة بعدد من التوصيات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان بجنيف، التي تتجه نحو تعزيز حرية الصحافة، إلا أن استمرار وجود قانون يؤدي بالصحافي إلى المثول أمام المحاكم بموجب القانون الجنائي بتهم لها علاقة بالنشر يفرغ هذه التشريعات من محتواها. ويضيف: “تابعنا خلال هذه السنة استمرار متابعة الصحافيين قضائياً بموجب القانون الجنائي في قضايا متعلقة بالنشر، وهو ما يتعارض مع المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب”، مشيراً في تصريح لـ”العربي الجديد” إلى أن هذا الوضع يفرض تعديل قانون الصحافة بشكل ينهي مع هذا النوع من المتابعات القضائية وإحداث آلية وطنية لحماية الصحافيين.
وشهدت الفترة من 3 مايو الماضي إلى 3 مايو الجاري، اعتقالات وملاحقات في حق مجموعة من الصحافيين كان من أبرزها الحكم على الصحافية هاجر الريسوني بالحبس مدة سنة، قبل أن يعيد العفو الملكي الأمور إلى نصابها. وفيما لم يطرأ أي تغيير على وضع الصحافي حميد المهداوي المتابع بثلاث سنوات حبساً نافذاً، صدر في حق الصحافي عمر الراضي في مارس/ آذار الماضي حكم بالحبس أربعة أشهر موقوفة التنفيذ. كما قضت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت برفع العقوبة الحبسية إلى 15 سنة نافذة في حق الصحافي توفيق بوعشرين.