لكل مجتمع أصالته وثقافته وأخلاقياته، كما لكل مهنة أخلاقياتها وسلوكياتها، وتأتي الصحافة في مقدمة المهن التي تعكس صورة المجتمع بتجاربه ومشكلاته وظواهره، وحري بكل أشكال الصحافة سواء المكتوبة أو المسموعة أو المرئية أو الالكترونية أن تحترم البيئة الثقافية للمجتمع.
وينبغي ألا تتجاوز الصحافة المبادئ والقيم المتعارف عليها حتى تؤدي وظيفتها بشكل يستجيب لحاجات الناس وتطلعاتهم، وتمنحهم الفرصة ليحظوا برؤية أكثر وضوحا لواقعهم، فأخلاقيات العمل الصحفي تصبح بلا فائدة ما لم تعكسها سلوكيات عملية على أرض الواقع.
الرباط – طالب المؤتمر التشاوري للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بضرورة تعديل منظومة قوانين الصحافة والنشر في المغرب، مشيرة الى أن التجربة قد أبانت عن العديد من الاختلالات والنواقص فيما يتعلق بالأهلية لولوج مهنة الصحافة، بسبب الغموض في تعريف الصحافي المهني، الذي يطرح كذلك مشاكل بالنسبة للصحافيين التقنيين، تنعكس سلبا على أدائهم المهني رغم أنهم جزء مهم وأساسي في المهنة، كما يغفل عن تحديد دقيق ومقبول تعريف المقاولة الصحافية.
وأوضح البلاغ الصادر عن النقابة الوطنية للصحافة، كخلاصة لأشغال مؤتمرها التشاوري المنعقد خلال اليومين الماضيين ،أن قانون المتعلق بالصحافة والنشر، والقانون المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين والقانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة، يجب إعادة النظر فيهم ، خاصة ما يتعلق بالأخير ، والذي أبانت مرحلة التأسيس عن العديد من الاختلالات القانونية التي يجب تداركها، وتهم طريقة تشكيله والصلاحيات المخولة إليه وقوة إلزامية القرارات الصادرة عنه.
واعتبرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن طريقة تشكيل المجلس الوطني للصحافة، يجب أن تكون عادلة ومنصفة، تراعي حجم تمثيلية العاملين في القطاع و شرعية هذه التمثيلية.
لم تفضِ الثورة التكنولوجية فقط إلى تطور الممارسة الصحفية، بل إلى إحداث شرخ عميق بين وسائل الإعلام والجمهور، والتشكيك الدائم في مصداقية الصحفيين.
في هذا السياق، يتم الترويج بشكل متزايد لآليات التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام، التي أسستها مهنة الصحافة نفسها لاحترام أخلاقيات المهنة كعلاج لأزمة مصداقية الصحفيين.
يمكن أن تتخذ هذه الآليات أشكالا مختلفة، لكنها تتجسد بشكل أساسي في مجالس الصحافة. عادة ما يتم إنشاء هذه الهيئات على المستوى الوطني للتعامل مع الشكاوى الواردة من مستخدمي وسائل الإعلام بشأن الانتهاكات المحتملة لأخلاقيات الصحافة. ظهرت هذه المجالس الصحفية لأول مرة في السويد عام 1916، ثم تأسست فيما بعد في غالبية دول الاتحاد الأوروبي وبعض دول العالم.
بشكل عام، بينت الوقائع أن البلدان التي تمر بفترة انتقال مع نزوع نحو الاستبداد تصر بشكل مفرط على الانتهاكات المزعومة لأخلاقيات الصحافة، من أجل تشويه سمعة الصحفيين المحرجين، أو منع الصحافة من تغطية مواضيع حساسة مثل الفساد والدين والقوميات أو القضايا العرقية. بمعنى أدق، يمكن اعتبار الدعوات التي تطالب الصحفيين بتحمل المسؤولية على أنها طريقة ملتوية لفرض الرقابة عليهم.
إنه في النهاية نوع من “التنظيم الذاتي الإجباري”، تمارس من خلاله السلطة ضغوطا على ملاك وسائل الإعلام. وتصبح هذه المهمة سهلة جدا في بيئة مطبعة مع الفساد، تؤول فيها ملكية وسائل الإعلام إما لرجال الأعمال أو لشخصيات سياسية قريبة من السلطة.
في بلدان غير مستقرة مثل بعض دول العالم العربي، أو دول الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية، لا توفر البيئة المناسبة لدعم مبادئ التنظيم الذاتي، يبرز هذا الوعي نسبيا داخل بعض المنظمات المعنية بحرية الصحافة. هكذا، سلط ممثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا المعني بحرية وسائل الإعلام الضوء على مخاطر التنظيم الذاتي الإجباري الذي تروج له الحكومات وتستخدمه، مما يجعل من الممكن تحويل هذا النظام إلى شكل من الرقابة الذاتية يكون أكثر “نعومة” من أي شكل آخر من أشكال الرقابة.
يعتمد تعزيز التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام في نهاية المطاف على التوجه السياسي والديمقراطي للحكومات الوطنية. وبناء على ذلك، لن تنجح الجهود المبذولة لإقرار مجالس للصحافة، أو ستفشل جزئيا إذا لم تدعم سلطات الدولة وتحفز، في المقام الأول، تطوير وسائل الإعلام الحرة والمستقلة.
لماذا التنظيم الذاتي؟
في نظام ديمقراطي يضمن سيادة القانون، يتمتع نظام التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام بالعديد من المزايا، ففي بداية القرن العشرين، ظهر مفهوم المسؤولية الجماعية لمهنة الصحافة كجواب لـ “الاندثار” التدريجي للمسؤولية الفردية للصحفيين داخل المؤسسات الصحفية. وبينما دعت النظريات الليبرالية منذ القرن الثامن عشر إلى فك ارتباط الدولة وتنظيم الصحافة باعتبار وسائل الإعلام جزءا من قانون السوق (العرض والطلب)، من خلال المراهنة على ذكاء الأفراد لمعاقبة الانتهاكات المحتملة للصحفيين، فإن ظهور الصحافة “الشعبية” (أو الشعبوية)، والإمعان في انتهاكاتها الأخلاقية سرعان ما أدى إلى التشكيك في مبدأ “دعه يعمل باسم الحرية” الذي يؤطر القيم الليبرالية.
اليوم، وفي عصر الإنترنت والشبكات الاجتماعية، وقد أصبح للجميع حرية تقديم المعلومات ونقلها أيضا، عادت قضية المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام إلى قلب الجدل من جديد.
تتعارض الصحافة التقليدية، التي ترتكز على قيم الحيادية وتدقيق الحقائق وتعددية الأفكار، بشكل متزايد مع ثقافة الصحافة الرقمية التي تقوم على الفورية والشفافية. ومع انحدار مصداقية الصحافة لدى الجمهور، وتحميلها المسؤولية في الفشل في حماية أخلاقيات المهنة بشكل ذاتي دون رادع (إما من المجتمع أو من السلطة عبر سن قوانين)، يقدم نظام التنظيم الذاتي نفسه قارب نجاة مهني وأخلاقي.
هكذا، فإن فكرة تعزيز المسؤولية الجماعية للصحفيين في مواجهة “اندثار” المسؤوليات الفردية تكتسب زخما، ومعها، تكتسب فكرة “وظيفية” لحرية التعبير التي تتمتع بها الصحافة. معنى ذلك أن تعزيز الحماية، بقدر ما يخدم النقاش الديمقراطي ويحقق المصلحة العامة، فإنه يؤسس لتعاقد مهني وأخلاقي جديد محوره مؤسسات التنظيم الذاتي.
في هذا السياق بالذات، يؤكد القانون القضائي للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بشكل أكثر وضوحا، على أهمية الصحافة الجيدة في الأنظمة الديمقراطية، ويجعل احترام أخلاقيات الصحافة أولوية في الممارسة المهنية، ووسيلة لتعزيز الدفاع عن الصحفيين في أوروبا. يذهب هذا القانون أبعد من ذلك، حين يعتبر أن السلطة القضائية لا ينبغي عليها في الأنظمة الديمقراطية أن تستجيب للشكاوى المتعلقة بأخلاقيات المهنة؛ لأنها من اختصاص الصحفيين أنفسهم، وكلما فتح الباب أمام الاجتهاد القضائي، وجد الصحفيون أنفسهم أمام تغول السلطة التي ستستثمر قضية الأخلاقيات لضرب حرية الصحافة.
بالإضافة إلى استعادة مصداقية الصحافة، فإن آليات التنظيم الذاتي مثل مجالس الوساطة أو مجالس الصحافة تحقق فوائد ملموسة لمستخدمي وسائل الإعلام، فهي توفر بديلا لمحاكم العدل، التي يلجأ إليها عدد قليل من المواطنين في نهاية المطاف، لأسباب مالية أو ثقافية، وتمنح الحق للجمهور في الحصول على معلومات جيدة.
يظهر تحليل تاريخ إنشاء مجالس الصحافة في أوروبا (الغربية) أن هذه الهيئات أسست في الغالب لتجنب تهديد تدخل الدولة في مجال حرية الإعلام، وأنها ساهمت أحيانا في إلغاء تجريم السب والقذف الذي استغل في مرات كثيرة من أجل تكميم حرية الصحافة. في أيرلندا، على سبيل المثال، تم قبول إلغاء تجريم التشهير مقابل إنشاء هيئة ذاتية التنظيم في عام 2007.
تقرير "وقعته 38 جمعية وهيئة مغربية" يؤكد استمرار انتهاك حرية التعبير والصحافة بالمغرب
أكتوبر الماضي ،صادقت لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى في البرلمان)، على مشروع مرسوم هو بمثابة قانون يتعلق بتمديد مدة انتداب «المجلس الوطني للصحافة»؛ (مؤسسة للتنظيم الذاتي لمهنة الصحافة المكتوبة)، لمدة 6 أشهر، وذلك بعد تعذر إجراء انتخابات المجلس.
وقال المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، إن قرار التمديد جاء لتفادي حدوث «فراغ مؤسساتي»، عادّاً أن «الموضوع تقني». وبهذه المصادقة يتمكن المجلس من مواصلة مهامه، حيث كان يفترض أن تنتهي ولايته في 4 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دون أن يتم تنظيم انتخابات لتجديده وسط حديث عن خلافات بين أعضائه.
ويتيح القانون للحكومة عرض مراسيم بمثابة قانون على اللجنة النيابية المختصة خلال العطلة البرلمانية. وينص المشروع على أحكام خاصة بـ«المجلس الوطني للصحافة»، ويستند إلى المادة «6» من القانون المتعلق بالمجلس الصادر في مارس (آذار) 2016، التي تحدد مدة انتداب أعضاء «المجلس الوطني للصحافة» في 4 سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة.
وجاء في مذكرة تقديم المشروع أنه بسبب عدم تمكن المجلس من إجراء انتخابات أعضائه الجدد في أوانها، خصوصاً ممثلي الصحافيين المهنيين وممثلي ناشري الصحف، الذين يكتسبون عضوية المجلس بالانتخاب، وبالنظر إلى ما تقتضيه الضرورة الملحة من استمرار المجلس القائم حالياً في أداء مهامه، المنصوص عليها في قانون إحداثه، إلى غاية تنصيب مجلس جديد، فقد تم التنصيص في مشروع هذا المرسوم بقانون المتخذ، استناداً إلى أحكام الفصل «81» من الدستور، على أن يستمر أعضاء «المجلس الوطني للصحافة» وأجهزته، المزاولون مهامهم منذ تاريخ نشر هذا المرسوم بقانون بالجريدة الرسمية، في ممارسة مهامهم المنصوص عليها في القانون المحدث لهذا المجلس إلى غاية 4 أبريل (نيسان) 2023.
وحسب المذكرة ذاتها؛ «يتوخى مشروع هذا المرسوم بقانون ضمان السير العادي في أداء المجلس للمهام المنوطة به، بموجب مدونة الصحافة والنشر والنصوص المتخذة لتطبيقها. ويتولى المجلس بحكم القانون منح بطاقة الصحافة المهنية، ويسهر على صيانة المبادئ التي يقوم عليها شرف المهنة، بما فيها التقيد بميثاق أخلاقياتها والأنظمة المتعلقة بمزاولتها، وكذا ترصيد المكتسبات التي تم تحقيقها، انطلاقاً مما هو موكول من مهام للمجلس الوطني للصحافة، كهيئة للتنظيم الذاتي للمهنة».