السدود امتلأت بالمملكة بنسبة 30 بالمئة بعد الأمطار الأخيرة.. الملك المفدى يدعو المواطنين بـ"ترشيد استهلاك المياه

0
360

أثارت دعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، للمواطنين بـ”ترشيد استهلاك المياه”، الحديث عن موجة الجفاف غير المسبوقة التي تضرب المملكة، وجددت التساؤلات حول الوضع المائي للمغرب والحلول المقترحة لمواجهة تداعيات أزمة نقص المياه في المملكة.

الرباط – أكّد وزير التجهيز والماء، نزار بركة، أن الأمطار الأخيرة ساهمت في امتلاء السدود بنسبة بلغت 30 بالمئة، بعدما عرفت هذه الأخيرة نقصا كبيرا بسبب شح الأمطار. 

وأوضح الوزير خلال الاجتماع الرابع للجنة التوجيهية للبرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، والذي خصص لتقييم وضعية السدود والمخزون المائي، أن نسبة امتلاء السدود بلغت 1.7 مليار متر مكعب أي بنسبة 30 بالمئة بعدما كانت أقل من 20 بالمئة وطنيا.

وأضاف بركة أن هذا الاجتماع شكل أيض ا مناسبة لإنعاش برنامج 2020-2027 لبرمجة السدود وتحلية مياه البحر، مشدد ا على أن هذا المخطط يأخذ بعين الاعتبار برنامج الاستثمار الأخضر، الذي قدمته مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط  والذي سيمكن من إنتاج 560 مليون متر مكعب المياه الخاضعة للتحلية، والتي تم تخصيص جزء منها لتلبية الاحتياجات من المياه الصالحة للشرب في بعض المدن وكذا للري.

وتابع الوزير أنه تم أيضا التطرق إلى استعمال المياه العادمة المعالجة، وكذا البرنامج الجديد المخصص للسدود الصغيرة والسدود التلية، ولا سيما 200 سد صغير مبرمج للفترة 2024-2027 ، في إطار شراكة مع الجهات.

من جهة أخرى، أشار بركة إلى أن الاجتماع تناول موضوع تمويل هذا البرنامج، من خلال شراكة بين القطاعين العام والخاص.   

في خطاب جلالة الملك المفدى محمد السادس، حفظه الله، بمناسب افتتاح أعمال البرلمان دق جلالته، ناقوس الخطر بشأن أزمة الجفاف ونقص المياه بالمغرب، داعيا إلى التعامل بجدية في مواجهة “إجهاد مائي هيكلي” تعانيه المملكة.

وطالب الملك المفدى حفظه الله بـ”أخذ إشكالية الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة، لاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول”، مشيرا إلى أن المغرب “أصبح يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي ويمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة، منذ أكثر من ثلاثة عقود”.

ويرى رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية في المغرب، محمد بودن،  في خطاب  الملك المفدى محمد السادس “فرصة قوية لاستباق تداعيات الإجهاد المائي بالبلاد”.

وفي تصريحات صحفية سابقة، أشار بودن إلى أن الملك المفدى “قدم وصفة استراتيجية لإحراز تقدم في ملف المياه الذي يمثل أساس التنمية والعيش والاستثمار يرتبط بالبيئة المحفزة وعناصر الاستدامة”.

ويشهد المغرب هذا العام أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود، ولا يتعدى مخزون السدود المغربية 27 بالمئة من طاقتها، لكن الوضع مرشح للأسوأ تدريجيا في أفق العام 2050 بفعل تراجع الأمطار (-11 بالمئة) وارتفاع سنوي للحرارة (+1,3 درجات)، وفق تقديرات وزارة الزراعة.

ولذلك يصف المحلل الاقتصادي المغربي، إدريس عيساوي، الوضع الحالي للبلاد بـ”الحرج” بسبب الندرة الخانقة التي يعرفها المغرب وخاصة المياه المستعملة في مجال السقي.

وحسب عيساوي فقد أثرت وضعية الجفاف على كافة القطاعات بالمغرب وخاصة مجال الزراعة ما دفع الخبراء المختصين لمحاولة وضع حلول لهذه المعضلة “لكن دون جدوى”.

وبالمقابل اختار الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله متواه، تجهيز البلاد بمجموعة من السدود يزيد عددها على 55 سدا بمختلف القياسات، ما مكن من سقي أكثر من 1 مليون هكتار من المساحات الزراعية وتطوير زراعات متنوعة تم تصديرها للسوق الأوربية، وفقا لحديث عيساوي.

وتستهلك الزراعة أكثر من 80 بالمئة من الموارد المائية للمغرب، وتسبب الجفاف بتراجع محصول الحبوب إلى 34 مليون قنطار فقط، ما يمثل انخفاضا بـ67 بالمئة مقارنة مع العام الماضي، وفقا لـ”فرانس برس”.

وأدى ذلك الجفاف في المغرب بالإضافة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا، لتراجع توقعات النمو لهذا العام إلى 0,8 بالمئة فقط، وفق المصرف المركزي.

ويأمل المغرب، الذي يبلغ عدد سكانه نحو 36 مليون نسمة، استعادة النمو الاقتصادي بمعدل 3,6 بالمئة العام المقبل، إذا بلغ محصول الحبوب متوسط 75 مليون قنطار، وهو ما يظل مرتبطا بمستوى الأمطار.

ولذلك يؤكد بودن أن “تحقيق نمو أسرع للاقتصاد الوطني يتطلب عملا متواصلا على مستوى السياستين المائية والاستثمارية”، مشيرا إلى أن “الخطاب الملكي يربط بين توفر المياه وزيادة الاستثمار لتحقيق التنمية”.

المغرب أصلا تحت خط ندرة المياه الذي تحدده المنظمة العالمية للصحة بـ1700 متر مكعب للفرد سنويا، بينما لا تتجاوز هذه الحصة 600 متر مكعب في البلاد.

وكان هذا المعدل أكبر أربع مرات في الستينات، عندما تم تقدير حصة كل فرد من المياه ب2600 متر مكعب، وفقا لـ”فرانس برس”.

ودفع ذلك المغرب الى حالة “الإجهاد المائي البنيوي”، وفقا لتقرير حديث للبنك الدولي.

ووفقا لحديث بودن فإن “أضرار الحالة المائية تتباين من منطقة لأخرى بحكم زيادة الطلب على المياه، ما قد يؤدي إلى وضع لا يمكن تحمله” على حد تعبيره.

ويؤكد بودن أن “الانخفاض المسجل في توافر المياه موضوع لا يقبل التأجيل ولذلك ينبغي التعامل مع الأزمة عبر استراتيجية بعيدة المدى للتخفيف من تأثير التغيرات المناخية والحد من الضغط الاقتصادي والديمغرافي”.

لمواجهة الأزمة التي تضرب البلاد، أصدرت وزارة الداخلية المغربية، تعليمات للسلطات المحلية بتحديد توزيع المياه عندما يكون ذلك ضروريا، ومنع سقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف بماء الشرب.

وفي إطار ذلك تم منع الاستغلال غير القانوني للآبار والمنابع أو المجاري المائية، وفقا لـ”فرانس برس”.

على المدى الطويل، تعول السلطات على الخصوص على بناء 20 محطة لتحلية مياه البحر في أفق العام 2030، يفترض أن توفر جزء هاما من ماء الشرب، وفق وزارة التجهيز والماء.

وحسب حديث عيساوي فقد شيد المغرب “محطات لتحلية مياه البحر”، مشيرا إلى وجود محطات بعدد من المدن المغربية، مع برمجة مشاريع أخرى بكل المدن الموجودة على الشاطئ الأطلسي والمتوسطي.

وانتهج المغرب سياسة ترشيد استعمال المياه للسقي، باستخدام تقنيات “السقي بالتنقيط وتقنيات أخرى متطورة”، وفقا لحديث عيساوي.

ويشير بودن إلى أهمية “ابتكار أنماط جديدة لتدبير المياه واستخدام طرق تتكيف مع التقلبات المناخية ورفع مستوى الوعي المائي في المجتمع”.

ولذلك قدم العاهل المغربي رؤية تتعلق بأربعة توجهات حاسمة، ويتعلق التوجه الأول بالتركيز على” الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة ودورها في اقتصاد الماء وإعادة استخدام المياه العادمة”، وفقا لحديث بودن.

بينما يركز التوجه الثاني على ترشيد استغلال المياه الجوفية والحفاظ على الفرشات المائية.

وجعل التوجه الثالث من المياه “شأنا استراتيجيا يهم قطاعات عديدة ليخلص للتوجه الرابع الذي ركز على التكلفة الحقيقية للموارد المائية”، وفقا لحديث بودن.

ويتطرق بودن إلى “البرنامج الوطني المغربي للماء 2020 – 2027″، والهادف إلى تعزيز منظومة السدود ومحطات الربط المائي وتحلية مياه البحر.

وفي مطلع يناير، ترأس الملك محمد السادس، حفل توقيع اتفاقية البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي تكلف استثمارات بقيمة 115،4 مليار درهم مغربي.

وتحدد الاتفاقية شروط وكيفية تنفيذ وتمويل إنجاز هذا البرنامج، الرامي إلى دعم وتنويع مصادر التزويد بالماء الشروب، ومواكبة الطلب على عليها وضمان الأمن المائي، والحد من آثار التغيرات المناخية، وفقا لـ”الموقع الرسمي للحكومة المغربية”.

ويري بودن أن ذلك نتائج المشروع “ستوفر أدوات لمواجهة تداعيات الجفاف وتساهم في الحفاظ على الأمن المائي للمغرب” خلال الفترة القادمة.