“الأموال التي تقدمها الدولة للصحف لا تذهب بالأساس إلى تأهيل هذه المقاولات وإنما لصرفها في أمور تسيير محضة.. يقوض تركيز وسائل الإعلام في يد عدد صغير من رجال الأعمال الأغنياء، الوظيفة الأساسية للصحافة: مراقبة السلطة. هكذا تصبح “الصحافة” مجرد سلعة خاضعة لمنطق الربح والخسارة تقتل التنوع وتهدد المسار الديمقراطي. يختصر إمبراطور الإعلام موردوخ التحكم في وسائل الإعلام بعبارة واضحة: “الاحتكار شيء سيئ…إلا إذا حاز المرء شيئا منه”.
الرباط – أعلن وزير الثقافة والتواصل والشباب ، محمد المهدي بنسعيد، خلال اليوم الدراسي حول “الاعلام الوطني والمجتمع: تحديات ورهانات المستقبل” المنعقد يومه الأربعاء بمجلس النواب، عن رفع الدعم العمومي لوسائل الاعلام من 65 مليون درهم سنويا إلى أزيد من 200 مليون درهم سنويا، وأنه سيتم توزيع الدعم بمعايير جديدة، ودفتر تحملات واضح، ومنطق يقطع مع بعض الممارسات السابقة.
وأشار الوزير الشاب مهدي بنسعيد في مداخلته، إلى أن الإعلام في المملكة شهد تطورا كبيرا خلال السنوات الماضية، وساهم في البناء الديموقراطي للمغرب، وكان من بين أهم ركائز الإصلاحات السياسية والدستورية، معتبرا أن:” الإعلام كان ولا يزال ضرورة في حياة المواطنات والمواطنين، بشرط أن يكون إعلام جاد ومسؤول، يقدم المعلومة الصحيحة، ويحارب الأخبار الزائفة، يمنح التحليل والرأي الذي يَصُبُّ في تكوين الناشئة وتطعيم المعرفة لدى العموم”.
ودعا وزير الثقافة والتواصل والشباب ،إلى ضرورة مراجعة مدونة الصحافة والنشر بشكل شامل، من أجل إعلام مغربي قوي، داخل الوطن وخارجه، ومراجعة للنموذج الاقتصادي للمقاولة الإعلامية، عبر تشجيع الاستثمار، ودعم الموارد البشرية، وتقديم فلسفة جديدة للدعم العمومي للمقاولات.
هل تحقق الغرض من الدعم الحكومي السابق؟
من جهته ،يرى رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، سامي المودني، في تصريح صحفي سابق، أن الغرض من الدعم الحكومي الموجه للصحافة الورقية والالكترونية، يتجلى أساسا في تأهيل المقاولات الإعلامية بشكل يمكن من توفير بيئة ملائمة لتطور مشهد إعلامي مستقل ومتعدد، ويساهم بالتالي في جعل السلطة الرابعة تقوم بدورها كاملا في مراقبة الشأن العام، خصوصا وأن سوق الإعلانات في المغرب تواجه إشكاليات كبرى في ظل الثورة التكنولوجية، أبرزها تراجع عائدات الإعلانات لفائدة المنصات الاجتماعية الكبرى على شبكة الأنترنيت.
وأضاف المودني، في حديث صحفي، “السؤال المطروح هنا: هل حقق الدعم العمومي الهدف من وراء إحداثه مع العلم أن المواقع الإلكترونية والرقمية الإخبارية أصبحت تستفيد منه؟ ثم هل ينعكس هذا الدعم على الوضعية الاجتماعية للصحافيين المغاربة؟
وأضاف المودني أنه قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، لابد من استحضار أمر مهم للغاية وهو أن دعم المقاولات الصحافية من المال العام ممارسة موجودة في عدد من الدول العريقة ديمقراطيا مثل فرنسا، لأن الصحافة ليست “سلعة” خاضعة لمنطق البيع والشراء بناء على عدد المشاهدات وإنما حاجة مجتمعية لكل بلد يريد أن يطور ممارسته الديمقراطية.
وأورد المودني أنه لا يمكن الجزم أبدا بأن الدعم العمومي الموجه للمقاولات الصحافية الورقية لم يحقق الأهداف التي جاء من أجلها في اليوم الأول، ولكن هذا لا يعفي من طرح عدد من الإشكاليات، أبرزها أن هذا الدعم لا يستفيد منه الصحافيون المغاربة، والدليل على ذلك أنه حتى الآن لم تتم مراجعة ما يعرف في المغرب بـ”الاتفاقية الجماعية لصحافيي الصحافة الورقية” والتي تنص على ضمان الحد الأدنى من الأجور والامتيازات الممنوحة للصحافيين في هذا القطاع الهام منذ سنة 2006.
أما مدى مساهمة هذا الدعم العمومي في تعزيز التعددية والاستقلالية الإعلامية، فيقول المودني إنه موجود في تقرير صادر عن المجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2015 و2016، الذي كشف أن “الأموال التي تقدمها الدولة للصحف لا تذهب بالأساس إلى تأهيل هذه المقاولات وإنما لصرفها في أمور تسيير محضة”.
إلاّ أن التقارير تشير إلى أن الصحافة الحزبية المغربية حصلت سنة 2019 دعما ماليا مباشرا يناهز 13 مليون درهم، في سياق يتسم بغياب المردودية، وتسجيل تراجع حاد في عدد المبيعات التي لا تتجاوز 25 ألف نسخة. هذا دون إغفال أن الصحافة الحزبية تستفيد من (3) ثلاثة منابع كبرى متأتية من المال العام، منها الدعم المباشر، وأموال الأحزاب، والإعلانات الإدارية. وفي ظل الأزمة الخانقة التي فرضتها جائحة كورونا في سنة 2020، استفادت الصحف الحزبية، إلى جانب نظيرتها الخاصة من الخطة الحكومية للإنقاذ بقيمة تجاوزت 200 مليون درهم. مع تخصيص 75 مليون درهم لتحمل تكاليف الأجور بهذه المقاولات الصحافية لمدة ثلاثة أشهر، مع التمديد لأشهر إضافية. ومادام الأمر يتعلق في المقام الأول بمالية الدولة فذلك ما يتطلب وجود نوع من الشفافية والحكامة.
تبلغ عدد الصحف الحزبية الورقية اليوم 16 جريدة ومجلة ورقية مملوكة لـ14 حزبا سياسيا، تستفيد 12 منها من دعم مالي مباشر يبلغ 13 مليون درهم، ومن دعم مالي آخر مقدم من أحزابها السياسية، كما تستأثر 10 جرائد منها بأزيد من 50 في المائة من الإعلانات الإدارية المتأتية من مؤسسات الدولة، والتي تدر عليها ملايين الدراهم، وتنضاف في بعض الأحيان الإشهارات المتعلقة بالمؤسسات العمومية، لكن عند التدقيق في كل جانب من جوانب تلك الموارد المالية سنتوقف عند ملاحظات مرتبطة بمدى إعمال مبدأي الشفافية والحكامة.
بالرجوع إلى مكتب التحقق من الانتشار (OJD) نجد أن معطياته تغطي (6) ست جرائد فقط، رغم أن تحديد حجم السحب لكل عنوان صحفي يعتمد على شهادة مسلمة من طرف المكتب قصد الاستفادة من الدعم العمومي الممنوح للمقاولات الصحفية، بينما تستفيد 12 جريدة من الدعم العمومي، وبالتالي فإن الحصول عليه رغم عدم تحقيق هذا الشرط يطرح سؤالا مشروعا حول مدى استحقاقه، رغم أن بعض الدعم يمنح لصحف حزبية صغرى بمبرر دعم التعددية الحزبية.
وقد سجل المجلس الأعلى للحسابات، في تقرير تشخيصي للقطاع، عدة ملاحظات تخص مسطرة منح الدعم العمومي للصحافة، منها “صعوبة ترتيب المقاولات الصحفية، وعدم مصداقية معيار حجم السحب، وعدم وضوح معايير الإعانات التكميلية أو الاستثنائية ومعايير كلفة الإنتاج، واحتمال تقليص المستفيدين من دعم الصحافة المكتوبة”، وسجل خلال الحديث عن معيار حجم السحب أن “مقارنة حجم السحب مع عدد النسخ المبيعة يظهر تفاوتا بين هذين المعيارين”.
فعلى سبيل المثال، إلى آخر تقرير سنوي حول “جهود النهوض بحرية الصحافة” الصادر في 2016، نجد أن 11 جريدة حزبية حصلت على ما أزيد من 2000 إعلان إداري من أصل 4605 إعلانا، وهو ما أدر عليها ملايين الدرهم، لكن توقف وزارة الثقافة والاتصال عن إصدار التقرير السنوي قد أدى إلى إيقاف نشر عدد الإعلانات الإدرية الممنوحة للجرائد، بما فيها الحزبية.
وبالتالي نستنتج أن الأرقام المتعلقة بالدعم المالي المباشر ماتزال تحتفظ بطابع علنية النشر، رغم ما يعتريها من نقائص تعرض لها تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول قطاع الصحافة المكتوبة، لكن بقية المعطيات تتوارى أمام عدم النشر وغياب الحق في المعلومة، هذا دون الحديث عن الإشهار المتأتي من المؤسسات والمقاولات العمومية، والإعفاءات الضريبية المتعددة.
إن الخلاصة العامة مما سبق هي أن الدعم العمومي المقدم من الدولة إلى المؤسسات الصحافية، سواء تعلق الأمر بالمقاولات الصحفية الخاصة/المستقلة، أو بالمقاولات الصحفية الحزبية يشكل شريان حياة للصحف الورقية، وبالتالي يجب أن يحقق أولا النجاعة المقصودة من إحداثه، وثانيا أن يخضع لضوابط الحكامة والشفافية، وثالثا أن يتجه إلى بناء المؤسسات للاستقلال عنه وليس أن يكون شرطا لبقائها، وهذا ما نرى أن القطاع كله لا يستجيب له.
إن الدعم العمومي للمقاولات الصحفية بشكل عام، وللمقاولات الصحفية الحزبية بشكل خاص، وإن بدا سليما في بعض نواحيه التنظيمية والقانونية، فإنه لا يخلو من وجود ريع أو على الأقل اختلالات تكتنف منحه، وقد سلط المجلس الأعلى للحسابات في تقرير الضوء على بعض جوانبها، وهنا لابد للمؤسسات الرقابية ومن ضمنها المفتشية العامة للمالية من القيام بمهامها وقد تمت الإشارة إليها في جواب وزارة الثقافة والاتصال آنذاك على تقرير المجلس الأعلى للحسابات، قصد تحقق النجاعة والشفافية والحكامة.
تجد الصحف الورقية المغربية الحزبية، اليوم، نفسها في ظل غياب المعلومة، ووجود ملاحظات تتعلق بالشفافية والحكامة، وضعف المقروئية، أمام ثلاثة خيارات أساسية:
أولها استمرار الدعم من المال العام عبر “الدعم الأساسي، التكميلي، الاستثنائي”، ومن إعانات الدولة للأحزاب السياسية، ومن الاعلانات الإدارية رغم عدم وجود مردوية ملموسة، بمبرر كون تلك الصحف “تراثا وطنيا”، ما يعني الاستثمار في الأزمة؛
ثانيها مواكبة الدولة للقطاع بغية إنجاز تحول بطيء، بدعم مشروط وفق دفتر تحملات، على غرار التحول الرقمي والطاقي وتجديد أسطول النقل. وفي هذا الصدد يمكن الانتقال إلى آليات حديثة توفر عوامل الانتشار الجماهيري والقدرة على التأثير وبتكلفة أقل؛
ثالثها وقف الدعم باعتباره ريعا سياسيا بعد دراسة مستقلة للكلفة والنجاعة، وهذا الأمر ربما ينسحب على قطاع الصحافة المكتوبة ككل ليس فقط الحزبية، وكما رأينا سابقا فإن الكثير من الدول اهتدت إلى إلغاء الصحافة الحزبية.
22 أكتوبر الماضي ، وثقت لجنة حماية الصحفيين في تقرير انتهاكات حرية الصحافة في بلدان المغرب الكبير، وسجلت استمرار التضييق على الصحفيين واعتقالهم وإحكام الرقابة على أنشطتهم.
ورفعت اللجنة تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة استعدادا للاستعراض الدوري الشامل في جنيف شهر نوفمبر القادم.
وفي موقعها على الإنترنت، قالت اللجنة إن بلدان تونس والجزائر والمغرب قبلت في الدورة الأخيرة للاستعراض الدوري الشامل في عام 2017، العديد من التوصيات المتعلقة بحرية الصحافة وحرية التعبير، لكن تقارير وتحليلات اللجنة أظهرت أن البلدان الثلاثة فشلت في تنفيذ التوصيات.
وعن المغرب، سجلت اللجنة تدهور حرية الصحافة بشكل كبير، وازدياد الاعتقالات التعسفية للصحفيين، وطرد الصحفيين الأجانب، واستخدام أساليب الرقابة والمراقبة ضد الصحفيين بسبب عملهم.
ويسلط التقرير الضوء على كيفية استخدام الحكومة لتهم تتعلق بالجنس لمقاضاة وسجن الصحفيين بسبب عملهم.
وأوصت لجنة حماية الصحفيين الحكومة المغربية بالإفراج عن جميع الصحفيين المسجونين ومنع تسليح قضايا المرأة وحقوقها في مقاضاة الصحفيين بسبب عملهم الاستقصائي. وتشمل التوصيات أيضا تجريم مراقبة ورصد الصحفيين عبر برامج التجسس.
الاستعراض الدولي الشامل آلية الأمم المتحدة تهدف إلى مراجعة التقدم المحرز من التوصيات التي قدمت في الدورات السابقة للبلدان المعنية.