المملكة المغربية الشريفة تطوي عاماً من النجاحات الدبلوماسية تجسدت في إحداث اختراقات مهمة إقليميا ودوليا عبر انتزاع اعترافات مهمة وواسعة بمغربية الصحراء وعزل البوليساريو وإحباط محاولات الجزائر تقويض جهود تسوية النزاع.
كشفت مجلة “جون أفريك” الفرنسية أن السلطات الجزائرية، “عملت خلال السنوات المنصرمة بإنفاق أكثر من 3 ملايين دولار على جماعات الضغط بهدف الإضرار بمصالح المغرب في القارة الإفريقية وتلميع صورتها من خلال تنظيم رحلات وإقامة منتديات ومؤتمرات للترويج لجبهة البوليساريو الانفصالية ومحاولة تصدير صورة مغلوطة عن المغرب”.
وسبق للجزائر أن أنشأت صندوقا بقيمة 3 ملايين دولار لتمويل أعمال الضغط في دول الاتحاد الإفريقي، وأن أول إجراءات هذا الصندوق ستوجه نحو الدول الإفريقية الصغيرة في غرب القارة، حيث تتهم الجزائر المغرب بتكوين لوبي قوي لصالح مصالحه الجيوسياسية.
وكان الموقع الرسمي للجيش الأمريكي، فقد قال في بيان، إن “المخططون العسكريون المشرفون على مناورات الأسد الإفريقي المرتقب تنظيمها بالمغرب عام 2023، أنهوا تنفيذ جميع التصاميم التقنية، وذلك خلال اجتماعات في المنطقة العسكرية بسوفولك بولاية فيرجينيا الأمريكية” وتابع بأن “المناورات تم تصميمها على أساس أن تُجرى في المغرب باعتبار المغرب شريك للولايات المتحدة في تنظيم وإجراء هذه المناورات، في حين سيتم إجراء مناورات أخرى في 3 بلدان إفريقية، هي تونس والسنغال وغانا”.
وتأتي هاته المؤشرات في ظل تأكيد أمريكي باحتضان المغرب لتدريب الأسد الإفريقي، بعد ضغط كبير من اللوبيات الموالية للجزائر داخل مجلس الشيوخ الأمريكي.
وفي سياق متصل تم الكشف، الاثنين، في وسائل الإعلام الأمريكية، على مضامين ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية بعد توقيع الرئيس الأمريكي على قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023، وتضمنت الوثيقة تأكيدا على استمرار مناورات الأسد الإفريقي بالمغرب، وهي التي شملت منطقة المحبس الموجودة في الصحراء والقريبة من الحدود الجزائرية، خلال السنتين الأخيرتين.
ويبدو أن الجزائر بدفع من المؤسسة العسكرية ليس من مصلحتها العمل على التهدئة وان الاستقرار في المنطقة اخر اهتماماتها بل تهتم فقط بصناعة التوتر في الصحراء المغربية عبر تحريض الجبهة الانفصالية وهو ما حدث خلال السنة الماضية بدفع الانفصاليين للتصعيد فيما واجهت القوات المغربية تلك التحركات بكل حزم وقوة أدهشت الجبهة وداعمتها الجزائر.
وكان ملك المغرب محمد السادس حذّر في أغسطس من أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”. وطالب الدول “أن توضح مواقفها، بشكل لا يقبل التأويل”.
في المقابل، تواصل الجزائر، الخصم الكبير للرباط، إظهار دعمها لجبهة بوليساريو. كما تستفيد من مكانتها كمصدّر مهم للغاز تخطب ودّه أوروبا التي تسعى لتعويض تراجع كميات الغاز الروسي، من أجل تسجيل نقاط في نزاعها الدبلوماسي عن بعد مع الرباط، والتي قطعت معها العلاقات في أغسطس 2021.
والمنطقة منزوعة السلاح ممنوعة على ميليشيا البوليساريو لكن الأخيرة تواصل انتهاكاتها وتهديداتها للأمن والاستقرار وتحللت أصلا من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في تسعينات القرن الماضي برعاية أممية، بينما تسيطر القوات الجوية الملكية المغربية على أجوائها في حين تلتزم الرباط بالقرارات الأممية ذات الصلة وتتواصل باستمرار بإبلاغ الأمم المتحدة بكل الخروقات الجبهة الانفصالية.
وحقق المغرب جملة من الأهداف الإستراتيجية أبرزها تفكيك ما تبقى من أحزمة دعم إقليمية ودولية لطروحات جبهة البوليساريو الانفصالية، معززا بذلك مبدأ الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كأساس واقعي لحل النزاع.
وتجمع كل الدلائل على أن أداء الدبلوماسية المغربية التي أرسى قواعدها العاهل المغربي الملك محمد السادس بشقيها السياسي والاقتصادي، حوّل المملكة إلى قوة فاعلة ومؤثرة على جميع المستويات واستقطب اعترافات إقليمية ودولية بمغربية الصحراء وفي الوقت ذاته أربك الجزائر الجارة الشرقية التي استنفدت كل الوسائل والضغوط في سبيل حماية جبهة البوليساريو من التشرذم والعزلة، لكن كل جهودها بدت في خواتمها عبثية.
وبدا واضحا في العام الذي يقترب من نهايته أن الدبلوماسية المغربية لم تهدأ مراوحة بين المرونة والهدوء وفي أحيان كثيرة بين الهجوم بمعناه السياسي وقوة وحزم في التعاطي مع الطروحات المضادة لمغربية الصحراء أو تلك المعادية لمصالح المملكة.
وحققت خلال الأشهر الـ12 اختراقات مهمة إفريقيا ودوليا بتعزيز مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ونجحت في تغيير مواقف غربية وافريقية كانت إلى وقت قريبة تعتبر متعنة ويصعب تفكيكها.
ويقف افتتاح العديد من دول العالم، افريقية وعربية وغربية ومن أميركا اللاتينية، ممثليات دبلوماسية لها في مدن الصحراء كالداخلة والعيون، شاهدا على حجم ما تحقق من اختراقات ونجاحات دبلوماسية.
وتستعد المملكة في العام الجديد لمعركة ستكون صعبة وستشكل اختبارا مهما لمسار دبلوماسيتها لتحصين مصالحها وإفشال مخططات لوبيات معادية ولحسم النزاع في الصحراء وهي مرحلة مفصلية سيخوضها المغرب من موقع قوة بعد دعم دول مثل ألمانيا وإسبانيا وهولندا والولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية وافريقية لمقترح الحكم الذاتي الذي طرحته الرباط منذ العام 2007 وأصبح ينظر له على نطاق واسع على أنه الحل الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء نزاع مستمر منذ عقود.
واعتمدت الدبلوماسية المغربية التدرج وامتصاص الصدمات والعمل على التفكيك التدريجي للطروحات المعادية والمضادة وتتقدمها عملية عزل البوليساريو وإفشال حملة افتراءات وأكاذيب تقودها الجبهة بإسناد جزائري.
ومن خلال هذا التمشي نجح المغرب في فضح ممارسات البوليساريو وفكك افتراءاتها وأباطيلها وهو أمر مهم قاد لإقناع العديد من دول العالم بصوابية الطرح المغربي وواقعيته.
وفي ما يتعلق ببعض التوترات أو الأزمات الناشئة والتي هي على صلة بملف الصحراء، كان لافتا أن الدبلوماسية المغربية تحركت من موقع التعامل الند للند مع قوى أوروبية مثل اسبانيا ولاحقا مع فرنسا وأيضا مع هيئات أوروبية مؤثرة في ما يخص اتفاق الصيد البحري وغيره من القضايا السياسية والاقتصادية.
ورسخت في تعاطيها مع تلك الأزمات الناشئة مبدأ أن لا تنازل على الثوابت الوطنية وأنه لا مجال للتهاون في الرد على أي استهانة بالسيادة المغربية.
وسلطت الأزمة الدبلوماسية مع اسبانيا التي تفجرت على اثر استقبال الأخيرة لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي بوثائق مزورة للعلاج من مرض كوفيد 19، إلى أي مدى يمكن أن تمضي المملكة في الدفاع عن مصالحها وأنها تملك القدرة على الرد مع من يتجاهل الحساسية المغربية الرسمية والشعبية مع ملف الصحراء.
وانتهت الأزمة باعتراف اسباني بمغربية الصحراء وبمقترح الحكم الذاتي أساسا واقعيا لحل النزاع المفتعل والمستمر منذ عقود.
أيضا بالنسبة للأزمة الصامتة مع فرنسا بسبب أزمة التأشيرات والموقف الملتبس من مغربية الصحراء، كان لأداء الدبلوماسية المغربية دور كبير في دفع باريس للاعلان ومن جانب واحد عن انتهاء أزمة التأشيرات وإنهاء الشغور الدبلوماسي الذي استمر لأشهر وذلك دون أي تنازل مغربي أو لين في قضايا تعتبر سيادية.
وأعلن السفير الفرنسي الجديد كريستوف لوكورتييه الذي وصل أمس الاثنين إلى الرباط مباشرة مهامه رسميا بعد التحاقه بوظيفته الجديدة، وفق تغريدة نشرها أرنو بيشو الوزير المستشار بالسفارة الفرنسية على حسابه بتوتير.
وقبل تفكيك الأزمتين مع اسبانيا وفرنسا، كان للدبلوماسية المغربية دور في دفع ألمانيا للتراجع عن مواقف اعتبرت معادية لمصالح المملكة ومنها ما يتعلق بالموقف الألماني السلبي من مغربية الصحراء.
والأزمة التي نشأت في الربع الأول من العام الماضي انتهت في أغسطس/اب الماضي باتفاق بين البلدين ينص على استئناف التعاون الثنائي في جميع المجالات وفتح صفحة جديدة في العلاقات الألمانية المغربية “مبنية على الوضوح والثقة والتعاون من أجل المصالح المشتركة وفق آليات جديدة”.
وكانت وزيرة الخارجية الألمانية قد تحدثت خلال زيارة للرباط في أغسطس/اب عن ملف الصحراء الذي شكل نقطة الخلاف والقطيعة، موضحة أن موقف بلادها يتطابق مع موقف الاتحاد الأوروبي الذي يراهن على المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لإيجاد حل دائم ومرضي لكل الأطراف على أساس مقترح الحكم الذاتي. وشكل هذا الموقف انعطافة كبيرة عززت الموقف المغربي عموما.
وكان للدبلوماسية الاقتصادية أيضا دور حيوي في تعزيز مكانة المغرب إقليميا ودوليا مع توسيع المغرب شراكاته الخارجية وتعزيز وجوده في العمق الإفريقي منذ إنهاء سياسة الكرسي الشاغر واستعادة المملكة لمقعدها في الاتحاد الإفريقي.
ونجح المغرب في توسيع منافذه الاقتصادية في عمقه الإفريقي عبر اتفاقيات أتاحت للرباط الاستثمار في سوق واعدة ومكنته من بناء جسور تواصل مع دول القارة كشريك استراتيجي اقتصاديا وأمنيا.
وينظر أيضا إلى الشراكات الواسعة التي عقدها المغرب مع فاعلين دوليين مثل الولايات المتحدة وإسرائيل على أنها ثمرة جهود دبلوماسية لم تهدأ وأنها تؤسس لمرحلة أكثر موثوقية من خلال استفادة الرباط من تلك العلاقات لتعزيز النمو الاقتصادي وتعزيز قدرات قواته عسكريا في مواجهة تحديات أمنية في محيط مضطرب.