أزطا أمازيغ :أوضاع الأمازيغ في المغرب كانت “مقلقة وغير مطمئنة، في ظلّ التراجعات والنكوص والتقصير” في عام 2022

0
353

رغم مرور سنوات على الاعتراف بها لغة رسمية في المغرب، لا تزال الأمازيغية في “وضعية قطار لم يقلع بعد”، بحسب توصيف تقرير حقوقي حديث، اليوم الأربعاء، بأنّ أوضاع الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية في المغرب في عام 2022 “مقلقة وغير مطمئنة، في ظلّ التراجعات والنكوص والتقصير”.

ولفتت “الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة”، في تقريرها السنوي، إلى أنّ أوضاع الأمازيغية في العام المنصرم لم تعرف أيّ تحسّن ملموس، مسجّلة استمرار خروقات عدّة في هذا المجال، في ظلّ غياب استراتيجية واضحة للدولة لتنزيل شعاراتها، الأمر الذي يفسّر عجزها عن تقديم حصيلتها المرتبطة بالأمازيغية.

ورأت الشبكة أنّ أوضاع اللغة الأمازيغية في التعليم والإعلام والتشريع وغيرها من المجالات “لا تتناسب وتصنيف الأمازيغية لغة رسمية في البلاد”.

وأوضحت الشبكة في تقريرها أنّ أقلّ من خمسة في المائة من التلاميذ يدرسون الأمازيغية، بعد 20 عاماً من إدراجها في النظام التربوي، وهذه الوتيرة تعني أنّ تعميم تدريسها لن يحصل إلا في أفق عام 2050، الأمر الذي يبيّن أنّ “الوزارة (المعنيّة) والحكومة عموماً تتّجهان نحو التنصّل من الالتزامات المتعلقة بهذه اللغة وإهمالها”.

أيضاً، أشار التقرير إلى تهميش الأمازيغية في الإعلام السمعي البصري، إذ لا تتجاوز حصّتها من مجمل فقرات المؤسسات الإعلامية العمومية ستّة في المائة، بالإضافة إلى أنّ حملات التوعية الخاصة بالمؤسسات الرسمية تأتي بمعظمها باللغتَين العربية والفرنسية، فيما يُصار إلى إقصاء اللغة الأمازيغية، على الرغم من أحقية الناطقين بالأمازيغية في تعريفهم بحقوقهم أو الخدمات التي تشرف عليها السلطات العمومية.

وسجّلت الشبكة أنّه “على الرغم من إيجابية إجراء توظيف وزارة العدل مساعدين اجتماعيين بالأمازيغية في مختلف المحاكم، إلا أنّ القوانين الجاري بها العمل في المحاكم تعيق المواطن الأمازيغي عن ولوج العدالة، ناهيك عن كون الممارسة الاتفاقية للمغرب تكشف عن عدم تفعيل مجموعة من التوصيات ذات الصلة”.

وفي السياق نفسه، تناولت الشبكة في تقريرها “الانتكاسة الكبيرة” التي تعرّضت لها الحقوق المدنية والسياسية هذا العام، خصوصاً مع “التضييق على الجمعيات الأمازيغية، فضلاً عمّا تتعرّض له الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأمازيغ، خصوصاً في الجانب المتعلق بمشاريع التنمية وسلب الأراضي”.

وكانت الدولة المغربية قد اعترفت باللغة الأمازيغية في الخطاب الملكي لعام 2001 في منطقة أجدير، شمالي البلاد، قبل أن يُصار إلى الاعتراف الدستوري بها لغةً رسميةً في عام 2011، في حين صدر القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيلها في مجالات الحياة في عام 2019.

من جهته، تعهّد رئيس الحكومة الملياردير عزيز أخنوش، خلال تقديمه برنامج حكومته أمام البرلمان في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2021، بإنشاء صندوق خاص لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بحلول عام 2025، كما تعهّد بموازنة تفوق 100 مليون دولار أميركي لهذا الغرض، والتزم بمسؤولية هذا الصندوق عن “دمج الأمازيغية في مجالات التعليم والتشريع والمعلومات والاتصال والإبداع الثقافي والفني، فضلاً عن استعمالها في الإدارات وفي جميع المرافق العمومية”.

وكان لافتاً، قبل أيام من حلول رأس السنة الأمازيغية، حشد الحكومة الحالية نحو نصف أعضائها لإطلاق مشروع استخدام اللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية في مدينة الخميسات، الثلاثاء الماضي.

ويروم البرنامج الذي تشرف على تنفيذه وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، بالشراكة مع رئاسة الحكومة والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إلى تحقيق سبعة أهداف رئيسية. وقد وُقّعت أربع اتفاقيات لاعتماد تلك الأهداف ما بين وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة من جهة، ومن جهة أخرى وزارات العدل، والصحة والحماية الاجتماعية، والثقافة والشباب والتواصل، والتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.

ومن بين أهدافه، يسعى البرنامج إلى المحافظة على الأمازيغية والعمل على تهيئتها وتأهيلها وتطويرها وتعزيز استخدامها، والنهوض بالموروث الثقافي كما الحضاري الأمازيغيَّين وتثمينهما، وتعزيز اعتماد اللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية، وتيسير ولوج المرتفقين الناطقين باللغة الأمازيغية إلى الخدمات العمومية. كما يهدف إلى تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ودمجها في مختلف المجالات، وتعزيز خدمات الإرشادات والتوجيه والاستقبال، وتجويد وتنويع قنوات التواصل مع المرتفقين الناطقين باللغة الأمازيغية.

ومن أجل تحقيق أهداف البرنامج، رصدت الحكومة المغربية 300 مليون درهم مغربي (نحو 30 مليون دولار أميركي)، في موازنة 2023، على أن يُصار إلى رفع قيمة التمويل تدريجياً في الأعوام المقبلة ليصل إلى مليار درهم (نحو 100 مليون دولار)، في عام 2025.

وفي بيان صدر في الثاني من أكتوبر، قالت جمعية أساتذة وأستاذات اللغة الأمازيغية بإقليم شيشاوة، وسط المغرب، إن الموسم الدراسي الجديد عرف “انتهاكات ضد تدريس اللغة الأمازيغية”، منها “اعتبار اللغة الأمازيغية لغة ترفيهية وتلاعب مدراء المؤسسات (بالوقت المخصص) للمادة حسب أهوائهم، بالإضافة إلى قلة الكتب المدرسية أو غيابها بشكل تام في بعض المؤسسات”.

ولا يختلف وضع الأمازيغية في التعليم وفي مجالات أخرى عن قطاع الإعلام، ويرجع عصيد ذلك إلى غياب المحاسبة في هذا القطاع، ويشير في حديثه إلى أن “المشاكل أيضا عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة مثل تطبيق التزامات قنوات قطاع الإعلام دون أن يحاسبها أحد”.

وأصبحت الأمازيغية لغة رسمية في الدستور عام 2011، وبعد عشر سنوات من ذلك “لم يتم فعل أي شيء” وفق الناشط الأمازيغي، الذي يتهم ما يصفه بـ”الحزب الإخواني” في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية الذي قاد الحكومة لولايتين، بإضاعة عشر سنوات دون القيام بشيء تجاه الأمازيغية ما عدا “إصدار القانون التنظيمي الذي بقي في البرلمان سنوات قبل المصادقة عليه”، بحسب قوله.

لكن الناشط الأمازيغي، أحمد زاهيد، لا يرى تغيرا بعد سقوط العدالة والتنمية ومجيء حزب التجمع الوطني للأحرار. ويقول زاهيد في حديث لموقع “الحرة” إنه كانت هناك “قناعة كبيرة بأن التجمع الوطني للأحرار سيسر في الاتجاه الجدي والفعال لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ولكن مرور الأيام أظهرت أن هناك تباطؤا كبيرا لايختلف عن  الوضع في الحكومات السابقة”.

وأشار الناشط إلى أن الفاعلين الذين شاركوا في لقاء أخنوش أنفسهم لديهم هذه القناعة. 

والتزم أخنوش بتخصيص الصندوق لـ”إدماج الأمازيغية في مجالات التعليم والتشريع والمعلومات والاتصال والإبداع الثقافي والفني، فضلا عن استعمالها في الإدارات وفي مجموع المرافق العمومية”.

ويستعين نشطاء الأمازيغية بأرقام تؤكد أن وضعها لا يتناسب مع تصنيفها لغة رسمية في البلاد، ويكشف عصيد أن 9 بالمئة فقط من التلاميذ يدرسون الأمازيغية، “هذا بعد عشرين سنة من إدراجها في النظام التربوي”.

ويقول عصيد إن نسبة البث بالأمازيغية في جميع القنوات التلفزية والإذاعية المغربية لا تتعدى 5 في المئة.

ومنذ 2010، خصصت قناة تلفزيونية مغربية عامة “تمازيغت تي في” للترويج للثقافة الأمازيغية. 

“فقدت ثلثي الناطقين بها”

أما المؤشر الخطير، وفق عصيد، فجاء من المندوبية السامية للتخطيط في الإحصاء الأخير للسكان 2014، وهو أن اللغة الأمازيغية فقدت ثلثي الناطقين بها في خمسين سنة فقط بعد أن ظلت موجودة على الساحة لآلاف السنين بوصفها لغة الأغلبية الساحقة للسكان.

ونتيجة الإحصاء تقول إن عدد الناطقين بالأمازيغية في المغرب لم يعد إلا  27 في المئة بعد أن كان في بداية الاستقلال أزيد من 85 في المئة.

وللدفاع عن قضيتهم، يستند الناشطون إلى اعتراف دستور 2011  بلغتهم كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. لكن كان عليهم الانتظار حتى 2019 سنة لاعتماد القانون الأساسي. ويقضي النص باستخدام هذه اللغة في الوثائق الإدارية وتعميم تدريسها تدريجيا خلال 15 عاما. 

ويقول أحمد زاهيد، عضو جمعية البيان الأمازيغي، لموقع “الحرة” إن هناك غيابا لرؤية واضحة لدى أصحاب القرار في “النقطة المرتبطة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”.

على سبيل المثال، يقول زاهيد، إن المخطط الحكومي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يشير إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كآلية تساهم في هذه العملية خاصة في التعليم، والإعلام، وفي القضاء وفي الحياة العامة، لكن في المقابل نجد قانون المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية “يغيب المعهد ويدمجه في هذه المؤسسة”.

ووعد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش خلال تقديمه لبرنامجه الحكومي أمام البرلمان في أكتوبر الماضي، بإحداث صندوق خاص لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بحلول عام 2025، بميزانية تفوق 100 مليون دولار.

ويقول عضو لجنة البيان الأمازيغي، أحمد زاهيد “للأسف لم نستطع لحد الآن أن نرقى إلى مستوى إرادة الحركة الثقافية الأمازيغية، والإرادة الملكية التي أكدت أكثر من 21 سنة على أن الأمازيغية مسؤولية الجميع وعلى أنها ملك لكل المغاربة من دون اسثتناء”.

وفي انتظار تفعيل الأمازيغية في المؤسسات بشكل كامل، كانت واحدة من أبرز النتائج للمجتمع المدني الأمازيغي ظهور أبجدية التيفيناغ على المباني العامة، بالإضافة إلى اللغتين العربية والفرنسية.

ووفقا لإحصاء أجري في 2014، يستخدم أكثر من ربع المغاربة (26,7 بالمئة) البالغ عددهم نحو 35 مليون نسمة واحدة من اللهجات البربرية الثلاث في البلاد (التاريفيت والأمازيغية والتاشلحيت).