نساء “العدالة والتنمية” يرفضن محاولات إزاحة المرجعية الإسلامية في إصلاح مدونة الأسرة

0
278

عاد إلى الواجهة الجدل بشأن تعديل بعض مواد مدونة الأسرة المغربية التي هي بمثابة قانون الأحوال الشخصية في بقية البلدان، وقد شهدت المنصات المغربية آراء وتعليقات مختلفة حول هذه القضية.

وانطلقت شائعات تفيد بأن التعديل سيتضمن نصا يجرم تعدد الزوجات قدمته كمقترح جمعيات نسائية مغربية إلى وزارة العدل.

في المقابل، أكدت منظمة نساء “العدالة والتنمية” على موقفها الثابت بخصوص مدونة الأسرة، مشددة على أن تعديلاتها يجب أن تكون متوافقة مع الشريعة الإسلامية ونصوصها القطعية.

ونبهت المنظمة في بيان لها، لحجم معاناة المواطنين المغاربة والمرأة والأسرة خاصة بسبب استمرار موجة الغلاء، وخاصة أسعار المحروقات والمواد الغذائية، والتي أثرت على جودة حياة الأسر، ومو ما سجله التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

وانتقدت الاختلالات التي طالت بعض المباريات التي عوض أن تكون متنفسا لخلق مناصب الشغل في إطار المساواة وتكافؤ الفرص، أصبحت آلية للاحتقان الاجتماعي وعودة الاحتجاجات إلى الشارع، وتدني منسوب الثقة في المؤسسات.

وحملت المنظمة الحكومة المسؤولية كاملة بسبب ما تعانيه العديد من النساء والأرامل، نتيجة الارتجالية في تدبير مشروع الحماية الاجتماعية، والتي نتج عنها توقفهم عن الاستفادة من التغطية الصحية بعد توقيف بطاقة الرميد، وعدم تحويل عدد كبير منهن إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعدمم تحمل الدولة أداء مساهمتهن، مما ضاعف معاناتهن في الوصول إلى الخدمات الاستشفائية العمومية.

وشددت المنظمة على ضرورة تثمين المكتسبات الحقوقية التي خطها المغرب، والعمل على خلق أجواء من التنفيس السياسي والحقوقي.

وينص قانون الأسرة المغربي، على المساواة بين الزوجين، وتحديد سن الزواج لكل من الزوجين بعمر 18 سنة (مع استثناءات يوافق عليها القاضي)، ووضع الأسرة تحت رعاية ومسؤولية الزوجين، ووضع الطلاق تحت مراقبة القضاء.

كما ينص القانون على إحداث أقسام لقضاء الأسرة بالمحاكم، واستفادة الزوجة المطلقة من الأموال المكتسبة في أثناء حالة الزواج.

ومدونة الأسرة هي محط خلاف كبير بين المحافظين الذين يدافعون عن ضرورة ارتباطها بالشريعة الإسلامية، والحداثيين الذي يشددون على ضرورة استجابتها للاتفاقيات الدولية التي وقعها عليها المغرب.

ودعا صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله في خطابه بمناسبة عيد العرش  صيف العام الماضي، إلى تعديل مدونة الأسرة، وقال “بصفتي أمير المؤمنين فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.

وفي أيام قليلة انضم الآلاف إلى المجموعة التي واجهت في الوقت نفسه هجوما كبيرا، وقام آخرون بتدشين مجموعات مضادة حتى حذفت، وقال صاحبها إنه تفرغ للعمل الخيري، لكن الجدل لم ينته.

كما نشر نشطاء آراء مخالفة لدعوة الشيخ سار، وأكدوا أن من حق المرأة العمل في كل المجالات، ولا يحق لأي شخص التحريض عليها.

ورصدت حلقة (2023/1/1) من برنامج “شبكات” الجدل في المنصات المغربية، حيث اعتبرت سارة تيا الحديث ضمن ما سمتها حساسية الذكور ضد الموظفات، فكتبت “كنظن (أظن) أن حساسية بعض الذكور من الموظفة هو توفرها (حصولها) على وظيفة حرم منها، خايفين من اكتساح النساء سوق الشغل وتوفرهن على فرص عمل أكثر من الرجال”. 

وأعلن حزب الاستقلال المغربي تكوين لجنة من قيادة الحزب، ومن أطره المتخصصة في المجالات ذات الصلة، لإعداد تصور التنظيم المتعلق بمدونة الأسرة والنهوض بالمشاركة الفاعلة للمرأة في التنمية.

وبدعوة الملك المفدى الجديدة، يتوقع أن يشهد المغرب صراعا محتدما بين الإسلاميين واليبراليين في المملكة مشابها لما حدث في 2004 حول “الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”.

وفي سنة 2004 تدخل الملك المفدى محمد السادس حفظه الله لينهي الانقسام الحاد في المجتمع. وكان هدف المدونة الأساسي تعزيز دور المرأة داخل الأسرة المغربية مع منحها حقوقا جديدة وتقييد تعدد الأزواج وتسهيل الطلاق. وانتهى مسار تعزيز حقوق المرأة بإعلان المغرب سحب تحفظاته بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة.

لكن بعد مرور أكثر من عقدين على اعتمادها، لاتزال الجمعيات النسائية تناضل لإقرار القوانين مقابل مقاومة المحافظين، وتقول إن الوقت حان لتحديثها.

ترى المحللة المغربية، شريفة لومير، في حديث لموقع “الحرة” أنه “بعد مرور قرابة عقدين على اعتماد مدونة الأسرة صار لزاما مراجعة البعض من مضامينها و تحيينها (تحديثها) بما يتلاءم و ما يفرضه الواقع”.

وتقول لومير إن “ما يأتي في مقدمة هذه المواضيع هو الإرث وتزويج القاصرات والعلاقات الرضائية والولادات خارج مؤسسات الزواج، والولاية على الأبناء ومسطرة الصلح ومساطر النفقة والطلاق”.

وينص الفصل 19 من دستور 2011 الذي تم تبنيه بعد حراك شعبي في غمرة “الربيع العربي” على أن “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية (…) وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب”.

لكن الفصل نفسه يربط احترام هذه المساواة بـ”نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها” التي تتعدد تأويلاتها. 

ومع دعوة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله إلى تعديل المدونة، جدد حقوقيون دعواتهم إلى ملائمة التشريعات الوطنية مع نظيرتها الدولية.

وكانت المملكة تحفظت على بعض بنود اتفاقية  لجنة القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة “سيدوا.

تستبعد شريفة لومير ملائمة المغرب لتشريعاته مع الاتفاقية بشكل كامل، وتوضح أن “توقيع المغرب على اتفاقية سيداو لا يلزمه بالضرورة بملاءمة كل تشريعاته الوطنية مع نظيرتها الدولية إذا إن المغرب دائما ما تبنى الوضوح في كل ما يتعلق بخصوصيته الثقافية و الدينية”.

واتفاقية سيداو هي اتفاقية أو معاهدة دولية تم توقيعها من قبل العديد من الدول من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

ورغم جهود السلطات لضمان السلامة الجسدية للنساء، فإن “6,2 مليون امرأة مغربية يعانين من العنف ويحظى ذلك بنوع من القبول الاجتماعي القائم على الإفلات من العقاب الذي يستفيد منه المتورطون في العنف”، بحسب تقرير رسمي عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان صدر قبل سنوات. 

وبعد مرور نحو عقدين على تبني مدونة الأسرة يحق لنا التساؤل ما الذي تحقق؟ هل حصنت المدونة الأسرة المغربية؟ هل حمت الأسرة من التفكك؟ على إعتبار أن الأسرة هي نواة المجتمع ، و حصانتها يعني حصانة المجتمع، وتماسكها  يصب بالنهاية في اتجاه تماسك المجتمع…

وتُظهر الإحصائيات الّسمية الأخيرة أن حالات الطلاق تتزايد بشكل مثير للقلق في المغرب، لاسيما بعد التعديلات التي شملت مدونة الأسرة.. ووفقا للمعطيات ذاتها، شهدت مدينة الدار البيضاء وحدها 15956 حالة طلاق في العام 2020..وشهد عدد قرارات الطلاق النهائية الصادرة عن المحاكم زيادات مقلقة، إذ انتقل من 44408 عام 2014 إلى 55.470 عام 2019. فيما بلغ عدد حالات ”الطلاق”، وهو فسخ شرعي للزواج جاء أصلاً بقرار من الزوج فقط، 26914 حالة..وفي مجموع حالات الطلاق بالمغرب، انتقل العدد من 26914 حالة في 2004 إلى 25852 في 2018، وارتفع إلى 55470 حالة في 2019.

كما كشف تقرير أنجزه المرصد الوطني للتنمية البشرية وهو مؤسسة حكومية مغربية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عن أرقام جديدة تهم الحياة الاجتماعية والاقتصادية للشباب المغربي لا سيما بعد الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا..

والوثيقة كشفت أنه على الرغم من أن الشباب المغاربة يهتمون بفكرة تكوين أسرة، إلا أنه على مستوى الأرقام تم رصد عزوفهم عن الزواج، إذ انتقلت النسبة من 42 بالمئة عام 2011 إلى 70 في المئة عام 2019.