عودة 274 مقاتلا ينتمون لـ”داعش” إلى المغرب..هل ينجح المغرب في إدماج العائدين من داعش؟؟؟

0
322

تجدّد النقاش في البلاد حول عودة المغاربة الذي انضموا لداعش، عقب عودة 274 مقاتلاً ينتمون لتنظيمات متطرفة في سورية والعراق، للمغرب، وينتقد البعض إعادة مغاربة داعش؛ معتبرين أنّهم يشكلون تهديداً على السلم والأمن بالمغرب، في حين أنّ هناك من يطالب بإدماجهم بالمجتمع، بعد التحقق من عدم مشاركتِهم في عمليات إرهابية، لكن كيف يمكن إدماج من كان يتبنّى خطاباً تكفيرياً رافضاً للآخر بالمجتمع؟ وهل يمكن إدماجهم في مجتمع قائم على تعددية؟ وكيف يمكن أن يتحقق هذا الإدماج؟

أكدت السلطات المغربية، أمس الجمعة، عن عودة 274 مقاتلاً ينتمون لتنظيمات متطرفة في سورية والعراق، وقال المكتب المركزي للأبحاث القضائية بالمغرب أنه عالج 141 حالة منهم، وجرى تقديمهم للعدالة، في حين تحقق الفرقة الوطنية للشرطة القضائية مع الباقي.

وتشير المعطيات الجديدة التي أعلن عنها، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، حبوب الشرقاوي، في تدوة صحفية، إلى “وجود 1660 مقاتلا في التنظيمات الإرهابية بسوريا والعراق، و291 امرأة و630 طفلا منهم أطفال ولدوا من أب غير مغربي، ويطرح مشكلا بالنسبة لجنسيتهم”.

وقال حبوب الشرقاوي، أن “القانون يعاقب الالتحاق أو محاول الالتحاق سواء بشكل منفرد أو جماعي بتنظيم “داعش” أو أي تنظيم إرهابي آخر، بالسجن من 5 إلى 10 سنوات”، مبرزا أن “عودة هؤلاء تتم وفق تنسيق أمني في إطار التعاون، إما بمذكرة بحث، أو مسطرة تسليم، أو أمر دولي بإلقاء القبض، أو أن يكون مضبوطا في أحد المساطر المرجعية، وبعد ذلك يقوم المكتب المركزي بإشعار النيابة العامة المختصة وتقديمه أمام العدالة”.

وشدد حبوب الشرقاوي، على أن “عودة هؤلاء المقاتلين إلى المغرب يشكل تحديا أمنيا، خصوصا في ظل الإرهاب الإلكتروني”، مردفا أن “هناك أزيد 770 لازالوا عالقين بالمنطقة السورية العراقية، ويتوزعون بين 387 طفلا، و136 امرأة و251 مقاتلا”، مؤكدا أنه “من الناحية الأمنية هناك تتبع، ومن ناحية تدبير الملف فتتكلف به جهات رسمية أخرى”.

بدوره، قال الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني بالمغرب، بوبكر سابيك، إن “عودة المقاتلين المغاربة ليس بالسهولة التي يتصورها البعض”، موضحا أن “منهم من شارك في عمليات قتالية، ومندورة للموت، ومنهم من يتقلب مناصب قيادية في تنظيمات إرهابية، ومنهم من هو أمير في شعبة، ومن كان قاضيا شرعيا، ومن يقاتل ضمن كتائب”.

وأوضح بوبكر سابيك، أن “الأبحاث الأمنية، وجدت أن بعض المغاربة أعضاء في كتيبة الغواصين بتنظيم “داعش”، وهو ما اتضح خلال عملية تفكيك خلية “طماريس”، حيث كان أعضاؤها بصدد تنفيذ عمليات إرهابية تحت الماء تتعلق بالملاحة البحرية”.

 وأضاف بوبكر سابيك، أن “عودة هؤلاء المقاتلين لا تكون دائما طواعية بل هناك من يقوم بتزوير جواز السفر لدخول المملكة مسجلا اعتقال حالة بهذا الخصوص”.

ويبلغ عدد الأطفال المغاربة في مخيّمات سورية نحو 260 طفلاً من بينهم 20 طفلاً يتيماً، وفق “التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين في العراق وسورية”، في حين يكشف تقرير صادر عن مهمّة استطلاعية شكّلها مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) في 13 يوليو/ تموز 2021، عن وجود 400 قاصر مغربي في مخيّمات سورية، من بينهم 153 فقط تأكد أنّهم مولودون في المغرب، فيما أبصر الباقون النور في مناطق التوتّر.

ويوضح التقرير البرلماني، فإنّ الأطفال المغاربة العالقين في مناطق التوتّر كسورية والعراق مقسّمون بحسب أربع حالات. تتعلق الحالة الأولى بالأطفال الذين سافروا مع آبائهم وتوفّوا معاً أو توفي أحد الطرفَين، ليجدوا أنفسهم عالقين في بؤر التوتّر، فيما تتعلق الحالة الثانية بالأطفال الذين سافر بهم آباؤهم المغاربة أو مزدوجو الجنسية وظلت الأمّ المغربية حيث تقطن إمّا في المغرب أو في البلد الأجنبي. والحالة الثالثة تتعلق بالأطفال الذين سافرت بهم أمّهاتهم إلى بؤر التوتّر تاركات الآباء وحدهم مطالبين باسترجاعهم، أمّا الحالة الرابعة فهي تتعلق بالأطفال الذين وُلدوا في سورية من أب مغربي أو أمّ مغربية فيما ثاني الوالدَين من جنسية أجنبية.

نساء وأطفال داعش في مخيم روج في سورية 2 (دليل سليمان/ فرانس برس)

وبحسب ما أدلى به وزير الدولة السابق المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان مصطفى الرميد، أمام أعضاء المهمة الاستطلاعية البرلمانية، فإنّ السلطات المغربية واجهت صعوبات جمّة لضبط لائحة المغاربة المحتجزين في شمالي سورية، أوّلاً بسبب خضوع مخيمات الاحتجاز إلى سلطة جماعات مسلحة غير دولية، وثانياً “لغياب الوثائق المثبتة قانونياً”، خصوصاً أنّ “زيجات غير موثّقة أُنجزت بين أشخاص ينتمون إلى دول مختلفة، وقد نتج عنها أطفال وُلدوا في مناطق النزاع، وأحياناً من زواج مختلط”.

وذكرت دراسة نشرها المركز الدولي لدراسات التطرف التابع لكينجز كولدج في لندن، أن عدد الأجانب في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية تحديداً بلغ 41,490 شخصاً (75% منهم من الرجال، و13% من النساء، و12% من الأطفال)، وينتمون إلى 80 دولة، وأن 7 آلاف و366 شخصاً، يمثلون 79% من المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، قد عادوا أدراجهم إلى بلادهم، وتمثل النساء 4% منهم، أما الأطفال فيشكلون 17%.

ومن ناحية العلاقات والروابط التنظيمية، يمكن تقسيم عناصر “داعش” العائدين على النحو الآتي:

أ. مجموعات حرب الاستنزاف: وهي عناصر تقاتل كمجموعات عنقودية يُشرِف عليها الجهاز الأمني للتنظيم، في عهد زعيمه الجديد، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وكلهم في سوريا والعراق[4]، وغالبيتهم عناصر جوّالة مع التنظيم.

ب. عناصر الاندماج في الأذرع الخارجية: وهي مَنْ كُلِّفت بالعودة والقتال مع فروع التنظيم في سيناء، وليبيا، والصومال ومخيمات تندوف.. إلخ.

ج. عناصر التنظيم الجوالة: وهي المكلفة بصناعة أفرع جديدة للتنظيم في دول أخرى، مثل الفلبين، ووسط أفريقيا.

د. عناصر الكمون والانزواء النَّشِط: وهي المكلفة بالعودة في انتظار توجيهات قيادة التنظيم بالقيام بعمليات جديدة.

هـ. العناصر المُنشقَّة: ويندرجون بشكل عام في عدة فئات، كأولئك الذين تركوا داعش في وقت مبكر، أو مَنْ خدعتهم الشعارات وصدموا بعد فترة قصيرة أو طويلة، أو أولئك الذين اختلفوا حول الاستراتيجيات أو حول دورهم لكنهم يحملون ذات الأفكار، لذا سينقسمون إلى: مَنْ عاد وهو يحمل أفكار التنظيم ولا يتواصل معه، أي ترك التنظيم ولم يترك الفكر، والثاني مَنْ ترك الفكر والتنظيم معاً. وضمن الصنفين سنجد من فرُّوا مع عائلاتهم، وعادوا لبلدانهم، أو عجزوا عن ذلك وتم قبولهم لاحقاً في المعسكرات ومراكز الاحتجاز التي أقيمت في شمال شرق سوريا، ويشير بعض التقديرات إلى أن عددهم الإجمالي حوالي مائة ألف شخص، منهم أكثر من سبعين ألفاً من النساء والأطفال.

وفي ضوء ذلك، يمكن تصنيف العائدين من مقاتلي “داعش” الأجانب، على النحو الآتي:

1. العائدون المؤمنون بِجُلِّ أفكار التنظيم المتطرفة، ويحتفظون بروابطهم التنظيمية والأيديولوجية والتواصلية معه، ويمثلون بذلك خطراً كبيراً.

2. العائدون مِمَّن يحملون أفكار التنظيم المتشددة لكنهم ناقمون عليه لسبب أو لآخر، وهؤلاء يمكن أن يعودوا للارتباط بتنظيماتهم أو جماعاتهم القديمة، أو إنشاء تنظيمات وخلايا جديدة، ويشكلون بالمثل تهديداً كبيراً.

3. العائدون الناقمون على التنظيم والمنقلبون عليه، والمنتقدون لأفكاره المتطرفة.

ويعكِس تصنيف العائدين على هذا النحو تفاوتاً ملحوظاً في التوجهات الفكرية والتنظيمية وأنماط التهديدات ذات الصلة، وهذا التمييز مهمٌ وينبغي أخذه في الاعتبار عند الشروع في عمليات الإدماج داخل المجتمعات التي يتوجه إليها أولئك العائدون، عبر البرامج الوقائية والعلاجية المختلفة، وأيضاً عند تفكيك المجموعات والعناصر النشطة أو الكامنة من خلال الخطط الأمنية المواكبة أو اللاحقة.

مخاطر العودة

1. المخاطر الأمنية

  • انخراط العائدين فى أعمال العنف والإرهاب؛ وباعتبار جزءاً منهم كانوا مقاتلين عرباً وأجانب في التنظيم فقد كانوا يمثلون كيانات مختلفة، وفي حال عودتهم من المحتمل إما أنهم سيعيدون خلق هذه الكيانات من جديد أو يعطونها مزيداً من الإلهام والقوة. وعلى سبيل المثال، هناك إحصائيات لمجموعات إرهابية جديدة تتبع التنظيم أخذت في التناسل، من قبيل “فرقة الغرباء” (فرنسا)، وشبكتي “دوباسس” و”شام الملاحم” (بلجيكا وهولندا)، و”جيش المهاجرين والأنصار” بمناطق شمال القوقاز في روسيا، و”حركة شام الإسلام” بالمغرب العربي، و”جند الشام” في لبنان، و”كتيبة الإمام البخاري” في أوزبكستان.

  • التنسيق بين أفرع تنظيمات الخارج والتنظيمات المحلية، بسبب صلاتهم وروابطهم التي تشكلت وقت قتالهم مع تنظيم داعش الأم في سوريا والعراق.

2. المخاطر الاقتصادية

  • يعد تعطيل الاستثمارات وتوقيف عجلة الاقتصاد في العديد من مناطق العالم من أهداف “داعش”، عبر شن العمليات الإرهابية التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الأمن والاقتصاد معاً.

  • كذلك، فإن عودة المُقاتلين يمكن أن يترتب عليها عبء اقتصادي ستتحمله الدول في حال قررت تسوية أوضاع هؤلاء العناصر وأسرهم، وإعادة توظيفهم وإيجاد فرص عمل لهم.

3. المخاطر الاجتماعية

  • ثمة آثار اجتماعية سلبية متوقعة جراء عودة المُقاتلين الأجانب وأسرهم، بسبب ما يحملونه من أفكار تكفيرية ومتطرفة، ونتيجة ما شاهدوه من معارك ووقائع وعمليات قتل في أماكن التوتر، والخشية من نقل تجاربهم لآخرين، كما أن العائدات من النساء يمثلن تهديداً اجتماعياً وأمنياً محتملاً على ثلاثة محاور رئيسة، هي: نشر فكر التنظيم، واستقطاب أخريات، ثم تنفيذ عمليات إرهابية.

  • وبالمثل، لا يقل أطفال أعضاء التنظيم خطورة، لاسيما بعد أن بنى التنظيم أجيالاً جديدة تحمل أفكاره ومفاهيمه وفق منهج تربوي متشدد، فضلاً عن تأثُّرهم سلبياً بما عاصروه من عمليات عسكرية ووقائع قاسية، وما شاهدوه من عمليات إرهابية، وتدمير للمدن والقرى التي عاشوا فيها، وبعضم يحمل بداخله ثأراً لأبيه أو لأخيه ممن لقوا مصارعهم على أيدي خصومهم، وسيكون من الصعب محو هذه الذكريات المؤلمة. كما أن العديد منهم مُودَعون حالياً في معسكرات الاحتجاز في سوريا والعراق، ويعانون من سوء الأحوال المعيشية والأوضاع غير الإنسانية، والأخطر أن أغلبهم لا يحوزون أية أوراق ثبوتية، وبعضهم أشقاء من الأم وآباؤهم من جنسيات مختلفة، بعد أن تتزوج الأم عقب مصرع زوجها من أحد عناصر التنظيم الذي قد ينتمي لجنسية أخرى، وهذه جميعها عوامل نفسية تؤثر بصورة كبيرة على التكوين الفكري للأطفال.