كشفت بيانات وزارة الاقتصاد والمالية بأن الإيرادات الضريبية سجلت ارتفاعا بنسبة 3,6 في المائة عند متم أبريل، لتبلغ مجموعا يناهز 91,48 مليار درهم بمعدل إنجاز يصل إلى 35,8 في المائة مقارنة بتوقعات قانون المالية.
وأوضحت الوزارة، في وثيقة حول وضعية التحملات وموارد الخزينة برسم شهر أبريل 2023، أن التسديدات الصافية، والتسويات، والإرجاعات الضريبية، بما فيها الجزء الذي تتحمله الجماعات الترابية، تصل إلى ما يقارب 5,6 مليار درهم مقابل 6,9 مليار درهم.
وبحسب طبيعة الضريبة، فإن أبرز التطورات التي أظهرها أداء الإيرادات الضريبية عند نهاية أبريل 2023، مقارنة بتوقعات قانون المالية لسنة 2023 وبالإنجازات المحققة خلال الفترة ذاتها من سنة 2022، تكشف عن تراجع في الضريبة على الشركات بنسبة 2,7 في المائة، وارتفاع الضريبة على الدخل بنسبة 4,6 في المائة.
وأوضحت الوثيقة أيضا أن الضريبة على القيمة المضافة سجلت ارتفاعا بنسبة 25,3 في المائة، وكذا انخفاض الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد والضريبة الداخلية على الاستهلاك بنسب 1,2 و1,9 في المائة تواليا.
وعلاوة على ذلك، فإن الأمر يتعلق بارتفاع الرسوم الجمركية بنسبة 8,2 في المائة، وإيرادات رسوم التسجيل والتمبر بنسبة 10,4 في المائة.
أما في ما يخص الإيرادات غير الضريبية، فقد استقرت عند قرابة 4,6 مليار درهم، وتشمل 1,7 مليار درهم صادرة عن المؤسسات والمقاولات العمومية، و2,8 مليار درهم برسم “المداخيل الأخرى”.
وتعتبر الوثيقة المتعلقة بوضعية تحملات وموارد الخزينة وثيقة إحصائية تقدم نتائج تنفيذ توقعات قانون المالية عن طريق اعتماد مقارنة مع الإنجازات المسجلة خلال الفترة نفسها السنة الماضية.
والجدير بالذكر أنه على الرغم من الطابع المحاسبي الذي تتسم به وثيقة وضع الخزينة العامة للمملكة، إلا أن وثيقة وضع نفقات وموارد الخزينة تتطرق، كما تنص عليه المعايير الدولية في مجال إحصاءات المالية العمومية، إلى المعاملات الاقتصادية المنجزة خلال فترة الميزانية من خلال وصف تدفقات المداخيل العادية والنفقات العادية ونفقات الاستثمار وعجز الميزانية ومتطلبات التمويل والتمويل المعبأ لتغطية هذه المتطلبات.
وكانت الحكومة قد اقترحت ضمن مشروع الموازنة -الذي ما زال يناقش حاليا في البرلمان- فرض الضريبة على الشركات أو الضريبة على الدخل عن طريق الحجز في المنبع (الاستقطاع من المنبع) بنسبة 20%، ورفع الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 20% تكريسا للعدالة الضريبية.
وحولت هذه التدابير الضريبية الجديدة ساحة البرلمان بالرباط إلى فضاء لاحتجاجات متواصلة منذ أسابيع لأصحاب المهن الحرة، حيث طالبوا بحذفها كونها ستضر بالتوازنات المالية لشركاتهم، وستؤدي إلى زيادة التكاليف على العملاء.
كان المحامون أول المحتجين على المقتضيات الضريبية التي جاءت في مشروع الموازنة، إذ بدؤوا منذ 3 أسابيع سلسلة من التحركات تنوعت بين وقفات احتجاجية واعتصامات ليلية في المحاكم وإضرابات عن العمل وصولا إلى الإضراب عن الطعام.
وفرض مشروع الموازنة الجديدة على أداء الشركات المدنية للمحاماة تسبيقا ماليا عن الضريبة تلقائيا في صندوق المحكمة عن كل ملف في كل مرحلة من مراحل التقاضي.
الطبقة المتوسطة متضررة
اتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل أصحاب مهن حرة أخرى، ويقول شراف لحنش رئيس التنسيقية الوطنية للأطباء العامين في القطاع الخاص، إن الأطباء منزعجون من توجه الحكومة نحو فرض ضريبة الاقتطاع من المنبع.
وأوضح لحنش في تصريح للجزيرة نت أن هذه الفئة تعاني من مشكلة السيولة ومن غلاء المواد الأولية ومن ثقل ضريبي كبير ولا يمكنها تحمل ضرائب جديدة.
ولفت إلى أن هذه الضرائب ستؤثر على الاستثمار في المجال الطبي وعلى الممارسة الطبية، في الوقت الذي تتجه فيه البلاد نحو تعميم التغطية الصحية الشاملة.
وأشار إلى أن الأطباء نسقوا مع المهنيين في باقي القطاعات من أجل مواجهة هذه التدابير بشكل جماعي، وقال “ننتظر تجاوب الحكومة مع احتجاجاتنا، وفي حال عدم تجاوبها ستتجه الأمور نحو التصعيد”.
من جهته، أوضح الخبير المحاسباتي الطيب أعيس للجزيرة نت أن رفع الضريبة إلى 20% على أصحاب المهن الحرة تُضاف إلى 20% نسبة الضريبة على القيمة المضافة، ما يعني أن مجموع الاقتطاعات التي تستهدف هذه الفئة ستصل إلى 40%.
ورأى أن هذه الاقتطاعات الضريبية الجديدة، تراجع عن الإصلاح الضريبي الكبير الذي شهده المغرب في ثمانينيات القرن الماضي.
وهذا الإصلاح -وفق المتحدث- كان قد اعتمد الضريبة على أساس المحاسبة الواقعية بدل الاقتطاع الجزافي، ما شجع الاستثمار بفضل مناخ الثقة، وساهم في تشكيل طبقة متوسطة خلقت توازنا في البلاد.
لذلك، يرى أعيس، أن من شأن الضرائب الجديدة التي وضعتها الحكومة، إضعاف الطبقة المتوسطة وزعزعة ثقة المستثمرين في الشركات الصغرى والمتوسطة.
وأضاف “عوض اعتبار جميع المستثمرين في المهن الحرة متهربين من الضرائب والاقتطاع من المنبع، كان على الحكومة تفعيل الآليات القانونية لمتابعة المتهربين وزجرهم”.
ونبه المتحدث إلى أن مثل هذه التدابير ستدفع عددا من أصحاب المهن الحرة إلى التوجه نحو القطاع غير المهيكل مما سيضر باقتصاد البلاد، ومن جهة أخرى سيدفع الوضع الكثيرين منهم إلى الهجرة نحو الخارج.
وأكد أعيس على ضرورة اعتماد المقاربة التشاركية في وضع مثل هذه القوانين كما نص على ذلك الدستور، مشيرا إلى أن الحكومة لم تفتح أية مشاورات أو حوار مع الأطراف المهنية المعنية بهذه التدابير الجبائية للتوافق حول صيغ ترضي الجميع.
دعم موازنة الدولة
لجأت الحكومة المغربية إلى هذه الإجراءات لدعم موازنة الدولة وتحقيق العدالة الجبائية وفق تعبير الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس.
وقال بايتاس في ندوة صحفية إن مشروع الموازنة هو آلية مهمة -بالإضافة إلى آليات أخرى- لمعالجة المعضلات الاجتماعية ورفع مستويات التنمية.
ولفت إلى أن الحكومة تتجه من خلاله إلى إقرار عدالة ضريبية، مشيرا إلى أن السياسة الجبائية سابقا كانت تستهدف تحفيز الاستثمار لكنها لم تعط النتائج المرجوة.
ويأتي الإعداد لمشروع موازنة 2023 في سياق دولي يتسم بارتباك سلاسل الإنتاج والتوريد والحرب الروسية الأوكرانية والتضخم العالمي؛ ما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد جدري أن اللايقين هو السمة التي ستطبع السنة المقبلة، لافتا في حديث مع الجزيرة نت إلى أنه مقابل السياق الدولي المضطرب فإن المملكة مقبلة على تحديات كبرى تتعلق بالحماية الاجتماعية وتحويل الاقتصاد الوطني ومواجهة مخلفات التقلبات المناخية.
لذلك فالحكومة مطالبة باستعادة الهوامش المالية عن طريق إعادة النظر في السياسة الضريبية للمقاولات، وفق تعبير الخبير.
ويرى جدري أن الرفع من الضريبة على الشركات بالنسبة لفئة المهن الحرة من شأنه أن يؤثر على قدرتها على الاستمرار والتطور، مشيرا إلى أن بنية الشركات بالمغرب تتشكل أساسا من الشركات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، حيث إن نسبتها تفوق 92%.
وفي نظره، فإن أي رفع للضرائب على هذه الشركات، سيزيد في تكلفة الإنتاج، كما سيدفع المستهلك ثمن ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
ولا يتوقع جدري أن تتراجع الحكومة عن المقتضيات الضريبية التي جاءت بها، لأنها في نظره تريد استعادة هوامشها المالية عن طريق ترشيد نفقات التسيير والرفع من المداخيل، من خلال الرفع من الإيرادات الضريبية.
ويشير إلى أن نفقات الدولة في سنة 2023 ستصل إلى أكثر من 600 مليار درهم (حوالي 56 مليار دولار)، في حين أن المداخيل المتوقعة لن تتجاوز 534 مليار درهم (حوالي 50 مليار دولار)، لذلك فإن أي تراجع عن هذه المقتضيات من شأنه الرفع من عجز الميزانية الذي يتوقع وصوله لأكثر من 64 مليار درهم (حوالي 6 مليارات دولار).