فالسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: هل لا يزال من المنطقي أن نعول على “العقل المدبر” للأزمة في أن يأتينا بالحل؟
أن يصل معدل التضخم إلى أكثر من 10 في المائة، حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط الصادرة مؤخرا، فهذا أمر خطير، لكنه ليس المفاجأة السيئة الوحيدة التي جاءت بها حكومة أخنوش للمغاربة، لأن الأكثر ألما اقتصاديا واجتماعيا هي تصريحات المندوب السامي، أحمد الحليمي، الذي تحدث عن أن التضخم أصبح هيكليا وليس مؤقتا، أي أن المغاربة مجبرون من الآن فصاعدا على التعايش مع الغلاء المزمن لأنه دائم ومستمر ولا حل له في الأفق القريب.
كشف استطلاع رأي أجراه المركز المغربي للمواطنة أن 89.3 في المئة من المغاربة المشاركين في الدراسة “غير راضين بشكل عام” عن مخطط “المغرب الأخضر”.
و”المغرب الأخضر” برنامج اعتمدته الحكومات المغربية السابقة والحكومة الحالية من أجل تطوير القطاع الفلاحي بالبلاد، وذلك منذ سنة 2008.
وأفاد الاستطلاع، الذي أجري عبر استبيان منشور في صفحة المركز على فيسبوك، خلال الفترة ما بين 3 و31 مارس الماضي، بأن 94.2 في المائة من المشاركين يرون أن مخطط “المغرب الأخضر” لم يتمكن من خفض أثمنة المنتوجات الفلاحية، بينما اعتبر 86,8 في المائة من المشاركين أنه لم ينجح في تحسين ظـروف عيش ساكنة العالم القروي.
وأكد الاستبيان، الذي شهد مشاركة 4864 شـخصا، وفق المركز، أن 83.7 في المائة من المشاركين يعتبرون أن المخطط لم ينجح في تعزيز الأمن الغذائي الوطني، في حين يرى 93.9 في المائة منهم أن الفلاحين الكبار هم الذين استفادوا من المخطط.
وتدافع الحكومة المغربية عن مخطط “المغرب الأخضر”، إذ تشير وزارة الفلاحة في موقعها الرسمي أن البرنامج “وضع تكثيف الإنتاج والاستثمار في صلب آلياته التنفيذية من خلال اعتماد ترسانة من أدوات التدخل الملائمة، حسب سلاسل الإنتاج ومختلف أصناف الضيعات الفلاحية”.
وتضيف الوزارة “بعد عشر سنوات من إطلاق هذه الاستراتيجية الطموحة، غَيَّر مخطط المغرب الأخضر وجه الفلاحة المغربية بشكل كبير”، موضحة أن “التقييم الذي أجراه مهنيو القطاع” كشف أن المخطط “ساهم في تسليط الضوء على النتائج الإيجابية التي تم تحقيقها في الفترة ما بين 2008 و2018، وعلى رأسها الارتفاع المهم للاستثمارات وارتفاع الإنتاج وسلاسل القيمة لمختلف سلاسل الإنتاج وتحسين الظروف المعيشية للفلاحين”.
ويبدو أن حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو “يُغري” المغاربة بخطاب “تستاهلو أحسن” خلال انتخابات 2021، ليمهد لنفسه تصدر الاستحقاقات البرلمانية والجهوية والجماعية والمهنية، لم يكن يعي جيدا أنه يسوق وَهمًا سيتحول إلى كابوس في غضون عام ونصف، ذلك أن أخنوش، المزهو دائما بمخطط المغرب الأخضر، والذي لا يقبل حتى النقاش، فما بالك بالنقد، حين يتعلق الأمر بمُخططه المدلل، يسير بالجميع الآن إلى الهاوية لأن سياساته في المجال الفلاحي اعتمدت على الأحلام الوردية وتلك الحسابات الواقعية.
والحقيقة هي أن كلام الحليمي لم يكن إلا تقريعا من أعلى مستوى ومن أهل الاختصاص لرئيس الحكومة، ولمساره الطويل في وزارة الفلاحة ثم القصير في رئاسة الحكومة، لأن الرجل في حواره مع موقع “ميديا 24″، حكم بالفشل الذريع على تجربة مخطط المغرب الأخضر، وهو يدعو إلى إحداث “ثورة” في نظام الإنتاج الفلاحي المغربي، من أجل ضمان تحقيق السيادة الغذائية والاعتماد على التطور التكنولوجي لتحسين حجم الإنتاج ليُوجه إلى السوق المحلية وينقذ المغاربة من الخصاص.
لقد كان كلام الحليمي واضحا: أسباب التضخم داخلية بالأساس، والحكومة عجزت عن التعامل مع الجفاف الذي أصبح هيكليا، وعجزت عن التعاطي بنجاح مع أزمة الأسعار، وعجزت عن ضمان السيادة في المجال الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي للمغاربة، وأخيرا عجزت عن قول الحقيقة للرأي العام وإيجاد الحلول المناسبة، وكل ذلك يقودنا لخلاصات لا غبار عليها، مفادها أن أخنوش الذي كان وزيرا للفلاحة والصيد البحري منذ 2007، راكم الفشل تلو الفشل ونقل العدوى إلى رئاسة الحكومة.
وللإنصاف، فإن مخطط المغرب الأخضر عاد بالنفع على فئة معينة، وهي فئة الفلاحين الكبار، هذه الطبقة القادرة على الدفاع عن امتيازاتها من خلال “لوبيات” تمثلها في الحكومة والبرلمان وداخل العديد من المؤسسات الوطنية، هي نفسها التي أصبحت اليوم جزءا من الأزمة، بعد أن نجحت في نقل أرقام صادرات الخضر المغربية نحو الاتحاد الأوروبي إلى عنان السماء، لتنافس إسبانيا وهولندا، لكنها تركت الأسواق المغربية خالية من السلع الأساسية.