لم يعد يصدق على واقع الشعب المغربي اليوم وحكومته غير أن كليهما أصبح في واد، فالحكومة في واد المال والأعمال والاستثمارات والشعب في واد المعاناة والفقر والهشاشة والبطالة، الحكومة التي كان من المفترض أن تجعل معاناة الشعب نصب عينيها وتمنحه الاهتمام الكبير، وتقف معه في مختلف معاناته، ذهبت بعيدا من ذلك وجعلت من جمع المال قبلة لها. ولخصت الإعلامية المغربية، لبنى فلاح، في مقال تحت عنوان “تجار الوهم“ هذه الحقائق، وأكدت “إننا كمواطنين ما زالت لم تطأ أرجلنا بعد أرض الواقع من كثرة الأحلام التي بيعت لنا من مسؤولين بارعين في تجارة الوهم“، مثل الاستفادة من التعويض الشهري الجزافي وتعميم التغطية الصحية على كافة المغاربة الخ.
لقد خرج رئيس الحكومة الملياردير عزيز أخنوش وتحدث اليوم الاثنين أمام البرلمان، وأدلى بتصريحات حول التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الحكومة، قائلاً : إن التحولات الكبرى التي يعيشها العالم لا تعتبرها الحكومة مجرد أزمة عابرة، حيث مكنتها من تبني حس استباقي وتشخصي وموضوعي لمختلف تداعياتها.
وأضاف أخنوش في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، بمجلس النواب، التي همت موضوع التعليم العالي، أن الحكومة عبأت الفرص الممكنة للتخفيف من المخاطر الناتجة عن هذه الأزمة.
وأشار أن الحكومة اعتمدت حكامة مؤسساتية لقضايا التربية والتكوين من أجل ضمان حل إشكالية ضمان التشغيل وتأهيل الرأسمال البشري.
وأكد أخنوش على ضرورة استرجاع جاذبية النظام التعليمي في المغرب، وجعله نواة صلبة للنهوض بواقع الشباب، وتقليص نسب البطالة، وتعزيز الاندماج في سوق الشغل.
ودعا إلى معالجة مختلف الارتباكات التي عرفتها منظومة التربية والتكوين عبر القيام بتحديث مستمر وفعلي لمؤسسات التعليم العالي العمومية والخاصة، والعمل على الرفع من حسن أدائها، وجعل الطالب في صلب هذه الإصلاحات.
وشدد أخنوش على أن الحكومة ستواصل الاستجابة لحاجيات المغاربة بشكل واضح وعملي، ووفق رؤيا تقود نحو رسم ملامح تحول اجتماعي واقتصادي طموح، مبني على إصلاحات عمومية جريئة.
في مقال للإعلامية المغربية، لبنى فلاح، قالت بتهكم كبير “إن الدولة، كانت كريمة وسخية في المقابل مع نساء ورجال التعليم، بإصدار أحكام بالسجن النافذ وغير النافذ في حق العشرات منهم، وبكرم هراوات رجال الأمن ضدهم أثناء تجمعاتهم الاحتجاجية“.
ولم تفوت الصحفية المغربية، الفرصة للإشارة إلى اتساع دائرة الفقر في أوساط واسعة في المجتمع المغربي وتفاقم الأزمات المعيشية، قابله غياب تام للحكومة ولأجهزتها، مشيرة في ذلك إلى تفشي البطالة وارتفاع عدد العاطلين وتراجع مؤشر التنمية البشرية.
وخلصت الصحفية لبنى فلاح، إلى الإشارة إلى “لائحة طويلة وعريضة من الإخفاقات والتراجعات المجتمعية، مشددة على أن ما يهم المغاربة حقيقة هو العيش الكريم الذي يغنيهم من جوع ويوفر لهم هامشا من الحقوق والحريات والتطور والازدهار وليس الوهم والوعود المضللة.
بنك المغرب، المؤسسة المستقلة المشرفة على السيادة النقدية بالبلاد، خرج ببلاغ جريء، نسف أطروحة الحكومة بالكامل، فقرر رفع سعر الفائدة إلى 3% من أجل كبح التضخم وارتفاع الأسعار، وقدم توقعاً صادماً لمعدل النمو يقضي على أحلام الحكومة، إذ توقع أن يصل معدل التضخم خلال سنة 2023 إلى 5.5%، أي بما يزيد على توقع الحكومة بثلاث نقاط ونصف (توقعت الحكومة أن يصل معدل التضخم إلى 2% في قانون المالية).
وبينما راجت خلال الأشهر الماضية أخبار عن وجود خلافات في صفوف الأغلبية الحكومية، ومشاكل بين وزرائها، كانت لافتة دعوة المكتب السياسي لـ”الأصالة والمعاصرة “، في بيان أصدره أول من أمس الخميس، رئيس الحكومة إلى تكثيف التواصل الداخلي الناجع بين القطاعات الحكومية، وكذلك الحوار الفعال مع وزراء الحزب، وأهمية التواصل الداخلي بين أعضاء الحكومة في تسريع تطبيق الورش الإصلاحية.
127 ألف طفل في سوق الشغل أعمارهم بين 7 و17 عاماً..الفقر والهشاشة الاجتماعية أبرز الدوافع
في السياق، اعتبر مدير “مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية”، خالد الشرقاوي السموني، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن بيان المكتب السياسي لـ”الأصالة والمعاصرة”، يُستنتج منه وجود خلافات داخلية بين مكونات الأغلبية الحكومية، خصوصاً بين “التجمع الوطني للأحرار” و”الأصالة والمعاصرة” حول طريقة الإدارة الحكومية.
بوادر تفكك الائتلاف الحكومي
وأوضح أن ما تضمّنه البيان يوحي ببوادر تفكك هذه الأغلبية، ما قد يطرح سيناريوهات عدة حول استمرار الائتلاف الحكومي أو عدمه ما بعد الدخول السياسي (افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل)، خصوصاً أن وزراء “الأصالة والمعاصرة” أصبحوا يشعرون بنوع من العزلة في حكومة عزيز أخنوش، مما قد يساهم في تعطيل مشاريعهم وبرامجهم الانتخابية التي التزم الحزب بها إزاء المواطنين.
من جهتها، رأت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، أن موقف “الأصالة والمعاصرة يظهر التوتر الذي تعيشه الأغلبية الحكومية، وهو توتر وإن كان خفياً فيما مضى من عمر الحكومة، فإنه اليوم أصبح يضع عمر هذا الائتلاف على المحك، في انتظار تعديل حكومي”.
واعتبرت لموير، في حديثٍ لـ”العربي الجديد “، أن الموقف اليوم يعكس تخاذلاً سياسياً وعدم وضوح لدى الأغلبية، وبالتالي، هو انعكاس للارتباك الذي يسيطر داخل الحكومة. وتوقعت أن يطول التراشق بالبيانات بين أحزاب الأغلبية، موضحة أن استمرار هذا التوتر لن يؤدي سوى لضرب صورة الحكومة لدى الرأي العام الوطني، مؤكدة أنه “آن الأوان تعديل حكومي يعطي نفساً جديداً للمشهد السياسي بالمغرب”.
أما رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، رشيد لزرق، فاعتبر أن “التضارب الحاصل بين الحزبين يمكن تفسيره بمحاولة استباق التعديل الحكومي، والتموضع أكثر داخل الحكومة، أكثر منه تضاربا حول برنامج أو رؤية سياسية لدى هذا الحزب أو ذاك”.
وأضاف في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “هذا التضارب يأتي في إطار المزايدات، خصوصاً أن حزب الأصالة والمعاصرة لا يملك إرادة سياسية من أجل الخروج من الحكومة”، لافتاً إلى أن كل طرف في الأغلبية الحكومية يحاول أن يتموضع أكثر في قطاعات استراتيجية أهم، وهذا من سلبيات الحكومات الائتلافية.
وأوضح لزرق أنه من المفترض أن يكون هناك تنسيق بين أحزاب الأغلبية والحكومة من الناحية السياسية، أما من الناحية الحكومية، فهناك مجلس حكومي يفترض أن يشكل فضاء للتواصل، مضيفاً: “رئيس الحكومة هو المسؤول الأول عن توحيد الاستراتيجية في جميع القطاعات الحكومية. ولذلك، فإن ما يقع هو تضارب سياسي، واستباق لمحطة التعديل الحكومي”.
من جانبه ، قالت الكاتب المغربي، بلال التاليدي، في الواقع، لا يمكن لحكومة مكونة من أحزاب الأعيان، أن تنتج سياسة غير التي أنتجتها، فتركيبتها السوسيولوجية، تدفع في هذا الاتجاه دفعاً، ورئيس الحكومة، لن يكون قادراً على تأمين تماسك حزبه، وتماسك تحالفه، دون أن يوجه السياسات الحكومية لخدمة رجال المال والأعمال، ولذلك، لم يتنبه إلى مخاطر أزمة الجفاف الهيكلية، وما تتطلبه من تعديل جوهري في برامج المخطط الأخضر وسلاسله الإنتاجية، ولم يقرأ الدرس من تجارب الدول الأوروبية وكذلك بريطانيا، التي اتجهت إلى خفض النمو والتقليل من الإنفاق على الاستثمار ريثما يتم التحكم في التضخم وخفض الأسعار، بل أزاح كل هذه الاعتبارات، وتبنى الأطروحة المالية التي تساير الوضع العادي، مع أن بلاده تعيش أوضاعاً استثنائية مركبة (تداعيات كورونا، وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وتداعيات الجفاف البنيوي)، فكانت النتيجة المأساوية، هي أن الحكومة، أصبحت تجوع المغاربة، وتمنعهم من منتوجات البلد الزراعية، وتضرب قدرتهم الشرائية، مقابل البحث عن تقوية ميزانية الدولة، وتوجيه عائداتها إلى دعم مقاولات أحزابها.
المعضلة، أن الحكومة، وهي تدخل إلى ميزانيتها بفضل دينامية التصدير أكثر من 200 مليار درهم إضافية، مقارنة مع السنوات الماضية، لم تقم بأدنى إجراء يخفف من ارتفاع الأسعار، ولم تتناول ولو بجزء قليل من رسومها أو ضرائبها بنحو يعود على الأسعار بالانخفاض، واستمرت في دعم المقاولات الكبيرة، في الوقت الذي تواجه فيه المقاولات الصغيرة والمتوسطة شبح الإفلاس بسبب ارتفاع قيمة الفائدة، وصعوبة الاقتراض من البنوك لتأمين استثماراتها.