أكد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، الاثنين بالرباط، على ضرورة مواصلة النقاش وتعميقه حول موضوع العملات الرقمية للبنك المركزي وذلك اعتبارا لتعدد التحديات المرتبطة به.
وأوضح الجواهري خلال مائدة مستديرة رفيعة المستوى حول العملات الرقمية للبنك المركزي، انعقدت تحت شعار “دور القطاع العام في النقد والأداءات – رؤية جديدة”، أن “التعقيد والتحديات المرتبطة بالعملات الرقمية للبنك المركزي تكشف عن ضرورة مواصلة النقاش وتعميقه”، مشيرا إلى أن الاهتمام الذي تتطلبه إشكالية العملات الرقمية للبنك المركزي ما هو إلا انعكاس لاستباقية وقدرة المؤسسات على التكيف مع تقلبات النماذج التي تميز محيطها.
كريستالينا غورغييفا : صندوق النقد يطور منصة عالمية للعملات الرقمية بين البنوك المركزية
وأضاف أنه “إذا كانت العديد من هيئات التقنين قد اعتمدت موقفا حذرا غداة إطلاق البتكوين، فإن الأبناك المركزية أدركت سريعا أن الجمود لم يعد خيارا إن كانت تريد الحفاظ على دورها المركزي كمصدر للعملة”، مشيرا إلى أن الغاية كانت تتمثل أيضا في استكشاف الفرص التي تتيحها الابتكارات التكنولوجية وتعبئتها لخدمة مهامها مع الحرص على استيعاب المخاطر التي قد تطرحها.
وسجل أنه تم التفكير بشأن العملات الرقمية للبنك المركزي كما تم تسريع العديد من الأعمال بالاشتراك مع منظمات دولية على غرار صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية، وكذا تشكيل مجموعات متخصصة للتفكير تضم الأبناك المركزية ومؤسسات مالية أخرى.
وأبرز والي بنك المغرب أنه على الرغم من التقدم المحرز إلا أن القضايا الجوهرية ولاسيما مساهمات العملات الرقمية للبنك المركزي وآثارها على المهام الأساسية للأبناك المركزية، ماتزال مطروحة.
ويصل عدد مستعملي العملات المشفرة في المغرب إلى 1.15 مليون شخص، أي ما يمثل نسبة 3.05 في المئة من إجمالي السكان، بحسب تقرير لـ”مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد”.
وتظهر الأرقام التي قدمها المركز قبل أسبوع، أن المغرب عرف أهم نمو على مستوى استخدام العملات الرقمية، خلال السنوات الأخيرة بإفريقيا والمنطقة، مما مكن من تحقيق ناتج داخلي خام فردي يصل إلى 8612 دولار .
وحل المغرب في المركز 14 ضمن قائمة أفضل 20 دولة عالميا في تبني العملات الرقمية، بحسب تقرير “جغرافيا العملات الرقمية 2022” الصادر عن شركة “تشين أناليسيس” المتخصصة في تقنية “البلوك تشين”، شهر أكتوبر الماضي.
وأكد مدير البنك المركزي “بنك المغرب”، أن مسودة مشروع قانون لتقنين وتنظيم التداول والتعامل بالعملات الرقمية، “باتت جاهزة وتجري بشأنها المناقشات مع الأطراف المعنية لاعتماد إطار تنظيمي وقانوني”.
واعتبر الجوهري، أن مشروع القانون “سيتيح تعريفا مغربيا للعملات المشفرة، أخذا بعين الاعتبار ما قام به الفدرالي الأميركي والبنك الأوروبي المركزي والبنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية”.
وكشف المسؤول المالي، أن البنك المركزي أجرى بحثا وطنيا حول آراء المغاربة بخصوص العملات المشفرة ومدى استعمالها في الأداء أو المضاربة، مؤكد أن المبدأ العام، لإصدار هذا القانون، يبقى “عدم الحد من الابتكار وحماية المواطنين من مختلف المخاطر المرتبطة بالمجال”.
ويأتي توجه البنك المركزي نحو تنظيم مجال تداول العملات الرقمية، بعد أن أعلنت السلطات المغربية قبل خمس سنوات عن تجريم التعامل بها.
وقال مكتب الصرف (حكومي)، في بيان آنذاك، إن التعامل بالنقود الافتراضية “مخالف للقانون ويعرض مرتكبيها للعقوبات والغرامات”، مضيفا أنه “يشكل خطرا على المتعاملين بها، لكونها نقودا افتراضية لا تتبناها الجهات الرسمية، ويبقى دائما أصحابها الأصليون مجهولي الهوية”.
من جانبه ، عضو منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، محمد طرشون، يؤكد أن ارتفاع أعداد المستثمرين في مجال العملات الرقمية وانتعاش نشاط السوق السوداء، فرض على البنك المركزي التحرك لتنظيم هذا القطاع، الذي سيمكن الاقتصاد المغربي من مزايا عديدة.
ويضيف الخبير الاقتصادي في تصريح سابق ، أن المنع ظل لسنوات “رهين أسباب أمنية واقتصادية، غير أنه اليوم، لم يعد من الممكن صرف النظر عن الفرص التي يتيحها المجال”، مشيرا إلى أن المالية الرقمية تبقى مستقبل البنوك والاقتصاد العالمي، بالرغم من كل ما يثار حولها اليوم، بحسب تعبيره.
ويقول الخبير القانوني المحامي بهيئة فاس نبيل علواني، إن “موضوع تداول العملات المشفرة عاد وبقوة إلى الساحة المحلية، لا سيما بعد قرار المنع الصادر عن مكتب الصرف وتوالي المتابعات القضائية للأشخاص الذين تبث تعاملهم بهذه العملات الافتراضية، غير أن السياق العالمي وأزمة كورونا فرضا على الساهرين على الشأن الاقتصادي بالمغرب ضرورة التعاطي مع هذا الموضوع، ووضع إطار قانوني ينظم ويحمي مصالح الفاعلين فيه”.
وفي تصريح سابق، أوضح علواني أن “النقاش الدائر أفرز توجهين، الأول يعارض بشدة تضييق مجال العمل واستثمار الأموال على المنصات الإلكترونية، أولا لأن الحرية كمبدأ عام في الرأسمالية تفرض ذلك، ثانيا لأنه وإذا كان قرار منع تداول هذه العملات استند إلى مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فإن الوسيلة الأولى لارتكاب هذه الجرائم هي العملات التقليدية، ومع ذلك لم يتم منعها”.
أما التوجه الثاني وفقا للخبير، فيقر بـ”أهمية وراهنية تداول العملات المشفرة، لكنه بالمقابل يراعي حساسية الموضوع وخطورته على الاقتصاد الوطني، فعلى الذي يريد التعامل مع هذا الموضوع أن يستحضر أن له علاقة مباشرة مع قوانين أساسية، وعلى سبيل المثال قانون 12.103 المتعلق بمؤسسات الائتمان، وقانون حماية المستهلك، والمدونة العامة للضرائب، ومدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وقانون الالتزامات والعقود، والقانون الجنائي، وبالتالي ليس من السهل بتاتا التعامل مع الموضوع ويجب أن يأخذ كل الزمن الذي ينبغي لمناقشته”.
ويدعو عدد من الخبراء المغاربة إلى تقنين دولي لاستعمال العملات الرقمية، مؤكدين على ضرورة وضع إطار تنظيمي، يمكّن، إلى جانب تقنين تداول العملات المشفرة، من وضع التشريعات المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وكان بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية والهيئة المغربية لسوق الرساميل، قد أثارت انتباه المواطنين إلى المخاطر المرتبطة باستخدام العملات الافتراضية، لا سيما وسط غياب أي حماية للمستهلك وتقلبات أسعار صرف هذه العملات مقابل عملة قانونية، بالإضافة إلى استخدامها لأغراض غير مشروعة أو إجرامية، لا سيما غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويقول علواني إنه “من الجانب التشريعي ينبغي القول بخصوص تداول العملات المشفرة، إن قانون الالتزامات والعقود وضع المبادئ العامة، ومن جهة أخرى فالمبدأ العام هو أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وأن الأصل في الأشياء الإباحة، فضلا عن أن الفصل 339 من القانون الجنائي لا يتعلق بالعملات الافتراضية، أولا لأنه حينما وضع هذا الفصل لم يكن للعملات الافتراضية وجود، ثم إن سياق الفصول السابقة واللاحقة تؤكد بشكل قاطع أن المقصود هو العملات الحقيقية لا الافتراضية”.
تجدر الإشارة إلى أن عملة “بتكوين” وهي الأكثر شهرة من بين العملات المشفرة، تتأرجح بالقرب من المستوى الرئيسي البالغ 20 ألف دولار.
وقد انخفض البيتكوين، الذي فقد 57 بالمئة من قيمته هذا العام، و37 بالمئة في يونيو الماضي وحده، إلى أقل من 20 ألف دولار بداية يوليو، للمرة الأولى منذ ديسمبر 2020.
وبحسب مراقبين، يأتي هذا التراجع في أعقاب الصعوبات التي يواجهها العديد من الفاعلين الرئيسيين في الصناعة، في حين أن المزيد من الانخفاضات قد يكون لها تأثير كبير، حيث يضطر بعض مستثمري العملات المشفرة إلى بيع ممتلكاتهم لتلبية طلبات الهامش وتغطية الخسائر.
من جانبه، يرى الباحث في المجال الرقمي والتجارة الالكترونية، فؤاد وكاد، أن خطوة التقنين، “جد إيجابية وستمنح إطارا قانونيا لنشاط متداول ومنتشر بكثرة”، مبرزا أن تجربة المنع والتهديد بالعقوبات، أتت بـ”نتائج عكسية، وتسببت في عدد من المشاكل للمتداولين”.
ويورد الخبير الرقمي في تصريح لموقع “الحرة”، أن تقنين العملات المشفرة، سيضفي الشرعية على المجال وسيؤدي إلى انتعاشه، موضحا أن من المرتقب أن يتوجه المستثمرون المغاربة الذين كانوا يعتمدون على منصات أجنبية لفتح محافظ التشفير، إلى الكيانات المالية التي يشرف عليها البنك المركزي، مما سيعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وسيحد من حالات الاحتيال والنصب.
ويشدد المتحدث ذاته على ضرورة أن يركز القانون المقبل على توفير آليات لحماية المتداولين من حالات االاحتيال خلال عمليات البيع والشراء، مشيرا إلى أن حالات كثيرة كانت ضحية هذه التعاملات في السوق السوداء.
ويشدد المتحدث ذاته، على ضرورة إرساء نظام قوي للمدفوعات والحفاظ على استقلالية القطاع وعدم السعي لاحتكاره، لتفادي استمرار التداول خارج الأطر القانونية.
ويتوقع الخبير الرقمي المغربي، أن يزيد عدد المتعاملين بالعملات الرقمية بعد التقنين، مبرزا أن الشباب المغاربة من أكثر الجنسيات إقبالا على الاستثمار في مجال العملات الرقمية، وذلك لأسباب أرجعها إلى ارتفاع الوعي بأهمية المجال وببروز قناعات استثمارية لإنشاء نشاط مالي جانبي، ومساعي البعض إلى توفير مصدر دخل هربا من البطالة وضعف فرص الشغل.
هذه الفئة الثانية، يورد الخبير المغربي، أنها تكون في الأغلب، ضحية شعارات الربح السريع التي تنتشر في مجال التسويق الاحتيالي، خاصة خلال الأشهر الأخيرة التي عرفت تراجعا كبيرا في قيمة هذه العملات.
لهذا يوصي فؤاد وكاد،كل الراغبين في ولوج المجال إلى دراسته بشكل عميق، لفهم واقعه والجهات المؤثرة فيه والتي تتسبب في ارتفاع أو تدني قيمة العملات، معربا عن آماله في أن يسهم هذا القانون في حماية أموال آلاف المستثمرين المغاربة وفي زيادة الوعي بخصوص الفرص التي يتيحها.