بوانو .. تهرّب حكومة رجل الاأعمال من حضور جلسات البرلمان..التحالف الحكومي قادرة على الحكم بلا عقبات!؟

0
341

توسعت الانتقادات الموجهة إلى الحكومة في المغرب من  أحزاب المعارضة، وأطياف المجتمع المدني، والهيئات الحقوقية والمدونين، لتشمل الأحزاب المكونة للحكومة نفسها، في خطوة غير مسبوقة تؤشر على وجود أزمة صامتة، داخل التشكيلة الوزارية التي تضم أحزاب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال.

يبدو أن الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي في المغرب قادرة على الحكم بلا عقبات. لكن المعارضة حالة صحية وليست مجرد عقبة.

الرباط – اتهم عبد الله بوانو رئيس المجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” الحكومة بالتهرب من الحضور في البرلمان، وتفضيل الأجوبة الكتابية ضدا على الدستور والقانون التنظيمي الخاص بشؤون الحكومة.

وقال في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب،  الاثنين، إنه على الحكومة احترام المؤسسة التشريعية، معبرا عن أمله في أن تتعامل الحكومة بإيجابية مع البرلمان.

وأشار أن وزراء في الحكومة يتهربون من المثول في البرلمان، ويفضلون التعامل بالأجوبة الكتابية.

ولفت إلى أن القانون التنظيمي لشؤون الحكومة، ينص أن هذه الأخيرة تشارك في مقترحات ومشاريع القوانين.

من جانبه، قال مصطفى بايتاس الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان إن الحكومة تفاعلت مع أزيد من 21 مقترح قانون بشكل إيجابي.

واعتبر أن الأجوبة الكتابية هي ممارسة تم التعامل بها حتى في الحكومات السابقة، مسجلا أن الحكومة تتملك إرادة كبيرة للتعاطي إيجابا مع كل المقترحات.

في المشهد السياسي المغربي، بالرغم من ان غالبية قوى المعارضة تمارس دورها في إطار الالتزام بالدستور كما أنها معارضة للحكومات وبرامجها وليس للنظام والدولة، إلا أنها ضرورية لترسيخ واستمرارية المسار الديمقراطي أو ما يُطلق عليه أحيانا اللعبة الديمقراطية. وحاجة المغرب لمعارضة برلمانية قوية لا تقل عن حاجته لحكومة قوية، وغياب او ضعف المعارضة البرلمانية مؤشر على وجود خطب ما في النظام السياسي.

قد يقول رئيس الحكومة رجل الأعمال ،عزيز أخنوش، وأعضاء حزبه ووزرائه  إن الشعب عبَّر عن إرادته واختار من يمثله ويجب احترام هذه الإرادة وعلى الاقلية الخضوع لإرادة الاغلبية، وأن حكومة قوية تمتلك أغلبية مريحة ومعارَضة ضعيفة في البرلمان هو الوضع المريح لضمان استقرار الحكومة والنظام السياسي بشكل عام، وهذا كلام صحيح ولكن ليس في جميع الحالات.

الحكومة القوية والنظام السياسي القوي يحتاج أيضا لمعارضة برلمانية قوية تراقب عمل الحكومة ولها القدرة على ضبط وامتصاص غضب الجماهير وتحريك الشارع، إن دعت الضرورة، في إطار القانون واحترام المؤسسات وبما يمنع من اختراق فضاء المعارضة من اية اطراف معادية. وحتى تقوم المعارضة بهذا الدور يجب أن تلمس بأن لديها فرصة للتناوب والتداول على السلطة وليست مجرد ديكور لإضفاء طابع ديمقراطي على النظام السياسي، وقد سبق لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل أن قال “لو لم يكن هناك معارضة لخلقناها”، وذلك ادراكاً منه أن لا ديمقراطية حقيقية بدون معارضة حقيقية مؤهلة لاستلام السلطة في الانتخابات القادمة، فضمان تداول السلطة أهم مرتكزات الديمقراطية.

فقد أثبتت التجربة السياسية في المغرب وفي تجارب عالمية أخرى أن معارضة برلمانية ضعيفة وحكومة قوية موالية بالمطلق للقصر قد يُفقِد النظام السياسي درجة من التوازن المطلوب ما بين الحكومة والسلطة من جانب والمعارضة من جانب آخر، وهو توازن سعى إليه الملك الراحل الحسن الثاني منذ الثمانينيات حيث تحدث في أكثر من مناسبة عن تصوره لعلاقة بين الحكومة والبرلمان وبين السلطة والمعارضة ككفتي الميزان بحيث لا ترجح كثيراً كفة على أخرى، وكان الملك الحسن الثاني مدركاً لأهمية وجود معارضة برلمانية قوية حتى يقطع الطريق على أية جماعة سياسية لتمارس المعارضة من خارج قبة البرلمان وخارج المؤسسات الرسمية، وخصوصاً في عهده كانت قوى معارضة غير رسمية وغير قانونية تشكل تهديداً للنظام بل وحملت السلاح ضد النظام والدولة.

لا شك أن البيئة السياسية الوطنية والعالمية تبدلت والمغرب في عهد الملك محمد السادس قطع شوطاً كبيراً في مساره الديمقراطي من خلال تنازلات متبادلة ما بين المؤسسة الملكية وقوى المعارضة مصحوباً بنضج ووعي شعبي ووجود شبه إجماع حول المؤسسة الملكية التي تلعب دور الحَكَم والضامن للاستقرار والاستمرارية، وخفوت حدة الاستقطاب الأيديولوجي الذي كان مصدره بداية الثنائية القطبية الدولية ثم لاحقا صعود الإسلام السياسي في موجة ما يسمى الربيع العربي، كما أن التعديلات الدستورية المتعاقبة منحت للمعارضة البرلمانية مهام وصلاحيات مهمة بغض النظر عن قوتها البرلمانية، فدستور 2011 وفي الفصل 60 استعمل لأول مرة مصطلح المعارضة وخولها مجموعة من الصلاحيات تجعلها شريكاً في وظيفة التشريع والمراقبة ورئاسة اللجان الخ. بالرغم من كل ذلك فإن حديث المعارضة عن وجود تجاوزات وتزوير خلال الانتخابات وتحديات تداعيات الكورونا وأزمة المناخ وانعكاساتها الاقتصادية وزيادة التوتر بين المغرب والجزائر سيضع تحديات كبيرة أمام الحكومة والنظام السياسي ككل ومن هذه التحديات هشاشة المعارضة وعدم تجانسها، فحتى مع الصلاحيات الممنوحة لها دستورياً والحقوق المنصوص عليها قد تكون عاجزة حتى عن القيام بهذه المهام والحقوق بجدارة.

قد خصص دستور فاتح يوليو 2011 للمعارضة البرلمانية حقوقا خاصة، كفيلة بالنهوض بمهامها النيابية والسياسية بشكل يترجم مدى المكانة التي تحتلها في المسار الديمقراطي، بل قام بدسترة حقوق المعارضة البرلمانية كما هو الشأن بالنسبة للأنظمة الديمقراطية الغربية التي تعطي أهمية خاصة للمعارضة، من خلال دسترتها وتمكينها من آليات تستطيع من خلالها القيام بالدور المنوط بها على أكمل وجه.

وتضطلع المعارضة البرلمانية بمجموعة من المهام، فهي تقترح خيارات وسياسات بديلة عن سياسات الحكومة القائمة، وتستعمل الآليات الرقابية التي منحت لها من طرف المشرع الدستوري، لضمان محاسبة فعالة للعمل الحكومي، وتساهم في صناعة التشريع وتحسينه وتطويره؛ ليستجيب لتطلعات المواطنين وأهداف التنمية الشاملة.

وتجدر الإشارة إلى أن الفصل العاشر من الدستور 2011 يضمن للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية. ويضمن، بصفة خاصة، للمعارضة مجموعة من الحقوق، من بينها حرية الرأي والتعبير والاجتماع؛ وحيز زمني في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها؛ والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع والمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق؛ والرقابة التشريعية على السلطة التنفيذية والتوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية؛ والمساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها.

كما نص الفصل 82 من الدستور على أنه: “يخصص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من طرف المعارضة”. وقد نص الفصل 67 من الدستور، على إمكانية “تشكيل اللجان بطلب من ثلث أعضاء المجلس المعني”، وبالتالي لم يعد مشكل النصاب عائقا أمام المعارضة. كما أن مسألة التخفيض من النصاب القانوني للتوقيع على ملتمس الرقابة يشكل سلاحا جديدا في يد المعارضة التي ستصبح بإمكانها تجميع عدد معقول من الموقعين وبالتالي سهولة تحريك مسطرة نفاذ هذه الآلية، فلقد نص الفصل 105 من دستور 2011، على أنه: “لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بالتصويت على ملتمس الرقابة ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.”

وقد نص الفصل 132 من الدستور على إمكانية التصدي من قبل المعارضة البرلمانية لأي نص قانوني مخالف للدستور، حيث مكنها من اللجوء إلى هذه الآلية من خلال تخفيض النصاب القانوني لطلب إحالة هاته القوانين على المحكمة الدستورية من ربع الأعضاء في الفصل 81 من دستور 1996، إلى خمس أعضاء مجلس النواب أو أربعين عضوا من مجلس المستشارين.

وبناء على هذه الأسس الدستورية، صارت المعارضة ضرورية لترسيخ واستمرارية المسار الديمقراطي، كما أن المغرب يراهن على معارضة برلمانية قوية لا تقل عن حاجته لحكومة قوية، وغياب أو ضعف هذه المعارضة لن يساهم في تطوير العملية الديمقراطية وتجويد العمل الحكومي.

وأمام هذا الوضع، ألا يمكن التفكير في تعديل حكومي بعد مرور سنتين من ولاية هذه الحكومة، من أجل إعادة تشكيل أغلبية حكومية ومعارضة جديدة، يكون فيها حزب الاستقلال والأصالة والمعاصرة خارج الحكومة للانضمام إلى المعارضة، وإن كان الترجيح يميل، في رأيي، إلى خروج حزب الاستقلال من الحكومة لإحياء الكتلة من جديد )الاتحاد الاشتراكي – التقدم والاشتراكية – الاستقلال ، يمكن أن ينضاف إلى هذه الأحزاب تحالف اليسار الفيدرالي، نظرا للتقارب السياسي والأيديولوجي بينها، وانضمام الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري للحكومة، وتصير الحكومة مشكلة من التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، وهذا من شأنه تفعيل دور البرلمان عبر تقوية دور المعارضة وإحداث نوع من التوازن المطلوب بين المؤسسات السياسية خصوصا بين الحكومة والبرلمان، لأن الصلاحيات التي أسندها الدستور المغربي للمعارضة البرلمانية جد مهمة، لكنها لا تمارس بالشكل المطلوب، فكلما كانت هناك معارضة قوية كلما انعكس ذلك إيجابا على العمل الحكومي والعكس صحيح.