حكومة رجل الأعمال تصرف” 600 دولار” عن كل بقرة حلوب! بينما يتخبط حوالي ثلاثة ملايين مغربي في الفقر!!

0
419

يتخبط حوالي ثلاثة ملايين مغربي في الفقر، حسب بيانات رسمية، يعيش 2.4 مليون منهم بالأرياف ونحو نصف مليون في المدن. ويرى مراقبون أن أغلب البرامج الاجتماعية فشلت في التقليص من الفوارق الطبقية ومحاصرة أحزمة الفقر والهشاشة في البلاد.

وأعلنت حكومة رجل الأعمال رسميا عن خطوة عملية في خطتها لتوزيع الدعم المالي المباشر على فقراء المملكة وتحسين مردودية برامجها الاجتماعية، إذ صادقت في اجتماعها العام الماضي على مشروع قانون يتعلق بـ”منظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي” بداية سنة 2024 – عاش من عاش -وتوفي من توفي رحمه الله.

الرباط – قررت الحكومة الرفع من قيمة الإعانة المالية للدولة لاقتناء الأبقار الحلوب المستوردة إلى 6 آلاف درهم للرأس الواحد.

وأكدت الحكومة في العدد 7220 من الجريدة الرسمية (10 غشت)، أن هذا الدعم سيستمر إلى غاية 31 دجنبر 2026، أو عندما يبلغ العدد الإجمالي للعجلات التي استفادت من الإعانة ستين ألف (60.000) رأس.

وجاء هذا القرار رقم 1902.23 بشكل مشترك بين وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات والوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية ووزير الداخلية، وحرر بالرباط في 21 يوليوز 2023، ليصبح الآن ساري المفعول بعد صدوره في الجريدة الرسمية، وغايته المساهمة في السيطرة على الظرف الحالي المتسم باستمرار غلاء الأعلاف واضطرابات سلاسل التموين والتوزيع عالمياً.

وورد في العدد ذاته من الجريدة الرسمية قرار مشترك آخر بين الثلاثي الحكومي عينه تحت رقم 1903.23 يتعلّق بتحديد مبلغ إعانة الدولة وشروط وكيفيات منحها لاقتناء العجلات الحلوب من الأصناف الأصيلة المختارة التي تم إنتاجها على الصعيد الوطني.

وحسب المصدر ذاته، فإن مبلغ الإعانة لاقتناء هذه العجلات من الأصناف الأصيلة المختارة يحدد في ثلاثة آلاف درهم (3000 درهم) لكل رأس، وتمنح هذه الإعانة مرة واحدة فقط للعجلات من هذه الأصناف في الوحدات النموذجية لتربية الأبقار التي تستجيب للشروط المنصوص عليها، والتي تم اقتناؤها ابتداء من تاريخ نشر هذا القرار المشترك بالجريدة الرسمية.

وتنصّ المادة الثانية من القرار على أن من شروط الاستفادة أن تكون البقرة من سلالات الهولشتاين ذات اللون الأبيض والأسود وذات اللون الأبيض والأحمر، والسلالات السمراء، والجيرزي، والطارونطيز والنور وماند. كما يشترط أن يكون إنتاجها تمّ في الوحدات النموذجية، وأن تكون أنثى حاملا، ويتراوح سنها بين 24 و36 شهرا.

كما تفيد الشروط ذاتها بأن البقرة الحلوب المعنية يجب أن تحمل الرقم الوطني الوحيد للترقيم المضمن في بطاقة التعريف المرافقة (CIAB) ومسجلة بالقاعدة الوطنية للبيانات الخاصة بترقيم الحيوانات (SNIT) باسم صاحب الطلب، وأن يكون بيعها تم مباشرة إلى طالب الإعانة المالية للدولة من طرف مربي الماشية أو هيئات مربي الماشية أصحاب الوحدات النموذجية التي ازدادت وتربت بها.

من جهة أخرى، يبدو أن هذين القرارين جاءا تماشيا مع أزمة حادة يعرفها قطاع إنتاج الحليب، بحيث سبق أن أعلنت وزارة الفلاحة، في ماي الماضي، عبر كاتبها العام رضوان عراش، أن هناك تصورا للزّيادة في قيمة الإعانة العمومية لاستيراد الأبقار الحلوب من الخارج، من 4 آلاف درهم المعلنة منذ بداية الموسم الفلاحي الجاري في أكتوبر 2022 إلى 6 آلاف درهم، لتقليل التكاليف على الفلاح.

وحسب متتبّعين، فإن هذا الدعم “يشكل حلا على المستوى القصير لمشكلة ندرة الحليب بسبب الظروف الطبيعية التي أنهكت الكسابة المشتغلين في المجال”، خصوصا أن أرقاما رسمية سابقة أكدت انخفاضا ملحوظا في سلسلة إنتاج هذه المادة الأساسية.

وكانت الأرقام عينها قد أكدت أن إنتاج الحليب السنة الماضية كان في حدود 2 مليار لتر، مقابل 2.25 مليار لتر سنة 2021، فيما بلغت سلسلة الإنتاج خلال سنة 2019 نحو 2.5 مليار لتر.

ومازال المنتجون المغاربة العاملون في قطاع الحليب يقدمون شكايات متواصلة بخصوص الضرر الذي أصابهم بسبب اعتماد الكثير من الشركات على الحليب المجفف المستورد من الخارج”، وهو ما أنهك، بحسبهم، “العديد من الفاعلين في المجال وأدى بالكثير من التعاونيات إلى الإفلاس”.

على مدى عشرين عاما، عرف النمو الاقتصادي في المغرب ديناميكية ملحوظة. فقد بلغ النمو في المتوسط بين 2000 و2017 حوالي 4.4 في المائة، بينما زاد الدخل الفردي بنسبة 3.1 في المائة، حسب بيانات رسمية. وتجلى حسب البحوث التي تنجزها المندوبية السامية للتخطيط، أن معدل الفقر انتقل من 15.3 في المائة في 2001 إلى 8.9 في المائة في 2007 و4.8 في المائة في 2014 قبل أن يعاود الارتفاع بعد ذلك.

غير أن بحوث المندوبية مبنية على مقاربة تستحضر الفقر النقدي وليس الفقر متعدد الأبعاد والذي شهد زيادة واضحة خلال الفترة الأخيرة.

وقد لاحظت المندوبية في تقريرها حول تطور الفوارق الاجتماعية ارتفاع معدل الفقر المطلق من 3 في المائة سنة 2021 إلى 4.9 في المائة سنة 2022 على الصعيد الوطني.

غير أنه يتجلى أن ذلك المعدل قفز من 1 في المائة إلى 1.7 في المائة في المدن، ومن 6.8 في المائة إلى 10.7 في المائة في الأرياف.

وسجلت المندوبية أن معدل الهشاشة الاقتصادية قفز من 10 في المائة في 2021 إلى 12.7 في المائة في 2022 على المستوى الوطني، ذلك المعدل انتقل من 5.9 في المائة إلى 7.9 في المائة في المدن، ومن 17.4 في المائة إلى 21.4 في المائة في الأرياف.

في سياق متصل، أبريل الماضي ، دعا حزب “العدالة والتنمية”(معارضة)، إلى صرف دعم مالي للأسر الفقيرة، للتخفيف عنها في ظل موجة غلاء المواد الاستهلاكية والغذائية.

جاء ذلك في بيان أصدره الحزب (معارض) واطلعت الأناضول على نسخة منه.

واقترح الحزب صرف هذا الدعم المالي “بالاعتماد على اللوائح والبوابة الإلكترونية التي اعتُمدت سابقا لصرف الدعم في فترة أزمة كورونا”.

ودعا إلى “استعمال الفائض المالي المحقق من المحصول الاستثنائي للضرائب والرسوم المفروضة على المحروقات والأرصدة المتوفرة بالصناديق الخصوصية (ميزانيات حكومية للدعم) ذات الصلة بدعم التماسك الاجتماعي، وذلك إلى حين الشروع في صرف الدعم المباشر المخصص في إطار برنامج تعميم الحماية الاجتماعية (التأمين الصحي)”.

واعتبر أن هذه الخطوة “من شأنها أن تخلف حالة ارتياح لدى المواطنين عامة وتساهم بالخصوص في التخفيف على هذه الفئات التي تعاني من موجة الغلاء، والتي تشبه في آثارها إلى حد كبير حالة الحجر الصحي إبان أزمة كوفيد19”.

فيما لم يصدر تعليق فوري من قبل الحكومة المغربية حول الموضوع.

دعم لمواجهة الغلاء

يحلل البنك الدولي في تقريره حول الاقتصاد المغربي في مواجهة صدمات العرض، تأثير التضخم على مختلف الشرائح الاجتماعية، حيث تُظهر استطلاعات الرأي أن الرفاه الشخصي للسكان انخفض بشكل ملحوظ إلى ما دون المستويات التي لوحظت حتى خلال أسوأ شهور أزمة الوباء.

وسعى المغرب إلى التخفيف من آثار زيادة أسعار السلع الغذائية والطاقة على الأسر، حيث لاحظ البنك الدولي في تقريره، أن تقديم الدعم للسلع الغذائية الأساسية وعدم الزيادة في أسعار السلع المنظمة، أفضى إلى استقرار أسعار السلع والخدمات التي تستحوذ على نحو 25 في المائة من متوسط إنفاق الأسر.

ويتصور البنك الدولي أن ذلك أفضى إلى تجنب حدوث زيادة أكبر في معدلات الفقر. وتطلب ذلك تعبئة إنفاق عام إضافي يصل إلى نحو 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

غير أن المؤسسة المالية الدولية، تؤكد مع ذلك أن الأسر المتواضعة والأكثر احتياجاً لا تزال تعاني أشد المعاناة من آثار ارتفاع أسعار السلع الغذائية وغيرها بسبب التضخم. والحسابات المعتمد عليها تُبرز أن “التضخم قد يكون أعلى بنسبة 30 في المائة للشريحة الأفقر من توزيع الدخل مقارنة بالفئة الأكثر ثراء”.

وفي أبريل/ نيسان 2021، أطلق المغرب مشروعا لتوسيع برامج الحماية الاجتماعية لتشمل العاملين في القطاعات الاقتصادية غير الرسمية.

وشمل المشروع في المرحلة الأولى تجارا وفلاحين وحرفيين ومقدمي الخدمات المستقلين، فيما شمل فئات أخرى في مراحله اللاحقة.

وتسارع معدل التضخم السنوي في المغرب إلى 10 بالمئة في فبراير/ شباط الماضي، مقارنة مع نفس الشهر من السنة الماضية، بحسب المندوبية السامية للتخطيط (غير حكومية).

ويأتي التخوف من اتساع دائرة الفقر في ظل ترقب تراجع النمو الاقتصادي في العام الحالي إلى 3.1 في المائة، بعدما كانت الحكومة تتوقع بلوغه 4 في المائة.

وتؤكد المندوبية السامية للتخطيط أن توالي الأزمات في العامين الأخيرين أفضي إلى فقدان عامين ونصف من النمو وثلاثة أعوام من الجهود التي بذلت من أجل محاربة الفقر وحوالي عقدين من محاربة الفوارق.

وتعتبر المندوبية السامية للتخطيط أن سنة 2023 ستنتهي بعودة النمو إلى مسار تطور أقل استدامة مقارنة بفترة ما قبل الأزمة، مؤكدة أن “الجهد الاستثماري، الموجه نحو الانخفاض والذي تدهور عائده، على مدى العقد الماضي 2010-2019 ليستقر في 9.2، لن يمكن من استرجاع الخسائر في نقاط النمو أو الوظائف المسجلة على مدى السنوات الثلاث الماضية.

كما أن استعادة مستويات ما قبل الأزمة فيما يتعلق بمكافحة الفقر والتفاوتات الاجتماعية ستكون أبطأ، خاصة مع استمرار سياسات عمومية أقل ملاءمة”.

وعاكست الظروف في الأعوام الثلاثة الأخيرة وهشاشة النمو، وعود الحكومة التي توقعت إحداث مليون فرصة عمل على مدى خمسة أعوام، بمعدل 200 ألف فرصة عمل سنويا، غير أنها اختارت في ظل ضعف النمو الذي يتيح إحداث 120 ألف فرصة عمل فقط، خلق فرص مؤقتة عبر برنامجي “فرصة” و”أوراش”.

وتؤشر البيانات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط حول سوق العمل، إلى أن معدل البطالة انتقل إلى 12.9 في المائة في مارس/آذار الماضي بعدما كان في حدود 12.1 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي، غير أن ذلك المعدل انتقل من 16.3 إلى 17.1 في المائة في المدن ومن 5.1 في المائة إلى 5.7 في المائة بالأرياف.

ويظهر أن البطالة شهدت ارتفاعا حادا بين المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة، حيث انتقل من 33.4 في المائة إلى 35.3 في المائة والأشخاص المتراوحة أعمارهم ما بين 25 و34 سنة، من 19.2 في المائة إلى 20.9 في المائة.

ويؤكد الهاكش، أنه إذا كانت البطالة تضم حوالي 1.5 مليون شخص، فإن الذين يعانون من الشغل الناقص يقدرون بمليون شخص، كما أن الشغل غير المؤدى عنه يطاول مليون شخص آخرين، حيث إن هذه الفئة ضمن الساكنة الفقيرة.

يرى الاقتصادي المغربي إديس الفينا، أن زياراته للعديد من المناطق النائية بالمغرب، تدفعه إلى التأكيد على أنه رغم الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة أو الجفاف أو التضخم أو السياسات الجيوسياسية، إلا أن الأسر تتحصن بنظام للمقاومة يقوم على التضامن بين أفرادها.

ويضرب لذلك مثلا بما حدث في سياق الجائحة، حيث هرع المغتربون لنجدة ذويهم في المغرب عبر تحويلات غير مسبوقة.

ووفق الفينا، فإن ذلك تعبير عن تضامن راسخ، يخفف من عدم استفادة الأسر من إيرادات أو نظام للمساعدة عبر موازنة الدولة التي “واصلت توفير الدعم للسلع عبر صندوق المقاصة” على حد تعبيره.

ويتصور البنك الدولي أنه يمكن أن تكون أدوات الحماية الاجتماعية الموجهة بشكل أفضل مثل التحويلات النقدية، أكثر فعالية من حيث التكلفة للتخفيف من آثار صدمات العرض، حيث يعتبر أن التحويلات النقدية للأسر يمكن أن تسمح بحماية الأسر الفقيرة بشكل أكثر فعالية وكفاءة.

ووضع المغرب مشروع نظام السجل الاجتماعي الموحد، من أجل استهداف الفئات الفقيرة بالدعم، قبل المضي في تحرير أسعار السلع التي تحظى بالدعم عبر صندوق المقاصة، على غرار ما طرأ على السولار والبنزين قبل خمسة أعوام.