المغرب يتفوق على إسبانيا ويصبح المصدر الرئيسي للفراولة إلى بريطانيا..هل تنهي “الفراولة ما بدأه ’’لافوكا‘‘ و ’’الدّلاح‘‘؟

0
414

تضرب المدن المغربية أزمة جفاف غير مسبوقة، استفاق المغاربة على خبر “بات المغرب المصدر الرئيسي للتوت الطازج إلى المملكة المتحدة، حيث سجلت صادراته نمواً قياسياً إلى السوق البريطانية، متفوقا بذلك على إسبانيا، الأمر الذي أثار استياء العديد من الناشطين المهتمين بالمجال البيئي، وسط تخوف من أن يعيد المشروع سيناريو مسلسل لافوكا الإسرائيلي و بطيخ زاكورة.

وذكرت بيانات منصة “إيست فروت” المتخصصة في أسواق الخضر والفواكه، أن صادرات المغرب من التوت الطازج إلى المملكة المتحدة نمت 40 مرة خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، ووصلت إلى 15 ألفا و800 طن خلال موسم 2022/2023 (يونيو-يوليوز)، رافعة بذلك حصتها في سوق التوت البريطانية من 1.5 في المائة إلى 55 في المائة، محقّقة إيرادات قدرها 86 مليون دولار.

وأضاف المصدر ذاته، أنه قبل بضع سنوات فقط، كان التوت المغربي متاحًا في المملكة المتحدة بكميات محدودة للغاية، إذ بلغت الصادرات في موسم 2017/2018 صفرا، مبرزاً أن الوضع تغير بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث شرع المستوردون البريطانيون في البحث عن بائعين جدد، الأمر الذي استغله المصدرون المغاربة لصالحهم.

ويواصل المزارعون المغاربة توسيع مناطقهم في مزارع التوت الذي يعتبر أحد أهم فئات التصدير إلى الخارج، حيث صدّر المغرب خلال موسم 2022/2023 أزيد من 60 ألف طن من هذه الفاكهة، مضاعفاً بذلك حجم صادراته إلى مجموعة من الدول خلال المواسم الستة الماضية إلى 5 أضعاف.

ونتيجة لذلك، نجح المغرب في تحسين مكانته في التصنيف العالمي لمصدري التوت الطازج وأصبح ثالث أكبر مصدر على مستوى العالم في عام 2022، بينما كان يحتل في سنة 2017 المركز السادس.

ويأتي التوت الطازج في المركز الثالث من حيث إيرادات التصدير المغربية بعد الطماطم والمندرين (اليوسفي)، التي بلغ إجماليها 340 مليون دولار في الموسم 2022/2023 .

ويصدر المغرب التوت الطازج في الغالب إلى الدول الأوروبية، وتظهر المملكة المتحدة أسرع معدلات النمو مقارنة بباقي الدول.

وتشير بيانات “إيست فروت” إلى أن المملكة المتحدة شكّلت المستورد الرئيسي للتوت الطازج من المغرب في موسم 2022/2023 بحصة قدرها 25 في المائة من إجمالي صادرات المغرب.

مرت خمس سنوات على ما بات يعرف اليوم بـ “ثورة العطش”، عندما خرجت ساكنة زاكورة سنة  2017 للاحتجاج مطالبة بحقها في الاستفادة من الماء الصالح للشرب، واعتقلت السلطات حينها 23 متظاهراً. من حينها لا يزال سكان زاكورة ونواحيها يعانون من تداعيات ندرة المياه، وهذا ما دفع نشطاء بيئيين في المنطقة إلى تكثيف جهودهم للضغط على السلطات لتتخذ إجراءات وتدابير استعجالية لحل أزمة العطش، وتقنين زراعة البطيخ الأحمر الذي توجه له أصابع الاتهام بشأن استنزاف الفرشة المائية بزاكورة.  




لم تعد أزمة العطش مقتصرة على أقاليم الجنوب الشرقي فقط، بل إن شبح العطش بدأ يحوم على كل ربوع المملكة. فقد نبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في بلاغ له سنة 2019، من وضعية ندرة المياه في المغرب والتي وصفها بـ “المقلقة”، فالموارد المائية تقدر حاليا بأقل من 650 متر مكعب للفرد سنويا، مقابل 2500 متر مكعب في سنة 1960، وستنخفض إلى أقل 500 متر مكعب بحلول سنة 2030، ما يجعل المغرب على حافة أزمة عطش حادة.

لم يشهد المغرب مستوى جفاف مثل الذي نعيشه اليوم منذ ثمانينات القرن الماضي، إذ تراجعت نسبة الأمطار بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأوردت وكالة الأنباء الأميركية أن “نسبة التساقطات المطرية في المغرب هي الأدنى منذ ثلاثة عقود”.

وواصلت نسبة ملء السدود في المغرب التراجع مسجلة أرقاما متدنية بالمقارنة مع السنوات الفارطة، وحسب ما أفادت به وزارة التجهيز والماء فإن حقينات السدود الرئيسية بالمملكة بلغت إلى غاية 11 أبريل 2022 نسبة تقدر ب  34,3%، مسجلة تراجعاً بأكثر من 2 مليار متر مكعب. وحسب تقرير أعده معهد الموارد العالمية (World Resouces institute) سنة 2019، فالمغرب ضمن اللائحة الحمراء للدول التي ستعرف ندرة مائية حادة في أفق 2040.

لهذه الأسباب يعيش المغرب حالة استنفار قصوى لمواجهة نقص الماء الصالح للشرب، إذ أن عددا من المدن والمناطق مهددة بالعطش خلال فصل الصيف. وعلى الرغم من محاولات تنويع برامج الحد من أزمة ندرة المياه، التي تنهجها الحكومة عبر إصدار قوانين تضمن الحق في الماء لجميع المواطنين، وإطلاق حملات التوعية بحماية الموارد المائية، وترشيد استهلاك الماء، إلا أن وضعية المغرب تدق ناقوس خطر حقيقي.

ويتوفر المغرب على 149 سداً كبيراً بسعة إجمالية تفوق 19 مليار متر مكعب، و133 سداً صغيراً في طور الاستغلال (حسب تصريح لوزير التجهيز والماء). ويعتمد المغرب منذ سبعينيات القرن الماضي سياسة تشييد السدود بهدف تحقيق الأمن المائي، إلا أن المكتب الوطني للكهرباء والماء، أقر بعجزه عن تزويد 54 مدينة ومركز بمياه الشرب خلال صيف 2022. هذه “الكارثة المستقبلية” دفعت المغرب إلى إطلاق برنامج لتعبئة المياه من خلال بناء سدود جديدة، إضافة إلى تحلية مياه البحر لتعبئة الموارد المائية الممكنة، واستغلال المياه العادمة بعد معالجتها، بغية ربح رهان توفير الماء للجميع والحد من آثار ندرة المياه.

ومن أجل ترشيد استعمال الماء، عملت الحكومة على إصدار بعض القرارات أهمها منع اسـتخدام الميـاه الصالحة للشـرب أو سقي المسـاحات الخضـراء أو غسل السيارات، كما أطلقت حملة توعية واسعة عبر وسائل الإعلام وذلك من أجل تحسيس المواطنين وتوعيتهم بأهمية ترشيد الماء. إلا أن القطاع الفلاحي يستهلك حصة الأسد بنسبة تصل ل 80 %، وفي هذا الصدد يرى جمال أقشباب، رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة، أنه “عوض أن يضع المسؤولون الأصبع على المشكل المتمركز حول الوزارات وانتقاد الاستراتيجيات الفلاحية المتبعة، فإنهم يضعون الذنب على عاتق المواطن الضعيف”.




برزت في الآونة الأخيرة أسئلة بشأن مستقبل هذه الأزمة وكيفية التعامل معها وأسبابها، ومصير الخطة التي وضعتها السلطات المغربية، ودورها في حل الأزمة. وهي الأجوبة التي سردها الخبير الإقتصادي المغربي أقصبي في قراءته للبرنامج الحكومي للتخفيف من حدة الجفاف، مؤكدا أنه غير جديد، وأن المستفيد منه هو الفلاح الكبير، ومقدما عددا من الحلول التي من شأنها أن تساعد على الحد من تداعيات الأزمة.

المغرب اليوم يعيش موجة جفاف غير مسبوقة منذ 20 سنة، باعتراف حكومي، ما هي أهم تداعياته؟

قال أقصبي ، اليوم نحن أمام جفاف صعب، لكنه أصعب مما نتصور، لأنه ظاهريا جفاف الثمانينيات هو بنفس حدته اليوم، لكن ما يجب أن نعرفه أنه أكثر حدة وأكثر صعوبة، لأن الوضع اليوم يختلف عن ثمانينيات القرن الماضي، إن من ناحية العرض أو الطلب.

في ما يهم عرض الماء، كما يعلم الجميع التساقطات انخفضت، والفرشاة المائية أيضا انخفضت بصفة مهولة مقارنة مع الثمانينيات؛ أيضا الطلب على الماء ارتفع، من ناحية عدد السكان، إذ كنا حينها فقط 20 مليون نسمة، واليوم 37 مليون نسمة، والأكثر من هذا الطلب الفلاحي الذي عرف ارتفاعا ملحوظا.

والتفريط في استهلاك الماء أينما كان مشكل، لكن يجب أن نعلم أن الفلاحة تستهلك حوالي 85 بالمائة من المياه المستهلكة في المغرب، فيما باقي القطاعات مجتمعة تمثل فقط 15 بالمائة، وهو ما يستدعي منا تركيز تحليلنا على الفلاحة.

على مر السنوات هناك حديث عن كون المغرب بلدا فلاحيا، لكننا نجده يتأثر كل ما غابت التساقطات، هل يمكن أن نقول إن السياسة الفلاحية بالبلاد مرهونة بالسماء؟

مع الأسف السياسات الفلاحية والسياسة المصاحبة لها هي سياسة الماء، وقد تعاملت مع قضية هذا المورد الطبيعي الحيوي وكأننا بلد في شمال أوروبا أو أميركا. السياسة الفلاحية ركزت بإمكانياتها كلها على تشجيع المنتج الفلاحي الموجه للتصدير، والذي لا يتجاوب مع حاجيات المواطنين ويعمق التبعية الغذائية، وفي الوقت نفسه إنتاج منتج يستهلك كميات مياه لا تتناسب مع الإمكانيات الموضوعية للبلاد.

أي منتج، سواء الطماطم أو الأفوكا، مرورا بالبطيخ الأحمر والفراولة، يستهلك كميات مياه غير معقولة. بكل صراحة، وبحساب بسيط، فإن استهلاك هكتار من هذه المنتجات يماثل عشر مرات ما تستهلكه مدينة؛ مثلا 15 ألف هكتار من زراعة البطيخ الأحمر (الدلاح) بزاكورة تمثل ما يقرب من 10 مرات ما تستهلكه مدينة زاكورة كلها.

نحن أمام إشكالية كبيرة، والوضع اليوم هو نتيجة اختيارات وسياسات وإمكانات تم توظيفها في اتجاه رهن السيادة الغذائية للمغرب، ما أنهك الإمكانيات المائية للبلاد.

ومازالت هناك علاقة وطيدة بين التساقطات المطرية والناتج الداخلي الخام، أي النمو. وماذا يوجد في الوسط؟ هناك الفلاحة، ومن 83 إلى 85 بالمائة من الأراضي الفلاحية بورية، أي تخضع لتقلبات السماء والمطر، والمسقية فقط مليون و600 ألف هكتار على 9 ملايين و200 ألف هكتار.

 وأكد الخبير الاقتصادي المغربي، في تصريح لموقع هيسبريس  المغربي، من بين الفرضيات التي يبنى عليها قانون المالية المحصول الزراعي من الحبوب، وهو رقم يتعلق بالسماء والأمطار. ويمكن أن نقول إن المحصول الفلاحي يحدد الناتج الداخلي الفلاحي الذي يحدد الناتج الداخلي للاقتصاد برمته.

هذه السنة الناتج الداخلي الفلاحي سينخفض وسيجر معه الناتج الداخلي الخام للبلاد برمتها، وبالتالي حتى معدل نمو 3.2 بالمائة المتوقع في قانون المالية، وهو معدل منخفض، ودون المستوى المطلوب، سينخفض أكثر.

من يتحدث عن الناتج الداخلي الخام سيتحدث أيضا عن البطالة، التي ستعرف ارتفاعا، وظروف العيش التي ستتدهور، والقطاعات المتعددة التي تحاول الخروج من تداعيات الجائحة لكنها ستصطدم اليوم بالجفاف.

وهذه السنة نحن في حاجة إلى الواردات التي ارتفعت، سنستورد بشكل أكبر، وهو ما سيعمق عجز الميزان التجاري الذي حسب الرقم الأخير بلغ 200 مليار درهم، أي 18 بالمائة من الناتج الداخلي الخام؛ وهو عجز بنيوي دائم منذ سنوات، لكن خلال السنة الحالية ستزيد حدته. وحين الحديث عن الميزان التجاري نتحدث عن تبعاته بالنسبة لميزان الأداءات، ورصيد العملة الصعبة وغيرها.