شركة “أفريقيا غاز” تحقق أرباح تتجاوز 4 مليار درهم على حساب جيوب المغاربة المحترقة أساسا بارتفاع صاروخي للأسعار

0
714

يطرح فساد منظومة أسعار المحروقات بالمغرب معضلة سياسية وتشريعية وأخلاقية، فقد استولت شركات المحروقات بدون وجه حق على مبالغ مالية طائلة وظلت معالجة البرلمان والحكومة قاصرة عن حماية المواطنين من هذا التجاوز، بل إن هذه المعالجة سمحت بتغول لوبي شركات المحروقات على المواطنين.

فأسعار الغازوال والبنزين الممتاز تواصل ارتفاعها في المغرب والتي بدأتها منذ بداية شهر غشت ، وخلفت ردود فعل سلبية في أوساط المستهلك المغربي. كثيرة هي الأحداث والقضايا التي فُتحت بشأنها تحقيقات في المغرب ولم تُعرف نتائجها أو لم تتابع بما يرتب المسؤوليات ويستدعي اتخاذ المتعين خاصة حينما تكون من ورائها أجهزة الدولة، أَمَا وأنَّ ملفًّا يُفتَح للبحث فيه من قبل مؤسسة ممثلي الشعب ولا يجد طريقه إلى المسار الصحيح فذلك أفدح الأمرين.

فقد حقق رقم معاملات موطد شركة “أفريقيا غاز” برسم النصف الأول من السنة الجارية، أزيد من 4,43 مليار درهم، أي بتراجع نسبته 15,2 في المائة مقارنة بالنصف الأول من سنة 2022.

وأوضحت الشركة في بلاغ حول مؤشراتها المالية، أن هذا التراجع يعزى إلى انخفاض سعر الانتعاش بنسبة 33 في المائة.

وأضاف البلاغ أن رقم المعاملات المسجل خلال الفصل الثاني من سنة 2023 استقر عند 1,98 مليار درهم، ليظهر تراجعا نسبته 33,4 في المائة مقارنة بالفصل الثاني من السنة المالية الفارطة.

في المقابل، ارتفعت الاستثمارات الموطدة لتصل إلى 107,9 مليون درهم خلال الفصل الثاني من سنة 2023، لتسجل انخفاضا بنسبة 15,5 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2022، بينما خلال النصف الأول من سنة 2023، تراجعت الاستثمارات الموطدة بنسبة 8,3 في المائة مقارنة بالنصف الأول من 2022، إذ مرت من 241,3 مليون درهم إلى 221,2 مليون درهم.

وبخصوص صافي المديونية المالية للشركة، بتاريخ 30 يونيو 2023، فقد كان سالبا، مع فائض بلغ 949,4 مليون درهم، مقابل 38,4 مليون درهم قبل سنة.

أما فيما يخص التطلعات، فإن شركة “أفريقيا غاز” تعتزم مواصلة انطلاقتها، حيث تدعم النتائج المحققة عند متم يونيو 2023 المجموعة لبلوغ أهدافها السنوية.

ويملك عزيز أخنوش الذي يترأس الحكومة، وسبق أن تولى وزارة الزراعة بين 2007 و2021، شركة “إفريقيا غاز” التي تعد أهم الفاعلين في سوق المحروقات بالمغرب إلى جانب شركتي “توتال” الفرنسية و”شل” الهولندية البريطانية.

شبيبة “العدالة والتنمية” تحذّر حكومة رجل الأعمال أخنوش اللَّعِبْ بالنار .. !!

وفي 3 أغسطس/ آب 2023، كشف مجلس المنافسة، أنه “تم تبليغ مؤاخذات (شكاوي واعتراضات) متعلقة بممارسات منافية للمنافسة إلى تسع شركات تنشط في السوق المحلي للتموين والتخزين وتوزيع البنزين والغازوال”.

وجاء هذا القرار بعدما “خلصت مصالح التحقيق إلى وجود حجج وقرائن كافية تفيد ارتكاب الشركات المعنية لأفعال منافية لقواعد المنافسة”، وفق ما أوضح بلاغ صحفي لمجلس المنافسة الذي يرأسه أحمد رحو.

وفي الوقت الذي لم يعلن بلاغ مجلس المنافسة، عن أسماء الشركات المعنية، رجح مراقبون أن يشمل القرار كل شركات توزيع الوقود في المملكة، وعلى رأسها شركة “إفريقيا غاز” التي يملكها رئيس الحكومة عزيز أخنوش.

وتسيطر شركة أخنوش، إلى جانب “توتال” و”شل”، على الحصة الأكبر من سوق الوقود في البلاد.

وكان تقرير للجنة استطلاعية برلمانية أكد في 2018، أن ارتفاع أسعار البيع بمحطات الوقود لا يوازي انخفاض أسعار الاستيراد من الخارج، مسجلا “تأثيرا مباشرا لارتفاع أسعار المحروقات على القدرة الشرائية للمواطنين”.

وسبق لمجلس المنافسة أن خلص في تحقيق له في فبراير/ شباط 2020، إلى توقيع عقوبات مالية ثقيلة على شركات توزيع المحروقات بسبب الإخلال بشروط المنافسة، لكن القرار بقي مجمدا بسبب خلاف بين أعضاء المجلس حول قيمة العقوبات وعدد الشركات المعنية بها.

وفيما كان الجميع ينتظر تطبيق العقوبات بحق شركات المحروقات المخالفة، فوجئ الرأي العام الوطني،  بإعفاء رئيس مجلس المنافسة السابق إدريس الكراوي من منصبه في 22 مارس/ آذار 2021 وتعيين أحمد رحو خلفا له، بعد تحقيق طويل من قبل لجنة ملكية ضمت رؤساء أهم المؤسسات الدستورية.

وتباينت ردود الأفعال بخصوص قرار مجلس المنافسة بين الإشادة به والدعوة إلى الضرب بيد من حديد على كل المتواطئين لمضاعفة أرباحهم على حساب المغاربة.

وبين من يرى بأنه قرار جاء متأخرا ولا يحمل أي جديد، مادام أنه سبق للمجلس أن أصدر قرارا سابقا في الموضوع دون تفعيل أي عقوبات ضد الشركات المتواطئة والمحتكرة لسوق المحروقات.

وفي 9 أغسطس 2023، أوضح المحلل والخبير الاقتصادي رشيد ساري، في تصريح لموقع القناة الثانية المحلية، أن شركات المحروقات بالمغرب استغلت الارتفاع الصاروخي للأسعار، خاصة خلال الفترة ما بين مايو 2022 إلى غاية مارس 2023، من أجل مراكمة أرباح كبيرة.

فمسلسل زيادات أسعار المحروقات الذي يسيطر عليه رئيس الحكومة المغربية ويعتبر من أكبر بارونات المحروقات في غياب ثام لتدخل الدولة  بدأ ولا يبدو أنه سينتهي في الأفق القريب على الأقل، إذ سجلت أسعار هاتين المادتين الحيويتين زيادات “مهمة” في سعر لتر الغازوال وصلت آخر مرة منتصف الشهر الجاري لـ76 سنتيما، فيما ارتفعت أسعار البنزين الممتاز بـ52 سنتيما ما رفع حينها سعر الغازوال لما يقارب 13.40 وهو سعر كان له وقعه في السوق وعاد بالمستهلك المغربي لمعاناة مرحلة ظن انها مضت ولن تعود من جديد، لنعيد طرح سؤال: هل ستدفع الإرتفاعات الجديدة الحكومة للجلوس أرضا هذه المرة مع كل المتدخلين في مجال المحروقات من مستوردين وموزعين وناقلين وأرباب محطات بحثا عن حلول فعلية لهاته الأزمة التي يبدو أنها لن تنتهي؟

عوض تسقيف أسعار المحروقات والعمل على إعادة تشغيل شركة سامير..الحكومة تقرر صرف دعم جديد لمهنيي النقل الطرقي!!

إذن وفي ضوء ذلك كيف سمحت البنية التشريعية بحماية مصالح خاصة غير مشروعة للوبي شركات المحروقات على حساب انتهاك القدرة الشرائية للمواطنين؟

بصرف النظر عن صعوبة تعريف الفساد من الناحية القانونية، حيث تدرجه الأنظمة القانونية ضمن جرائم الكتمان، فإن “الفساد في مفهومه السوسيولوجي العام هو كل سلوك فعلًا كان أو امتناعًا يتعارض مع ما يجب أن يتحلى به الشخص من أمانة ونزاهة في ممارسته لوظيفة حكومية، أو في القطاع الخاص أو لمهنة حرة على نحو ما ينظمه القانون والمدونات الأخلاقية المهنية، وبصفة عامة كل ما يتعارض مع المصلحة العامة”.

وإذا كان الفساد قد ارتبط في الأذهان بالاعتداء على المال العام في صور عديدة ومتنوعة، فإنه يقع أيضًا في ممارسات القطاع الخاص…؛ حيث يمثِّل الفساد في حقيقته مجموعة من الممارسات، أهمها: الرشوة، والاختلاس، والكسب غير المشروع المقرون بالغش، ولعل هذا الأخير هو أبرز تجل لفساد القطاع الخاص؛ حيث “يمكن للاحتيال في الشركات التجارية أن يشبه الفساد من حيث السلوك، وقد يرتبط به من أوجه متعددة. في قطاع الأعمال، قد تكون الثروة والسلطة هي الشيء ذاته من حيث الجوهر. إن إساءة الائتمان في القطاع الخاص قد تشير إلى تدهور النسيج الاجتماعي والأخلاقي للمجتمع”.

وبخلاف الفساد في القطاع العام والذي يمكن أن يكون فرديًّا أو مؤسسيًّا بحسب التمييز الذي وضعه دينيس تومبسون (Dennis F. Thompson)، فإن الفساد في القطاع الخاص لا يجري سوى في المؤسسات خاصة حينما يمارَس في مستويات أعلى ودوائر مالية أكبر ضمن ما يسمى “الفساد الكبير”، وبالتالي يكون إضراره بالمواطنين وبالمصلحة العامة أكبر، وهو ينتشر في البيئات التي تفتقر إلى الشفافية والوضوح وتتسم علاقاتها بالغموض وتتهرب من تبعات الإفصاح، سيما مع ظهور أشكال جديدة للفساد مراوِغة وذكية، وحيث مواجهتها ينبغي أن تتسلح بالفاعلية في المكافحة.

فلقد تحول الفساد من حالات استثنائية محدودة إلى أسلوب إدارة يهدد بأزمات وانسدادات بنيوية عميقة على الدول، فلم تعد القوانين عائقًا أمام ممارسات المفسدين الذين شحذوا القوة والنفوذ لاقتناص الدولة، وأصبحوا قادرين على توقيف الأطراف والقوانين المعادية لهم وإعادة تشكيلها بما يجعلها خادمة لمصالحهم، فنصل إلى فساد بالقانون وليس فسادًا بمخالفة القانون. هكذا، تفرض دينامية العلاقة بين الفساد وحكم القانون صراعًا وجوديًّا بينهما؛ فالفساد يحول دون تبني قوانين تحد من مضاره، ويعمل على إضعاف المؤسسات المولجة بالتطبيق الفاعل للقوانين القائمة.

ويأتي ذلك في سياق الانتقال من فساد الحكم إلى الحكم بالفساد؛ إذ في الوقت الذي تمثل فيه الأطر القانونية عاملًا حاسمًا في مكافحة الفساد فإنها تمثل في بعض الحالات تحديًا حقيقيًّا لملاحقة الفساد، فالتشريع الذي يُنتظر منه أن يكون في مقدمة أدوات محاربة الفساد هو نفسه قد يُعتبر أحد العوامل المقنِّنة له على نحو ما؛ حيث قد يسهم تارة في تهيئة فرص ارتكاب الفساد، وتارة أخرى قد يحد من إمكانيات محاصرته، وبهذا يضطلع القانون بدور ملتبس في مكافحة الفساد وهذا الالتباس هو الباب الخلفي لشرعنة الفساد.

و”القانون، كما علَّمنا علماء الاجتماع، لا يمكن أن يكون إلا انعكاسًا مهمًّا –سواء كان جزئيًّا أو ناقصًا- للمجتمع الذي يطبق فيه، وإذا كان في المجتمع تناقضات أصيلة فإنها ستجد نفسها ظاهرة بوضوح على نسيج القانون”، وهو ما يمكن أن نعبِّر عنه بـ”الحماية القانونية للفساد” والتي توافق المفهوم القمعي لقوى القانون كما بلوره “كارل ماركس” حينما اعتبر أن القانون مجرد نظام قمعي للحفاظ على امتيازات طبقة الملاك؛ حيث التحالف الأسود بين الأقلية الثروية والأغلبية البرلمانية المشرِّعة هو ما يتيح للفساد القدرة على التحايل أو المخاتلة. وبهذا، “يُعزى تفشي الفساد إلى خرق معيار النزاهة، وسعي الأنظمة إلى فرض مؤسسات وقواعد ملائمة لمصالح الأثرياء”.