أنا المنسي..سكان المغرب المنسي على موعد مع الموت بعد كل زلزال مدمر

0
374

استمع للتقرير الإخباري

سلط هذا الزلزال الذي يضرب المغرب، ويعد الأعنف إذ بلغت ذروته 7 درجات على مقياس ريختر، الضوء على الواقع المعيشي المرير لسكان المغرب العميق أو ما يعرف بـ”المغرب المنسي” خلف جبال الاطلس الكبير ”حياة بدائية أشبه بحياة سكان الكهوف” تتحوّل إلى مأساة حقيقية، خاصة عند تساقط الأمطار والثلوج في ظل العزلة التي تفرضها الطبيعة القاسية للمنطقة.

ووثقت كاميرات بعض المواطنين الناجين من الزلزال المذمر مشاهد صادمة لما يعرف بـ”المغرب المنسي، حيث ”البأس يستوطن وجوه من يسكنون في هذه المناطق”.




بالكاد يستطيع مصور مقطع الفيديو التعبير عن ألم القرية التي لم تصل إليها الإسعافات ووالاستغاصة قائلا بصوت خافت “فقدا القرية جميع سكانها أكثر من 200 نسمةو كل شيء”، في وقت لم  يتمكن رجال القرية الناجون من قد دفن بعد جثمان القرية.

وقال إن ”الحياة البسيطة في هذه المناطق مستحيلة، حيث يعيش الناس على هامش التاريخ”.

خوف وذعر من الزلزال مئات المغاربة باتوا ليلتهم الثالثة يفترشون الأرض..ارتفاع عدد ضحايا الزلزال إلى 2012 شهيد

في سياق متصل ، تقع القرية، التي تشتهر بأنها مقصد سياحي جبلي في إقليم الحوز الذي سقط فيه نحو نصف الضحايا أي 542 قتيلا من أصل 1037 حتى الآن. وفيه تقع بؤرة الزلزال المدمر.

وغالبية أجزاء هذا الإقليم عبارة عن بلدات صغيرة وقرى متناثرة في قلب جبال الأطلس الكبير وهي بمعظمها قرى يصعب الوصول إليها وغالبية المباني فيها لا تحترم شروط مقاومة الزلازل.

منتصف نهار السبت، كانت فرق الإنقاذ لا تزال تبحث عن ناجين محتملين أو جثامين ضحايا وسط أنقاض البيوت المهدمة، مستعينة برافعات وآليات حفر. في الموازاة، كان بعض سكان القرية يحفرون قبورا لدفن الموتى على احدى التلال.




فهذه المناطق تعيش ”حياة بدائية والإنسان كذلك” في ظل انعدام أبسط الخدمات الضرورية ”فلا مجال للتعليم الجيد ولا للخدمات الطبية ولا للطرقات ولا للمواصلات ولا للمرافق..”.

وخلّف هول الزلزال صدمة ورعبا امتدا إلى مدن عدة، لكن الصدمة أقوى في نفوس سكان المناطق المنكوبة قريبا من بؤرته، كما هي حال حسناء التي تقف عند مدخل بيت متواضع في قرية مولاي إبراهيم، رغم أن أسرتها نجت.

مأساة إنسانية
مأساة إنسانية
وأبرزت مصادر متاطبقة أن البعض ممن يقطنون هذه المناطق ”مازالوا يسكنون الكهوف وبيوت معلقة في الجبال  والبعض الآخر يعيشون حياة البدو، حيث يفضلون الترحال بحثا عن منافذ للرزق لافة إلى أن الأوضاع تتأزم في هذه المناطق أكثر فأكثر مع تساقط الثلوج والأمطار، حيث يصبح الوصول إلى القرى المجاورة أمرا مستحيلا  بما يجعل من قضاء المصالح الإدارية وغيرها من الضروريات، أشياء شبه مستحيلة.



وعلى ما يبدو أن هذه المناطق، التي أطلق عليها الاستعمار الفرنسي عام 1912 اسم ”المغرب غير النافع” لانعدام الثروات فيها، مازال نظام المخزن يراها كذلك، يعاني سكانها الأمرين والتهميش ولم تفعل الحكومات المتعاقبة شيئا على مدار ستة عقود كاملة لترويض الطبيعة القاسية بهذه المناطق وتوفير أدنى الضروريات.

تقول المرأة الأربعينية “إنها مصيبة رهيبة، نحن محطمون بسبب هذه المأساة”، مضيفة “رغم أن أسرتي لم يمسها سوء لكن القرية برمتها تبكي أبناءها. كثر من جيراني فقدوا أقرباء لهم، إنه ألم لا يوصف”.

وعلى جانب مرتفع من القرية تكفف بشرى دموعها بوشاح يغطي شعرها، فيما تتابع مشهد رجال يحفرون القبور.

وتستعيد لحظات الفاجعة كما عاشتها مؤكدة أن “إحدى قريباتي فقدت أطفالها الصغار”.

وتضيف بصوت متوتر “شاهدت مباشرة مخلفات الزلزال، ما زلت أرتعد حتى الآن. إنه أشبه بكرة نار تحرق كل ما في طريقها. لم أعد أتحمل”، متابعة “الجميع هنا فقد أحد أقاربه سواء في قريتنا أو في قرى أخرى بالمنطقة”.

ومن بين هؤلاء المفجوعين، فقد الحسن آيت تاكاديرت طفلين من أقاربه لا يتجاوز عمرهما 6 و3 أعوام، كانا يعيشان في قرية مجاورة.

ويواسي الرجل نفسه مرددا “هذه إرادة الله”، معربا في الوقت نفسه عن أسفه للعزلة التي تعانيها المنطقة. ويضيف، مرتديا جلبابا على عادة القرويين في المغرب “هذه المناطق الجبلية وعرة للغاية”.

وتحمد امرأة أخرى من سكان القرية الله على أن أحد أعمامها “نجا من الموت بأعجوبة”.

وتقول مفضلة عدم ذكر اسمها “هوى سقف البيت فوقه بينما كان يصلي، لكنهم نجحوا في إنقاذه بمعجزة رغم انهيار البيت”.

وتختم قائلة “إنه لأمر مدهش كيف يمكن أن تتسبب هزة في لحظات بكل هذه المآسي”.

فبعد ” مرور 60 سنة على رحيل الاستعمار الفرنسي وسياساته التمييزية، إلا أن الحكومات المغربية المتعاقبة تركت المغرب غير النافع منسيا كما تركه الاستعمار حتى تحول إلى مناطق مهمشة”.

وسبق لوسائل إعلام دولية أن أثارت هذه المشاكل والصعوبات التي يعانيها سكان ”المغرب المنسي” والتي تحوّل حياتهم إلى معاناة لا تنتهي.




وتتعدد أوجه المعاناة في المغرب جراء الفقر المدقع الذي يعيشه السواد الأعظم من الشعب وتشكل النساء أحد أهم حلقاته وهو ما خصصت له الكاتبة المغربية لطيفة زهرة المخلوفي، مقالا تحت عنوان ”النساء الحمالات في المغرب بين مطرقة الجوع وسندان معابر الموت”.

وأبرزت زهرة المخلوفي، ما تعانيه النساء الحمالات في المغرب أو ما أصبح يعرف اليوم بظاهرة ”النساء البغال”، حيث يواجهن الموت المحدق بهن كل يوم.  ولخصت الكاتبة المغربية هذه المعاناة بالقول أن ”مشاهد البؤس بصيغة المؤنث هي صور يومية تظهر النساء العزل وهن يبتن في العراء ويكابدن سوء المعاملة وأحيانا يلجأن لاستعمال الحفاظات لقضاء حاجتهن خوفا من ضياع فرصة الدخول إلى مدينة سبتة”. وأشارت الكاتبة المغربية إلى أن الانخراط الواسع للنساء في الاحتجاجات الشعبية التي يعيشها المغرب منذ بداية القرن الحالي هو ”تجسيد لديناميكية لا يمكن الاكتفاء بتعليلها بالحيف الواقع عليهن فقط، بل بإعادة رسم خارطة النضال النسوي، تقتحم من خلالها ميادين الاحتجاج على أرضية مطالب صلبة تدمج مختلف أبعاد الهيمنة والاستغلال”.

كما أكد الباحث والمحلل السياسي المغربي، سعيد علاشي، فإن الواقع في المغرب مأساوي بعد أن أصبحت الحكومة المغربية ”لا تحارب الفقر بل تحارب الفقراء” و”بعد أن أصبح الفساد من المقدسات الوطنية”.




وقال أنه بعيدا عن ”الجنة” التي تسوّق لها الحكومة ”في إعلامها الموالي هناك وجه آخر للمغرب لا يعرف الكثيرون شيئا عن معاناة سكان مداشره وقراه التي تعيش على هامش الهامش”.