بعد تصريحاته المثيرة للجدل الذي ربط بين زلزال الحوز والعقاب الالهي،والتي قال فيها ” بأن زلزال الحوز جاء بسبب الذنوب والمعاصي السياسية وكشكل من أشكال العقاب الإلهي”، غير رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، لهجته ليوضح إن “فتنة الزلزال” التي ربطها بالمعاصي لم يكن يقصد بها أهالي الحوز والمناطق المتضررة، بل كان يعني بها “المغرب بشكل أو بآخر”.
وأضاف بنكيران، في بث مباشر حول تفسيرات البيان المثير الجدل الصادر عن الأمانة العامة لحزبه: “المعاصي والذنوب قد يعاقب عليها، لكنني تكلمت عن المغاربة بشكل عام”، موضحا أن “القرآن فيه إشارات كثيرة حول ذلك”، وزاد: “تكلمت عن جمع المال بالسلطة، والذين يريدون تشريع إباحة العلاقات الجنسية خارج الزواج، والمدافعين عن الخيانة الزوجية، والذين يسرقون المال العام”.
وأردف زعيم “حزب المصباح” بأن اللائحة تشمل أيضا “الذين جيء بهم على غير منطق ودون تمكين إلى المسؤوليات، ولم يستطيعوا إلى حد الآن القيام بواجبهم، فضلا عن الذين يتاجرون بالمخدرات”، وتابع بأن “هاد الناس فلتوا هاد المرة، ولكن المرة الجاية مكيناش الضمانة”، قبل أن يخاطبهم بالقول: “أطلب منكم أن تراجعوا نفسكم”.
ونبّه بنكيران الشعب المغربي : “العلمانيون يريدون مواجهتنا.. حيث وجد خصومنا الفرصة في هذا البيان”، مستدركا: “هاجمتني الرباعة المعلومة ديال العلمانيين، وليس حتى الشرفاء منهم”.
كما أشار إلى “إخوانه المعارضين” في الحزب بالقول: “ماشي عاد قطر بيا السقف.. كنت رئيس حكومة ديالكم وأمين عام سابق، ولي تاريخ طويل، لكن بعض الإخوان خرجوا ليقولوا كلاما مشوشا على باقي الأعضاء”.
وتابع في دفاعه : “لم أتكلم عن زلزال الحوز فقط، بل قصدت الزلازل بشكل عام، واكتفيت بالقول حسبي الله ونعم الوكيل لأنني تكلمت مع المغاربة عن واقع المغرب”، وختم بالقول: “بيني وبين ‘ناس الحوز’ محبة ومعزة وصلت إلى درجة أنني بكيت عليهم قبل الزلزال، وذلك لما زرت تارودانت عند رئاسة الحكومة، حيث جاء عشرات الآلاف من الجبال للاستماع إلى خطابي السياسي”.
وأظهر البيان الذي اثار غضبا واسعا في المغرب حتى من قيادات إسلامية، أن حزب ‘المصباح’ أو ‘البجيدي’ وهي التسمية الفرنسية المختصرة للحزب بقيادة عبدالاله بنكيران أن خطاب الإسلاميين لم يخرج عن سياق الأجندة الايديولوجية التي حاول مرارا تسويقها حين كان في السلطة كفعل وطني يفصل بين الديني والسياسي.
والمؤكد حسب ما يراه متابعون لجماعات الإسلام السياسي أن بنكيران أراد العودة بحزبه الذي يعيش حالة من التشظي والإرباك، إلى واجهة المشهد السياسي بتفجير جدل اختلط فيه الديني بالسياسي والاجتماعي، ليورط الحزب على هشاشة وضعه في أزمة مجتمعية وتنظيمية قد تقضي على ما تبقى له من ثقة على قلتها لدى قواعده الانتخابية والشعبية.
والبيان الذي أريد به عودة للمشهد السياسي، أحيى نقاشا ليس في صالح الحزب وأعاد إلى الواجهة سؤالا ملحا مفاده ماذا قدم ‘العدالة والتنمية’ لأهالي الحوز حين كان في السلطة طيلة عقدين.
وهز ما وصفته وسائل إعلام مغربية بـ’بيان المعاصي’ حزب العدالة والتنمية وكشف عن شقوق عميقة في الحزب المحسوب على تيار الإخوان المسلمين والذي خرج من السلطة في آخر انتخابات تشريعية من الباب الصغير في هزيمة اعتبرها متبعون لشؤون جماعات الإسلام السياسي مذلة وشكلت انكسارا سياسيا لا يزال حزب ‘المصباح’ يعاني من تداعياته ما ارتد ارتباكا في إدارة شؤونه وحتى بياناته وآخرها ‘بيان المعاصي’.
والبيان الذي ربطت فيه الأمانة العامة للحزب بقيادة رئيس الحكومة الأسبق عبدالاله بنكيران، زلزال الحوز بالذنوب والمعاصي السياسية وكشكل من أشكال العقاب الإلهي، كان بمثابة من أطلق الرصاص على قدميه إن لم يكن على رأسه.
وإلى جانب انتقادات عنيفة من قبل قيادات في الحزب للبيان، فإن المحنة التي يعيشها المغرب وأظهر فيها قدرة عالية على التعاطي مع الكارثة داخليا ومع حملة شرسة تقودها جهات أجنبية تستهدف تشويه صرة المملكة والإضرار بقطاع السياحة فيها كانت تستدعي من الأمانة العامة للحزب أن تعزز اللحمة الوطنية وأن تراعي الوضع الإنساني للمتضررين من الزلزال الذين حشرتهم في توصيفها وفي أحكام دينية غيبية تحت مسمى المعاصي والذنوب السياسية.
ولا أحد يخفى عليه أن المناطق الجبلية الوعرة التي ضربها الزلزال لم تشهد وتيرة تنمية ولا حماية من الكوارث بالدرجة المطلوبة في عهد حكم الإسلاميين وهو أمر يُسائل 10 سنوات من إدارتهم للشأن العام.
وجاءت ردود فعل قيادات من حزب العدالة والتنمية حاليين وسابقين على بيان الأمانة العامة للحزب وتحديدا الفقرة التي ضمن فيها ربطا بين كارثة زلزال الحوز والعقاب الالهي، معتبرين أنه توصيف أو تقدير في غير محله.
ووصف محمد يتيم الوزير الأسبق والقيادي بحزب العدالة والتنمية ‘بيان المعاصي’ بأنه “بلاغ شارد وغير مناسب”، مضيفا أنه “غير موفق ولا يمثله من زاوية أن حزب العدالة والتنمية حزب سياسي وكان من المفروض أن يتناول الموضوع من زاوية سياسية واجتماعية بالأساس”، بحسب المصدر ذاته.
وأشار كذلك إلى أن بيان ‘البجيدي’ لم يكن موفقا لجهة ربطه زلزال الحوز بالمعاصي والذنوب السياسية، موضحا أنه ” لا أحد يمكن أن يعلم ذلك إلا الله، ما لم يرد في القرآن والسنة صراحة، ما يفيد أن طوفانا أو رياحا عاصفة أو خسفا كان عقوبة إلهية كما ورد في القرآن صراحة في عدد من الحالات”.
وأضاف “شخصيا أعتبر البلاغ الصادر باسم الأمانة العامة غير موفق وخاصة الفقرات الملتبسة التي توحي بأن زلزال المغرب قد يكون بسبب المخالفات المعاصي، لأسباب تصورية حيث أننا لا يمكن أن ندخل في علم الله وفي إرادته”.
وقال أيضا “في زلزال الحوز مراكش سقطت وتضررت مساجد ومدارس ومرافق عامة لا تقترف فيها المعاصي، وفي المناطق الجبلية الفقيرة التي ضربها الزلزال، الناس المتضررون أبعد بالمقارنة مع مناطق أخرى عن المعاصي والفساد الأخلاقي وفي كل المناطق توجد استثناءات”.
وذكّر القيادي في الأمانة العامة لـ’البيجيد’ بأن بعض المناطق الجبلية والجنوبية “هي معاقل لحفظة القرآن وبقاء الناس في الغالب على الفطرة والصلاح عموما وعلى القناعة بالقليل والكرم وغير تلك من الأخلاق التي تجد أصولها في الدين”.
وتساءل “كيف يمكن أن نجزم أو حتى أن نحتمل بأن زلزال منطقة الحوز وتارودانت عقاب إلهي عن معاصي مقترفة. أو يمكن أن يكون كذلك؟”.
القيادي السابق بحزب العدالة والتنمية محمد أمحجور علق من جهته بالقول “مؤسف ما صرنا إليه من تيه ومؤسف أكثر أن نترك السياسة وقضاياها وحقائقها جانبا ونتيه في اللاهوت.. مؤسف ومؤلم”.
وعبر عن استغرابه لما ورد في البيان، موضحا أنه لو كان الأمر كذلك (في إشارة إلى ربط الزلزال بالذنوب السياسية) قائلا “لو صح للزلزال أن يكون أداة عقاب لكان أولى أن يعاقب كثيرا من البلدان حيث الانقلابات والإعدامات وقتل متعمد للمعتقلين في السجون تعذيبا وإهمالا”، مضيفا “لو صح هذا المنطق لكانت السياسة رهبانية وطلبا لإقامة العدل من طريق عذاب الله”.
وكان عبدالعزيز أفتاتي القيادي بالعدالة والتنمية قد أعلن أمس الاثنين رفضه لهذا “الربط الخاطئ” علبين فاجعة زلزال الحوز وفكرة العقاب الإلهي، قائلا إن “تلك القناعة تدخل في الأفكار الخاطئة و الشائعة والرائجة مع الأسف، بمعنى أن هذه قناعة خاطئة عقائديا وفكريا”.
كما أعلن القيادي البارز في الحزب الإسلامي عبدالقادر عمارة أمس استقالته من الحزب وجميع هيئاته وقد تعقب استقالته استقالات أخرى.
ونقل موقع ‘مدار 21’ عن الباحث في الدراسات الإسلامية محمد عبدالوهاب رفيقي قوله في تعليقه على ما جاء في بيان الأمانة العامة لحزب ‘المصباح’ إنه أمر “مؤسف”، مضيفا أن “أسوأ ما يمكن التعامل به مع الكوارث والمصائب الطبيعية والمآسي التي تصيب الناس هو التوظيف السياسي والإيديولوجي”.
وانتقد بيان حزب العدالة والتنمية الذي قال إنه سياسيا أخرج الحدث من بعده الانساني، مشيرا إلى التوظيف السياسي للمأساة في الوقت الذي يعتبر فيه زلزال الحوز من الأحداث الحزينة التي شهدتها المملكة في السنوات القليلة الماضية وفي لحظة حزن من فقدوا ذويهم ومن تضرروا ومن فقدوا كل يملكون.
وعبر الباحث رفيقي عن عدم استغرابه من توظيف الحزب الاسلامي للحدث سياسيا بالنظر إلى أن “الأمر منسجم مع الإيديوجية التي تتبناها حركات الإسلام السياسي والتي تحاول توظيف كل الأحداث لخدمة إيديولوجيتها”.
وتابع “من المؤسف جدا أننا لا زلنا في مثل هذا الوقت نتعامل مع الربط غير المنطقي ونقحم الدين والقضايا الغيبية بما هو سياسي”، مضيفا أن ما بدر من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية “نوع من الخلط بين ما هو ديني وما هو دنيوي وهذه هي آفة الحركات الإسلام السياسي”.
وخلص محمد عبدالوهاب رفيقي إلى القول بأنه كان على الحزب الإسلامي أن يتعاطى مع مأساة وطنية بقدر أعلى من الإنسانية “بدل الركوب على الحدث من أجل إرسال رسائل إيديولوجية أو محاولة العودة للحياة السياسية بعد فشل ذريع، خير دليل عليه هو مثل هذه التصريحات والبيانات التي أعتبرها فجة وفي غير سياقها، ولا تتناسب حتى مع حالة التضامن والتكافل التي عرفها المغرب بعد زلزال الحوز”.