أول اجتماع تنسيقي لوزير العدل ورئيس السلطة القضائية ورئيس النيابة العامة للنظر في مدونة الأسرة..المناصفة في الإرث”يفتح الأبواب أمام التطرف والمجهول”

0
371

بعد سنوات من توالي المطالب من قبل “العلمانيين” بإصلاح قوانين الأسرة في المغرب، وجّه الملك محمد السادس، الثلاثاء الماضي، الحكومة إلى إعادة النظر في “مدونة الأسرة”، ومنحها ستة أشهر كمُهلة من أجل رفع المقترحات، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على البرلمان للمصادقة..فيما أسند الملك المفدى “الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع”.

يحمل الملك في المغرب صفة “أمير المؤمنين”، وهو وحده المخول دستورياً بالجمع بين صلاحيات دينية وسياسية. ويمارس الملك سلطاته الدينية بواسطة ظهائر (مراسيم ملكية).

على الرغم من ذلك، لا تصنف المملكة المغربية على أنها دولة دينية. ويوجد فيها علمانيون يحملون تصورات مختلفة لعلاقة إمارة المؤمنين كمؤسسة دينية بالعلمانية التي يطالبون بها. بعضهم لا يتصور أي توافق بين المؤسستين، فيما يقترح آخرون صيغاً خاصة للتعايش.

كيف يمكن الحديث عن العلمانية في بلد تحكمه إمارة المؤمنين ويجمع فيه الملك بين الصفة الدينية والسياسية؟

بعد 19 سنة على دخول “مدونة الأسرة” المغربية حيّز التنفيذ، وبعد التوجيهات الملكية الأخيرة، باتت الحكومة تُسابق الزمن من أجل مراجعة القوانين ومواكبتها بالتقييم والتقويم لمعالجة النقائص التي أبانت عنها التجربة منذ عام 2004؛ وهو ما دفع لانعقاد أول اجتماع تنسيقي، الأسبوع الجاري، بين وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة الفضائية، محمد عبد النبوي، ورئيس النيابة العامة، لحسن الداكي، بمقر أكاديمية المملكة المغربية، للإشراف العملي على إعادة النظر في مدونة الأسرة، بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الملف.

 

ويأتي هذا الاجتماع في إطار تنزيل مضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة المتعلقة بإعادة النظر في مدونة الأسرة، تفعيلا للقرار الملكي الذي أعلن عنه الملك في خطاب العرش لسنة 2022.




 

وقال وزير العدل عبد اللطيف وهبي في تصريح للصحافة، بالمناسبة، إن هذا اللقاء يعد الأول بعد الاجتماع مع رئيس الحكومة، والذي تم خلاله التهييئ للاجتماعات المقبلة لتنظيم وتوزيع العمل، مبرزا أنه سيتم الشروع ابتداء من يوم الجمعة المقبل في العمل على هذا “المشروع الكبير الذي تبناه جلالة الملك، لاسيما وأن جلالته يعتبر موضوع الأسرة من القضايا الكبرى”.

وأضاف وهبي “سنستمع للقوى المدنية، وللمسؤولين الحكوميين، وسنحاول أن نصغي للجميع لكي نتفق على مجموعة من التغييرات”.

من جهته، أكد محمد عبد النباوي، أن الملك “تفضل بتشكيل هذه اللجنة من أجل مراجعة مدونة الأسرة التي مضى على العمل بها 20 سنة، وهي مدة كافية من أجل الوقوف على الاختلالات التي تواجه الأسرة”.

وأشار عبد النباوي، إلى أن اللجنة شرعت في مهامها مباشرة بعد تبليغها من طرف رئيس الحكومة بالرسالة الملكية، ووقفت بذلك على المفاهيم والتوجيهات التي تتضمنها.

وأضاف أن اللجنة بدأت الاشتغال على أساس تحديد طريقة العمل، وكيفية الاستماع لمختلف الأطراف ذات الصلة، وأيضا من أجل إجراء المشاورات اللازمة بالشكل الذي أمر به الملك، أي بـ”شكل مكثف، ووثيق وموسع”.

وأفاد بأنه ابتداء من الأسبوع المقبل ستباشر اللجنة الاستماع لبعض الأطراف، على أن تستمر هذه العملية في الفترة المقبلة، معربا عن أمله في أن “تتكلل هذه الجهود بالنجاح حتى نكون عند حسن ظن جلالة الملك، وتقديم مقترحات كفيلة بتنزيل مدونة جيدة تكون في مستوى تطلعات الأسرة المغربية”.

كما عبر عن الأمل في أن تقوم جميع الأطراف المعنية بـ “موافاتنا بكافة المقترحات التي تشغل بالها “.

من جهته، أبرز الحسن الداكي،  أن اجتماع هذه اللجنة، تهدف إلى إصلاح مدونة الأسرة وإرساء الخطوط العريضة التي تنبني عليها.

وأشاد الداكي بالمبادرة الملكية الرامية إلى إعادة النظر وتعديل وإصلاح مدونة الأسرة، لما لها من أهمية قصوى في الحفاظ على كيان الأسرة سواء المرأة أو الطفل، مشددا على أهمية هذه الخطوة “بعد مرور عقدين من الزمن على دخول مدونة الأسرة الحالية حيز التنفيذ”.

ونو ه الداكي بتجسيد آلية التعاون والإشراك المؤسساتي بين مختلف الهيئات المعنية بملف الأسرة “لكي نستمع وننفتح على مختلف الفعاليات، وننصت لكل مكون من مكونات المجتمع له رأي في هذا التوجه العام  “.

وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة رسمية) قد انضمت في شكل ملفت للنظر إلى الحركة النسائية والحقوقية، حيث قال، في رأي أصدره بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بتاريخ 8 آذار/ مارس 2022: “آن الأوان لمراجعة مدونة الأسرة، بما يتلاءم مع مقتضيات الدستور ومضامين الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وبما ينسجم مع طموحات تحقيق التمكين للنساء المغربيات، وتعزيز المساواة بين الجنسين المعبر عنها في النموذج التنموي الجديد”.

ولفت المجلس إلى أنه “لا يمكن تحقيق المساواة بين النساء والرجال، وضمان المشاركة الكاملة للمرأة في جميع مناحي الحياة العملية دون إطار قانوني منسجم مع طموحات البلاد، يضمن للمرأة التمتع بحقوقها كاملة دون أدنى تمييز”.

وأشار المجلس، آنذاك، إلى أن أبرز الإشكالات والاختلالات التي تعرفها مدونة الأسرة في صيغتها الحالية هي: التمييز على مستوى الولاية على الأطفال، حيث “لا يسمح للأم بالولاية على أبنائها”، وهو ما “يتعارض مع مبدأ تقاسم المسؤوليات الأسرية بين الزوجين، ولا سيما تلك المتعلقة بالأطفال، كما أن هذا المقتضى يؤثر سلباً في إعمال حقوق وواجبات الوالدين المنفصلين تجاه أطفالهما عندما تستمر الخلافات بينهما، بالإضافة إلى ذلك، فإن زواج المرأة طالبة الحضانة يُسقط عنها حق حضانة الأطفال إلا في حالات خاصة”.

وعبرت مجموعة من المنظمات الحقوقية عن ترحيبها بالخطوة التي “طال انتظارها”، حيث حمَلت على مدى السنوات الماضية مطلب “التغيير الجذري” لبنود المدونة بشكلها الحالي، بأهداف تعزيز دور المرأة داخل الأسرة ومنحها حقوقا جديدة، فضلا عن دعواتها لمواكبة تغيرات المجتمع والالتزامات الدولية التي صادقت عليها المملكة، إضافة إلى إخراج المرأة من “الوصاية والعنف الذكوري” نحو المساواة الفعلية مع الرجل.

في هذا الجانب، تقول رئيس جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، بشرى عبدو، إن البلاغ الملكي يمثل “لحظة مهمة” من أجل إخراج قانون أسرة جديد إلى حيز الوجود، بشكل يستجيب للحاجيات الآنية للنساء، ويتجاوز كل الاختلالات والسلبيات التي كشفت عنها التجربة السابقة لتطبيق المدونة.

من جهتها، تقول الحقوقية المغربية البارزة، فوزية العسولي، إن الخطوة الأخيرة “تبقى إيجابية” من أجل فتح نقاشات واسعة لمناقشة الإشكالات التي شابت تطبيق المدونة السابقة وأيضا الاختلالات التي حملتها في طياتها منذ إخراجها.

وتوضح الفاعلة الحقوقية في تصريح صحفي، أن الحركة الحقوقية بالمغرب وقفت على عدد من الإشكالات كرست التمييز وألحقت الضرر بالنساء والأطفال، ولم يعد مسموحا أن تستمر في ظل التطورات الاجتماعية والثقافية التي عرفها المجتمع المغربي.

عاد الاختلاف في النقاش العمومي، بين من يُطالبون بقوانين تلائم مُقتضيات الشريعة الإسلامية، وبين من يشيرون إلى ضرورة تحديثها، وفتح المجال إلى الفئات الأخرى المُعلنة بكونها لا مسلمة ولا يهودية، خاصة فيما يخص مسائل الإرث وتزويج القاصرات والعلاقات الرضائية والولادات خارج مؤسسات الزواج، والولاية على الأبناء، ومسطرة الصلح، ومساطر النفقة والطلاق.

وفي الوقت الذي تُسابق فيه الحكومة المغربية الزمن من أجل تعديل قانون مدونة الأسرة، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمجموعة متسارعة من المنشورات المختلفة، التي تشير إلى تعديلات جارية، آخرون يؤكدون على إقرارها، في شيء يصفه المُراقبون للشأن الوطني بـ”إنذار لخطورة الأخبار الزائفة، ونشر الأكاذيب التي قد تؤثر سلبا على الأسر المغربية، وكذا على الشباب المقبلين على الزواج في الفترة الراهنة”.

وفيما يتعلق بأبرز المطالب التي تنادي بها جمعية التحدي والمساواة في التعديلات المرتقبة، تشدد الناشطة الحقوقية، بشرى عبدو، على ضرورة “مراجعة لغة المدونة وحذف المصطلحات والعبارات التي من شأنها أن تكرس الصور النمطية لمهام وأدوار الرجال والنساء”، بالإضافة إلى “إلغاء جميع حالات الاستثناء التي تسمح بتزويج الطفلات، وبتعدد الزوجات”.

ومن بين مطالبات الجمعية، بحسب المتحدثة ذاتها، إثبات النسب، مع النص على اعتماد الخبرة الجينية كأداة لإثباته، وحضانة الأبناء مع إعطاء الحق في الزواج للأم الحاضنة، والمساواة في الولاية القانونية على الأبناء، وإعادة النظر في النفقة في حالة حل ميثاق الزوجية، فضلا على تقسيم الممتلكات مع جعل وثيقة اقتسام الممتلكات من الوثائق الضرورية لاستكمال ملف الزواج وشرط منصوص عليه في عقد الزواج.

وتتقاطع المذكرة المطلبية لجمعية التحدي والمساواة في عدد من النقاط مع نظيرتها التي تحملها عدة هيئات حقوقية مغربية أخرى، مثل فيدرالية رابطة حقوق النساء، الائتلاف الحقوقي الذي يجمع عشرات الجمعيات الفاعلة في مجال الدفاع عن حقوق النساء بالمغرب.

وتدعو الفيدرالية من جانبها، إلى “ضرورة توحيد القوانين المطبقة وطنيا، بشأن قضايا الأسرة وإغلاق الباب أمام الأعراف التي تكرس الدونية وتشرعن الحيف في حق المرأة والقاصرات”، وفق ما كشفته، الفاعلة الحقوقية، نجية تزروت.

وتطالب الفيدرالية أيضا، بحسبما كشفته تزروت في حديثها لموقع “الحرة”، بإلغاء جميع المقتضيات التي تحرم المرأة من حقها في الولاية القانونية على أبنائها القاصرين، إضافة إلى النص على أن الولاية على الأبناء أثناء قيام العلاقة الزوجية تكون للزوجين معا، وفي حالة تواجد نزاع، اللجوء إلى القضاء الاستعجالي لتحقيق المصلحة الفضلى للطفل. وجعل الولاية حقا للحاضن سواء كان زوجا أو زوجة، بعد انفصال العلاقة الزوجية.  وتوضح الإدريسي، في حديثها لـ”عربي21″، أنه “ليس للمرأة المغربية الآن، الحق في استخراج جواز سفر أو السفر بأطفالها خارج المغرب دون موافقة كتابية من الأب والعكس غير صحيح، وفي حالة غياب الأب وتخليه عن رعاية أطفاله تمر الولاية من الأب إلى قاضي الأسرة” مشيرة إلى أن هذا الأمر يأتي بعد مصادقة المغرب على عدة قوانين دولية، ورفعه التحفظات على اتفاقية سيداو.

على خلفية ما تصفها بـ”الثغرات في مقتضياتها”، تُطالب العديد من الجمعيات النسائية والحقوقية في المغرب، بتغيير شامل لمدونة الأسرة، وليس فقط في عدد من المواد القانونية البارزة.

كــ”المادة 173 تحرم الأم من الزواج مرة ثانية، فيما تعطي للأب حق إسقاط الحضانة على الأم لمجرد أنها قد تزوجت، والعكس غير صحيح، فيما تحرم المادة 148 من نفس المدونة، المرأة في حقها من إثبات نسب طفل حملت به خارج إطار الزواج أو حتى في حالات الاغتصاب، حيث إنها تُواجه إثر ذلك بتهمة الفساد، وفي غياب إمكانية القيام باختبار الحمض النووي لا تكون أي متابعة للأب”.

و “المادة 20 التي تُمكن من تزويج القاصر بتقديم طلب للمحكمة، والاستثناء أصبح قاعدة”، مشيرة إلى أن طلبات إذن تزويج القاصرات في العام 2020 وصلت إلى 20 ألفا، مما جعل عدد من الآباء يسعون إلى تزويج بناتهم دون إذن من القاضي، وبدون أن يكون قد ارتكب جرما”.

 لقد حددت عدد من الجمعيات النسائية جملة من التعديلات المقترحة في موضوعات، من بينها الميراث، والوصية، والإرث بالتعصيب، والكد والسعاية، وميراث الأجانب، وزواج القاصرات، وزواج المغربيات المسلمات بغير المسلمين، وحضانة الأطفال بعد الطلاق، وحق الزيارة، والتعويض عن المسكن، والنيابة الشرعية، والطلاق للضرر، وفترة ما قبل الطلاق، والنسب، والنفقة، والمتعة.

يعرض هذا التقرير لمادة (ورث) في القرآن الكريم والتي يظهر من خلالها المسؤوليات الجسيمة المنوطة بالعلماء والوزراء والقضاء من تحمّل لأمانة العلم والكتاب (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[32: فاطر]. بل إن هذا التوريث الربّاني قد يكون ناموساً للمداولة بين أهل الحق والباطل: (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{57} وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ {58} كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ{59}) [57-59: الشعراء].

ولعمر الحق إن تلكم الأمانة الثقيلة المتصلة بالكتاب والحكم والاستخلاف… الخ هي الإطار للأمانة في سياسة الخلق وتوزيع الثروات وصيانة الحقوق لبنى آدم ذكراناً وإناثاُ، وحفظ أموال اليتامى… حتى جاء هذا العلم الشريف (علم الفرائض أو المواريث…) فكان وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، “فعن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها للناس وتعلموا العلم وعلموه الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيفيض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يفصل بينهما”.

وهذا العلم من أعظم العلوم قدراً، وأشرفها ذخراً، وأفضلها ذكراً، وهو ركن من أركان الشريعة، وفرع من فروعها في الحقيقة، اشتغل الصدر الأعظم من الصحابة بتحصيلها وتكلموا في أصولها وفروعها، ويكفي في فضلها أن الله تعالى تولّى قسمتها بنفسه وأنزلها في كتابة، مبينة في محل قدسه.

نعم فالناظر في القرآن الكريم يجد أنه قد فصل في أحكام الميراث تفصيلاً يعز وجوده في أحكام أخرى من الشريعة السمحة، فالصلاة والصيام والحج لم تفصل أحكامها، بل جاءت مجملة وترك البيان والتفصيل فيها للنبي صلى الله عليه وسلم، ولتوضيح ما سبق انظر هذا التفصيل مثلاً في ميراث الأبناء والبنات. يقول الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ…)[11: النساء] وهكذا وهذا إن دل فإنما يدل على جلالة شأن هذا العلم وشديد خطره إذ إنه متعلق بحقوق العباد من خلق الله. فنسأل الله السلامة.

ومع ذلك كله نجد سهاماً طائشة تحاول -عبثاً- النيل من أحكام الميراث الربانية، ولكنها مردودة حتماً إلى نحور أصحابها فقد قرر العلماء في كل بقاع العالم أن أعدل نظام للميراث هو نظام القرآن الكريم.

 إقرار المناصفة في الإرث سـ “يفتح الأبواب أمام التطرف والمجهول”

قال عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” المغربي المعارض (مرجعية إسلامية)، إن هناك “جهات خارجية” تشتغل على موضوع المناصفة في الإرث، وعلى غيره، وفق فلسفة تسير في اتجاه أنه ليس هناك رجل وامرأة، بل هناك كائن بشري يجب أن يتعامل معه بنفس الطريقة في كل شيء.ورأى أن من نتائج هذا المنطق “شقاء” الأسرة والمرأة والرجل والأطفال.

وشدد ابن كيران، الذي كان يتحدث شهر ماي الماضي في كلمة مصورة بثت على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، على أن من شأن إقرار المناصفة في الإرث أن “يفتح الأبواب أمام التطرف والمجهول”، مشيرا إلى أن هذا التوجه “فساد في الرأي وظلم ما بعده ظلم” للرجل وللمرأة، لأن الرجل رجل والمرأة امرأة، لكل مسؤوليات يتحملها، مشيرا إلى أن مدونة الأسرة في المغرب تحمل المسؤولية داخل الأسرة للرجل وليس للمرأة، في الإنفاق وغيره.




وقال ابن كيران إنه متخوف من مثل هذه الدعوات، وأن من واجبه “التنبيه إلى خطورتها قبل فوات الأوان، لأن وراء الأكمة ما وراءها”، داعيا المغاربة إلى الانتباه، اليوم قبل الغد.

وانطلق ابن كيران، في كلمته، من الحديث عن دعوة للمشاركة في ندوة في موضوع المناصفة في الإرث بين الرجال والنساء، مشيرا إلى أن ما أثاره في دعوة من يقفون وراء تنظيم هذه الندوة، الذين قال عنه إنهم معروفون بمواقفهم “الشاردة” عن الإجماع الوطني في ما يخص الدين الإسلامي، أنها لم تأت في شأن إصلاح المدونة، وإنما جاءت بطريقة مباشرة وواضحة في موضوع المناصفة في الإرث. وقال إن هذا الموضوع أثير حوله نقاش في مراحل كثيرة من تاريخ المملكة، وكان هناك إصلاح للمدونة في اتجاه الحفاظ على تماسك الأسرة، من خلال إصلاح يتم في إطار الشرعية والمرجعية الإسلامية.

ورأى ابن كيران أن الدعوة إلى المناصفة “مبنية على فكرة خاطئة”، تتمثل في مساواة لا تراعي خصوصية المرأة وخصوصية الرجل، كما أنها مبنية على “تعارض كامل وواضح” مع نص قرآني ثابت لا خلاف حوله، قطعي الثبوت ولا خلاف بين الناس أنه وارد في القرآن، وقطعي الدلالة، لا يمكن أن يفهم إلا بهذه الطريقة، أي قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين). وذكر بن كيران أن هذا ما تم العمل به منذ أن دخل الإسلام إلى أرض المغرب، قبل 13 قرنا.




وتساءل ابن كيران عن الذين يدعون إلى المناصفة في الإرث، وإن كانت تحركهم مرجعية شرعية هي أساس المجتمع والدولة، أو يحركهم مبدأ ديمقراطي يؤكد أن المغاربة يطالبون بما يدعون إليه. وأوضح، في هذا الصدد، أنه لا المغاربة بشكل عام، ولا النساء المغربيات بشكل خاص، طالبوا بهذا الأمر، مشيرا إلى أن استطلاعات الرأي تقول إن ما بين 70 و80 في المائة أو ما بين 60 و70 بالمائة من المغاربة ليسوا على استعداد للاصطدام مع شريعتهم ومخالفتها في هذا الموضوع.

ورأى ابن كيران أن هذا المطلب ليس ديموقراطيا وليس شرعيا في آن. وقال إن نوايا من يقفون وراء الدعوة إلى المناصفة في الإرث ليست كلها سيئة، مشيرا إلى أن بينهم من يعادي سنة رسول الله ويحاول أن يقنع الناس بأن صحيح البخاري ليس صحيحا وصحيح مسلم ليس صحيحا، وشدد على القول إن من يحارب الصحيحين “يحارب الإسلام”، قبل أن يتساءل: “إذا كان ديننا يقوم على الكتاب والسنة فمن أين سنأخذ السنة؟”.

وقال بن كيران إنه يحمد الله لأن المجتمع المغربي لا يقبل على مثل هذه الدعوات ولا يتجاوب معها. وعدد جملة من المخاطر، التي قال إنها ستترتب عن إقرار هذا المطلب. وقال، في هذا الصدد، إن من يدعون إلى ذلك سيخلقون العداوة بين الأخ والأخت، وبين الزوج والزوجة، وبين الأبناء، بشكل يوجه ضربة قاصمة للأسرة. وأضاف أن إقرار المساواة في الإرث سيعني أن القرآن لم يعد له معنى بالنسبة للأحكام عند المغاربة، وبالتالي فهذه الدعوة تمثل خطرا على العلاقات داخل الأسرة، وعلى شرعية وقداسة كتاب الله، وإزالة لقدسية وشرعية كتاب الله، وبالتالي اندثار الأساس الذي تقوم عليه الدولة المغربية، التي هي دولة إسلامية ، كما يقول الدستور.

كما رأى ابن كيران أن من نتائج إقرار هذا المطلب خلق مشكل سياسي، من جهة أن ملك البلاد هو أمير للمؤمنين، وإمارة المؤمنين تقوم على القرآن وسنة الرسول وعلى البيعة، وتساءل: “بماذا استرجعنا أقاليمنا الجنوبية، بالدستور أم بالبيعة؟”، مشيرا إلى أن الملك يقول إنه لن يحل ما حرم الله، ولن يحرم ما أحل الله، لا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.

واستحضر بن كيران عددا من التجارب المشابهة في عدد من الدول العربية الإسلامية، مشيرا إلى عدد ممن تجرؤوا على عدد من الأحكام الشرعية، ممثلا بالرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، الذي قال عنه إنه لم يستطع المساس بقضية الإرث التي لم يتغير حكمها في تونس إلى اليوم. وأضاف أن هناك، اليوم، من يطالب المغرب، دولة أمير المؤمنين، كما يطالب المغاربة، بإلغاء حكم شرعي. وشدد على أن هذا المطلب لا يريده الشعب المغربي، ولا ملك البلاد، ولا العلماء والدعاة ومن يفقهون في الدين. “فمن يريده؟”، يتساءل ابن كيران، قبل أن يستدرك، بأن من يدعون إلى المناصفة في الإرث لا يشعرون بما يقومون به.

وخاطب ابن كيران من وصفهم بالعلمانيين واليساريين، وقال لهم إنكم تغامرون بمصير ورصيد البلد، ولا أحد طلب منكم الدعوة إلى ما تدعون إليه.

وعبر ابن كيران عن استعداد حزب العدالة والتنمية للخوض في الإشكالات التي يمكن أن تكون في مدونة الأسرة، ومناقشة بنودها كاملة، بما يرفع الضرر عن المرأة والرجل والأطفال. ورأى أن المدونة ليس نصا مقدسا، ولكن فيها أمورا مقدسة يتعين تجنبها.

وقال ابن كيران إن “الشعب لم يطالب بالمناصفة في الإرث”، وإذا أرادوا (يقصد من يقف وراء الدعوة) القيام باستفتاء فليكن. و”وقتها سنعرف إذا كان المغاربة يريدون تغيير شريعة الله أم لا”، يقول بن كيران، الذي شدد على أن احترام الشرعية والأحكام القطعية يدخل في إطار الحفاظ على استقرار ومستقبل المغرب كدولة شريفة، عريقة ومسترسلة. ورأى أن ذلك لن يكون خطأ في السياسة، بل في الشرع، لافتا إلى أن “الخطأ في الشرع يؤدى غاليا، لا قدر الله”.

ودعا ابن كيران “كل من يستطيع أن يساهم في إطفاء هذه الفتنة التي لا قدر الله يشهرها هؤلاء الناس، بالكلمة الطيبة والمقالة الطيبة، أو بالنصح لهؤلاء الناس أن يعرضوا عن هذه الأشياء”.

وقال بن كيران: “أن نراجع ونصحح ليس هو أن نحطم الأسس التي بني عليها ديننا، وبنيت عليها شريعتنا”. ثم خاطب المغاربة: “حافظوا على بلادكم”، وزاد قائلا إن الظروف الحالية تتطلب الهدوء، وليس خلق المشاكل التي تؤدي إلى الفتنة.