بعد انقضاء سبعة أيام على عملية طوفان الأقصى التي تخوضها المقاومة الفلسطينية ضد العدوان الصهيوني الذي يستمر في تدمير مدينة غزة والتطهير العرقي للسكان وتهجيرهم خارج القطاع كما حدث في عام النكبة ١٩٤٨ . لم يظهر في الافق أي أمل في وقف هذا الهجوم الجوي الهمجي والتطهير العرقي . . .تخلى النظام العربي كعادته ، عن مد يد العون للشعب الفلسطيني في محنته القاسية . حتى الجامعة العربية في اجتماع وزراء الخارجية الذي عقد مؤخرا لهذه الغاية بتاريخ ١١ /١٠/ ٢٠٢٣ .
أصدرت بيانا مشينا ” تمخض الجبل فولد فأرة ” . ساوت فيه بين الطرفين ، الجلاد المستعمر الصهيوني . والضحية الشعب الفلسطيني . اعترض على هذا البيان عدة دول عربية . ملخص ما ورد في هذا البيان . ” ان الجامعة العربية تدين قتل المدنيين من كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والتأكيد على ضرورة حمايتهم وأيضا على ضرورة إطلاق سراح المدنيين وجميع الأسرى والمعتقلين .
ضرورة الوقف للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتصعيد في القطاع ومحيطه داعيا الأطراف إلى ضبط النفس والتحذير من التداعيات الإنسانية والأمنية الكارثية لاستمرار التصعيد وتمدّده ”.
بالوقت نفسه ، وقف محور المقاومة متفرجا على هذه المأساة ، الذي كان ينادي بوحدة الساحات . يعني ، ساحة حزب الله ، الحشد الشعبي ، أنصار الله ، حماس والجهاد الاسلامي .
لكن هذه الساحات طمست معالمها لحظة بدء معركة طوفان الأقصى . واكتفى المحور بالتصريحات والتنديد بالعدو . .غير أن الظروف الحالية التي تحيط بما يجري في حرب غزة ، سوف تنذر بعواقب وخيمة ، لم يحسب محور المقاومة لها حسابا .
إن إسرائيل بعد القضاء على حماس . ستكون الفرصة قد حانت امامها للتخلص من خطر حزب الله بين ليلة وضحاها ، وتنتقم منه شر انتقام . وتصفي معه حساب الثأر القديم الذي لم تستطع أن تنفذه حتى الآن .
يتساءل الشارع العربي ووسائل الإعلام العربية والدولية في هذه الأيام العصيبة التي يتعرض فيها الشعب الفلسطيني للابادة . لماذا لايتدخل حزب الله بدعم من إيران ؟ في معركة طوفان الأقصى ؟ ويفتح الجبهة الشمالية ضد العدو الصهيوني؟ وينقذ الشعب الفلسطيني من خطر الترانسفير إلى سيناء ؟ أو سيبقى مترددا ؟ . . . لكن وراء الاكمة ماوراءها . سوف يحصد الأبعاد الخطيرة لهذا التردد . لقد تردد العرب في حرب ١٩٦٧ م في الاقدام على مهاجمة اسرائيل . حتى فوجئوا بالضربة القاضية .
لاتزال الأجيال تحصد نتائج النكسة والهزيمة النكراء حتى الآن . . .في الحرب العالمية الثانية ظل ستالين يتردد في مهاجمة هتلر ووقع معه معاهدة سلام . حتى فوجئ باجتياح الجيش النازي أراضي الاتحاد السوفييتي . لماذا كل هذا التردد ؟ ألم تستبيح وتدمر وتقتل إسرائيل ، كل القوات الإيرانية في سوريا على مدى عقد من الزمن . ولم تحرك إيران ساكنا حتى الآن ؟ بل تقول انها سترد في الوقت المناسب . الم يحن هذا الوقت المناسب يا ترى كل تلك السنين التي انقضت ؟ .
الم تسفح اسرائيل دماء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ؟ والعلماء النوويين الإيرانيين ؟ على مرأى من الدنيا كلها . كيف سامحت إيران أمريكا لارتكاب كل هذه الجرائم ؟ وغضت الطرف عما جرى ويجري من قتل القادة والقوات الايرانية ؟ ألم يرجع وزير الخارجية الإيراني بطائراته من رحلته إلى العاصمة السورية في هذه اللحظة الحاسمة من الحرب . عندما اعلموه أن مطار دمشق وحلب خرجا عن الخدمة لان الطائرات الصهيونية قصفتهما . مع الاشارة الى ان إيران هي الحامية لهذه المطارات . لماذا كل هذا الخوف من امريكا ؟
لقد زودت أمريكا اسرائيل بالقنابل الذكية التي تدك أعماق الحصون الاسمنتية . لتستخدمها في حرب غزة وعلى قواعد الصواريخ وطائرات الدرون لحزب الله المتمركزة في جنوب لبنان . أن أكبر خطر يهدد الجيوش في المعارك الحاسمة هو شبح الخوف والتردد في اتخاذ القرار . أن السلاح بأيدي الجبناء هو الرصاص الذي يرتد إلى صدورهم . . .من أجل الخروج من متاهة التردد وطول الانتظار ، ومعرفة ماهية نوايا الخصم . يلجأ القادة في المعارك إلى تطبيق نظرية مايعرف بالضربة الاستباقية . وهي محاولة لصد هجوم وشيك واكتساب ميزة إستراتيجية في حرب لا مفر منها ، قبل وقت قصير من حدوث ذلك الهجوم . . .انها الضربة الاستباقية .
بمعنى التحول من الرد على هجوم فعلي ، إلى المبادرة بالهجوم ، لمنع هذا الهجوم المحتمل . خاصة إذا كان مسرح العمليات يشوبه الغموض وفيه عدة احتمالات . وعدم القدرة على التنبؤ بموعد الهجوم المعادي لدى الخصم . . . أن فتح الجبهة الشمالية في هذه اللحظات الحاسمة من معركة طوفان الأقصى ، يعتبر الضربة الاستباقية التي سوف تغير خريطة الشرق الأوسط . التي يبشر بها نتنياهو وينسبها لنفسه . هذا القرار اذا اتخذ في هذه اللحظة بالذات ، سوف يوقف الاجتياح البري ، ويؤدي إلى وقف إطلاق النار على كل الجبهات . ويسجل نصرا استراتيجيا مؤزرا لحزب الله على إسرائيل . . .
من جهة أخرى ، وهي الأهم ، أن حزب الله سوف يستعيد صورته المشرقة ، وسمعته العطرة التي كان يتحلى بها في صفوف الجماهير العربية بعد تحرير الجنوب اللبناني عام ٢٠٠٠م والانتصار على إسرائيل والتي يفتقدها حاليا . أن الفرص لا تأتي دائما .
يجب ضرب الحديد وهو حام . . .مقابل ذلك ، فان فتح الجبهة الشمالية ، يمكن إيران لأن تعزز مكانتها التي فقدتها بين العرب من جديد ، وقد جاءتها الفرصة الآن على طبق من الفضة لتطبيق نظرية وحدة الساحات بدل أن تبقى هذه النظرية شعارا فارغا غير جدير بالاحترام . . .
ذكرت مصادر استخباراتية نقلا عن ” سي آي أن ” بأن إسرائيل تحضر لتوجيه ضربة استباقية كبرى ضد ترسانة حزب الله القوية التي تتضمن الأسلحة المتطورة وصواريخ طويلة المدى عالية الدقة . تستطيع مواجهة إسرائيل ووضع حد لغطرستها في المنطقة . حانت الفرصة الآن امام قيادة الحزب ، بضرورة شن هجوم شامل بالصواريخ على أهداف متفرقة في إسرائيل وذلك قبل أن تتعرض ترسانة الحزب للتدمير .
إذن المسألة توجز في عبارة . إما أن تستخدم السلاح وتصبح بمثابة ” المخلص ” لكارثة الشعب الفلسطيني في غزة . أو تعطي الفرصة للعدو لتدمير هذا السلاح وتنتهي اسطورة حزب الله إلى الأبد . . . أن فتح الجبهة الشمالية على العدو الصهيوني يعتبر بمثابة الفشل الذريع لخريطة الشرق الأوسط التي يخطط نتنياهو لتنفيذها . وسوف تتحول إلى خريطة جديدة لفلسطين العربية . بيد أن ذلك لا يعني ، أن يصل الموقف إلى حد حرب إقليمية . حتى ولو حدثت هذه الحرب . فلماذا كل هذا الخوف ؟ ” علي وعلى أعدائي يارب”.
إن النصر في النهاية سيكون حليفا لشعوب المنطقة التي تتعطش لخوض هذه الحرب بعد سنين طويلة من الانتظار . كلنا نذكر ، كيف استطاعت أفغانستان أن تنتصر على الغرب بأسلحة متوسطة وخفيفة . ادت في النهاية إلى انسحاب أمريكا من أفغانستان تجر ذيول الخيبة . وسوف تنسحب الآن لا محالة .
الخاتمة ، بعد الهجوم المباغت الغير المسبوق الذي نفذته المقاومة الفلسطينية على إسرائيل . واقدام الأخيرة على الثأر ، ومعاقبة الشعب الفلسطيني عبر قصف غزة وتدميرها وتهجير السكان إلى جنوب القطاع ومن ثم إلى سيناء . وعملية الاجتياح البري التي باتت على قاب قوسين أو إدنى . . .
كل هذه الدلائل تشير إلى عودة اسرائيل لاحتلال القطاع ، ونقل المستوطنين من غلاف غزة الى داخلها ، لاستكمال احتلال فلسطين بعد ان احتلت الضفة الغربية . يعني انتهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد . . .
رغم كل ما يحدث وسوف يحدث . فإن الشعب الفلسطيني ، لم يفقد الأمل . لا يزال ينتظر على أحر من الجمر ، سماحة سيد المقاومة الشيخ حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ، ليعيد قوله كلمة الحق الشهيرة
التي أدلى بها في بنت جبيل في الجنوب اللبنانيّ ، بعد انسحاب أوْ بالأحرى فرار الجيش الإسرائيليّ في أيّار من العام 2000 . إنّ إسرائيل هذه التي تملك أسلحة نووية وأقوى سلاح جو في المنطقة ، ” والله هي أوهن من بيت العنكبوت ” جملة لم تغب عن أذهان الإسرائيليين وقادتهم حتى هذه اللحظة من التاريخ الحديث . . .أن جماهير الشعب الفلسطيني في كل مكان تناشد سيد المقاومة الشيخ حسن نصر الله أن يبادر الى فتح الجبهة الشمالية . لقد
بات ” المخلص ” الوحيد لهذه الكارثة الإنسانية ، لم يبق غيره على هذه الساحة ، بعد أن استسلم الحكام العرب لاسرائيل ، ورفعوا الراية البيضاء في كل مكان .