أفتاتي: استحواذ شركة “رئيس الحكومة” على صفقة تحلية ماء البحر نتيجة “عائلات معدودة تتحكم في السوق المغربي”

0
452

قال عبد العزيز أفتاتي القيادي بحزب “العدالة والتنمية” إن السلطوية تحتضن الرأسمال الكبير الريعي تحت مسميات مضللة، من قبيل دعم الفاعل الوطني، لمواجهة منافسة الشركات الدولية، والحال أن هذا الاحتضان هو بغية تبادل المصالح.

وأضاف أفتاتي في تصريحات لموقع PJD، أن “الكارطيلات” العائلية قدمت خدمات للسلطوية، ومنها إفساد الحياة السياسية وتخريب الأحزاب والانتخابات بالأساليب المعروفة التي اعتمدت من بداية الاستقلال الى يوم الناس هذا.

وأعتبر أفتايت ، أن استحواذ شركة أخنوش على صفقة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، هو من أشكال تحكم السلطوية في الرأسمال وفبركة بعض مكوناته، بغرض تقاسم السوق وافتراسه من طرف بضع عائلات معروفة، في قطاعات مختلفة منها الأبناك والتأمينات والمحروقات والعقار والانعاش السياحي والبنيات التحتية الكبيرة والمعادن والطاقات المتجددة وتحلية المياه.

نواب المعارضة يطالبون رئيس الحكومة”أخنوش”بالاستقالة أو بيع شركاته لتجنب تضارب المصالح، بعد جدل حول فوز شركته بصفقة ضخمة لتحلية ماء البحر

وتابع ” الأمر لا يتعلق بمنافسة دولية بل باقتسام جديد لسوق التحلية، إذ يكفي الاطلاع على تجمعات الشركات المتبارية، لنكتشف أن هنالك تقاسما للأدوار، فهي نفس الشركات التي نجدها تقريبا في قطاع الطاقات المتجددة وبتوزيع للأدوار فيما بينها”.

واعتبر أفتاتي أن ما وقع في الدار البيضاء سيحدث لباقي محطات التحلية المقبلة، وعليه، مضيفا “نحن أمام تقاسم لا علاقة له بأي منافسة ولا يحزنون، وسيستمر أمر الافتراس والتقاسم إلى أن يصلوا إلى الحائط”.

وأبرز أن ما يشك في هذا الوضع فليتمعن في قرار مجلس المنافسة الأخير، والذي بيض صفحة الكمبرادور، بعد تعطيل دام لسنوات.

ولفت إلى أن من يزال يمني النفس بالمنافسة، ما عليه سوى استعادة شريط مسار شفط المحروقات لسبع سنوات كاملة غير منقوصة، والذي انتهى إلى ميكرو تغريم، لا يرقى لمحاسبة شفط أدنى فاعل في القطاع”.

في سياق متصل ، أجرى  يناير الماضي أستاذ اقتصاد مغربي متخصص في استراتيجيات التنمية والسياسات الفلاحية والجبائية في المغرب والعلاقات الأورو متوسطية  لقاء مطول مع جريدة لموند الفرنسية تحت عنوان “أول مَصْدَر للاغتِناء في المَغرب هو القٌرب من السّلطة السيّاسية والولاءٌ المٌطلَق لها”، حيث ، قال نجيب أقصبي ، لابد أن نتناول موضوع توزيع الثروات، لأن نموذجنا ينتج الإقصاء والتهميش واللامساواة الاجتماعية ونحن نعلم منذ الاستطلاع الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط عام 2021 أن مراكمة الثروات بلغت مبلغا لا يطاق حيث أن فئة العشرين في مائة “الميسورة” من السكان تستحوذ على 53.3 في المائة من المداخيل المالية، بينما العشرين في المائة “الأقل يسرا” تكتفي بنسبة 5.6 في المائة والواقع أنه في البلدان الناشئة توجد طبقة متوسطة كبيرة الحجم أما في المغرب فكل الدراسات تشير إلى أنها تتقلص وهذا عائق كبير أمام التنمية .

واضاف ، إن الزائر الأجنبي للمغرب قد ينبهر بنوعية بعض الإنجازات في البنية التحتية ولكنها تظل إنجازات للواجهة مثل المساحيق وهذه الاستثمارات محكوم عليها أن تظل بدون مردودية حقيقية لأنها بعيدة كل البعد عن حاجيات السكان الحقيقية وعن مستوى معيشة الناس.

وتابع، إن خط القطار الفائق السرعة الذي تم تدشينه عام 2018 هو الدليل الساطع بل الكاريكاتوري على هذه المفارقة لأن هذا الخط الجديد لا يشتغل إلا بدعم مالي من طرف الدولة لأنه من أجل استقطاب المسافرين يجب أن يكون السعر منخفضا في حدود 20 أورو (نحو 200 درهم) للتذكرة، بينما عتبة المردودية المالية أربع أو خمسة أضعاف هذا الرقم والنتيجة هي أن دافعي الضرائب يدفعون الفرق الذي لا يستطيع المسافر أن يؤديه.

بالإضافة إلى ذلك لقد جاء قرار تأسيس هذا الخط الفائق السرعة بينما تظل عدة مناطق في الجنوب والشرق المغربي لا يصلها حتى القطار العادي أصلا، وعلى مقربة من الخط الفائق السرعة توجد قرى في جبال الريف المغربي تعيش العزلة والتهميش ولا تربطها بالطرق الكبيرة إلا مسالك وعرة صعبة العبور وخصوصا في فصل الشتاء. بكل صراحة فإن مستوى التنمية في المغرب لا يسمح بإنفاق المال على هذا النوع من المشاريع التي يحميها منطق التفاخر والبهرجة.

مشيراً إلى نفس الملاحظة تنطبق على شبكة الطرق السيارة التي أصبحت تربط 70 في المائة من المدن الكبيرة ولكن نصف الشبكة لها مردودية مالية سلبية، وحتى المطارات فإنها وبغض النظر عن استثناءات قليلة فإن نسبة اشتغالها لا تفوق نصف قدرتها الاستيعابية.

لقد كشفت تداعيات وباء كورونا والعواقب الدولية للحرب الروسية الأكرانية عن حجم هذه الاختلالات، كيف تنظرون إلى ذلك ؟

إن أزمة كورونا أبرزت مدى الهشاشة لدى عدد كبير من المواطنين، وضعف سوق الشغل بما أن 80 في المائة من السكان يشتغلون في الاقتصاد غير المهيكل أو لهم مهن غير مستقرة، كما أظهرت أن التوجهات التي اتبعها المغرب بناء على إملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في سنوات 1980 و1990 والمنسجمة مع التوجه النيوليبرالي قد أغفلت الاستجابة إلى حاجيات الخدمات العمومية الأساسية، وأنه من الضروري مراجعتها ابتداء من المنظومة الصحية الوطنية التي لا توفر إلا 7.3 طبيب لكل 10000 نسمة بينما منظمة الصحة العالمية توصي بـ 23 طبيبا لكل 10000 نسمة من السكان.

وأخيرا فإن هناك نوعا من الإجماع حول عدم صوابية الاعتماد المفرط على السوق الدولية وخاصة فيما يتعلق بالمواد الغذائية في وقت تتصاعد فيه النداءات لتوفير الاكتفاء الذاتي الغذائي الذي يجسد السيادة الوطنية، والواقع هو أنه مهما كانت القرارات فلا تمر إلا بضعة أشهر قبل أن تعود الميزات الأساسية للاستراتيجية الوطنية للتنمية لتعود إلى مجراها السابق.

ماهي هذه الميزات؟ أتحدث هنا عن الاختيارات الكبرى التي تعود إلى سنوات 1960 خلال حكم الملك الراحل الحسن الثاني والتي استمرت بعد وفاته عام 1999 بعد أن عبر الملك الحالي محمد السادس عن تشبثه بخيار الليبرالية الاقتصادية وبنظام الملكية التنفيذية ذات السلطات المطلقة كما يحددها الدستور وهذه الخيارات تعتمد على محورين اثنين هما: اقتصاد السوق والاندماج الكامل في الاقتصاد العالمي والاعتماد على الصادرات لتكون هي قاطرة الاقتصاد والنمو.

جميع السياسات المتبعة إلى يومنا هذا كانت في خدمة هذه الخيارات ومنها خوصصة بعض الشركات العمومية الكبرى، وعادة ما تقتنيها عائلات الأوليغارشية المالية والسياسية الموالية للسلطة الحاكمة، والشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وتحرير السوق بشكل مطلق، وتحرير الأسعار، والإكثار من اتفاقيات التبادل الحر التي تدافع عنها اللوبيات النافذة والتي تكون لها عواقب سيئة للغاية.

وعلى النقيض من النتائج المتوقعة فإن حجم الاستيراد استمر في الارتفاع بينما حجم الصادرات لا يزداد إلا بنسبة هزيلة لدرجة أن المغرب يصدّر اليوم (من حيث القيمة المالية) نصف ما يستورد، وهكذا فإن التجارة الخارجية جرت البلاد إلى دوامة أليمة من العجز التجاري والاقتراض والتبعية للخارج.

في سنوات 1990 كانت التقارير تدق ناقوس الخطر وتحذر من حجم الكوارث القادمة، ومن بروز مغربين اثنين: واحد حضري له نصيب لا بأس به من التنمية والآخر قروي يعيش الهشاشة والتخلف ، ومن أجل التخفيف من هذه الظاهرة أطلق الملك عام 2005 مشروع “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” ولكن هذه الاستراتيجية بدورها أخفقت في إنقاذ الملايين من المواطنين من براثن الفقر والحاجة.