مبادرة الأطلسي تعطي دفعة قوية للعلاقات بين مالي والمغرب بعد حالة الإرباك التي تعصف بالدبلوماسية الجزائرية وفشل مساعيها في تعزيز نفوذها في منطقة الساحل

0
484

فتحت الأزمة بين مالي والجزائر التي تفجّرت إثر تجاوز الأخيرة حدود الأعراف الدبلومسية بعقدها اجتماعات مع الانفصاليين الطوارق، الطريق واسعا أمام الدبلوماسية المغربية لتسوية الملف المالي بعد أن راكمت الرباط خبرات في إنهاء العديد من الأزمات والصراعات، فيما تشكّل باماكو أحد البلدان التي انخرطت في المبادرة التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس لتعزيز ربط بلدان الساحل بالأطلسي.

ويقيم تصدّع العلاقات بين الجزائر ومالي الدليل على حالة الإرباك التي تعصف بالدبلوماسية الجزائرية وفشل مساعيها في تعزيز نفوذها في منطقة الساحل، فيما يقترب اتفاق السلام الهش الذي رعته بين الجيش المالي ومتمردي الطوارق من الانهيار، بعد أن بقيت العديد من بنوده حبرا على ورق ومن بينها إرساء لامركزية في إدارة البلاد ودمج المتمردين السابقين في الجيش.

ونقل موقع “هيسبريس” عن عباس الوردي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط قوله إن “الأزمة الدبلوماسية بين مالي والجزائر تكشف بالملموس أن الأخيرة ما زالت تمثل سياسة الرجل المريض في العلاقات الدولية لكونها لم تستطع أن تساهم بشكل إيجابي في ملف الطوارق المتصارعين مع الجيش المالي”، مضيفا أن “الجزائر كلما رأت أن هناك تقدما تحرزه الدبلوماسية المغربية لأجل الحوار الهادف والبناء تنسف هي من جهة أخرى جهودها في ملفات كثيرة”.

وأثار لقاء عدد من المسؤولين الجزائريين ويتصدّرهم الرئيس عبدالمجيد تبون مجموعة من قيادات الانفصاليين الطوارق غضب السلطات العسكرية في مالي واستدعت باماكو الأربعاء سفير الجزائر احتجاجا على ما وصفته بـ”الأفعال غير الودّية” من جانب بلاده وتدخّلها في الشؤون الداخلية لمالي.

وسعى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى تطويق الأزمة الدبلوماسية، إذ عقد لقاء مع السفير المالي ماهامان أمادو مايغا، مؤكدا على “تمسك الجزائر الراسخ بسيادة جمهورية مالي ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها”، مشددا على أن “الاجتماعات الأخيرة التي تمت مع قادة الحركات الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر تأتي في إطار الجهود لإضفاء حركة جديدة لتسوية هذ الملف”.

بدوره اعتبر المحلل المغربي عبدالواحد أولاد مولود أن ملف الطوارق وصل إلى طريق مسدود، لافتا إلى أن التطورات الأخيرة باتت تستدعي تدخل لاعبين رئيسيين جدد، لافتا إلى أن “المغرب لديه تجربة تتيح له تقريب وجهات النظر والتوصل إلى حل لإنهاء النزاع في مالي”.

ولعب المغرب دوار محوريا في وضع الأزمة الليبية على سكة التسوية السياسية بعد أن رعى مباحثات بين الفرقاء الليبيين في إطار لجنة 6+6 المشتركة بين مجلسي النواب والدولة الليبيين التي عقدت اجتماعاتها في مدينة بوزنيقة المغربية وتوّجت بقوانين لإجراء الانتخابات في ليبيا.

وتؤشر مبادرة الأطلسي على إعطاء دفعة قوية للعلاقات بين المغرب ومالي على جميع المستويات، وسط توقعات بدور مغربي وازن في تسوية الأزمة المالية، خاصة وأن باماكو تمثل أحد حلقات تفعيل خطة تسهيل ولوج دول الساحل إلى الأطلسي والتي تعكس التزام المغرب بعمقه الإفريقي.

وكان وزارء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد قد اتفقوا في أعقاب اجتماعهم في مراكش نهاية الأسبوع الماضي على “إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة لإعداد واقتراح سبل تفعيل المبادرة الدولية التي أعلنها العاهل المغربي الملك محمد السادس بهدف استفادة بلدان الساحل من المحيط الأطلسي”.

وتمتد جغرافية منطقة الساحل الأفريقي شمالاً عند حدود الصحراء الكبرى، وتمتد جنوباً حتى بدايات منطقة السافانا الخضراء. ويشمل الساحل عشر دول، لكن الإشارة إلى منطقة الساحل عادة ما تُركز على ست دول أساسية هي السنغال، مالي النيجر، تشاد، بوركينا فاسو وموريتانيا.

ومن بين هذه الدول الستة، جميعها دول حبيسة باستثناء السنغال وموريتانيا. فعلى سبيل المثال، تبعد دولة تشاد عن ساحل المحيط الأطلسي بمسافة تزيد عن ثلاثة آلاف كيلومتر، وتفصل النيجر عن الساحل مسافة تتجاوز الألفي كيلومتر. وبهذا، لا تقع أي من هذه الدول بشكل كامل ضمن منطقة الساحل، حيث تمتد أوسع أجزائها في كل من النيجر ومالي. ومن هنا تبرز معنى أن تضم المبادرة المغربية هذه الدول الأربعة فقط في منطقة الساحل.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، دعا الملك محمد السادس، إلى تمكين مجموعة دول الساحل الإفريقي من الوصول إلى المحيط الأطلسي، للاستفادة منه، معتبرا أن “نجاح هذه المبادرة، يبقى رهينا بتأهيل البنيات التحية لدول الساحل، والعمل على ربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي”. وقال الملك في كلمة ألقاها نيابة عنه مستشاره عمر قباج، الرئيس الفخري للبنك الأفريقي للتنمية، إن “أفريقيا تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى مبادرات جريئة ومبتكرة لتشجيع ريادة الأعمال الخاصة وإطلاق العنان لإمكاناتها الكاملة لقارتنا”.

وذكر إن المغرب يمكن أن يكون نموذجا لجهود البلدان الأفريقية الأخرى للتغلب على فجوات البنية التحتية لديها، وقال “على مدى العقدين الماضيين، جعل المغرب من تطوير البنية التحتية أولوية في جميع القطاعات الاقتصادية”.

‏وفي مدينة الداخلة، التي تقع على الحدود البحرية المشتركة مع موريتانيا، أنشأ المغرب واحداً من أكبر الموانئ على ساحل المحيط الأطلسي. نظرًا لكون موريتانيا إحدى دول الساحل، فقد عمد المغرب إلى توفير هذا الميناء، الذي يشكل جزءًا أساسيًا من البنية التحتية المغربية، كنقطة وصول لدول الساحل والصحراء. وهذا الإجراء يهدف إلى تخفيف العزلة الجغرافية التي تعاني منها دول الساحل التي لا تطلّ على البحر، مانحًا إياها منفذًا على المحيط الأطلسي يوفر اتصالًا مباشرًا بالأميركتين وغيرها من الاقتصادات العالمية الرئيسية.