أنهى البرلمان المغربي اليوم الأربعاء قانون شراء أيام السجن ضمن العقوبات البديلة بعد أن أثار جدلا واسعا في الأوساط المحلية، وسط تأكيد وزارة العدل على أن هذا الإجراء سيتم تطبيقه باعتماد سلم أداء سيراعي المستوى المادي ودخل المدانين بالعقوبة السجنية.
على مر الأشهر ، ختمت لجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين في الساعات المتأخرة من مساء أمس الثلاثاء المناقشة التفصيلية لمشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة.
وتضمن مشروع القانون عقوبة “الغرامة اليومية”، وذلك بعد تعديل من فرق الأغلبية، رغم اعتبار فرق المعارضة خلال البت في التعديلات المقدمة في اجتماع دام لساعات أن “الغرامة اليومية تشرعن لشراء الميسورين أيام السجن”، لكن وزير العدل قال إنه تم تطويق العقوبات البديلة بشروط.
فيما قال مصدر مطلع أن عدد من البرلمانيين عبروا عن مخاوفهم من الصعوبات التي قد تعتري تنفيذ هذا المشروع، خاصة أنه لم يحدد كيفية ذلك.
أكتوبر الماضي ، أكد وهبي أثناء تقديمه للمشروع أن إدراج مقتضى الغرامة اليومية كبند ضمن العقوبات البديلة ليس قضية معارضة أو أغلبية وليس وراءه أي خلفيات سياسية، وحرصت وزارة العدل على توفير بدائل أخرى مناسبة للعقوبات السجنية، خاصة في حالة التنازل من طرف الضحية لصالح الشخص المدان.
وحدد مقترح التعديل مبلغ الغرامة اليومية بما بين 100 و2000 درهم (10 – 200 دولار) عن كل يوم من العقوبة السجنية المحكوم بها تقدرها المحكمة مع مراعاة الإمكانيات المادية للمحكوم عليه وتحملاته المالية وخطورة الجريمة المرتكبة والضرر المترتب عليها، كما يمكن الحكم بعقوبة الغرامة اليومية على القاصرين في حالة موافقة أوليائهم أو من يمثلهم.
ونص المشروع على عقوبات بديلة محددة تتمثل في العمل لأجل المنفعة العامة والمراقبة الإلكترونية وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية وكذا الغرامة اليومية.
وقال مصدر برلماني، تحدث للكم إن المشروع تضمن مقتضيات غير منطقية وغير قابلة للتطبيق، متسائلا عما اذا كان العمل لأجل المنفعة العامة عقوبة.
وأضاف “هل هناك جمعية أو جماعة ستقبل بتشغيل مجرم”؟
من جهته، اعتبر وزير العدل، عبد اللطيف وهبي أن المشروع يأتي في إطار وفاء المغرب بالتزاماته الدولية، وتخفيف اكتظاظا السجون.
لكن من شروط الحكم بالغرامة المالية أنه لا يمكن الحكم بها إلا بعد الإدلاء بما يفيد وجود صلح أو تنازل صادر عن الضحية أو ذويه أو قيام المحكوم عليه بتعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة.
ولفت نواب من المعارضة في اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان إلى أن الإبقاء على “شراء أيام السجن” ضمن الصيغة الجديدة لمشروع القانون المذكور من شأنه أن يخلق نوعا من التفاوت في صفوف المتابعين على خلفية التهم التي يشملها هذا المقتضى، وهو ما سيدفع إلى “شرعنة شراء أيام السجن بالنسبة إلى الميسورين”.
وصوت بالموافقة 18 نائبا برلمانيا، بينما امتنع عن التصويت 8 نواب ينتمون إلى المعارضة الاتحادية والفريق الحركي وفريق التقدم والاشتراكية والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية، دون تسجيل أي معارضة.
وأكد النائب عن حزب الحركة الشعبية محمد أوزين أن الغرامة اليومية تعني أن “ميسور الحال يؤدي الغرامة”، داعيا إلى استناد التشريع على معطيات علمية. وأكد وزير العدل أن الحديث عن العقوبات البديلة لا يعني بالضرورة تقسيم المعنيين بها إلى أغنياء وفقراء، والغاية من الإجراء هي مراعاة الظروف الإنسانية للمدان، وقبله لأسرته وأطفاله إن وجدوا.
وأشار وهبي إلى أن الاستفادة لن تزيد عن مرة واحدة، لافتا إلى أن المستفيدين من “عقوبة الغرامة اليومية” (شراء أيام السجن) سيمكثون خلال مدة محكوميتهم بمنازلهم مع وجود سوار إلكتروني بأيديهم، على أن تتولى المساعدات الاجتماعيات والمساعدون الرقابة على أوضاعهم الاجتماعية والنفسية.
وكانت الحكومة قد اعتبرت على لسان ناطقها الرسمي مصطفى بايتاس، أن هذا المشروع يأتي لمواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مجال الحريات والحقوق العامة، من خلال إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، والحد من آثارها السلبية، وفتح المجال للمستفيدين منها للتأهيل والاندماج داخل المجتمع، وذلك قصد المساهمة في الحد من مشكل الاكتظاظ داخل المؤسسات السجينة وترشيد التكاليف إلى الاعتقال الاحتياطي، الذي تطالب عددا من الجمعيات الحقوقية بترشيده.
ورفضت اللجنة البرلمانية تعديلات تقدمت بها فرق المعارضة تقضي بالحكم بالعقوبات البديلة في المخالفات والجنايات وكذلك الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها سنتين سجنا نافذا بدل خمس سنوات التي جاءت في الصيغة الأصلية من الحكومة، كما رفضت اللجنة مقترحا نيابيا يقضي بأنه لا يحكم بالعقوبات البديلة في حالة العود أو أسبقية الاستفادة منها بشأن فعل آخر أو وجود سوابق قضائية تتضمن عقوبة سالبة للحرية.
وتتجلى أهم مستجدات المشروع الذي تعول عليه الحكومة لتقليص اكتظاظ السجون في إقرار عقوبات بديلة حددت في العمل لأجل المنفعة العامة والمراقبة الإلكترونية وفرض تدابير تأهيلية أو علاجية كالخضوع لعلاج نفسي أو العلاج من الإدمان على الكحول والمخدرات والمؤثرات العقلية، وأخرى تقييدية كعدم الاقتراب من الضحية والخضوع للمراقبة لدى مصالح الشرطة والدرك الملكي والخضوع لتكوين أو تدريب وغيرها، كما تمت إضافة عقوبة إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة.
وكشف وزير العدل أنه تم توسيع دائرة الاستفادة من العقوبات البديلة لتشمل الجنح الصادرة بشأنها عقوبة لا تزيد عن خمس سنوات سجنا، مع استثناء بعض الجنح الخطيرة كجرائم الفساد المالي وجرائم أمن الدولة والإرهاب والجرائم العسكرية والاتجار الدولي بالمخدرات والمؤثرات العقلية والأعضاء البشرية والاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.
ويؤكد النص التشريعي الجديد على عدم جواز الاستفادة من العقوبات البديلة في حالة العود تحقيقا للردع المطلوب، في مقابل منح إمكانية تطبيق العقوبات البديلة في حق الأحداث المخالفين للقانون وفق شروط وضوابط محددة تراعي مصلحتهم الفضلى وتحقق إدماجهم داخل المجتمع.
يذكر أن المشرع المغربي جعل من الاعتقال الاحتياطي “تدبيرا استثنائيا” يتم اللجوء إليه في حالة التلبس، وخطورة الفعل الجرمي، وانعدام ضمانات الحضور، وتوفر دلائل قوية على ارتكاب المشتبه فيه للجريمة، لكن الأرقام الرسمية تؤكد أن 45 في المائة من نزلاء السجون مصنفين ضمن فئة المتابعين في اعتقال.