قررت حكومة رجل الأعمال الملياردير ،عزيز أخنوش، سحب مشروع قانون من مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، بعد الجدل الذي استمر لسنوات حول ملف التعاقد، فإن “الأساسي اليوم هو وجود اتفاق سيصبح على إثره جميع المتعاقدين خاضعين للنظام الأساسي للوظيفة العمومية (قانون 1958)”.
في هذا السياق، صرّح مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، بأن المجلس الحكومي قرر طي نهائياً ملف “الأساتذة المتعاقدين”، مؤكدا أن “الحكومة، منذ أن باشرت الحوار مع التمثيليات النقابية، خاصة اللجنة الثلاثية التي عقدها رئيس الحكومة وعمل على متابعة أشغالها، عبّرت عن إرادتها السياسية في إنهاء موضوع التعاقد؛ من الناحية السياسية كانت هناك إرادة سياسية قوية، واليوم في هذا الاجتماع نعيش وضعا استثنائيا، يعني نهاية التعاقد”.
وقال بايتاس، في الندوة الصحافية الأسبوعية عقب انعقاد المجلس الحكومي اليوم الخميس: “تم طي هذا الملف، وفقا للحوار المؤسساتي، وسنزيل مصطلح “الأطر النظامية” بتغيير القانون رقم 07.00 بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين”، مؤكدا أن “الحكومة هكذا تكون قد أنهت المشكلة وأسّست لشراكة جديدة مع رجال ونساء التعليم لاستكمال الإصلاح الذي ننشده جميعا في إطار هذه التحولات الكبيرة التي يعرفها البلاد”.
وكان مجلس الحكومة، المنعقد عن بعد، قد تداول وصادق على مشروع المرسوم رقم 2.24.62 بسحب المرسوم بقانون رقم 2.23.781 الصادر 5 أكتوبر 2023 بتغيير القانون رقم 07.00 بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، قدمه شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.
وحسب بلاغ المجلس الحكومة المنعقد اليوم الخميس ، فإن مشروع هذا المرسوم يندرج في إطار التدابير التي تتخذها الحكومة من أجل تفعيل بنود الاتفاقين الموقعين في 10 و26 ددجنبر 2023 بين الحكومة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، ولاسيما تلك المتعلقة بإضفاء صفة الموظف العمومي على كافة العاملين بقطاع التربية الوطنية، بمن فيهم الأطر النظامية الذين تم توظيفهم منذ سنة 2016 بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
و بأن المجلس المذكور تداول وصادق على مشروع القانون رقم 03.24 يقضي بتغيير القانون رقم 07.00 بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، قدمه أيضا شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.
هذا المشروع، وفق البلاغ، يندرج في إطار التدابير التشريعية المتخذة لتنزيل مخرجات اتفاق 10 و26 دجنبر 2023 الموقعين، تحت إشراف رئيس الحكومة، مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية في إطار الحوار الاجتماعي القطاعي، ولاسيما المتعلقة منها بإضفاء صفة “موظف” على جميع موظفي القطاع؛ بمن فيهم الذين تم توظيفهم طبقا لأحكام القانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كما وقع تغييره وتتميمه.
وسيمكن هذا المشروع، وفق البلاغ، من وضع الإطار القانوني اللازم لاعتماد عبارة “الموظف” بدلا من عبارة “الموارد البشرية” في جميع مواد النظام الأساسي الخاص الجديد، الذي تم إعداده في إطار مقاربة تشاركية مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية واللجنة الثلاثية الوزارية المكلفة من لدن السيد رئيس الحكومة.
ويهدف هذا المشروع، بالأساس، إلى تغيير مقتضيات المادة 11 من القانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، كما وقع تغييره وتتميمه.
وفي الأشهر الماضية عرفت شوارع الرباط مسيرة حاشدة للأساتذة المضربين الذين قدر عددهم بالآلاف وجاءوا من مختلف جهات المغرب رافعين شعار “الموت ولا المذلة” وشعارات أخرى مناوئة للحكومة، في خطوة تصعيدية بين الحكومة والمضربين.
وتفجرت الأزمة عام 2016 عندما أقر المغرب في نهاية ولاية رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي “نظام التعاقد” لأساتذة التعليم، الذي يقضي بعدم إدماجهم مباشرة في الوظيفة العمومية، بل عن طريق توظيفهم بواسطة عقد عمل حر.
وأضيف إلى هذا النظام، ما توجهت إليه الحكومة المغربية من “إصلاح نظام التعليم” بتوجيهات من البنك الدولي، أطلقت عليه “النظام الأساسي” الذي يضع الأستاذ المغربي في قلب الخصخصة، ويمنع إدماجه في الوظيفة العمومية.
وكانت وزارة التربية الوطنية والعليم المغربية، أعلنت في بيان سابق، أن تبني الحكومة لنمط التعاقد في توظيف المُدرّسين “جاء في إطار إرساء الجهوية المتقدمة من خلال استكمال اللامركزية واللاتمركز في قطاع التربية الوطنية، وملاءمة وضعية الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بصفتها مؤسسة عمومية مع مستلزمات القانون المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى، وكذلك تقويتها باعتبارها مؤسسات عمومية تتمتّع باستقلالها الإداري والمالي وتتحكم في مواردها البشرية”.
لكن الحكومة أعلنت توقيع محضر اتفاق بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، ويتضمن المحضر إقرار “نظام أساسي موحد” يشمل كل موظفي القطاع.
وبحسب معطيات موقع رئاسة الحكومة، فإن النظام الأساسي الجديد سيُخضع جميع الموظفين لأحكامه ومقتضياته، ويخول لهم نفس الحقوق والواجبات طيلة مسارهم المهني من التوظيف إلى التقاعد، كما سيلغي الأنظمة الأساسية (12 نظاما) الخاصة بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
وخلف هذا الاتفاق الذي كان نتيجة لأزيد من 30 اجتماع (طيلة ستة أشهر) بين الحكومة والنقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية، نقاشا واسعا بين مهنيي القطاع مما يثير تساؤلات حول نجاعته في إنهاء ملف “التعاقد” الذي تم اعتماده عام 2016.
وعلى عكس التوقعات لم تهدأ الأمور لعدم اقتناع التكتلات الجديدة التي تشكلت بفعل الأزمة لتمثيل الأساتذة في المفاوضات الرسمية بديلة عن النقابات بمضمون الاتفاق.
ورفضت الجامعة الوطنية للتعليم (نقابة) توقيع محضر “الاتفاق” بعد أن توصلت به، وذلك بحجة عدم منحها المهلة الكافية لتدارسه وعرضه على الأجهزة التقريرية كما أنه “لم يستحضر الحد الأدنى المتوافق عليه بين النقابات الخمس والوزارة”.
واعتبرت الجامعة أن الاتفاق يكرس “العمل بالعقدة مهما تنوعت المسميات ضدا على الإدماج في الوظيفة العمومية”، داعية إلى التمسك بخيار “الاحتجاج ومقاومة التراجعات”.
ومن جاتهبا، رفضت “التنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد” اتفاق الحكومة والنقابات، مؤكدة مواصلتها للنضال حتى إسقاط مخطط التعاقد وإدماج الجميع في أسلاك الوظيفة العمومية.
ودعت التنسيقية في بيان لها، عموم الأساتذة المتعاقدين إلى الاستمرار في خطوة “مقاطعة تسليم النقط وأوراق الفروض للإدارة احتجاجا على ما ورد في الاتفاق.
“مجرد تلاعب بالمصطلحات”
وفي هذا الصدد، اعتبر محمد الصغير، منسق جهوي في “تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” وعضو لجنة الحوار الوطني، أن الاتفاق الذي وقعته النقابات مع الحكومة لا يمثلها، وقال في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، إن “غاية الاتفاق هو كسر شوكة نضالات التنسيقية”.
وانتقد الصغير مضامين الاتفاق بسبب “ما جاء فيه من ضبابية وعدم كشفه لأي أشياء ملموسة قد تكون حلا لملف التعاقد”، مشددا على أنه ليس هناك أي حل خارج إدماج جميع الأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد في أسلاك الوظيفة العمومية.
وبحسب المصدر ذاته، فإن “الاتفاق هو محاولة أخرى للهروب والالتفاف حول المطلب الأساسي للتنسيقية لأنه لم يتطرق لأي رقم مالي ومركز في النظام الأساسي الجديد”، مضيفا أن الحديث على أن النظام المذكور هو إدماج في الوظيفة العمومية “مجرد تلاعب بالمصطلحات لا أقل ولا أكثر”.
“الاتفاق حل لملف التعاقد”
وفي المقابل، أوضح الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، يونس فيراشين، أن نقابته وقعت على اتفاق مع الحكومة يخص المبادئ المؤطرة التي تنص بشكل صريح على أن “كل موظفي وزارة التربية الوطنية سيخضعون إلى نظام أساسي واحد وموحد”.
وأكد فيراشين حديثه لـ”أصوات مغاربية” على أن “الفكرة الأساسية والجوهرية بالنسبة لنا هو ضرورة إدماج كافة الأساتذة في نظام الوظيفة العمومية وهو ما سنحرص عليه في المرحلة الثانية أثناء صياغة ومناقشة تفاصيل تنزيل هذا النظام الجديد”.
واعتبر فيراشين أنه بعد الجدل الذي استمر لسنوات حول ملف التعاقد، فإن “الأساسي اليوم هو وجود اتفاق سيصبح على إثره جميع المتعاقدين خاضعين للنظام الأساسي للوظيفة العمومية (قانون 1958)”.
وعما إذا كان هذا الاتفاق سينهي ملف التعاقد، أجاب المتحدث أنه “إذا التزمت وزارة التربية الوطنية بما جاء في هذا الاتفاق المؤطر أكيد سنعتبر بأن هذا الملف تم حله”، منبها إلى أن أي محاولة للتنصل من الالتزامات الواضحة في مضمون الاتفاق “سيتم مواجهتها بالنضال في الساحة”.
“لا تراجع عن الاتفاق”
ومن جانبه، أكد مدير مديرية الموارد البشرية بالوزارة محمد بنزرهوني، أنه لا يمكن التراجع عن المبادئ الأساسية التي جاءت في الاتفاق مع النقابات الأكثر تمثيلية، خاصة “أنه تم التنصيص فيها بوضوح والتزام على محاور مشروع النظام الأساسي من التوظيف إلى نهاية الحياة الإدارية”.
وقال بنزرهوني في تصريحات صحفية ، الخميس، إن هذا الاتفاق قد حسم وأنهى ما يسمى أطر الأكاديميات أو ما يصطلح عليه وفق التنسيقية “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، وذلك عبر نظام موحد يخضع له جميع الموظفين في ثلاث هيئات.
من جهة أخرى، نفى بنزرهوني أن يكون هذا النظام الأساسي الجديد مناقضا لقانون الوظيفة العمومية “لأنه مبني أساسا على ظهير 1958 المتعلق بقانون الوظيفة العمومية”.
وأكد المسؤول الوزاري أن الإدماج في النظام الجديد يعني مباشرة أن الشخص ينتمي للوظيفة العمومية وسيتلقى أجره من الخزينة العامة على غرار باقي الموظفين وفق مناصب مالية وأرقام تأجير مركزية.